أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبدالوهاب حميد رشيد - صندوق النقد الدولي ومستقبل العراق















المزيد.....



صندوق النقد الدولي ومستقبل العراق


عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 1107 - 2005 / 2 / 12 - 11:18
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


الكاتب زيد العلي- ترجمة د. عبدالوهاب حميد رشيد
وهو ايضا محرر موقع Jublee Iraq يمارس كاتب المقالة زيد العلي التحكيم القانوني في مجال التجارة الدولية- باريس- ويعمل مع اليوبيل العراقي
منظمة دولية تناصر حملة الغاء ديون العراق. : www.iraqieconomy.org
بتاريخ 21 ت2/ نوفمبر 2004، أصدر نادي باريس Paris Club- الذي يضم تسع عشرة دولة صناعية- قراره بخصوص متابعة وتحديد مضمون مستقبل الاقتصاد العراقي. القرار يهتم بجزء من الديون الرسمية الضخمة على العراق والبالغة 120 بليون دولار. إذ ربط أعضاء نادي باريس مصالحهم للاستفادة من هذه الفرصة بقصد فرض شروط يمكن أن تربط أية حكومة قادمة في بغداد بالسياسات الرئيسة للسوق الحرة.
العراقيون من جهتهم يزدرون فكرة تحميلهم أعباء تسديد تلك الديون التي عقدتها حكومة صدام حسين. ذلك أن أغلبية تلك القروض، عُقدت لأِغراض شراء المعدات العسكرية التي استخدمت لغزو الدول المجاورة، ولم تشكل نفقات ذات اولوية لحاجات الشعب العراقي. ويرى العراقيون وأنصار الحملات الدولية المؤيدة لهم أن اغلبية الديون العراقية هي من نوع "الدين الكريه" odious debt، وهو نوع من الدين يُفترض عدم تسديده، لأِن عوائدها استخدمت ضد مصلحة شعب البلد المدين. عليه، فإن "الدين الكريه" لا يتطلب الالغاء أو الإعفاء منه لكونه باطلاً أساساً. إنه ببساطة لا يشكل استحقاقاً ولا يتطلب إعادة الدفع أبداً طالما يقوم بطبيعته على أساس غير مشروع. تتواجد عدد من الحالات القانونية السابقة بشأن "الدين الكريه"، ولكن من وجهة النظر القانونية الدقيقة، فإن السلطات المعنية مثل نادي باريس ليست مجبرة على تطبيق الحالات السابقة أو حتى أخذها بنظر الاعتبار.
من المحتمل أن نادي باريس أخذ في حسبانه بِأن العراق سوف لن يتشبث بمبدأ "الدَين الكريه" ولن يرفض تسديد جزء منه مهما بلغ ذلك. لأِن رفضه سيدفع نحو إخضاعه للمقاطعة من قبل المؤسسات التمويلية العامة والخاصة، وهذا سيقود إلى عجز حاد severe shortage في رأس المال ويتجه بالاقتصاد نحو مزيد من التراجع. هناك احتمال واحد لتوقف العراق عن دفع ديونه عندما يؤدي إلى إجهاد ميزانيته لدرجة يكون من الأفضل عدم التسديد ، بغض النظر عن استمرارية أو عدم استمرارية تدفق رأس المال. وتدرك الدول الدائنة أن إجبار العراق على تسديد دَينه بالكامل سيدفع البلد في أحضان أزمة اقتصادية عنيفة تمنعه حتى من خدمة دَينه.
من هنا تقرر، منذ فترة طويلة، إلغاء جزء من الدين. ورغم ربط هذا التخفيض بالظروف الإنسانية للبلد المدين، فإن الدول الدائنة، في الواقع، تتنافس لاستنزاف العراق بِأعلى قدر ممكن ولكن دون أن يقود ذلك عملياً إلى قتله.
خيوط مترابطة STRINGS ATTACHED
وافق نادي باريس على إلغاء جزء من ديون العراق وفق ثلاث مراحل. إلغاء نسبة الـ 30% الأولى وتعادل 6ر11 بليون دولار بدون شروط. يتم تخفيض نسبة ألـ 30% الثانية "حال المصادقة على البرنامج المعياري لصندوق النقد الدولي" standard IMF Program. أما النسبة الأخيرة من التخفيض وهي 20% فسيتم ضمان إلغائها "بعد أن يقر مجلس صندوق النقد الدولي- في آخر مراجعة له بعد ثلاث سنوات- التزام العراق تطبيق برنامج الصندوق". بكلمات أخرى، سيتم إلغاء 30% من ديون العراق إذا ما اتفق الصندوق والسلطات العراقية على حزمة "إصلاحات" اقتصادية economic reform package، بينما سيتم تخفيض ألـ 20%، فقط، عندما يعلن صندوق النقد الدولي وبعد ثلاث سنوات عن رضاه لتطبيق العراق شروط الصندوق في إطار تلك الحزمة من "الإصلاحات".
منذ عام 1947، أخذ صندوق النقد الدولي في توسيع مجالات قروضه لتشمل ديونا واجبة السداد وذلك بالعلاقة مع تمويل الدول النامية، مقابل قبولها وإذعانها لشروط الصندوق، متضمنة، بعامة، التخلي عن ملكية المشروعات الحكومية وغيرها من المؤسسات البنوية لصالح القطاع الخاص. في حالة العراق، فإن 50% من ديونه تراكمت في عهد الدكتاتور السابق.. تعادل 38ر19 بليون دولار.. وهي ليست مرتبطة بشروط محددة. وطالما يدعي أعضاء نادي باريس بِأن جملة ديونها على العراق هي 40 بليون دولار، عليه يبقى العراق مديناً بـ 78ر7 بليون دولار لأِعضاء النادي حتى في حالة إقرار صندوق النقد الدولي التزام العراق بشروطه. أما إذا فشل العراق في إرضاء الصندووق عندئذ سيبقى مديناً بـ 16ر27 بليون دولار للدول التسع عشرة الأعضاء في الصندوق.
حال الإعلان عن صدور قرار نادي باريس، فإن الجمعية الوطنية العراقية، وهي المؤسسة الوحيدة الأقرب إلى هيئة تمثيلية في العراق، أصدرت تصريحاً تضمنت أن ديون العراق هي من نوع " الدين الكريه"، وأن قرار نادي باريس يشكل جريمة جديدة ارتكتبت من قبل الدائنين الذين مَولوا صدام في اضطهاده. أضاف الشيخ مؤيد- مسجد أبو حنيفة/ بغداد- الذي تعرض لغارة القوات الأمريكية في منتصف ت2/ نوفمير- بقوله "في عملية اتخاذ القرار لنادي باريس فإن العدو هو القاضي"، وهذا لا يمكن أن يكون عدلاً". ورغم أن العراقيين رفضوا، بحق، هذا التعامل الفاشل معهم، ويعترفون بِأن الجزء الأكبر من هذه الديون هي بطبيعتها ديون كريهة، فإن مشاعرهم تجاه برنامج الصندوق ستكون قوية جداً. أيَّ مستقبل يمكن للعراق أن يتوقعه في ظل توجيهات صندوق النقد الدولي؟ إن سابقتين من التاريخ الحديث يلقيان شيئاً من الضوء على هذا اللغز.
حبة دواء مسمومة POISIN PILL
توفّر أزمة جنوب شرق آسيا لعام 1997 شاهداً واضحاً على حصيلة تطبيق ايديولوجية صندوق النقد الدولي. فمع انتشار إشاعات تقول أن تايلاند على وشك إعادة تقييم (تخفيض) عملتها بات baht، ظهرت حالاً ردود فعل بين المضاربين الذين تعاملوا مع هذه الإشاعات على أنها تنبؤات مؤكدة، وبدأوا بسحب أموالهم ونقلها إلى الخارج بعد تحويلها للدولار، مما زاد هذا الوضع في إضعاف عملة البلاد. وبإضافة عوامل أخرى، فإنها ساهمت جميعهاً في دفع كامل الإقليم نحو الركود التام، وذلك في ظروف استمرار المستثمرين سحب أموالهم وتحويلها إلى الدولار في أماكن أكثر أمناً places“safar”. إن الخروج الكبير للعملة الأجنبية من جنوب شرق آسيا كان بفعل إصلاحات تحرير السوق لما قبل عام 1997 وبالاعتماد على نصيحة صندوق النقد الدولي.
ومع اتساع الأزمة، قدَّم صندوق النقد الدولي قروضاً بحدود 95 بليون دولار للدول المتضررة، ولكن ليس بدون فرض شروط ملزمة. والأكثر خطورة أن الصندوق طلب من هذه الحكومات تحقيق التوازن في ميزانياتها، متضمنة قيامها بتمزيق برامجها الاجتماعية المهمة، وإلغاء هدفها في بلوغ الاستخدام الكامل. كلَّفت هذه الإصلاحات ثمناً اجتماعياً باهضاً. ففي أندنوسيا، على سبيل المثال، انفجرت الاضطرابات بعد يوم واحد من إعلان الحكومة تخفيض الإعانات على المواد الغذائية. يُضاف إلى ذلك أن صندوق النقد الدولي أصرَّ على أن تقوم دول جنوب شرق آسيا برفع معدلات الفائدة بدعوى تشجيع رؤوس الأموال الأجنبية الهاربة للعودة إلى مصارفها. لكن الحصيلة القوية التي نتجت عن هذا الإجراء هي أن أعداداً من المنشآت المحلية أُجبرت على إعلان إفلاسها، مؤدية إلى توسيع أزمة الركود وإضعاف جاذبية الإقليم للمستثمرين.
إن الدول التي ابتلعت حبة الدواء المسمومة لصندوق النقد الدولي- متضمنة تايلاند- كانت لا زالت في حالة ركود عام 2000. من جهة أخرى، رفضت ماليزيا، بامتياز، نصيحة الصندوق واتبعت طريقها الخاص. ثبَّتت معدل صرف عملتها بالعلاقة مع الدولار، وخفَّضت معدلات الفائدة، وأمرت كوالا لامبور كافة الاستثمارات التي خرجت من البلاد العودة إلى الوطن خلال شهر واحد، وفرضت قيوداً شديدة على تحويل رؤوس الأموال خارج البلاد، وجمَّدت إعادة توطين رأس المال الأجنبي لمدة 12 شهراً. وفي نفس الوقت، أخذت البلاد طريقها بروية من أجل إعادة هيكلة قوانينها الخاصة بالشركات والمصارف، وبالنتيجة خرجت ماليزيا من أزمة ركودها على نحو أسرع كثيراً وبديون أقلَّ مقارنة بجاراتها.
مثال الأرجنتين ARGENTINA S` EXAMPLE
خلال فترة التسعينات، اعتبر صندوق النقد الدولي الأرجنتين مثالاً مضيئاً على الدول الأخرى محاكاتها، ولكن هنا أيضاً، ارتبطت توصيات الصندوق، عن قرب، بكارثة اقتصادية. فقبل أن تواجه الأرجنتين حالة الركود عام 1998، تمتع الصندوق بتوجيه control السياسات الاقتصادية للبلاد ارتباطاً بديون سابقة وشروطه الإقراضية وفق "البرنامج المعياري للصندوق". استمرت السلطات الأرجنتينية تطبق بارتياح كافة "الإصلاحات" المطلوبة من قبل الصندوق، متضمنة بيع كميات كبيرة من ملكيات الحكومة وفتح باب التملك الأجنبي لكل صناعة البلاد إلى حدود 100%.
وقبل أن ينهار الاقتصاد الأرجنتيني كلياً عام 2002، كانت المؤسسات الأجنبية، على سبيل المثال، مهيمنة على كامل الصناعة المصرفية في البلاد. وفي حين وفّرت هذه المصارف الأرصدة التمويلية للشركات المتعددة الجنسية، بل وحتى للمنشآت المحلية الكبيرة، فإن المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم شكت من عجزها في الحصول على التمويل الرأسمالي. فكات الحصيلة انخفاضاً حاداً في النمو. هناك من يرى أن القصور في هذا الانهيار الدراماتيكي لم يكن بسبب الصندوق، بل الحكومة التي لم تلاحظ أبداً خطأ بيع ممتلكات البلاد بالجملة. ولكن، مع ذلك، فمن المؤكد أن وصفات الصندوق لم تكن مفيدة.
في الوقت الذي لاحت فيه بوادر الأزمة عام 1998، كانت الحكومة الأرجنتينية قد راكمت كمية ضخمة من الديون الأجنبية. تسببت الأزمة في انخفاض مباشر للإيرادات الضريبية، وبالنتيجة تصاعد مشكلة ميزان المدفوعات. اتجهت بوينس آيرس نحو طريق مختلف وذلك بزيادة الاقتراض من الدائنين الدوليين مثل صندوق النقد الدولي. قدَّم الصندوق 3 بليون دولار عام 1998 و 7ر13 بليون دولار عام 2000، وضمانة قرضية بمبلغ 8 بليون دولار عام 2001. علاوة على قيام الصندوق بترتيبات خاصة لضمان مبلغ إضافي بمقدار 26 بليون دولار من مصادر أخرى في نهاية عام 2000. وجاءت الفاتورة الملغومة بخيوطها المترابطة: أصدر صندوق النقد الدولي أمره decree بِأن على الأرجنتين، من بين أمور أخرى، تحقيق الموازنة في ميزانيتها بإجراء تخفيض حاد للنفقات العامة (الحكومية) وبزيادة نسبة الضرائب. تمثل الهدف المعلن للصندوق من هذه الإجراءات في جعل البلاد أكثر جاذبية لرؤوس الأموال الأجنبية. لكن آثارها الداخلية تجسدت في زيادة حدَّة البطالة وإلغاء برامج اجتماعية حيوية. ورغم توفر موارد مالية ضخمة astronomical sums للأرجنتين، وتخفيض النفقات الحكومية، لم ينته أثر الركود، واستمرت فجوة الميزانية في تصاعد إلى حد أصبحت الحكومة عاجزة عن إعادة دفع مستحقات (خدمة) ديونها.
أصبحت الأرجنتين بصفة رسمية غير قادرة على الإيفاء بمتطلبات قروضها التي بلغت 141 بليون دولار بتاريخ 3 ك2/ يناير 2002، وأعادت تقييم (تخفيض) عملتها، رغم اعتراض الصندوق بفترة وجيزة. وانهارت ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأرجنتيني وبدأوا بسحب أموالهم من البلاد. ووجدت الحكومة أن تدفق الأموال نحو الخارج يمكن أن يقود إلى انهيار العملية المصرفية. من هنا فرضت قيودها على السحوبات وحددتها بـ 1000 دولار شهرياً من قبل الأشخاص الأرجنتينيين العاديين. كما حولت السلطات الرسمية الودائع المصرفية التي كانت أصولها بالدولار إلى العملة المحلية، أدت هذه الإجراءات إلى تحسين قيمة الديون المصرفية للمواطنين، بينما أبقت الديون التي تمت بالدولار على حالها. وبعد تخفيض العملة زادت ديون الأرجنتينيين العاديين بمقدار 300% من قيمتها.
بعد مرور ستة أشهر على تخفيض العملة، هبط الدخل المحلي الإجمالي بمقدار3ر16%. وفي حزيران/ يونيو 2002 أصبح معدل الدخل الفردي لـ 19 مليون أرجنتيني من مجموع 35 مليون لا يتجاوز 190 دولار في الشهر.
وفي وسط الاضطرابات التي عمَّت، بما رافقتها من نهب وسلب وزيادة معدلات الجرائم ووحشية أجهزة البوليس، كان هناك 4ر8 مليون أرجنتيني معدم، وأظهرت التقارير تسرب الأطفال من مدارسهم لممارسة الاستجداء.
أكثر وليس أقل MORE, NOT LESS
في تموز/ يوليو 2004 اعترف تقرير صادر عن مكتب التقييم المستقل لصندوق النقد الدولي أنه كان على الصندوق أن لا يستمر في دفع السلطات الأرجنتينية تخفيض نفقات الميزانية العامة بعد أن أصبح واضحاً "تصاعد الرخاوة في خيارات السياسات الحكومية". وبدلاً من ذلك، حسب التقرير، كان على الصندوق تحويل أرصدة القروض المقدمة للأرجنتين للمساعدة على معالجة "التكاليف القائمة التي لم يكن بالإمكان تجنبها" نتيجة السياسات التي اختارها وفرضها الصندوق. وهنا تبين الرقابة الداخلية لصندوق النقد الدولي وبوضوح أن الصندوق لم يكلف نفسه تغيير التوجهات الرئيسة بشأن ما يجب على الدول الدائنة فعله من أجل تخفيف أثقال الديون التي تتحملها الدول المدينة.
"خلال فترة ما قبل الأزمة"، تحدثت الصحف بتاريخ 29 تموز/ يوليو عن الرقابة بقولها "أن صندوق النقد الدولي شخَّصت بشكل سليم عدم الانتظام المالي والحاجة إلى الإصلاح الهيكلي، بخاصة إصلاح سوق العمل، باعتبارها جوهر تحول الإقليم نحو النمو". والأكثر من ذلك أن الصندوق يعتقد أنه كان على الأرجنتين أن تعمل أكثر في هذا الاتجاه وليس أقل من أجل تعزيز التزامه بالبرنامج قبل الأزمة "الالتزام بالشروط كان ضعيفاً، وأن فشل الأرجنتين الإذعان لتلك الشروط كانت باستمرار محل تسوية".
وفي الوقت الحاضر، يقوم توجه إدارة بوش في العراق وبقوة على نفس الفكرة، على نحو أكثر وليس أقل، بحيث تغطي توصياتها مستقبل الاقتصاد العراقي. والأكثر ازدراءاً فإن سلطة قوات التحالف CPA التي أدارت العراق منذ مايس/ مايو 2003 لغاية حزيران/ يونيو 2004، شرَّعت ما يلي: "(a) السماح للأجانب الاستثمار في العراق وفق شروط لا تقل عن تلك المتاحة للمواطن العراقي، إذا لم تصدر تعليمات جديدة". وهذا الأمر المرقم 39 يوفر "(f) حق الاستثمار الأجنبي في كافة القطاعات الاقتصادية العراقية، عدا الامتلاك المباشر وغير المباشر في قطاع الموارد الطبيعية، متضمناً بشكل أساس القطاع الاستخراجي وعملياته التي تبقى محرَّمة على تلك الاستثمارات. كذلك أحلَّ الأمر 39 ضريبة مخففة بواقع 15% عوضاً عن 45% المعمول بها في النظام الضريبي العراقي.
على فرض التزام الحكومة القادمة في بغداد بالأمر المرقم 39، فهذا يعني إلغاء الحظر الطويل للاستثمارات الأجنبية في العراق، والسماح للأجانب الامتلاك إلى حدود 100% من أي مشروع، عدا مشروعات الثروة الطبيعية بضمنها النفط الخاضعة لسيطرتها. ورغم أن الملكية الأجنبية للأرض بقيت غير مشروعة، مُنح الأجانب من أفراد و/ أو مشروعات حق أستئجار ممتلكات لغاية 40 عاماً. بينما الأمر الآخر لسلطة التحالف المرقم 81 يصف الظروف التي في ظلها تشكل إعادة استعمال البذور من قبل الفلاح انتهاكاً لحقوق مسجلة. وبالنسبة لسلطات الاحتلال الأمريكية- البريطانية، فإن هذه السياسات الليبرالية الجديدة كانت مسألة مصيرية. ففي حديثه للصحفيين داخل الطائرة التي كانت تقلُّه في حزيران 2003، أكد بول بريمر الرأس السابق لقوات التحالف الحاجة لخصخصة المشروعات الحكومية وبدرجة من الحماسة بحيث، رغم أزيز الطائرة، بلغ صوته مخزن بضائعها. إذ ذكر "علينا أن نتحرك إلى الأمام بسرعة مع جهودنا هذه".. "إن نقل ملكية المشروعات الحكومية غير الكفؤة إلى أيدي القطاع الخاص مسألة حيوية ليسترد الاقتصاد العراقي عافيته".
لا خلاف على أن السياسات والمصالح الأمريكية انعسكت بدرجة عالية في القرارات التي اتخذت والتصريحات التي أطلقت من قبل السلطات المحلية العراقية. وبالعلاقة مع ديون العراق وبرامج صندوق النقد الدولي، يظهر أن حكومة أياد علاوي، على أي حال، فاقت كل التوقعات.
بتاريخ 24 أيلول/ سبتمبر بعث ثلاثة وزراء في الحكومة العراقية المؤقتة "رسالة تأكيد نوايا" letter of intent إلى المدير الإداري لصندوق النقد الدولي، تضمنت الرسالة: أن المتطلبات المعيارية لإِجراءات صندوق النقد الدولي معمول بها رسمياً ومحل تطبيق السلطات الحكومية، مع ملاحظة أن العناصر الرسمية في الصندوق أملوا dictated بِأنفسهم محتويات الرسالة. إن فحصاً سريعاً للرسالة العراقية- تأكيد النوايا- بالإضافة إلى الوثائق التي صدرت بشأن العراق وأصبحت جاهزة من قبل الصندوق، تكشف عن مصادر متعددة لـ "إعادة ترتيب restore الدين الخارجي العراقي على نحو ثابت: "الإصلاح الضريبي".. "إصلاح القطاع المالي".. "إعادة هيكلة المشروعات المملوكة من قبل الحكومة".. و "استقرار الاقتصاد الكلي". إن مغزى هذه الوثائق تعكس وصفات للصندوق مماثلة لتلك التي فُرِِضَت على الأرجنتين وجنوب شرق آسيا في التسعينات.(1) وفوق ذلك، غياب أي تصريح بِشأن الأولويات، بخاصة معضلة البطالة، سواء من قبل السلطات العراقية أو إدارة الصندوق. وحتى التصريح الذي صدر عن نائب مدير إدارة الصندوق في 29 أيلول/ سبتمبر لم يتضمن أي شيء مهما كان ضئيلاً بخصوص معالجة أزمة البطالة أو الفقر.
وفي 24 ت1/ أكتوبر، خطت الحكومة العراقية المؤقتة خطوة أخرى باتجاه المبدأ الأساسي لتحرير السوق عندما قدمت طلبها لعضوية منظمة التجارة الحرة WTO.
تصلب الدائنين العرب INTRANSIGENT ARAB
وباتجاه جعل الأمور أسوأ للعراق، ورغم كل الانتباه والملاحظات التي تكاثرت بشأن مفاوضات نادي باريس، فإن أغلبية الديون العراقية التي تراكمت في ظلّ النظام السابق لا تعود في الحقيقة إلى أعضاء نادي باريس، بل أن الدائنين الرئيسين للعراق هم الحكومات العربية.
تدعي السعودية 30 بليون دولار، وتطالب الكويت باستعادة ديون تتجاوز 16 بليون دولار، علاوة على أكثر من 30 بليون دولار تعويضات عن الغزو والاحتلال العراقي خلال الفترة 1990-1991. كذلك أدعت الإمارات العربية المتحدة بلايين أخرى، وأيضاً قطر وبلدان عربية غيرها. وأخيراً صدر تقرير يذكر أن إيران قدَّمت بتاريخ 25 ت1/ اكتوبر مطالبتها بمبلغ 97 بليون دولار تعويضات الحرب العراقية الإيرانية للفترة 1980-1988.
منذ البداية، كان الدائنون العرب كارهون حتى لفكرة إلغاء أي جزء من الديون. وكانت الكويت، بصفة خاصة، عنيدة، بل أن موقفها أثار حتى ردود فعل العناصر الأمريكية الرسمية. "يجب عليّ أن أقول أن هذا الأمر مستغرب بالنسبة لي".. قالها بريمر "بلد يحقق متوسط دخل فردي من ناتجه الإجمالي بواقع 800 دولار، والبلد الفقير مطالب بدفع تعويضات إلى بلدان أخرى يتجاوز متوسط دخلها الفردي السنوي عشرة أضعاف، بسبب حرب كان العراقيون، وهم الآن في الحكومة، ضدها".
وكان بريمر يشير بذلك إلى الأموال التي حولت للعراق في فترة الثمانينات، والتي من المحتمل جداً بقصد مساعدة العراق في حربه ضد إيران.
دافع العراق طويلاً وعلى نحو مستمر في ظل صدام حسين على أن هذه الأرصدة كانت منحاً ولم تكن قروضاً. ومن الواضح عدم موافقة حكومة الكويت. حيث أكد وزير خارجيتها محمد صباح السالم الصباح وبقوة في ك1/ ديسمبر أن الكويت تمتلك وثائق رسمية تبين تحويل تلك الأموال إلى العراق. وقال "كل دينار دفعه الكويت إلى العراق دون برهان قانوني ورسمي سيكون عديم القيمة". ولكن من وجهة النظر القانونية، أن واقع التحويل الذي تحقق لا يكفي للبرهان على أن العراق يتحمل أي مطالبة لإِعادة دفع أي مبلغ ما لم تكن شروط التحويل محددة وملزمة. وإذا أصرَّت الدول الدائنة على مواقفها المتصلبة وتفسيراتها القانونية ومناقشاتها بشأن عدم قبولها تطبيق مبدأ الدين الكريه بالعلاقة مع ديون العراق، عندئذ على العراق أن لا يتردد بالدفاع عن كون هذه التحويلات لا تشكل قروضاً دون عقد مكتوب يبرهن عليها. وهنا من غير الواضح فيما إذا كانت مثل هذه العقود موجودة. وما هو صحيح فيما يخص إدعاءات الدين الكويتي، يصبح صحيحاً أيضاً بالنسبة إلى إدعاءات الدين السعودي.
هناك أساس قانوني صلب، بالعلاقة مع العقد، باتجاه التنفيذ القانوني فيما يخص إدعاءات تعويضات الحرب للكويت، طالما تعتمد على قرارات مجلس الأمن الدولي.
من هنا يواجه العراق صعوبات تجنب دفع أي مبلغ تدعي به الكويت ومضمون من قبل لجنة تعويضات الأمم المتحدة، ما لم يقرر العراق وبشكل انفرادي رفض الدفع، وهذا ما سيعمل لصالح العراق أو ضده. (2)

دروس للأطراف التي تطبق الإصلاحات LESSONS FOR REFORMERS
يوفر عهد ما بعد عراق صدام صورة متكاملة عن كيفية استخدام العالم الصناعي للدين كأداة لإجبار الشعوب النامية التخلي surrender عن سيادتها الاقتصادية. فالعراق لا يمتلك أي قدرة على المساومة.. من أجل إنقاذ اقتصاده الضعيف.. وبما يمكنه من إجبار أعضاء نادي باريس إلغاء الجزء الأعظم من ديونه.(3) في الواقع، كان يمكن أن يصبح العراق في وضع أفضل لو اقتصر الأمر فقط على شطب جزء أقل من ديونه. إن مبدأ الدين الكريه يقوم على قوة ذات اعتبارات أخلاقية، لكنها غير ملزمة، ومن ثم لا غرابة أن دائني العراق لا يفكرون في قيم مساعدة الغير altruistic terms، وحتى لا توجد لحالة العراق سابقة مماثلة، بحيث يمكن للدول الأخرى المثقلة بديون كبيرة استخدامها لصالحها. لاحظ نادي باريس بعناية أن العراق "حالة استثنائية" exceptional situation. ما هي المضامين التي تحملها صفقة نادي باريس في 21 ت2/نوفمبر بالعلاقة مع الناشطين ممن يدافعون عن تخفيف الديون المالية المترتبة على الدول الفقيرة في ظلّ أنظمتها الفاسدة؟
عند مناقشة العناصر الحكومية بالعلاقة مع الدين القائم، فإن الأطراف العاملة على تخفيف هذه الديون، يواجهون عقبتين. الأولى أن القرينة المشروعية التي عُقد الدين بموجبها، لا يمكن تعديلها بِأثر رجعي، عليه لا توجد قوة قانونية في مواجهة الطرف الدائن لإقرار ما إذا كان بالإمكان أم لا اعتبار الاتفاقية المالية غير مشروعة.(4) الثانية غياب واضح للحافز المالي لدى الدول الدائنة والمؤسسات التمويلية إعفاء الديون المعلقة أو غير المدفوعة. إن تطبيق أي إصلاح في الوقت الحاضر سيكون موجهاً بالضرورة نحو القروض التي تتحقق في سنوات قادمة. يُضاف إلى ذلك ليس للموقف القانوني بشأن الدين المستقبلي أثر حقيقي على الميزانية السنوية للدائنين.
على الناشطين من أنصار تخفيف ديون العالم الثالث التحرك باتجاه إنشاء ما يماثل مبدأ الدين الكريه للقروض التي ستعقد. يمكن إصلاح الإطار القانوني للقروض الدولية من خلال مجموعة آليات مختلفة، متضمنة- من بين أمور أخرى- معاهدة دولية جديدة، أو قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي، وأيضاً يمكن للاتحاد الأوربي البدء برسم معاهدة دولية، مع تركها مفتوحة للدول الأخرى بغية التصديق عليها في المستقبل.
يناقش العديد من المعنيين أنه إذا كانت إعادة تسديد القروض مرتبطة بالفحص الدقيق لكيفية إنفاق المقترض للمال المدين، فهذا يعني إمكانية تسديد أرصدة القروض. من هنا فإن المعاهدة الدولية أو قرار مجلس الأمن يجب أن توفر آلية لمعالجة موضوع الخلاف أو توجيه كافة الخلافات إلى آلية قادرة على معالجتها. إن أحد الاحتمالات يمكن أن يؤول إلى إنشاء مركز دولي لحل الخلافات الاستثمارية، محكمة دولية تحت رعاية البنك الدولي، بغية التعامل مع الخلافات الناجمة عن القروض الدولية.
أياً كان الوضع الذي سيتفرر بهذا الخصوص، فإن المنفعة التي تتولد عن آلية محددة لحل هذه الخلافات، سقود إلى خلق هيئة قانونية ذات أهمية كبيرة لتصديق جملة قواعد تتعلق بهدف الإعفاء المرتبط بغياب المشروعية.
على أي حال، فإن أياً من تلك الإصلاحات ستكون متأخرة جداً بالنسبة إلى العراق. وطالما ليس من المحتمل أن تغير الدول الدائنة- من منطلق القيم الإنسانية- مواقفها بإلغاء الجزء الأعظم من الديون الكريهة لصدام، فإن الحكومة العراقية الجديدة سوف تكون بحاجة إلى أن تقرر فيما إذا كانت هناك طرقاً تكون من خلالها قادرة على دفع مفاوضات الديون بقوة، ومقاومة الضغط المفروض عليها بفرض وصفات صندوق النقد الدولي. إن الأولوية يجب أن لا تقوم على إرضاء الدائنين الأجانب، بل أن تنصب على تخفيض نسبة البطالة وإعادة توزيع الثروة بطريقة تقود إلى تقليص الفجوة الاجتماعية، وهي أمور ذات أهمية خاصة للعراق. إن الصراع بشأن مستقبل الاقتصاد العراقي بدأ بالتحرك من باريس إلى العراق.
مممممممممممـ
كخلفية بشأن معركة تخفيض الدين العراقي، أنظر:
* Justin Alexander, "Downsizing Saddam s Odious Debt," Middle East Report Online, March 2, 2004.
http://www.merip.org/mero/mero030204.html
* The Iraqi interim government s "letter of intent" to the IMF is available online at: http://www.imf.org/external/np/loi/2004/irq/01/index.htm
* Middle East Report Online is a free service of the Middle East Research and Information Project (MERIP).
مممممممممممممممممممـ
الهوامش الأربعة المثبتة في المقالة تعود إلى المترجم:
(1) الرسالة العراقية letter of intent موقعة من قبل محافظ البنك المركزي العراقي ووزير المالية في الحكومة العراقية المؤقتة.
** للتوسع، انظر أصل الرسالة في: www.imf.org.
(2) حسب بحث متخصص في هذا الموضوع:
- صدر قرار تعويضات الحرب المفروضة على العراق عن جهة سياسية (مجلس الأمن) وليس بموجب قرار قضائي محايد وملزم صادر عن محكمة العدل الدولية أو جهة تحكيمية موضوعية ومحايدة ومتفق عليها من قبل الأطراف المعنية.
- كذلك فإن قرار مجلس الأمن بشأن دفع التعويضات استند إلى قرار لجنة التعويضات المنبثقة عن المجلس، أي أنها أيضاً جهة سياسية وليست قضائية.
- لذا فإن كافة قرارات لجنة التعويضات وإجراءاتها من حيث الجوهر هي سياسية وتخضع من حيث تنفيذها ابتداءاً واستمرار العمل بها أو إيقافها أو إلغائها إلى قرارات مجلس الأمن من الناحية الشكلية والقانونية ومصالح وأهداف الدول الأعضاء، من الناحية العملية والواقعية.
- عليه، فما يتعلق بالتعويضات ليس له بالضرورة صفة القطعية أو النهائية للأحكام القضائية، مما يجعل من التعويضات أداة سياسية تخضع للمصالح والسياسات الوطنية والإقليمية لكل من الدول الأعضاء في المجلس، وعلاقاتها الثنائية بالعراق من جهة، والكويت من جهة أخرى، وبقية دول الخليج المجاورة لكلا البلدين، ويتغير تبعاً لذلك مع تغير سياسات الدول الأعضاء ومصالحها الوطنية والإقليمية والدولية.
** للتوسع، أنظر: عبدالأمير الأنباري، "التعويضات"، ندوة احتلال العراق وتداعياته عربياً وإقليمياً ودولياً، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، آب/ أغسطس 2004، ص939 وما بعدها..
(3) هذا الحكم لكاتب المقالة يتطلب المراجعة.. فرغم أشكال التدمير التي لحق بالعراق، بخاصة الحرب والاحتلال، بقي العراق قادراً على النهوض بفضل خبراته البشرية وموارده المادية، مع ملاحظة ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية، وجاذبية قطاعه النفطي للاستثمارات الأجنبية.. إن مواجهة وإلغاء الديون الكريهة المترتبة على البلاد، يتطلب إزالة الاحتلال، وبناء حكومة وحدة وطنية تحافظ على ثروات وأموال العراق من النهب المستمر.. يكفي القول هنا اختفاء مبالغ من أموال العراق، خلال فترة أقل من سنتين في ظل الاحتلال، تزيد على الديون المعلنة من قبل أعضاء نادي باريس:
- كشف تحقيق لهيئة الإذاعة البريطانية عن نهب بلايين الدولارات من الثروة النفطية العراقية بمشاركة وتواطؤ قوات الاحتلال بحيث تجاوزت 20 بليون دولار.. شبكة أخبار العراق للجميع- تاريخ 8/2/2005.. كما أن اختفاء مبلغ تسعة بلايين دولار من الأموال العراقية تحت إشراف الحاكم المدني الأمريكي السابق للعراق- بريمر- لا زالت محل مناقشات الكونغرس الأمريكي.
- وقبل ذلك وبعد الاحتلال مباشرة، استولت الإدارة الأمريكية على الأموال العراقية المجمدة التي تجاوز رصيدها 17 بليون دولار، مضافاً إليها الرصيد المتراكم للعراق من برامج النفط مقابل الغذاء والبالغ 11 بليون دولار، كما استولت قوات الاحتلال وسلطته على الاحتياطيات النقدية للدولة العراقية المقدرة بما يزيد عن 7 بليون دولار.. حركة الكفاح الشعبي، البيان السياسي، المؤتمر الموسع الأول، منتصف تموز/يوليو 2004، شبكة أخبار العراق للجميع- تاريخ 29/10/2004 (و) 2/11/2004.
(4) إذا كان الكاتب يشير إلى "مبدأ عدم رجعية القوانين" في تنفيذ هذه العقود، عندئذ يمكن مراجعة هذه المقولة، ومراجعة هذه العقود أيضاً.. ذلك أن تطبيق هذا المبدأ ينصب على الحالات التي يصدر فيها قانون معين بحيث يحتوي على تشديد العقوبة الجرمية محل النظر.. أما إذا صدر القانون متضمناً تخفيف العقوبة الجرمية عندئذ يجوز تطبيقه بِأثر رجعي.. وفي حالة العقود القانونية التي تتضمن ديوناً كريهة، فإنها زادت من أعباء البلد المدين دون أن تحقق لها منفعة ما.. من هنا فإن ما سببته هذه الديون الكريهة من تدهور في وضع المدين يوفر الأساس لإلغائها. وعلى أي حال، يبقى من يدافع عن حقوق شعب العراق في هذه المواجهة ليس سلطة الاحتلال ولا الحكومة الدمية المعينة من قبلها، بل وكما سبق القول، حكومة وحدة وطنية بعد زوال الاحتلال.









الموضوع: صندوق النقد الدولي ومستقبل الاقتصاد العراقي
The IMF and the Future of Iraq
الكاتب: زيد العلي Zaid Al- Ali
جهة وتاريخ النشر: December 7,2004- www.iraqieconomy.org
ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد
يمارس كاتب المقالة زيد العلي التحكيم القانوني في مجال التجارة الدولية- باريس- ويعمل مع اليوبيل العراقي Jubilee Iraq- منظمة دولية تناصر حملة الغاء ديون العراق. وهو أيضاً محرر موقع: www.iraqieconomy.org
بتاريخ 21 ت2/ نوفمبر 2004، أصدر نادي باريس Paris Club- الذي يضم تسع عشرة دولة صناعية- قراره بخصوص متابعة وتحديد مضمون مستقبل الاقتصاد العراقي. القرار يهتم بجزء من الديون الرسمية الضخمة على العراق والبالغة 120 بليون دولار. إذ ربط أعضاء نادي باريس مصالحهم للاستفادة من هذه الفرصة بقصد فرض شروط يمكن أن تربط أية حكومة قادمة في بغداد بالسياسات الرئيسة للسوق الحرة.
العراقيون من جهتهم يزدرون فكرة تحميلهم أعباء تسديد تلك الديون التي عقدتها حكومة صدام حسين. ذلك أن أغلبية تلك القروض، عُقدت لأِغراض شراء المعدات العسكرية التي استخدمت لغزو الدول المجاورة، ولم تشكل نفقات ذات اولوية لحاجات الشعب العراقي. ويرى العراقيون وأنصار الحملات الدولية المؤيدة لهم أن اغلبية الديون العراقية هي من نوع "الدين الكريه" odious debt، وهو نوع من الدين يُفترض عدم تسديده، لأِن عوائدها استخدمت ضد مصلحة شعب البلد المدين. عليه، فإن "الدين الكريه" لا يتطلب الالغاء أو الإعفاء منه لكونه باطلاً أساساً. إنه ببساطة لا يشكل استحقاقاً ولا يتطلب إعادة الدفع أبداً طالما يقوم بطبيعته على أساس غير مشروع. تتواجد عدد من الحالات القانونية السابقة بشأن "الدين الكريه"، ولكن من وجهة النظر القانونية الدقيقة، فإن السلطات المعنية مثل نادي باريس ليست مجبرة على تطبيق الحالات السابقة أو حتى أخذها بنظر الاعتبار.
من المحتمل أن نادي باريس أخذ في حسبانه بِأن العراق سوف لن يتشبث بمبدأ "الدَين الكريه" ولن يرفض تسديد جزء منه مهما بلغ ذلك. لأِن رفضه سيدفع نحو إخضاعه للمقاطعة من قبل المؤسسات التمويلية العامة والخاصة، وهذا سيقود إلى عجز حاد severe shortage في رأس المال ويتجه بالاقتصاد نحو مزيد من التراجع. هناك احتمال واحد لتوقف العراق عن دفع ديونه عندما يؤدي إلى إجهاد ميزانيته لدرجة يكون من الأفضل عدم التسديد ، بغض النظر عن استمرارية أو عدم استمرارية تدفق رأس المال. وتدرك الدول الدائنة أن إجبار العراق على تسديد دَينه بالكامل سيدفع البلد في أحضان أزمة اقتصادية عنيفة تمنعه حتى من خدمة دَينه.
من هنا تقرر، منذ فترة طويلة، إلغاء جزء من الدين. ورغم ربط هذا التخفيض بالظروف الإنسانية للبلد المدين، فإن الدول الدائنة، في الواقع، تتنافس لاستنزاف العراق بِأعلى قدر ممكن ولكن دون أن يقود ذلك عملياً إلى قتله.
خيوط مترابطة STRINGS ATTACHED
وافق نادي باريس على إلغاء جزء من ديون العراق وفق ثلاث مراحل. إلغاء نسبة الـ 30% الأولى وتعادل 6ر11 بليون دولار بدون شروط. يتم تخفيض نسبة ألـ 30% الثانية "حال المصادقة على البرنامج المعياري لصندوق النقد الدولي" standard IMF Program. أما النسبة الأخيرة من التخفيض وهي 20% فسيتم ضمان إلغائها "بعد أن يقر مجلس صندوق النقد الدولي- في آخر مراجعة له بعد ثلاث سنوات- التزام العراق تطبيق برنامج الصندوق". بكلمات أخرى، سيتم إلغاء 30% من ديون العراق إذا ما اتفق الصندوق والسلطات العراقية على حزمة "إصلاحات" اقتصادية economic reform package، بينما سيتم تخفيض ألـ 20%، فقط، عندما يعلن صندوق النقد الدولي وبعد ثلاث سنوات عن رضاه لتطبيق العراق شروط الصندوق في إطار تلك الحزمة من "الإصلاحات".
منذ عام 1947، أخذ صندوق النقد الدولي في توسيع مجالات قروضه لتشمل ديونا واجبة السداد وذلك بالعلاقة مع تمويل الدول النامية، مقابل قبولها وإذعانها لشروط الصندوق، متضمنة، بعامة، التخلي عن ملكية المشروعات الحكومية وغيرها من المؤسسات البنوية لصالح القطاع الخاص. في حالة العراق، فإن 50% من ديونه تراكمت في عهد الدكتاتور السابق.. تعادل 38ر19 بليون دولار.. وهي ليست مرتبطة بشروط محددة. وطالما يدعي أعضاء نادي باريس بِأن جملة ديونها على العراق هي 40 بليون دولار، عليه يبقى العراق مديناً بـ 78ر7 بليون دولار لأِعضاء النادي حتى في حالة إقرار صندوق النقد الدولي التزام العراق بشروطه. أما إذا فشل العراق في إرضاء الصندووق عندئذ سيبقى مديناً بـ 16ر27 بليون دولار للدول التسع عشرة الأعضاء في الصندوق.
حال الإعلان عن صدور قرار نادي باريس، فإن الجمعية الوطنية العراقية، وهي المؤسسة الوحيدة الأقرب إلى هيئة تمثيلية في العراق، أصدرت تصريحاً تضمنت أن ديون العراق هي من نوع " الدين الكريه"، وأن قرار نادي باريس يشكل جريمة جديدة ارتكتبت من قبل الدائنين الذين مَولوا صدام في اضطهاده. أضاف الشيخ مؤيد- مسجد أبو حنيفة/ بغداد- الذي تعرض لغارة القوات الأمريكية في منتصف ت2/ نوفمير- بقوله "في عملية اتخاذ القرار لنادي باريس فإن العدو هو القاضي"، وهذا لا يمكن أن يكون عدلاً". ورغم أن العراقيين رفضوا، بحق، هذا التعامل الفاشل معهم، ويعترفون بِأن الجزء الأكبر من هذه الديون هي بطبيعتها ديون كريهة، فإن مشاعرهم تجاه برنامج الصندوق ستكون قوية جداً. أيَّ مستقبل يمكن للعراق أن يتوقعه في ظل توجيهات صندوق النقد الدولي؟ إن سابقتين من التاريخ الحديث يلقيان شيئاً من الضوء على هذا اللغز.
حبة دواء مسمومة POISIN PILL
توفّر أزمة جنوب شرق آسيا لعام 1997 شاهداً واضحاً على حصيلة تطبيق ايديولوجية صندوق النقد الدولي. فمع انتشار إشاعات تقول أن تايلاند على وشك إعادة تقييم (تخفيض) عملتها بات baht، ظهرت حالاً ردود فعل بين المضاربين الذين تعاملوا مع هذه الإشاعات على أنها تنبؤات مؤكدة، وبدأوا بسحب أموالهم ونقلها إلى الخارج بعد تحويلها للدولار، مما زاد هذا الوضع في إضعاف عملة البلاد. وبإضافة عوامل أخرى، فإنها ساهمت جميعهاً في دفع كامل الإقليم نحو الركود التام، وذلك في ظروف استمرار المستثمرين سحب أموالهم وتحويلها إلى الدولار في أماكن أكثر أمناً places“safar”. إن الخروج الكبير للعملة الأجنبية من جنوب شرق آسيا كان بفعل إصلاحات تحرير السوق لما قبل عام 1997 وبالاعتماد على نصيحة صندوق النقد الدولي.
ومع اتساع الأزمة، قدَّم صندوق النقد الدولي قروضاً بحدود 95 بليون دولار للدول المتضررة، ولكن ليس بدون فرض شروط ملزمة. والأكثر خطورة أن الصندوق طلب من هذه الحكومات تحقيق التوازن في ميزانياتها، متضمنة قيامها بتمزيق برامجها الاجتماعية المهمة، وإلغاء هدفها في بلوغ الاستخدام الكامل. كلَّفت هذه الإصلاحات ثمناً اجتماعياً باهضاً. ففي أندنوسيا، على سبيل المثال، انفجرت الاضطرابات بعد يوم واحد من إعلان الحكومة تخفيض الإعانات على المواد الغذائية. يُضاف إلى ذلك أن صندوق النقد الدولي أصرَّ على أن تقوم دول جنوب شرق آسيا برفع معدلات الفائدة بدعوى تشجيع رؤوس الأموال الأجنبية الهاربة للعودة إلى مصارفها. لكن الحصيلة القوية التي نتجت عن هذا الإجراء هي أن أعداداً من المنشآت المحلية أُجبرت على إعلان إفلاسها، مؤدية إلى توسيع أزمة الركود وإضعاف جاذبية الإقليم للمستثمرين.
إن الدول التي ابتلعت حبة الدواء المسمومة لصندوق النقد الدولي- متضمنة تايلاند- كانت لا زالت في حالة ركود عام 2000. من جهة أخرى، رفضت ماليزيا، بامتياز، نصيحة الصندوق واتبعت طريقها الخاص. ثبَّتت معدل صرف عملتها بالعلاقة مع الدولار، وخفَّضت معدلات الفائدة، وأمرت كوالا لامبور كافة الاستثمارات التي خرجت من البلاد العودة إلى الوطن خلال شهر واحد، وفرضت قيوداً شديدة على تحويل رؤوس الأموال خارج البلاد، وجمَّدت إعادة توطين رأس المال الأجنبي لمدة 12 شهراً. وفي نفس الوقت، أخذت البلاد طريقها بروية من أجل إعادة هيكلة قوانينها الخاصة بالشركات والمصارف، وبالنتيجة خرجت ماليزيا من أزمة ركودها على نحو أسرع كثيراً وبديون أقلَّ مقارنة بجاراتها.
مثال الأرجنتين ARGENTINA S` EXAMPLE
خلال فترة التسعينات، اعتبر صندوق النقد الدولي الأرجنتين مثالاً مضيئاً على الدول الأخرى محاكاتها، ولكن هنا أيضاً، ارتبطت توصيات الصندوق، عن قرب، بكارثة اقتصادية. فقبل أن تواجه الأرجنتين حالة الركود عام 1998، تمتع الصندوق بتوجيه control السياسات الاقتصادية للبلاد ارتباطاً بديون سابقة وشروطه الإقراضية وفق "البرنامج المعياري للصندوق". استمرت السلطات الأرجنتينية تطبق بارتياح كافة "الإصلاحات" المطلوبة من قبل الصندوق، متضمنة بيع كميات كبيرة من ملكيات الحكومة وفتح باب التملك الأجنبي لكل صناعة البلاد إلى حدود 100%.
وقبل أن ينهار الاقتصاد الأرجنتيني كلياً عام 2002، كانت المؤسسات الأجنبية، على سبيل المثال، مهيمنة على كامل الصناعة المصرفية في البلاد. وفي حين وفّرت هذه المصارف الأرصدة التمويلية للشركات المتعددة الجنسية، بل وحتى للمنشآت المحلية الكبيرة، فإن المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم شكت من عجزها في الحصول على التمويل الرأسمالي. فكات الحصيلة انخفاضاً حاداً في النمو. هناك من يرى أن القصور في هذا الانهيار الدراماتيكي لم يكن بسبب الصندوق، بل الحكومة التي لم تلاحظ أبداً خطأ بيع ممتلكات البلاد بالجملة. ولكن، مع ذلك، فمن المؤكد أن وصفات الصندوق لم تكن مفيدة.
في الوقت الذي لاحت فيه بوادر الأزمة عام 1998، كانت الحكومة الأرجنتينية قد راكمت كمية ضخمة من الديون الأجنبية. تسببت الأزمة في انخفاض مباشر للإيرادات الضريبية، وبالنتيجة تصاعد مشكلة ميزان المدفوعات. اتجهت بوينس آيرس نحو طريق مختلف وذلك بزيادة الاقتراض من الدائنين الدوليين مثل صندوق النقد الدولي. قدَّم الصندوق 3 بليون دولار عام 1998 و 7ر13 بليون دولار عام 2000، وضمانة قرضية بمبلغ 8 بليون دولار عام 2001. علاوة على قيام الصندوق بترتيبات خاصة لضمان مبلغ إضافي بمقدار 26 بليون دولار من مصادر أخرى في نهاية عام 2000. وجاءت الفاتورة الملغومة بخيوطها المترابطة: أصدر صندوق النقد الدولي أمره decree بِأن على الأرجنتين، من بين أمور أخرى، تحقيق الموازنة في ميزانيتها بإجراء تخفيض حاد للنفقات العامة (الحكومية) وبزيادة نسبة الضرائب. تمثل الهدف المعلن للصندوق من هذه الإجراءات في جعل البلاد أكثر جاذبية لرؤوس الأموال الأجنبية. لكن آثارها الداخلية تجسدت في زيادة حدَّة البطالة وإلغاء برامج اجتماعية حيوية. ورغم توفر موارد مالية ضخمة astronomical sums للأرجنتين، وتخفيض النفقات الحكومية، لم ينته أثر الركود، واستمرت فجوة الميزانية في تصاعد إلى حد أصبحت الحكومة عاجزة عن إعادة دفع مستحقات (خدمة) ديونها.
أصبحت الأرجنتين بصفة رسمية غير قادرة على الإيفاء بمتطلبات قروضها التي بلغت 141 بليون دولار بتاريخ 3 ك2/ يناير 2002، وأعادت تقييم (تخفيض) عملتها، رغم اعتراض الصندوق بفترة وجيزة. وانهارت ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأرجنتيني وبدأوا بسحب أموالهم من البلاد. ووجدت الحكومة أن تدفق الأموال نحو الخارج يمكن أن يقود إلى انهيار العملية المصرفية. من هنا فرضت قيودها على السحوبات وحددتها بـ 1000 دولار شهرياً من قبل الأشخاص الأرجنتينيين العاديين. كما حولت السلطات الرسمية الودائع المصرفية التي كانت أصولها بالدولار إلى العملة المحلية، أدت هذه الإجراءات إلى تحسين قيمة الديون المصرفية للمواطنين، بينما أبقت الديون التي تمت بالدولار على حالها. وبعد تخفيض العملة زادت ديون الأرجنتينيين العاديين بمقدار 300% من قيمتها.
بعد مرور ستة أشهر على تخفيض العملة، هبط الدخل المحلي الإجمالي بمقدار3ر16%. وفي حزيران/ يونيو 2002 أصبح معدل الدخل الفردي لـ 19 مليون أرجنتيني من مجموع 35 مليون لا يتجاوز 190 دولار في الشهر.
وفي وسط الاضطرابات التي عمَّت، بما رافقتها من نهب وسلب وزيادة معدلات الجرائم ووحشية أجهزة البوليس، كان هناك 4ر8 مليون أرجنتيني معدم، وأظهرت التقارير تسرب الأطفال من مدارسهم لممارسة الاستجداء.
أكثر وليس أقل MORE, NOT LESS
في تموز/ يوليو 2004 اعترف تقرير صادر عن مكتب التقييم المستقل لصندوق النقد الدولي أنه كان على الصندوق أن لا يستمر في دفع السلطات الأرجنتينية تخفيض نفقات الميزانية العامة بعد أن أصبح واضحاً "تصاعد الرخاوة في خيارات السياسات الحكومية". وبدلاً من ذلك، حسب التقرير، كان على الصندوق تحويل أرصدة القروض المقدمة للأرجنتين للمساعدة على معالجة "التكاليف القائمة التي لم يكن بالإمكان تجنبها" نتيجة السياسات التي اختارها وفرضها الصندوق. وهنا تبين الرقابة الداخلية لصندوق النقد الدولي وبوضوح أن الصندوق لم يكلف نفسه تغيير التوجهات الرئيسة بشأن ما يجب على الدول الدائنة فعله من أجل تخفيف أثقال الديون التي تتحملها الدول المدينة.
"خلال فترة ما قبل الأزمة"، تحدثت الصحف بتاريخ 29 تموز/ يوليو عن الرقابة بقولها "أن صندوق النقد الدولي شخَّصت بشكل سليم عدم الانتظام المالي والحاجة إلى الإصلاح الهيكلي، بخاصة إصلاح سوق العمل، باعتبارها جوهر تحول الإقليم نحو النمو". والأكثر من ذلك أن الصندوق يعتقد أنه كان على الأرجنتين أن تعمل أكثر في هذا الاتجاه وليس أقل من أجل تعزيز التزامه بالبرنامج قبل الأزمة "الالتزام بالشروط كان ضعيفاً، وأن فشل الأرجنتين الإذعان لتلك الشروط كانت باستمرار محل تسوية".
وفي الوقت الحاضر، يقوم توجه إدارة بوش في العراق وبقوة على نفس الفكرة، على نحو أكثر وليس أقل، بحيث تغطي توصياتها مستقبل الاقتصاد العراقي. والأكثر ازدراءاً فإن سلطة قوات التحالف CPA التي أدارت العراق منذ مايس/ مايو 2003 لغاية حزيران/ يونيو 2004، شرَّعت ما يلي: "(a) السماح للأجانب الاستثمار في العراق وفق شروط لا تقل عن تلك المتاحة للمواطن العراقي، إذا لم تصدر تعليمات جديدة". وهذا الأمر المرقم 39 يوفر "(f) حق الاستثمار الأجنبي في كافة القطاعات الاقتصادية العراقية، عدا الامتلاك المباشر وغير المباشر في قطاع الموارد الطبيعية، متضمناً بشكل أساس القطاع الاستخراجي وعملياته التي تبقى محرَّمة على تلك الاستثمارات. كذلك أحلَّ الأمر 39 ضريبة مخففة بواقع 15% عوضاً عن 45% المعمول بها في النظام الضريبي العراقي.
على فرض التزام الحكومة القادمة في بغداد بالأمر المرقم 39، فهذا يعني إلغاء الحظر الطويل للاستثمارات الأجنبية في العراق، والسماح للأجانب الامتلاك إلى حدود 100% من أي مشروع، عدا مشروعات الثروة الطبيعية بضمنها النفط الخاضعة لسيطرتها. ورغم أن الملكية الأجنبية للأرض بقيت غير مشروعة، مُنح الأجانب من أفراد و/ أو مشروعات حق أستئجار ممتلكات لغاية 40 عاماً. بينما الأمر الآخر لسلطة التحالف المرقم 81 يصف الظروف التي في ظلها تشكل إعادة استعمال البذور من قبل الفلاح انتهاكاً لحقوق مسجلة. وبالنسبة لسلطات الاحتلال الأمريكية- البريطانية، فإن هذه السياسات الليبرالية الجديدة كانت مسألة مصيرية. ففي حديثه للصحفيين داخل الطائرة التي كانت تقلُّه في حزيران 2003، أكد بول بريمر الرأس السابق لقوات التحالف الحاجة لخصخصة المشروعات الحكومية وبدرجة من الحماسة بحيث، رغم أزيز الطائرة، بلغ صوته مخزن بضائعها. إذ ذكر "علينا أن نتحرك إلى الأمام بسرعة مع جهودنا هذه".. "إن نقل ملكية المشروعات الحكومية غير الكفؤة إلى أيدي القطاع الخاص مسألة حيوية ليسترد الاقتصاد العراقي عافيته".
لا خلاف على أن السياسات والمصالح الأمريكية انعسكت بدرجة عالية في القرارات التي اتخذت والتصريحات التي أطلقت من قبل السلطات المحلية العراقية. وبالعلاقة مع ديون العراق وبرامج صندوق النقد الدولي، يظهر أن حكومة أياد علاوي، على أي حال، فاقت كل التوقعات.
بتاريخ 24 أيلول/ سبتمبر بعث ثلاثة وزراء في الحكومة العراقية المؤقتة "رسالة تأكيد نوايا" letter of intent إلى المدير الإداري لصندوق النقد الدولي، تضمنت الرسالة: أن المتطلبات المعيارية لإِجراءات صندوق النقد الدولي معمول بها رسمياً ومحل تطبيق السلطات الحكومية، مع ملاحظة أن العناصر الرسمية في الصندوق أملوا dictated بِأنفسهم محتويات الرسالة. إن فحصاً سريعاً للرسالة العراقية- تأكيد النوايا- بالإضافة إلى الوثائق التي صدرت بشأن العراق وأصبحت جاهزة من قبل الصندوق، تكشف عن مصادر متعددة لـ "إعادة ترتيب restore الدين الخارجي العراقي على نحو ثابت: "الإصلاح الضريبي".. "إصلاح القطاع المالي".. "إعادة هيكلة المشروعات المملوكة من قبل الحكومة".. و "استقرار الاقتصاد الكلي". إن مغزى هذه الوثائق تعكس وصفات للصندوق مماثلة لتلك التي فُرِِضَت على الأرجنتين وجنوب شرق آسيا في التسعينات.(1) وفوق ذلك، غياب أي تصريح بِشأن الأولويات، بخاصة معضلة البطالة، سواء من قبل السلطات العراقية أو إدارة الصندوق. وحتى التصريح الذي صدر عن نائب مدير إدارة الصندوق في 29 أيلول/ سبتمبر لم يتضمن أي شيء مهما كان ضئيلاً بخصوص معالجة أزمة البطالة أو الفقر.
وفي 24 ت1/ أكتوبر، خطت الحكومة العراقية المؤقتة خطوة أخرى باتجاه المبدأ الأساسي لتحرير السوق عندما قدمت طلبها لعضوية منظمة التجارة الحرة WTO.
تصلب الدائنين العرب INTRANSIGENT ARAB
وباتجاه جعل الأمور أسوأ للعراق، ورغم كل الانتباه والملاحظات التي تكاثرت بشأن مفاوضات نادي باريس، فإن أغلبية الديون العراقية التي تراكمت في ظلّ النظام السابق لا تعود في الحقيقة إلى أعضاء نادي باريس، بل أن الدائنين الرئيسين للعراق هم الحكومات العربية.
تدعي السعودية 30 بليون دولار، وتطالب الكويت باستعادة ديون تتجاوز 16 بليون دولار، علاوة على أكثر من 30 بليون دولار تعويضات عن الغزو والاحتلال العراقي خلال الفترة 1990-1991. كذلك أدعت الإمارات العربية المتحدة بلايين أخرى، وأيضاً قطر وبلدان عربية غيرها. وأخيراً صدر تقرير يذكر أن إيران قدَّمت بتاريخ 25 ت1/ اكتوبر مطالبتها بمبلغ 97 بليون دولار تعويضات الحرب العراقية الإيرانية للفترة 1980-1988.
منذ البداية، كان الدائنون العرب كارهون حتى لفكرة إلغاء أي جزء من الديون. وكانت الكويت، بصفة خاصة، عنيدة، بل أن موقفها أثار حتى ردود فعل العناصر الأمريكية الرسمية. "يجب عليّ أن أقول أن هذا الأمر مستغرب بالنسبة لي".. قالها بريمر "بلد يحقق متوسط دخل فردي من ناتجه الإجمالي بواقع 800 دولار، والبلد الفقير مطالب بدفع تعويضات إلى بلدان أخرى يتجاوز متوسط دخلها الفردي السنوي عشرة أضعاف، بسبب حرب كان العراقيون، وهم الآن في الحكومة، ضدها".
وكان بريمر يشير بذلك إلى الأموال التي حولت للعراق في فترة الثمانينات، والتي من المحتمل جداً بقصد مساعدة العراق في حربه ضد إيران.
دافع العراق طويلاً وعلى نحو مستمر في ظل صدام حسين على أن هذه الأرصدة كانت منحاً ولم تكن قروضاً. ومن الواضح عدم موافقة حكومة الكويت. حيث أكد وزير خارجيتها محمد صباح السالم الصباح وبقوة في ك1/ ديسمبر أن الكويت تمتلك وثائق رسمية تبين تحويل تلك الأموال إلى العراق. وقال "كل دينار دفعه الكويت إلى العراق دون برهان قانوني ورسمي سيكون عديم القيمة". ولكن من وجهة النظر القانونية، أن واقع التحويل الذي تحقق لا يكفي للبرهان على أن العراق يتحمل أي مطالبة لإِعادة دفع أي مبلغ ما لم تكن شروط التحويل محددة وملزمة. وإذا أصرَّت الدول الدائنة على مواقفها المتصلبة وتفسيراتها القانونية ومناقشاتها بشأن عدم قبولها تطبيق مبدأ الدين الكريه بالعلاقة مع ديون العراق، عندئذ على العراق أن لا يتردد بالدفاع عن كون هذه التحويلات لا تشكل قروضاً دون عقد مكتوب يبرهن عليها. وهنا من غير الواضح فيما إذا كانت مثل هذه العقود موجودة. وما هو صحيح فيما يخص إدعاءات الدين الكويتي، يصبح صحيحاً أيضاً بالنسبة إلى إدعاءات الدين السعودي.
هناك أساس قانوني صلب، بالعلاقة مع العقد، باتجاه التنفيذ القانوني فيما يخص إدعاءات تعويضات الحرب للكويت، طالما تعتمد على قرارات مجلس الأمن الدولي.
من هنا يواجه العراق صعوبات تجنب دفع أي مبلغ تدعي به الكويت ومضمون من قبل لجنة تعويضات الأمم المتحدة، ما لم يقرر العراق وبشكل انفرادي رفض الدفع، وهذا ما سيعمل لصالح العراق أو ضده. (2)

دروس للأطراف التي تطبق الإصلاحات LESSONS FOR REFORMERS
يوفر عهد ما بعد عراق صدام صورة متكاملة عن كيفية استخدام العالم الصناعي للدين كأداة لإجبار الشعوب النامية التخلي surrender عن سيادتها الاقتصادية. فالعراق لا يمتلك أي قدرة على المساومة.. من أجل إنقاذ اقتصاده الضعيف.. وبما يمكنه من إجبار أعضاء نادي باريس إلغاء الجزء الأعظم من ديونه.(3) في الواقع، كان يمكن أن يصبح العراق في وضع أفضل لو اقتصر الأمر فقط على شطب جزء أقل من ديونه. إن مبدأ الدين الكريه يقوم على قوة ذات اعتبارات أخلاقية، لكنها غير ملزمة، ومن ثم لا غرابة أن دائني العراق لا يفكرون في قيم مساعدة الغير altruistic terms، وحتى لا توجد لحالة العراق سابقة مماثلة، بحيث يمكن للدول الأخرى المثقلة بديون كبيرة استخدامها لصالحها. لاحظ نادي باريس بعناية أن العراق "حالة استثنائية" exceptional situation. ما هي المضامين التي تحملها صفقة نادي باريس في 21 ت2/نوفمبر بالعلاقة مع الناشطين ممن يدافعون عن تخفيف الديون المالية المترتبة على الدول الفقيرة في ظلّ أنظمتها الفاسدة؟
عند مناقشة العناصر الحكومية بالعلاقة مع الدين القائم، فإن الأطراف العاملة على تخفيف هذه الديون، يواجهون عقبتين. الأولى أن القرينة المشروعية التي عُقد الدين بموجبها، لا يمكن تعديلها بِأثر رجعي، عليه لا توجد قوة قانونية في مواجهة الطرف الدائن لإقرار ما إذا كان بالإمكان أم لا اعتبار الاتفاقية المالية غير مشروعة.(4) الثانية غياب واضح للحافز المالي لدى الدول الدائنة والمؤسسات التمويلية إعفاء الديون المعلقة أو غير المدفوعة. إن تطبيق أي إصلاح في الوقت الحاضر سيكون موجهاً بالضرورة نحو القروض التي تتحقق في سنوات قادمة. يُضاف إلى ذلك ليس للموقف القانوني بشأن الدين المستقبلي أثر حقيقي على الميزانية السنوية للدائنين.
على الناشطين من أنصار تخفيف ديون العالم الثالث التحرك باتجاه إنشاء ما يماثل مبدأ الدين الكريه للقروض التي ستعقد. يمكن إصلاح الإطار القانوني للقروض الدولية من خلال مجموعة آليات مختلفة، متضمنة- من بين أمور أخرى- معاهدة دولية جديدة، أو قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي، وأيضاً يمكن للاتحاد الأوربي البدء برسم معاهدة دولية، مع تركها مفتوحة للدول الأخرى بغية التصديق عليها في المستقبل.
يناقش العديد من المعنيين أنه إذا كانت إعادة تسديد القروض مرتبطة بالفحص الدقيق لكيفية إنفاق المقترض للمال المدين، فهذا يعني إمكانية تسديد أرصدة القروض. من هنا فإن المعاهدة الدولية أو قرار مجلس الأمن يجب أن توفر آلية لمعالجة موضوع الخلاف أو توجيه كافة الخلافات إلى آلية قادرة على معالجتها. إن أحد الاحتمالات يمكن أن يؤول إلى إنشاء مركز دولي لحل الخلافات الاستثمارية، محكمة دولية تحت رعاية البنك الدولي، بغية التعامل مع الخلافات الناجمة عن القروض الدولية.
أياً كان الوضع الذي سيتفرر بهذا الخصوص، فإن المنفعة التي تتولد عن آلية محددة لحل هذه الخلافات، سقود إلى خلق هيئة قانونية ذات أهمية كبيرة لتصديق جملة قواعد تتعلق بهدف الإعفاء المرتبط بغياب المشروعية.
على أي حال، فإن أياً من تلك الإصلاحات ستكون متأخرة جداً بالنسبة إلى العراق. وطالما ليس من المحتمل أن تغير الدول الدائنة- من منطلق القيم الإنسانية- مواقفها بإلغاء الجزء الأعظم من الديون الكريهة لصدام، فإن الحكومة العراقية الجديدة سوف تكون بحاجة إلى أن تقرر فيما إذا كانت هناك طرقاً تكون من خلالها قادرة على دفع مفاوضات الديون بقوة، ومقاومة الضغط المفروض عليها بفرض وصفات صندوق النقد الدولي. إن الأولوية يجب أن لا تقوم على إرضاء الدائنين الأجانب، بل أن تنصب على تخفيض نسبة البطالة وإعادة توزيع الثروة بطريقة تقود إلى تقليص الفجوة الاجتماعية، وهي أمور ذات أهمية خاصة للعراق. إن الصراع بشأن مستقبل الاقتصاد العراقي بدأ بالتحرك من باريس إلى العراق.
مممممممممممـ
كخلفية بشأن معركة تخفيض الدين العراقي، أنظر:
* Justin Alexander, "Downsizing Saddam s Odious Debt," Middle East Report Online, March 2, 2004.
http://www.merip.org/mero/mero030204.html
* The Iraqi interim government s "letter of intent" to the IMF is available online at: http://www.imf.org/external/np/loi/2004/irq/01/index.htm
* Middle East Report Online is a free service of the Middle East Research and Information Project (MERIP).
مممممممممممممممممممـ
الهوامش الأربعة المثبتة في المقالة تعود إلى المترجم:
(1) الرسالة العراقية letter of intent موقعة من قبل محافظ البنك المركزي العراقي ووزير المالية في الحكومة العراقية المؤقتة.
** للتوسع، انظر أصل الرسالة في: www.imf.org.
(2) حسب بحث متخصص في هذا الموضوع:
- صدر قرار تعويضات الحرب المفروضة على العراق عن جهة سياسية (مجلس الأمن) وليس بموجب قرار قضائي محايد وملزم صادر عن محكمة العدل الدولية أو جهة تحكيمية موضوعية ومحايدة ومتفق عليها من قبل الأطراف المعنية.
- كذلك فإن قرار مجلس الأمن بشأن دفع التعويضات استند إلى قرار لجنة التعويضات المنبثقة عن المجلس، أي أنها أيضاً جهة سياسية وليست قضائية.
- لذا فإن كافة قرارات لجنة التعويضات وإجراءاتها من حيث الجوهر هي سياسية وتخضع من حيث تنفيذها ابتداءاً واستمرار العمل بها أو إيقافها أو إلغائها إلى قرارات مجلس الأمن من الناحية الشكلية والقانونية ومصالح وأهداف الدول الأعضاء، من الناحية العملية والواقعية.
- عليه، فما يتعلق بالتعويضات ليس له بالضرورة صفة القطعية أو النهائية للأحكام القضائية، مما يجعل من التعويضات أداة سياسية تخضع للمصالح والسياسات الوطنية والإقليمية لكل من الدول الأعضاء في المجلس، وعلاقاتها الثنائية بالعراق من جهة، والكويت من جهة أخرى، وبقية دول الخليج المجاورة لكلا البلدين، ويتغير تبعاً لذلك مع تغير سياسات الدول الأعضاء ومصالحها الوطنية والإقليمية والدولية.
** للتوسع، أنظر: عبدالأمير الأنباري، "التعويضات"، ندوة احتلال العراق وتداعياته عربياً وإقليمياً ودولياً، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، آب/ أغسطس 2004، ص939 وما بعدها..
(3) هذا الحكم لكاتب المقالة يتطلب المراجعة.. فرغم أشكال التدمير التي لحق بالعراق، بخاصة الحرب والاحتلال، بقي العراق قادراً على النهوض بفضل خبراته البشرية وموارده المادية، مع ملاحظة ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية، وجاذبية قطاعه النفطي للاستثمارات الأجنبية.. إن مواجهة وإلغاء الديون الكريهة المترتبة على البلاد، يتطلب إزالة الاحتلال، وبناء حكومة وحدة وطنية تحافظ على ثروات وأموال العراق من النهب المستمر.. يكفي القول هنا اختفاء مبالغ من أموال العراق، خلال فترة أقل من سنتين في ظل الاحتلال، تزيد على الديون المعلنة من قبل أعضاء نادي باريس:
- كشف تحقيق لهيئة الإذاعة البريطانية عن نهب بلايين الدولارات من الثروة النفطية العراقية بمشاركة وتواطؤ قوات الاحتلال بحيث تجاوزت 20 بليون دولار.. شبكة أخبار العراق للجميع- تاريخ 8/2/2005.. كما أن اختفاء مبلغ تسعة بلايين دولار من الأموال العراقية تحت إشراف الحاكم المدني الأمريكي السابق للعراق- بريمر- لا زالت محل مناقشات الكونغرس الأمريكي.
- وقبل ذلك وبعد الاحتلال مباشرة، استولت الإدارة الأمريكية على الأموال العراقية المجمدة التي تجاوز رصيدها 17 بليون دولار، مضافاً إليها الرصيد المتراكم للعراق من برامج النفط مقابل الغذاء والبالغ 11 بليون دولار، كما استولت قوات الاحتلال وسلطته على الاحتياطيات النقدية للدولة العراقية المقدرة بما يزيد عن 7 بليون دولار.. حركة الكفاح الشعبي، البيان السياسي، المؤتمر الموسع الأول، منتصف تموز/يوليو 2004، شبكة أخبار العراق للجميع- تاريخ 29/10/2004 (و) 2/11/2004.
(4) إذا كان الكاتب يشير إلى "مبدأ عدم رجعية القوانين" في تنفيذ هذه العقود، عندئذ يمكن مراجعة هذه المقولة، ومراجعة هذه العقود أيضاً.. ذلك أن تطبيق هذا المبدأ ينصب على الحالات التي يصدر فيها قانون معين بحيث يحتوي على تشديد العقوبة الجرمية محل النظر.. أما إذا صدر القانون متضمناً تخفيف العقوبة الجرمية عندئذ يجوز تطبيقه بِأثر رجعي.. وفي حالة العقود القانونية التي تتضمن ديوناً كريهة، فإنها زادت من أعباء البلد المدين دون أن تحقق لها منفعة ما.. من هنا فإن ما سببته هذه الديون الكريهة من تدهور في وضع المدين يوفر الأساس لإلغائها. وعلى أي حال، يبقى من يدافع عن حقوق شعب العراق في هذه المواجهة ليس سلطة الاحتلال ولا الحكومة الدمية المعينة من قبلها، بل وكما سبق القول، حكومة وحدة وطنية بعد زوال الاحتلال.









الموضوع: صندوق النقد الدولي ومستقبل الاقتصاد العراقي
The IMF and the Future of Iraq
الكاتب: زيد العلي Zaid Al- Ali
جهة وتاريخ النشر: December 7,2004- www.iraqieconomy.org
ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد
يمارس كاتب المقالة زيد العلي التحكيم القانوني في مجال التجارة الدولية- باريس- ويعمل مع اليوبيل العراقي Jubilee Iraq- منظمة دولية تناصر حملة الغاء ديون العراق. وهو أيضاً محرر موقع: www.iraqieconomy.org
بتاريخ 21 ت2/ نوفمبر 2004، أصدر نادي باريس Paris Club- الذي يضم تسع عشرة دولة صناعية- قراره بخصوص متابعة وتحديد مضمون مستقبل الاقتصاد العراقي. القرار يهتم بجزء من الديون الرسمية الضخمة على العراق والبالغة 120 بليون دولار. إذ ربط أعضاء نادي باريس مصالحهم للاستفادة من هذه الفرصة بقصد فرض شروط يمكن أن تربط أية حكومة قادمة في بغداد بالسياسات الرئيسة للسوق الحرة.
العراقيون من جهتهم يزدرون فكرة تحميلهم أعباء تسديد تلك الديون التي عقدتها حكومة صدام حسين. ذلك أن أغلبية تلك القروض، عُقدت لأِغراض شراء المعدات العسكرية التي استخدمت لغزو الدول المجاورة، ولم تشكل نفقات ذات اولوية لحاجات الشعب العراقي. ويرى العراقيون وأنصار الحملات الدولية المؤيدة لهم أن اغلبية الديون العراقية هي من نوع "الدين الكريه" odious debt، وهو نوع من الدين يُفترض عدم تسديده، لأِن عوائدها استخدمت ضد مصلحة شعب البلد المدين. عليه، فإن "الدين الكريه" لا يتطلب الالغاء أو الإعفاء منه لكونه باطلاً أساساً. إنه ببساطة لا يشكل استحقاقاً ولا يتطلب إعادة الدفع أبداً طالما يقوم بطبيعته على أساس غير مشروع. تتواجد عدد من الحالات القانونية السابقة بشأن "الدين الكريه"، ولكن من وجهة النظر القانونية الدقيقة، فإن السلطات المعنية مثل نادي باريس ليست مجبرة على تطبيق الحالات السابقة أو حتى أخذها بنظر الاعتبار.
من المحتمل أن نادي باريس أخذ في حسبانه بِأن العراق سوف لن يتشبث بمبدأ "الدَين الكريه" ولن يرفض تسديد جزء منه مهما بلغ ذلك. لأِن رفضه سيدفع نحو إخضاعه للمقاطعة من قبل المؤسسات التمويلية العامة والخاصة، وهذا سيقود إلى عجز حاد severe shortage في رأس المال ويتجه بالاقتصاد نحو مزيد من التراجع. هناك احتمال واحد لتوقف العراق عن دفع ديونه عندما يؤدي إلى إجهاد ميزانيته لدرجة يكون من الأفضل عدم التسديد ، بغض النظر عن استمرارية أو عدم استمرارية تدفق رأس المال. وتدرك الدول الدائنة أن إجبار العراق على تسديد دَينه بالكامل سيدفع البلد في أحضان أزمة اقتصادية عنيفة تمنعه حتى من خدمة دَينه.
من هنا تقرر، منذ فترة طويلة، إلغاء جزء من الدين. ورغم ربط هذا التخفيض بالظروف الإنسانية للبلد المدين، فإن الدول الدائنة، في الواقع، تتنافس لاستنزاف العراق بِأعلى قدر ممكن ولكن دون أن يقود ذلك عملياً إلى قتله.
خيوط مترابطة STRINGS ATTACHED
وافق نادي باريس على إلغاء جزء من ديون العراق وفق ثلاث مراحل. إلغاء نسبة الـ 30% الأولى وتعادل 6ر11 بليون دولار بدون شروط. يتم تخفيض نسبة ألـ 30% الثانية "حال المصادقة على البرنامج المعياري لصندوق النقد الدولي" standard IMF Program. أما النسبة الأخيرة من التخفيض وهي 20% فسيتم ضمان إلغائها "بعد أن يقر مجلس صندوق النقد الدولي- في آخر مراجعة له بعد ثلاث سنوات- التزام العراق تطبيق برنامج الصندوق". بكلمات أخرى، سيتم إلغاء 30% من ديون العراق إذا ما اتفق الصندوق والسلطات العراقية على حزمة "إصلاحات" اقتصادية economic reform package، بينما سيتم تخفيض ألـ 20%، فقط، عندما يعلن صندوق النقد الدولي وبعد ثلاث سنوات عن رضاه لتطبيق العراق شروط الصندوق في إطار تلك الحزمة من "الإصلاحات".
منذ عام 1947، أخذ صندوق النقد الدولي في توسيع مجالات قروضه لتشمل ديونا واجبة السداد وذلك بالعلاقة مع تمويل الدول النامية، مقابل قبولها وإذعانها لشروط الصندوق، متضمنة، بعامة، التخلي عن ملكية المشروعات الحكومية وغيرها من المؤسسات البنوية لصالح القطاع الخاص. في حالة العراق، فإن 50% من ديونه تراكمت في عهد الدكتاتور السابق.. تعادل 38ر19 بليون دولار.. وهي ليست مرتبطة بشروط محددة. وطالما يدعي أعضاء نادي باريس بِأن جملة ديونها على العراق هي 40 بليون دولار، عليه يبقى العراق مديناً بـ 78ر7 بليون دولار لأِعضاء النادي حتى في حالة إقرار صندوق النقد الدولي التزام العراق بشروطه. أما إذا فشل العراق في إرضاء الصندووق عندئذ سيبقى مديناً بـ 16ر27 بليون دولار للدول التسع عشرة الأعضاء في الصندوق.
حال الإعلان عن صدور قرار نادي باريس، فإن الجمعية الوطنية العراقية، وهي المؤسسة الوحيدة الأقرب إلى هيئة تمثيلية في العراق، أصدرت تصريحاً تضمنت أن ديون العراق هي من نوع " الدين الكريه"، وأن قرار نادي باريس يشكل جريمة جديدة ارتكتبت من قبل الدائنين الذين مَولوا صدام في اضطهاده. أضاف الشيخ مؤيد- مسجد أبو حنيفة/ بغداد- الذي تعرض لغارة القوات الأمريكية في منتصف ت2/ نوفمير- بقوله "في عملية اتخاذ القرار لنادي باريس فإن العدو هو القاضي"، وهذا لا يمكن أن يكون عدلاً". ورغم أن العراقيين رفضوا، بحق، هذا التعامل الفاشل معهم، ويعترفون بِأن الجزء الأكبر من هذه الديون هي بطبيعتها ديون كريهة، فإن مشاعرهم تجاه برنامج الصندوق ستكون قوية جداً. أيَّ مستقبل يمكن للعراق أن يتوقعه في ظل توجيهات صندوق النقد الدولي؟ إن سابقتين من التاريخ الحديث يلقيان شيئاً من الضوء على هذا اللغز.
حبة دواء مسمومة POISIN PILL
توفّر أزمة جنوب شرق آسيا لعام 1997 شاهداً واضحاً على حصيلة تطبيق ايديولوجية صندوق النقد الدولي. فمع انتشار إشاعات تقول أن تايلاند على وشك إعادة تقييم (تخفيض) عملتها بات baht، ظهرت حالاً ردود فعل بين المضاربين الذين تعاملوا مع هذه الإشاعات على أنها تنبؤات مؤكدة، وبدأوا بسحب أموالهم ونقلها إلى الخارج بعد تحويلها للدولار، مما زاد هذا الوضع في إضعاف عملة البلاد. وبإضافة عوامل أخرى، فإنها ساهمت جميعهاً في دفع كامل الإقليم نحو الركود التام، وذلك في ظروف استمرار المستثمرين سحب أموالهم وتحويلها إلى الدولار في أماكن أكثر أمناً places“safar”. إن الخروج الكبير للعملة الأجنبية من جنوب شرق آسيا كان بفعل إصلاحات تحرير السوق لما قبل عام 1997 وبالاعتماد على نصيحة صندوق النقد الدولي.
ومع اتساع الأزمة، قدَّم صندوق النقد الدولي قروضاً بحدود 95 بليون دولار للدول المتضررة، ولكن ليس بدون فرض شروط ملزمة. والأكثر خطورة أن الصندوق طلب من هذه الحكومات تحقيق التوازن في ميزانياتها، متضمنة قيامها بتمزيق برامجها الاجتماعية المهمة، وإلغاء هدفها في بلوغ الاستخدام الكامل. كلَّفت هذه الإصلاحات ثمناً اجتماعياً باهضاً. ففي أندنوسيا، على سبيل المثال، انفجرت الاضطرابات بعد يوم واحد من إعلان الحكومة تخفيض الإعانات على المواد الغذائية. يُضاف إلى ذلك أن صندوق النقد الدولي أصرَّ على أن تقوم دول جنوب شرق آسيا برفع معدلات الفائدة بدعوى تشجيع رؤوس الأموال الأجنبية الهاربة للعودة إلى مصارفها. لكن الحصيلة القوية التي نتجت عن هذا الإجراء هي أن أعداداً من المنشآت المحلية أُجبرت على إعلان إفلاسها، مؤدية إلى توسيع أزمة الركود وإضعاف جاذبية الإقليم للمستثمرين.
إن الدول التي ابتلعت حبة الدواء المسمومة لصندوق النقد الدولي- متضمنة تايلاند- كانت لا زالت في حالة ركود عام 2000. من جهة أخرى، رفضت ماليزيا، بامتياز، نصيحة الصندوق واتبعت طريقها الخاص. ثبَّتت معدل صرف عملتها بالعلاقة مع الدولار، وخفَّضت معدلات الفائدة، وأمرت كوالا لامبور كافة الاستثمارات التي خرجت من البلاد العودة إلى الوطن خلال شهر واحد، وفرضت قيوداً شديدة على تحويل رؤوس الأموال خارج البلاد، وجمَّدت إعادة توطين رأس المال الأجنبي لمدة 12 شهراً. وفي نفس الوقت، أخذت البلاد طريقها بروية من أجل إعادة هيكلة قوانينها الخاصة بالشركات والمصارف، وبالنتيجة خرجت ماليزيا من أزمة ركودها على نحو أسرع كثيراً وبديون أقلَّ مقارنة بجاراتها.
مثال الأرجنتين ARGENTINA S` EXAMPLE
خلال فترة التسعينات، اعتبر صندوق النقد الدولي الأرجنتين مثالاً مضيئاً على الدول الأخرى محاكاتها، ولكن هنا أيضاً، ارتبطت توصيات الصندوق، عن قرب، بكارثة اقتصادية. فقبل أن تواجه الأرجنتين حالة الركود عام 1998، تمتع الصندوق بتوجيه control السياسات الاقتصادية للبلاد ارتباطاً بديون سابقة وشروطه الإقراضية وفق "البرنامج المعياري للصندوق". استمرت السلطات الأرجنتينية تطبق بارتياح كافة "الإصلاحات" المطلوبة من قبل الصندوق، متضمنة بيع كميات كبيرة من ملكيات الحكومة وفتح باب التملك الأجنبي لكل صناعة البلاد إلى حدود 100%.
وقبل أن ينهار الاقتصاد الأرجنتيني كلياً عام 2002، كانت المؤسسات الأجنبية، على سبيل المثال، مهيمنة على كامل الصناعة المصرفية في البلاد. وفي حين وفّرت هذه المصارف الأرصدة التمويلية للشركات المتعددة الجنسية، بل وحتى للمنشآت المحلية الكبيرة، فإن المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم شكت من عجزها في الحصول على التمويل الرأسمالي. فكات الحصيلة انخفاضاً حاداً في النمو. هناك من يرى أن القصور في هذا الانهيار الدراماتيكي لم يكن بسبب الصندوق، بل الحكومة التي لم تلاحظ أبداً خطأ بيع ممتلكات البلاد بالجملة. ولكن، مع ذلك، فمن المؤكد أن وصفات الصندوق لم تكن مفيدة.
في الوقت الذي لاحت فيه بوادر الأزمة عام 1998، كانت الحكومة الأرجنتينية قد راكمت كمية ضخمة من الديون الأجنبية. تسببت الأزمة في انخفاض مباشر للإيرادات الضريبية، وبالنتيجة تصاعد مشكلة ميزان المدفوعات. اتجهت بوينس آيرس نحو طريق مختلف وذلك بزيادة الاقتراض من الدائنين الدوليين مثل صندوق النقد الدولي. قدَّم الصندوق 3 بليون دولار عام 1998 و 7ر13 بليون دولار عام 2000، وضمانة قرضية بمبلغ 8 بليون دولار عام 2001. علاوة على قيام الصندوق بترتيبات خاصة لضمان مبلغ إضافي بمقدار 26 بليون دولار من مصادر أخرى في نهاية عام 2000. وجاءت الفاتورة الملغومة بخيوطها المترابطة: أصدر صندوق النقد الدولي أمره decree بِأن على الأرجنتين، من بين أمور أخرى، تحقيق الموازنة في ميزانيتها بإجراء تخفيض حاد للنفقات العامة (الحكومية) وبزيادة نسبة الضرائب. تمثل الهدف المعلن للصندوق من هذه الإجراءات في جعل البلاد أكثر جاذبية لرؤوس الأموال الأجنبية. لكن آثارها الداخلية تجسدت في زيادة حدَّة البطالة وإلغاء برامج اجتماعية حيوية. ورغم توفر موارد مالية ضخمة astronomical sums للأرجنتين، وتخفيض النفقات الحكومية، لم ينته أثر الركود، واستمرت فجوة الميزانية في تصاعد إلى حد أصبحت الحكومة عاجزة عن إعادة دفع مستحقات (خدمة) ديونها.
أصبحت الأرجنتين بصفة رسمية غير قادرة على الإيفاء بمتطلبات قروضها التي بلغت 141 بليون دولار بتاريخ 3 ك2/ يناير 2002، وأعادت تقييم (تخفيض) عملتها، رغم اعتراض الصندوق بفترة وجيزة. وانهارت ثقة المستثمرين بالاقتصاد الأرجنتيني وبدأوا بسحب أموالهم من البلاد. ووجدت الحكومة أن تدفق الأموال نحو الخارج يمكن أن يقود إلى انهيار العملية المصرفية. من هنا فرضت قيودها على السحوبات وحددتها بـ 1000 دولار شهرياً من قبل الأشخاص الأرجنتينيين العاديين. كما حولت السلطات الرسمية الودائع المصرفية التي كانت أصولها بالدولار إلى العملة المحلية، أدت هذه الإجراءات إلى تحسين قيمة الديون المصرفية للمواطنين، بينما أبقت الديون التي تمت بالدولار على حالها. وبعد تخفيض العملة زادت ديون الأرجنتينيين العاديين بمقدار 300% من قيمتها.
بعد مرور ستة أشهر على تخفيض العملة، هبط الدخل المحلي الإجمالي بمقدار3ر16%. وفي حزيران/ يونيو 2002 أصبح معدل الدخل الفردي لـ 19 مليون أرجنتيني من مجموع 35 مليون لا يتجاوز 190 دولار في الشهر.
وفي وسط الاضطرابات التي عمَّت، بما رافقتها من نهب وسلب وزيادة معدلات الجرائم ووحشية أجهزة البوليس، كان هناك 4ر8 مليون أرجنتيني معدم، وأظهرت التقارير تسرب الأطفال من مدارسهم لممارسة الاستجداء.
أكثر وليس أقل MORE, NOT LESS
في تموز/ يوليو 2004 اعترف تقرير صادر عن مكتب التقييم المستقل لصندوق النقد الدولي أنه كان على الصندوق أن لا يستمر في دفع السلطات الأرجنتينية تخفيض نفقات الميزانية العامة بعد أن أصبح واضحاً "تصاعد الرخاوة في خيارات السياسات الحكومية". وبدلاً من ذلك، حسب التقرير، كان على الصندوق تحويل أرصدة القروض المقدمة للأرجنتين للمساعدة على معالجة "التكاليف القائمة التي لم يكن بالإمكان تجنبها" نتيجة السياسات التي اختارها وفرضها الصندوق. وهنا تبين الرقابة الداخلية لصندوق النقد الدولي وبوضوح أن الصندوق لم يكلف نفسه تغيير التوجهات الرئيسة بشأن ما يجب على الدول الدائنة فعله من أجل تخفيف أثقال الديون التي تتحملها الدول المدينة.
"خلال فترة ما قبل الأزمة"، تحدثت الصحف بتاريخ 29 تموز/ يوليو عن الرقابة بقولها "أن صندوق النقد الدولي شخَّصت بشكل سليم عدم الانتظام المالي والحاجة إلى الإصلاح الهيكلي، بخاصة إصلاح سوق العمل، باعتبارها جوهر تحول الإقليم نحو النمو". والأكثر من ذلك أن الصندوق يعتقد أنه كان على الأرجنتين أن تعمل أكثر في هذا الاتجاه وليس أقل من أجل تعزيز التزامه بالبرنامج قبل الأزمة "الالتزام بالشروط كان ضعيفاً، وأن فشل الأرجنتين الإذعان لتلك الشروط كانت باستمرار محل تسوية".
وفي الوقت الحاضر، يقوم توجه إدارة بوش في العراق وبقوة على نفس الفكرة، على نحو أكثر وليس أقل، بحيث تغطي توصياتها مستقبل الاقتصاد العراقي. والأكثر ازدراءاً فإن سلطة قوات التحالف CPA التي أدارت العراق منذ مايس/ مايو 2003 لغاية حزيران/ يونيو 2004، شرَّعت ما يلي: "(a) السماح للأجانب الاستثمار في العراق وفق شروط لا تقل عن تلك المتاحة للمواطن العراقي، إذا لم تصدر تعليمات جديدة". وهذا الأمر المرقم 39 يوفر "(f) حق الاستثمار الأجنبي في كافة القطاعات الاقتصادية العراقية، عدا الامتلاك المباشر وغير المباشر في قطاع الموارد الطبيعية، متضمناً بشكل أساس القطاع الاستخراجي وعملياته التي تبقى محرَّمة على تلك الاستثمارات. كذلك أحلَّ الأمر 39 ضريبة مخففة بواقع 15% عوضاً عن 45% المعمول بها في النظام الضريبي العراقي.
على فرض التزام الحكومة القادمة في بغداد بالأمر المرقم 39، فهذا يعني إلغاء الحظر الطويل للاستثمارات الأجنبية في العراق، والسماح للأجانب الامتلاك إلى حدود 100% من أي مشروع، عدا مشروعات الثروة الطبيعية بضمنها النفط الخاضعة لسيطرتها. ورغم أن الملكية الأجنبية للأرض بقيت غير مشروعة، مُنح الأجانب من أفراد و/ أو مشروعات حق أستئجار ممتلكات لغاية 40 عاماً. بينما الأمر الآخر لسلطة التحالف المرقم 81 يصف الظروف التي في ظلها تشكل إعادة استعمال البذور من قبل الفلاح انتهاكاً لحقوق مسجلة. وبالنسبة لسلطات الاحتلال الأمريكية- البريطانية، فإن هذه السياسات الليبرالية الجديدة كانت مسألة مصيرية. ففي حديثه للصحفيين داخل الطائرة التي كانت تقلُّه في حزيران 2003، أكد بول بريمر الرأس السابق لقوات التحالف الحاجة لخصخصة المشروعات الحكومية وبدرجة من الحماسة بحيث، رغم أزيز الطائرة، بلغ صوته مخزن بضائعها. إذ ذكر "علينا أن نتحرك إلى الأمام بسرعة مع جهودنا هذه".. "إن نقل ملكية المشروعات الحكومية غير الكفؤة إلى أيدي القطاع الخاص مسألة حيوية ليسترد الاقتصاد العراقي عافيته".
لا خلاف على أن السياسات والمصالح الأمريكية انعسكت بدرجة عالية في القرارات التي اتخذت والتصريحات التي أطلقت من قبل السلطات المحلية العراقية. وبالعلاقة مع ديون العراق وبرامج صندوق النقد الدولي، يظهر أن حكومة أياد علاوي، على أي حال، فاقت كل التوقعات.
بتاريخ 24 أيلول/ سبتمبر بعث ثلاثة وزراء في الحكومة العراقية المؤقتة "رسالة تأكيد نوايا" letter of intent إلى المدير الإداري لصندوق النقد الدولي، تضمنت الرسالة: أن المتطلبات المعيارية لإِجراءات صندوق النقد الدولي معمول بها رسمياً ومحل تطبيق السلطات الحكومية، مع ملاحظة أن العناصر الرسمية في الصندوق أملوا dictated بِأنفسهم محتويات الرسالة. إن فحصاً سريعاً للرسالة العراقية- تأكيد النوايا- بالإضافة إلى الوثائق التي صدرت بشأن العراق وأصبحت جاهزة من قبل الصندوق، تكشف عن مصادر متعددة لـ "إعادة ترتيب restore الدين الخارجي العراقي على نحو ثابت: "الإصلاح الضريبي".. "إصلاح القطاع المالي".. "إعادة هيكلة المشروعات المملوكة من قبل الحكومة".. و "استقرار الاقتصاد الكلي". إن مغزى هذه الوثائق تعكس وصفات للصندوق مماثلة لتلك التي فُرِِضَت على الأرجنتين وجنوب شرق آسيا في التسعينات.(1) وفوق ذلك، غياب أي تصريح بِشأن الأولويات، بخاصة معضلة البطالة، سواء من قبل السلطات العراقية أو إدارة الصندوق. وحتى التصريح الذي صدر عن نائب مدير إدارة الصندوق في 29 أيلول/ سبتمبر لم يتضمن أي شيء مهما كان ضئيلاً بخصوص معالجة أزمة البطالة أو الفقر.
وفي 24 ت1/ أكتوبر، خطت الحكومة العراقية المؤقتة خطوة أخرى باتجاه المبدأ الأساسي لتحرير السوق عندما قدمت طلبها لعضوية منظمة التجارة الحرة WTO.
تصلب الدائنين العرب INTRANSIGENT ARAB
وباتجاه جعل الأمور أسوأ للعراق، ورغم كل الانتباه والملاحظات التي تكاثرت بشأن مفاوضات نادي باريس، فإن أغلبية الديون العراقية التي تراكمت في ظلّ النظام السابق لا تعود في الحقيقة إلى أعضاء نادي باريس، بل أن الدائنين الرئيسين للعراق هم الحكومات العربية.
تدعي السعودية 30 بليون دولار، وتطالب الكويت باستعادة ديون تتجاوز 16 بليون دولار، علاوة على أكثر من 30 بليون دولار تعويضات عن الغزو والاحتلال العراقي خلال الفترة 1990-1991. كذلك أدعت الإمارات العربية المتحدة بلايين أخرى، وأيضاً قطر وبلدان عربية غيرها. وأخيراً صدر تقرير يذكر أن إيران قدَّمت بتاريخ 25 ت1/ اكتوبر مطالبتها بمبلغ 97 بليون دولار تعويضات الحرب العراقية الإيرانية للفترة 1980-1988.
منذ البداية، كان الدائنون العرب كارهون حتى لفكرة إلغاء أي جزء من الديون. وكانت الكويت، بصفة خاصة، عنيدة، بل أن موقفها أثار حتى ردود فعل العناصر الأمريكية الرسمية. "يجب عليّ أن أقول أن هذا الأمر مستغرب بالنسبة لي".. قالها بريمر "بلد يحقق متوسط دخل فردي من ناتجه الإجمالي بواقع 800 دولار، والبلد الفقير مطالب بدفع تعويضات إلى بلدان أخرى يتجاوز متوسط دخلها الفردي السنوي عشرة أضعاف، بسبب حرب كان العراقيون، وهم الآن في الحكومة، ضدها".
وكان بريمر يشير بذلك إلى الأموال التي حولت للعراق في فترة الثمانينات، والتي من المحتمل جداً بقصد مساعدة العراق في حربه ضد إيران.
دافع العراق طويلاً وعلى نحو مستمر في ظل صدام حسين على أن هذه الأرصدة كانت منحاً ولم تكن قروضاً. ومن الواضح عدم موافقة حكومة الكويت. حيث أكد وزير خارجيتها محمد صباح السالم الصباح وبقوة في ك1/ ديسمبر أن الكويت تمتلك وثائق رسمية تبين تحويل تلك الأموال إلى العراق. وقال "كل دينار دفعه الكويت إلى العراق دون برهان قانوني ورسمي سيكون عديم القيمة". ولكن من وجهة النظر القانونية، أن واقع التحويل الذي تحقق لا يكفي للبرهان على أن العراق يتحمل أي مطالبة لإِعادة دفع أي مبلغ ما لم تكن شروط التحويل محددة وملزمة. وإذا أصرَّت الدول الدائنة على مواقفها المتصلبة وتفسيراتها القانونية ومناقشاتها بشأن عدم قبولها تطبيق مبدأ الدين الكريه بالعلاقة مع ديون العراق، عندئذ على العراق أن لا يتردد بالدفاع عن كون هذه التحويلات لا تشكل قروضاً دون عقد مكتوب يبرهن عليها. وهنا من غير الواضح فيما إذا كانت مثل هذه العقود موجودة. وما هو صحيح فيما يخص إدعاءات الدين الكويتي، يصبح صحيحاً أيضاً بالنسبة إلى إدعاءات الدين السعودي.
هناك أساس قانوني صلب، بالعلاقة مع العقد، باتجاه التنفيذ القانوني فيما يخص إدعاءات تعويضات الحرب للكويت، طالما تعتمد على قرارات مجلس الأمن الدولي.
من هنا يواجه العراق صعوبات تجنب دفع أي مبلغ تدعي به الكويت ومضمون من قبل لجنة تعويضات الأمم المتحدة، ما لم يقرر العراق وبشكل انفرادي رفض الدفع، وهذا ما سيعمل لصالح العراق أو ضده. (2)

دروس للأطراف التي تطبق الإصلاحات LESSONS FOR REFORMERS
يوفر عهد ما بعد عراق صدام صورة متكاملة عن كيفية استخدام العالم الصناعي للدين كأداة لإجبار الشعوب النامية التخلي surrender عن سيادتها الاقتصادية. فالعراق لا يمتلك أي قدرة على المساومة.. من أجل إنقاذ اقتصاده الضعيف.. وبما يمكنه من إجبار أعضاء نادي باريس إلغاء الجزء الأعظم من ديونه.(3) في الواقع، كان يمكن أن يصبح العراق في وضع أفضل لو اقتصر الأمر فقط على شطب جزء أقل من ديونه. إن مبدأ الدين الكريه يقوم على قوة ذات اعتبارات أخلاقية، لكنها غير ملزمة، ومن ثم لا غرابة أن دائني العراق لا يفكرون في قيم مساعدة الغير altruistic terms، وحتى لا توجد لحالة العراق سابقة مماثلة، بحيث يمكن للدول الأخرى المثقلة بديون كبيرة استخدامها لصالحها. لاحظ نادي باريس بعناية أن العراق "حالة استثنائية" exceptional situation. ما هي المضامين التي تحملها صفقة نادي باريس في 21 ت2/نوفمبر بالعلاقة مع الناشطين ممن يدافعون عن تخفيف الديون المالية المترتبة على الدول الفقيرة في ظلّ أنظمتها الفاسدة؟
عند مناقشة العناصر الحكومية بالعلاقة مع الدين القائم، فإن الأطراف العاملة على تخفيف هذه الديون، يواجهون عقبتين. الأولى أن القرينة المشروعية التي عُقد الدين بموجبها، لا يمكن تعديلها بِأثر رجعي، عليه لا توجد قوة قانونية في مواجهة الطرف الدائن لإقرار ما إذا كان بالإمكان أم لا اعتبار الاتفاقية المالية غير مشروعة.(4) الثانية غياب واضح للحافز المالي لدى الدول الدائنة والمؤسسات التمويلية إعفاء الديون المعلقة أو غير المدفوعة. إن تطبيق أي إصلاح في الوقت الحاضر سيكون موجهاً بالضرورة نحو القروض التي تتحقق في سنوات قادمة. يُضاف إلى ذلك ليس للموقف القانوني بشأن الدين المستقبلي أثر حقيقي على الميزانية السنوية للدائنين.
على الناشطين من أنصار تخفيف ديون العالم الثالث التحرك باتجاه إنشاء ما يماثل مبدأ الدين الكريه للقروض التي ستعقد. يمكن إصلاح الإطار القانوني للقروض الدولية من خلال مجموعة آليات مختلفة، متضمنة- من بين أمور أخرى- معاهدة دولية جديدة، أو قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي، وأيضاً يمكن للاتحاد الأوربي البدء برسم معاهدة دولية، مع تركها مفتوحة للدول الأخرى بغية التصديق عليها في المستقبل.
يناقش العديد من المعنيين أنه إذا كانت إعادة تسديد القروض مرتبطة بالفحص الدقيق لكيفية إنفاق المقترض للمال المدين، فهذا يعني إمكانية تسديد أرصدة القروض. من هنا فإن المعاهدة الدولية أو قرار مجلس الأمن يجب أن توفر آلية لمعالجة موضوع الخلاف أو توجيه كافة الخلافات إلى آلية قادرة على معالجتها. إن أحد الاحتمالات يمكن أن يؤول إلى إنشاء مركز دولي لحل الخلافات الاستثمارية، محكمة دولية تحت رعاية البنك الدولي، بغية التعامل مع الخلافات الناجمة عن القروض الدولية.
أياً كان الوضع الذي سيتفرر بهذا الخصوص، فإن المنفعة التي تتولد عن آلية محددة لحل هذه الخلافات، سقود إلى خلق هيئة قانونية ذات أهمية كبيرة لتصديق جملة قواعد تتعلق بهدف الإعفاء المرتبط بغياب المشروعية.
على أي حال، فإن أياً من تلك الإصلاحات ستكون متأخرة جداً بالنسبة إلى العراق. وطالما ليس من المحتمل أن تغير الدول الدائنة- من منطلق القيم الإنسانية- مواقفها بإلغاء الجزء الأعظم من الديون الكريهة لصدام، فإن الحكومة العراقية الجديدة سوف تكون بحاجة إلى أن تقرر فيما إذا كانت هناك طرقاً تكون من خلالها قادرة على دفع مفاوضات الديون بقوة، ومقاومة الضغط المفروض عليها بفرض وصفات صندوق النقد الدولي. إن الأولوية يجب أن لا تقوم على إرضاء الدائنين الأجانب، بل أن تنصب على تخفيض نسبة البطالة وإعادة توزيع الثروة بطريقة تقود إلى تقليص الفجوة الاجتماعية، وهي أمور ذات أهمية خاصة للعراق. إن الصراع بشأن مستقبل الاقتصاد العراقي بدأ بالتحرك من باريس إلى العراق.
مممممممممممـ
كخلفية بشأن معركة تخفيض الدين العراقي، أنظر:
* Justin Alexander, "Downsizing Saddam s Odious Debt," Middle East Report Online, March 2, 2004.
http://www.merip.org/mero/mero030204.html
* The Iraqi interim government s "letter of intent" to the IMF is available online at: http://www.imf.org/external/np/loi/2004/irq/01/index.htm
* Middle East Report Online is a free service of the Middle East Research and Information Project (MERIP).
مممممممممممممممممممـ
** ZaiAl- Ali, "The IMF and The Future of Iraq"-www.iraqieconomic.org-December7,2004
ترجمة: د. عبدالوهاب حميد رشيد
الهوامش الأربعة المثبتة في المقالة تعود إلى المترجم:
(1) الرسالة العراقية letter of intent موقعة من قبل محافظ البنك المركزي العراقي ووزير المالية في الحكومة العراقية المؤقتة.
** للتوسع، انظر أصل الرسالة في: www.imf.org.
(2) حسب بحث متخصص في هذا الموضوع:
- صدر قرار تعويضات الحرب المفروضة على العراق عن جهة سياسية (مجلس الأمن) وليس بموجب قرار قضائي محايد وملزم صادر عن محكمة العدل الدولية أو جهة تحكيمية موضوعية ومحايدة ومتفق عليها من قبل الأطراف المعنية.
- كذلك فإن قرار مجلس الأمن بشأن دفع التعويضات استند إلى قرار لجنة التعويضات المنبثقة عن المجلس، أي أنها أيضاً جهة سياسية وليست قضائية.
- لذا فإن كافة قرارات لجنة التعويضات وإجراءاتها من حيث الجوهر هي سياسية وتخضع من حيث تنفيذها ابتداءاً واستمرار العمل بها أو إيقافها أو إلغائها إلى قرارات مجلس الأمن من الناحية الشكلية والقانونية ومصالح وأهداف الدول الأعضاء، من الناحية العملية والواقعية.
- عليه، فما يتعلق بالتعويضات ليس له بالضرورة صفة القطعية أو النهائية للأحكام القضائية، مما يجعل من التعويضات أداة سياسية تخضع للمصالح والسياسات الوطنية والإقليمية لكل من الدول الأعضاء في المجلس، وعلاقاتها الثنائية بالعراق من جهة، والكويت من جهة أخرى، وبقية دول الخليج المجاورة لكلا البلدين، ويتغير تبعاً لذلك مع تغير سياسات الدول الأعضاء ومصالحها الوطنية والإقليمية والدولية.
** للتوسع، أنظر: عبدالأمير الأنباري، "التعويضات"، ندوة احتلال العراق وتداعياته عربياً وإقليمياً ودولياً، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، آب/ أغسطس 2004، ص939 وما بعدها..
(3) هذا الحكم لكاتب المقالة يتطلب المراجعة.. فرغم أشكال التدمير التي لحق بالعراق، بخاصة الحرب والاحتلال، بقي العراق قادراً على النهوض بفضل خبراته البشرية وموارده المادية، مع ملاحظة ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية، وجاذبية قطاعه النفطي للاستثمارات الأجنبية.. إن مواجهة وإلغاء الديون الكريهة المترتبة على البلاد، يتطلب إزالة الاحتلال، وبناء حكومة وحدة وطنية تحافظ على ثروات وأموال العراق من النهب المستمر.. يكفي القول هنا اختفاء مبالغ من أموال العراق، خلال فترة أقل من سنتين في ظل الاحتلال، تزيد على الديون المعلنة من قبل أعضاء نادي باريس:
- كشف تحقيق لهيئة الإذاعة البريطانية عن نهب بلايين الدولارات من الثروة النفطية العراقية بمشاركة وتواطؤ قوات الاحتلال بحيث تجاوزت 20 بليون دولار.. شبكة أخبار العراق للجميع- تاريخ 8/2/2005.. كما أن اختفاء مبلغ تسعة بلايين دولار من الأموال العراقية تحت إشراف الحاكم المدني الأمريكي السابق للعراق- بريمر- لا زالت محل مناقشات الكونغرس الأمريكي.
- وقبل ذلك وبعد الاحتلال مباشرة، استولت الإدارة الأمريكية على الأموال العراقية المجمدة التي تجاوز رصيدها 17 بليون دولار، مضافاً إليها الرصيد المتراكم للعراق من برامج النفط مقابل الغذاء والبالغ 11 بليون دولار، كما استولت قوات الاحتلال وسلطته على الاحتياطيات النقدية للدولة العراقية المقدرة بما يزيد عن 7 بليون دولار.. حركة الكفاح الشعبي، البيان السياسي، المؤتمر الموسع الأول، منتصف تموز/يوليو 2004، شبكة أخبار العراق للجميع- تاريخ 29/10/2004 (و) 2/11/2004.
(4) إذا كان الكاتب يشير إلى "مبدأ عدم رجعية القوانين" في تنفيذ هذه العقود، عندئذ يمكن مراجعة هذه المقولة، ومراجعة هذه العقود أيضاً.. ذلك أن تطبيق هذا المبدأ ينصب على الحالات التي يصدر فيها قانون معين بحيث يحتوي على تشديد العقوبة الجرمية محل النظر.. أما إذا صدر القانون متضمناً تخفيف العقوبة الجرمية عندئذ يجوز تطبيقه بِأثر رجعي.. وفي حالة العقود القانونية التي تتضمن ديوناً كريهة، فإنها زادت من أعباء البلد المدين دون أن تحقق لها منفعة ما.. من هنا فإن ما سببته هذه الديون الكريهة من تدهور في وضع المدين يوفر الأساس لإلغائها. وعلى أي حال، يبقى من يدافع عن حقوق شعب العراق في هذه المواجهة ليس سلطة الاحتلال ولا الحكومة الدمية المعينة من قبلها، بل وكما سبق القول، حكومة وحدة وطنية بعد زوال الاحتلال.



#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدستور والانتخابات في العراق المحتل
- المقاومة والأحزاب السياسية في العراق المحتل
- حضارة وادي الرافدين** -العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. ...
- التحول الديمقراطي والمجتمع المدني** -مناقشة فكرية وامثلة لتج ...
- مأزق المرأة العراقية وقانون الاحوال الشخصية
- جذور ازمة العنف السياسي في العراق - قراءة في المواريث التاري ...
- مقومات التحول الديمقراطي
- العراق المعاصر انظمة الحكم والاحزاب السياسية
- نقد العولمة
- الاقتصاد- النفط العراقي الى اين؟
- الاقتصاد العراقي الي اين؟
- الوضع السياسي في العراق


المزيد.....




- المغرب وفرنسا يسعيان لتعزيز علاقتهما بمشاريع الطاقة والنقل
- مئات الشاحنات تتكدس على الحدود الروسية الليتوانية
- المغرب وفرنسا يسعيان إلى التعاون بمجال الطاقة النظيفة والنقل ...
- -وول ستريت- تقفز بقوة وقيمة -ألفابت- تتجاوز التريليوني دولار ...
- الذهب يصعد بعد صدور بيانات التضخم في أميركا
- وزير سعودي: مؤشرات الاستثمار في السعودية حققت أرقاما قياسية ...
- كيف يسهم مشروع سد باتوكا جورج في بناء مستقبل أفضل لزامبيا وز ...
- الشيكل مستمر في التقهقر وسط التوترات الجيوسياسية
- أسعار النفط تتجه لإنهاء سلسلة خسائر استمرت أسبوعين
- -تيك توك- تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبدالوهاب حميد رشيد - صندوق النقد الدولي ومستقبل العراق