أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - آلهة غاضبة أم بشر غاضبون-الأديان بشرية الهوى والهوية.















المزيد.....


آلهة غاضبة أم بشر غاضبون-الأديان بشرية الهوى والهوية.


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3814 - 2012 / 8 / 9 - 13:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حظنا فى إله غاضب أم نحن غاضبون-الأديان بشرية الهوى والهوية(6).

غريب هو الإيمان فكل الأمور تمر بدون أى محطة للتوقف , فلسنا آملين التوقف أمام الخرافات ولكن فليكن هناك قليل من المنطق فى التعاطى مع النص المثقل ببشريته .. فالمؤمنون يعتقدون بتصورات عن الله تصرخ فى كل جزئية منها ببشريتها لتثبت أنها إنتاج إنسانى دماً ولحماً وعصباً فلن تجد نصا أو فكرة أو صورة أو مشهد يتم الترويج لها إلا و مشبعه من أخمص قدميها وحتى شعر رأسها بهوى ورؤية ومزاج إنساني .

هل الغضب طبيعة الإله أم هى طبيعة بشرية أسقطها إنسان غاضب على فكرة الله بكل براءته وسذاجته وبداوته ليرسم صور للإله الغاضب ... فإذا مررت على كل الصفات الإلهية ستجدها صاحبة منشأ وتوكيل إنسانى منحها الإنسان لإلهه مع مساحة عريضة من القوة والإتساع والتمدد حتى تكون جديرة بأن تُنتسب للإله, ولكنه لم يفطن فى خضم إسرافه بمنح الصفات والسمات والملامح أنه جعل إلهه غضوبا عصبى المزاج فى وضعية تتسم بالإنفعال والحدة مما سيتناقض مع صفات اخرى كالعظمة والجلال والحكمة المُفترضة ليضعه فى هيئة بشرية متهورة شديدة الإنفعال تتأثر بالحدث وتُمارس رد فعلها الغاضب .

الإيمان بالإله الغاضب ليست صفة دخيلة على فكرة الإله أو تعبير رمزى أو مجازى كما يحلو لبعض المؤمنين أن يسعفوا بها فكرة الإله المتهاوية , فحسب الفكر الإيمانى اللاهوتى يكون الغضب صفة وسمة الله المتلازمة مع كينونته منذ الأزل وإلى الأبد , ولن تبخل علينا النصوص المقدسة بمنحنا صور عديدة عن إله غاضب تنطلق ثورته كأى مارد متهور فقد أعصابه ليصب جام غضبه على البشر .. دعونا نمر سريعا على مشاهد من الإله الغاضب فى التراث ثم نتطرق بعدها لتحليل تلك الفكرة وتبيان مدى سذاجتها وعدم منطقيتها .

فى الكتاب المقدس نجد فكرة الإله على براءتها وسذاجتها فلم يطولها شئ من الحكمة والإتزان والكياسة فهو سريع الغضب والتهور ثم ما يلبث ان يراجع نفسه ليندم ويتأسف على فعله الطائش !!
- " لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ. إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ" رومية 1 : 18
- " هوذا آسم الرب آت من بعيد غضبه مضطرم ووعيده شديد وشفتاه ممتلئتان سخطا ولسانه كنار آكلة28. ونفسه كسيل طاغ يبلغ إلى العنق فيغربل الأمم بغربال الدمار ويكون لجام تضليل في فكوك الشعوب. (إشعيا)
- جاء في سفر الخروج ( الإصحاح 32 ) إن الرب غضب غضبا شديدا على بني إسرائيل عندما عبدوا العجل وقال لموسى : " فالآن اتركني ليحمى غضبي عليهم , فأصيّرك شعبا عظيما . فتضرع موسى أمام الرب الإلهه وقال له : إرجع عن حُمُو غضبك واندم على الشر بشعبك . اذكر إبراهيم وإسحاق وإسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك وقلت لهم : أُكثر نسلكم كنجوم السماء وأعطي نسلكم كل هذه الأرض التي تكلمت عنها فيملكونها إلى الأبد , فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه "!!
- "أن أهل نينوى نادوا بصوم لعل الله يندم عن حمو غضبه فلما رأى الله أعمالهم " ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم "سفر يونان 5 :3 - 10
-وفي سفر صموئيل الثاني ( الإصحاح 24 ) : أن الرب غضب على بني إسرائيل وجعل فيهم وباء فقتل سبعين ألف رجل " وبسط الملاك يده على أورشليم ليهلكها فندم الرب عن الشر وقال للملاك المهلك للشعب : كفى , الآن رويدك "
- " وتقدم داوود وقال للرب : ها أنا أخطأت وأنا أذنب وأما هؤلاء الخراف فماذا فعلوا , فلتكن يدك عليّ وعلى بيت أبي " -" وقام داوود وصنع اللحم المشوي الذي يحبه الرب جدا وحسُن في عيني الرب ما فعل داوود وتنسم نسيم الرضا عن الشعب " ( سفر صموئيل الثاني , الإصحاح 24 : 17- 24 )
- في سفر الملوك الأول ( الإصحاح 21 و 22 ) : " وقد غضب الرب على آخاب , وأرسل الروح القدس ليضله , ولكن آخاب تواضع للرب فندم الرب على إغوائه آخاب , ثم عاد آخاب وغضب الرب على إبن آخاب بدلا منه , وجعل الشر عليه بدلا من أبيه , وندم الرب على أنه فعل الشر بإبن آخاب أيضا "!!
- وفي سفر عاموس ( 7 : 1-3 ) : " نشر الله الجراد في أرض إسرائيل عقوبة لها فكلمه عاموس قائلا : أيها السيد الرب أفصح كيف يقوم يعقوب - إسرائيل - فإنه صغير , فندم الرب على هذا , وعندما غضب الرب على الملك حزقيال وقرر أن يميته , بكى حزقيال وقام وصلى , فندم الرب ورجع عن قراره وزاده خمس عشرة سنة من العمر ( سفر الملوك الثاني 20 : 6-1 )
- "لاَ يَغُرَّكُمْ أَحَدٌ بِكَلاَمٍ بَاطِل، لأَنَّهُ بِسَبَبِ هذِهِ الأُمُورِ يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ"-رسالة بولس الى اهل افسس

واضح أن الإله فى الكتاب المقدس شديد الغضب والتهور ولكنه طيب فهو ما يلبث أن يراجع نفسه ليندم على فعله ويتراجع سواء من ذاته أو بطلب من أنبياءه, أما الإله الإسلامى فلا يختلف كثيرا عن الإله يهوه فهو يغضب وغضبه شديد مصحوباً بلعنة ولكنه لا يتراجع عن غضبه بسهولة إلا عمن تاب وأناب ليحل الرضا مكان الغضب !!
- فى سورة الفاتحة: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ .)
- (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ )
- (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
- (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ )
- (الظَّانِّينَ بِالله ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) (سورة الفتح: 6)
- (وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (سورة النحل: 106).
- (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) سورة النساء (93)

* يتماهى المؤمنون فى فكرة الإله الغاضب فلا يكتفون بأنه يغضب كالإنسان المنفعل الشديد التوتر بل يزيدون الطين بله بإعتبار غضبه ملازماً له من الأزل إلى الأبد ولا حدود لهذا الغضب فلو كان له حد يحده فى الزمان والمكان لما كان إلهاً , فليس غضبه ورضاه كما يغضب المخلوق و يرضى , فغضب المخلوق ورضاه حسب الفكر الدينى مخلوقان لأن الصفة تتبع الذات والذات حادثة لذا فصفات الإنسان حادثة , أما الله فليس من المفروض أن يكون كذلك فغضبه صفة أزلية و كذلك رضاه هما صفتان أبديتان ويؤكد هذا الفكر ما ورد في حديث الشفاعة عن أدم :"ان الله غضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله"وهذا معناه أن الغضب هو صفة ذاتية سرمدية لله لأن العباد لما كانوا محلاً لتغير الأحوال كان غضبهم ورضاهم حادثين أي موجودين بعد عدم.

* بالطبع الإشكاليات العقلية والمنطقية ستطل علينا لتطرق رؤوسنا بقوة فأنت بداية تتعامل مع الغضب كسلوك منفعل حاد غير متزن يأتى نتيجة لحدث أو موقف يبنى عليه الله رد فعله الغاضب , بينما من المُفترض فى فكرة الله إمتلاكها لقدرة لا نهائية من القوة والعظمة والجلال والإكتفاء والثبات الإنفعالى والإتزان , فكيف يمكن تقبل أن الإله بكل صولجانه وعظمته وكماله وجلاله يتأثر بحدث ليمارس سلوكا إنفعالياً حاداً تثار فيه مشاعره ليرافقها حالة من الهياج و الغضب , فإذا كان الملوك والدبلوماسيون والحكماء لا يُمارسون الغضب فى معالجة كافة الامور الصعبة بل يعالجونها بروية وهدوء وثبات انفعالى رائع , فما معنى ان يكون إله بكل القدرات اللانهائية تنتابه حالة الغضب والتوتر إزاء حدث مهما بلغ حجمه , أليس هو إله ذو جلال وعظمة فلا يجب أن تتوتر أعصابه من أى حدث تافه كعصيان إنسان أو جنوحه .. يمكن تعزية فكرة الإله الغاضب بأن الإنسان القديم كان من السذاجة والبراءة الفكرية فلم يفطن لذلك فهو يغضب فجعل الإله غاضباً ,علاوة أنه كان يعتقد على ما يبدو أن الغضب هى من سمات القوة.

* الغضب الإلهى المتصور يأتى دائما من معصية لتنطلق ثورة الله ويصب جام غضبه على العصاة ولنسأل هنا سؤالين أولهما عن سر توقف غضب الله على العصاة والمخالفين فى عصرنا الحالى بينما فى التاريخ القديم كان غضبه حاضراً وعنيفاً كقصة الضربات العشر مثلا ... والسؤال الثانى ما معنى الغضب على القتلى والعصاة طالما هناك حساب فى يوم القيامة فرضاً , فالقاضى الإنسان سيحكم على القاتل بعد ان يتفحص اوراق القضية دون أن ينتابه الغضب والثورة على هذا القاتل .!!

* بالرغم من أن مشهد الإله الغاضب الذى يطل علينا من النصوص الدينية لا يعطى إضافة وعظمة لهذا الإله المنفعل ليغرق فى بشرية الفكرة إلا أننا نجد فى مواضع مختلفة من التراث الدينى ما يخالف هذا الإله الغاضب بل هناك إدانة لفعل الغضب وإعطاء مساحة للإله الرحيم المتسامح ففى متى : "قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تقتل، ومَنْ قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم إن كل مَن يغضب على أخيه باطلًا، يكون مستوجب الحكم" ( متى 22،21:5)... لتندهش من هذه الآية فغضب الإنسان على الإنسان يعتبر باطلاً ومستوجب الدينونة بينما غضب الإله الأهوج فى كل تاريخه القديم ليس باطلا !! .. وكذلك نجد "لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله" (يعقوب 20:1) فهل كانت احداث الغضب الإلهى الهائجة من البر .؟!
"الرجل الغضوب يهيج الخصام، والرجل السخوط كثير المعاصي" (سفر أمثال 22:29)."لا تسرع بروحك إلى الغضب. لأن الغضب يستقر في حضن الجهال" (الجامعة 9:7).الحكماء يصرفون الغضب (سفر الأمثال 8:29) لنسأل عن موقف الله من الإعراب عندما يكون غضوباً , فأين هو من الحكماء الذين يصرفون الغضب وعن هذا الغضب الذى يستقر فى حضن الجهال .!!

كما نجد مشاهد فى التراث الإسلامى تخفف من وطأة الله الغاضب- " وَرَحْمَتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيء" [الأعراف: 157 "رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ " [غافر: 8

يمكن فهم فكرة الله الغاضب والرحيم من منظور تطويع فكرة الإله ليظهر بالوجه الغاضب الذى نريده ولنمنحه الوجه الرحيم فى مشاهد اخرى نريدها أيضا .. فنلاحظ أن فكرة الله الغاضب تم تسويقها للمخالفين ليكون الله الغاضب الثائر المنتقم حاضراً كأداة إرهاب للآخرين ودعم نفسى للمؤمنين .. فهاهم الكفرة وابناء الشعوب الغير مؤمنه وأصحاب الديانات الأخرى هم المغضوب عليهم من الله وسنجد هذا المشهد حاضرا فى كثير من النصوص والقصص "إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ"- "من شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ " --لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ" .. ولعل آية " وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" - تؤكد أيضا أن الغضب الإلهى حاضر على من يقتل مؤمناً بينما قتل غير المؤمن فلن يكون مطلوب حضور هذا الغضب .!!
يمكن أن يطال الغضب المؤمنين أيضا كما يظهر فى التراث العبرانى وفى المفهوم الإيمانى الدارج لدى عامة المؤمنين بأن غضب الله عليهم لكونهم يمارسون المعصية والذنوب وبعيدون عن نهجه وشريعته وبالطبع يمكن فهم الوظيفة الأساسية لحضور فكرة الله الغاضب فى أن يكون الفذاعة والرعب الملازم للإنسان للإنسياق والإنسحاق أمام منظومته الدينية فهناك غضب وإنتقام إلهى لا سبيل للنجاة منه .

* إشكاليات منطقية أخرى
- هناك إشكاليات كثيرة فى فكرة الإله الغاضب لا تقف عند فجاجة مشهد سقوط عظمة وكبرياء وكمال فكرة الإله لتجعله كإنسان اهوج يمارس غضبه على أتفه الأمور ,, فسيطل علينا فرضية ان الله هو خالق الحدث والمُدرك له قبل ان يكون !.. بمعنى ان أى حدث يثير غضب الإله هو سببه ومُسببه ومُدرك له قبل حدوثه ومُدون لديه فى أجندته وبحكم انه مُقدر الأقدار فقد ساهم فى نشوء الحدث ذاته الذى أثار غضبه ونقمته !!! .. فهل هو لم يدرك هذا ليأتى الحدث فيتفاجئ به ليثير حميته الغاضبة أم هو يدرك الحدث ويعلم انه عندما سيحل سيُمارس غضبه !! .. فهل الإله هنا ممثل يجهز إنفعالاته وفقاً للمشهد المعد حسب السيناريو !!! .. أم يمكن إعتبار ان الحدث قد أثار غضبه قبل وقوعه ليغضب فى حينها من حدث سيكون !!! .. ولكن مامعنى ان يكرر مشاعر الغضب على الحدث بعد ما أصبح .!!!

- الغريب أن الغضب الإلهى ليس له معنى , فالغضب الإلهى هو نتاج كفر وفسق ومعاصى البشر لنسأل سؤال بديهى وهل الله لم يكن يعلم أن بعض البشر سيكفرون به وسيرتكبون الفواحش والمعاصى فكيف يغضب وهو يعلم هذه الحالة وابعادها كالمدرس الذى يدرك ان هناك مجموعة من التلاميذ لن تحقق النجاح لبؤس حالتهم التعليمية والإستيعابية والإجتماعية , والطبيب الذى يعلم سوء حالة المريض , فهل من المنطق أن يغضب المعلم أو الطبيب عما هو معلوم .. هل الإله المُدرك للحتمية فى حاجة للغضب .

- نقطة أخرى شديدة الغرابة والعبثية فصفة الغضب فى الله تلازمه فى كينونته منذ الأزل وإلى الأبد فهكذا يؤمنون لأن نشوء الغضب ينزع عن الله ألوهيته فيكون نتاج الحدث خاضعا للزمان كالبشر , لذا سنسأل هنا عن معنى الغضب الكائن فى الله فى حالة تواجده منفرداً قبل الوجود فهل سيكون الغضب حاضراً فاعلاً قبل الوجود الإنسانى كطرف غير موجود ليمارس الله عليه غضبه .. وهل سيكون الغضب متواجدا أيضا بعد يوم القيامة واستقرار الأمور ..علينا ان نسأل عن تواجد صفة الغضب فى كيان يعيش بمفرده متفرداً بدون أى مؤثرات أو أحداث أو مشاهد فكيف يحدث الغضب .!! .. أم ان الله يمارس غضبه منذ الأزل وإلى الأبد بلا هدف ولا معنى فهكذا هو غاضب !!!.. لاحظ انك لو قلت أن الغضب الإلهى هو حادث بالوجود البشرى فيكون هنا جعلته محدوداً وممارساًً لرد فعل مبنى على السلوك البشرى وبذا أغرقت فكرة الله فى بشريتها .!!

- تأتى مقولة المغضوب عليهم والتى تعنى اليهود فى الفكر الإسلامى , لنسأل هل هم كانوا مغضوباً عليهم قبل الإسلام أم ان الغضب جاء بعدها .. بالطبع سيقولون أن غضب الله عليهم جاء لاحقاً ومما يؤكد ذلك أن اليهود كانوا ذو حظوة خاصة لدى الله بل فضلهم على العالمين .. فهنا لنا ان نتوقف عند الغضب ونربطه بالمعرفة الإلهية فهل الغضب الناشئ ب " المغضوب عليهم "بعد أن حباهم وأنعم عليهم وفضلهم على العالمين لم يكن فى إدراك الله إنه سيغضب بعدها عليهم !!! ..اى أن الأحداث التى أدت لغضبه ونفوره منهم لم تكن فى الذاكرة والمعرفة الإلهية فهو فوجئ بموقفهم فغضب عليهم وهذا يعنى أنه عندما حباهم لم يدرك أنه سينقلب عليهم مما يقوض فكرة المعرفة والعلم الإلهى المطلق الذى يدرك ماكان وماسيكون بكل تفاصيله قبل وجوده , ولكن الأمور لن تخرج عن فكر إنسانى محض أنتج النص الرامى لنزع الأفضلية عن بنى إسرائيل ووصمهم بالمغضوب عليهم كموقف سياسى ولتنتقل الأفضلية لبنى العربان كخير أمة أخرجت للناس ,, فهذا الإنقلاب هو رؤية بشرية وظفت فكرة غضب الإله لتوجهه فى المنحى الذى تريده .

- تأتى إشكالية اخرى وهى صفة الرضى التى أُريد لها أن تتواجد لتلطيف الأجواء أو ليجد المؤمنون الطيبون شئ يتكأوا عليه فالرضى صفة متواجدة فى فكرة الإله منذ الأزل إلى الأبد كصفة الغضب وعندما تضع صفتين متناقضتين بلا حدود أمام بعضهما فلن تجنى سوى العبث , فوفقا لمفهوم القدرات المطلقة الغير محدودة فلن يمتلك الله أى قدرة على الرضى طالما صفة الغضب حاضرة ومؤثرة وفاعلة والعكس صحيح فيستحيل أن يكون غاضباً فى حالة حضور صفة الرضى فأى تواجد لهذه الصفة أو تلك لن يقلل من الصفة الأخرى بل ستمحيها تماماً , قد يقول قائل معترضا كيف هذا وأنا يمكنى ان أغضب حيناً وأرضى حيناً أخرى فصفتى الغضب والرضى تتفاعلا وتتواجدا في داخلى لتصعد إحداهما وتفتر الثانية .. هذا السائل يفكر بطبيعته وفكره وصفاته الإنسانية ولا غبار على كلامه فهو يعبر عن الإنسان وطبيعته البشرية ولكنه غفل كما غفل أجداده أن صفاته الانسانية تلك تم منحها لفكرة الإله المطلقة .. فالصفات البشرية ذات حدود وقدرات محددة ليتم إسقاطها على كيان مُفترض يقال عنه غير محدود فمن هنا جاءت الأزمة والإشكالية فالله فرضاً لا يحظى على صفتى الغضب والرضا بإمكانيات محددة يحدها الزمان والمكان والقدرة بل بإمكانيات مطلقة غير محدودة وفاعلة دوماً فأى موقف ينتابه ستكون فيه الصفتين حاضرتين فلا تظهر صفة غير محدودة وتختبأ صفة غير محدودة .

نأتى لنقطة شديدة الأهمية وهى أن الصفة هى نتاج فعل وتفاعل وحراك وليست شئ ذو كيان مادى وجودى بل هو تقييم معنوى للمشاهد فكيف نقول بأن هناك صفة ملازمة لوجود منذ بدايته وكيف يحق التعبير عن صفة بدون تجارب وممارسات وإحتكاكات .. ماالذى يجعل الله يعتبر أن ما يعتريه هو شعور غاضب أو راضى فإذا كانت كل الامور مخلوقة وذاتية وليس لها تأثير بحكم انه الخالق فكيف يفرق بين اشياء كلها حيادية بالنسبة له .. كيف يفرق بين الأشياء اذا كانت كلها بالنسبة إليه ذات لون واحد .. كيف يصبح حدث يثير للغضب او الرضى طالما ليس هناك تأثيرات حسية وتاريخ سابق من التقييمات للغضب أوالرضى .
بالطبع ليس منطقيا لفكرة الله أن تكون غاضبة أو راضية وهو يتواجد وحيدا مع العدم إلا إذا إرتضوا له ذلك تحت فرضية الأزلية فكيف يغضب الله ولا يوجد شئ , ولكنهم من عبادتهم للفكرة بدون ان يتلمسوا أبعادها قد يرتضون بذلك ليصيبوها بالعبثية !!!

نعنى من ذلك أن صفة الغضب ذات بعد إنسانى ممزوجة بدم ولحم بشرى فتكون هى تقييم لسلوك الإنسان أزاء حدث ليبنى عليها سلوكاً معيناً يتم تقييمه وفق رؤية الآخرين له .. لذا الصفة تكون بشرية لحماً ودماً وعصباً لتتقيد بالفعل والسلوك المرتبط بالزمان والمكان فكيف نسقط ماهو بشرى على فكرة غير مادية تنطلق فى اللانهاية .

يمكن تفسير لماذا ابدع الإنسان فكرة الآله الغاضب فكما ذكرت قد تكون من منظور ملامح القوة فى الذهنية البدئية صفة الغضب والحدة المستقاة من ملوك وجبابرة هذا العصر علاوة على إستخدام غضب الله كفزاعة للبشر فهناك غضب وثورة وانتقام إلهى فى الأرض ما لم تنسحق أمام المنظومة الدينية الحاكمة وإن لم يتحقق وتم تأجيل هذا الغضب فسيكون فى السماء حيث الغضب والإنتقام الهائل ,, ولا مانع من توظيف فكرة الإله الغاضب على أعدائنا فهم المغضوب عليهم لتعطى لنا ميزة تفاضلية واحساس بالتمايز علاوة على تجييش المشاعر والعداء ضد كل أشكال المغضوب عليهم .

لم نخلق فكرة الله لتكون بدون غاية نفعية فجعلناه غاضبا على اعدائنا والخارج عن منظومتنا وهويتنا الإيمانية وكل من يحاول التفكير او الخروج عن المنظومة الدينية ليلحقه الغضب الإلهى منتقما منه ولتتحقق فى الطريق غايات ومصالح .

عندما يكون فكرة الإله الغاضب حاضرة فى تلافيف الدماغ فسنمارس نحن غضبنا فى الله وستتولد ثقافة الغضب وتمارس فعلها فهناك المغضوب عليهم وفقا للإله الإسلامى وهناك أبناء المعصية وفقا ليهوه الإله ولنغرق فى الكراهية والإنتقام ليصبح الغضب والثأر جين قوى عند أصحاب الخرافات .

دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن والجن وأحفاد القردة والخنازير- لماذا نحن متخلفون
- غريب هو إيمانهم !- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون.
- الخير والشر ومعضلة الإله-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ...
- النهى عن المنكر ومنهجية الوصاية - لماذا نحن متخلفون(6).
- فَكَرِهْنَا ذَلِكْ -الأديان بشرية الهوى والهوية (5)
- قليل من العقل والمنطق لن يضر-خربشة عقل على جدران الخرافة وال ...
- الأخلاق والسلوكيات فى الأديان بين الإزدواجية والإنتقائية-الد ...
- مصر إلى أين-سيناريوهات مؤلمة قادمة
- نهج الدم والبحث عن لذة الهمجية والبربرية - الدين عندما ينتهك ...
- آيات من سفر الوجود - تأملات وخواطر فى الإنسان والوجود والإله ...
- فى رحاب الشريعة - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (36)
- الله محبة !- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (24)
- أوراق الشجر والله - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم.( 17)
- إشباع نرجسية وغرور من لذة التماهى فى مفهوم مغالط للوجود - لم ...
- عسكرة الإيمان أم إيمان العسكرة - لماذا نحن متخلفون ( 5 )
- نحو تطوير الفكرة الإلهية ! - خربشة عقل على جدران الخرافة وال ...
- ليس هوساً جنسياً بل الشذوذ بعينه - الدين عندما ينتهك إنسانيت ...
- إشكالية النص والواقع -الأديان بشرية الهوى والهوية (4)
- خمسة قرود - لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (22)
- الإسلام السياسى يعيد إنتاج النظام ومن كنف نفس الطبقة .


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - آلهة غاضبة أم بشر غاضبون-الأديان بشرية الهوى والهوية.