أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضال نعيسة - لاتحاكمـــوا هذا الرجل















المزيد.....

لاتحاكمـــوا هذا الرجل


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1099 - 2005 / 2 / 4 - 09:31
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


آلمني كثيرا,وجرحني في الصميم والوجدان,واجتاحتني مشاعر مختلطة من الرعب والسخط والغيظ,وأحيانا رغبة جامحة في البكاء ,لذاك الملاك الذي وقع بين براثن ذئب بشري معمد بوصايا وتعاليم إجرامية,بعيدة عن كل الأديان والأعراف والمعتقدات ,أدمن على سماعها منذ رأت عيناه النور في تلك الغيتوهات المغلقة الظلماء التي نشرت ثقافة الموت, والقتل, واستسهال قطف الأرواح, وروجتها كسلعة تجارية في كل الدكاكين والبوتيكات والأبواق التي يسمونها مجازا بالإعلام, وعلى رؤوس الأشهاد ,وروجتها بغباء ومثابرة وإلحاح ,حتى صارت جزءا من سلوك يومي عام وتيارا فكريا كاسحا لا يستطيع أحد الوقوف بوجهه أو مقاومته على الإطلاق.فتهم الردة والزندقة والتكفير والمروق هي بالإنتظار.

وقد نقلت معظم الصحف هذا الخبر ,فيما أشارت صحيفة بارزة أن متطرفا عاد لتوه من الحج أقدم على نحر ابنته بعد أن قام بربطها بحبل في داخل غرفتها، ووجه رأسها ناحية القبلة. ولم تشفع توسلاتها في ردع الأب عن المضي قدما في ذبحها. وبحسب الصحيفة فإن المتهم, الذي وصفته بالمتطرف وصاحب السوابق, كان قد عاد لتوه من أداء فريضة الحج لينهال على ابنته التي تدعى أسماء بأسئلة وصفت بالغرابة. وأضافت الصحيفة أن الأب الذي يعمل كاتبا في إدارة الدراسات الإسلامية في وزارة الأوقاف، كان قد اعتقل في 1993 في السعودية، وقضى في سجونها 20 شهرا على ذمة قضية أمن دولة إلى جانب داعية كويتي وسعوديين. مدعيا بعد أن فاضت روحها إلى السماء أنها ستذهب للفردوس والجنان.وقد تابع الجميع وقرأ قصة تلك السندريللا البدوية العربية الصغيرة ذات الأحد عشر ربيعا التي ذبحها أبوها كما تذبح النعاج,ولم لا ونحن في موسم, الأضاحي,وكانت هذه "الموؤدة" أضحيته البشرية في في هذا اليوم المبارك, تقدم قربانا لفكر الإجرام, ودماؤها الزكية إكسيرا مقدسا ,ومفضلا لمصاصي الدماء ومدمني الموت في هذه الأعراس.

ولو حاولنا تلمس اللحظات الأخيرة في عمر تلك المغدورة البريئة ,وساطور الزرقاوي المستنسخ هذه المرة بنجاح ,والأب الوالد سابقا, وهي ترى يدي أبي لهب تمتد الى جيدها الطري الغض لتفرمه وتنحره ,وتنسال الدماء الطاهرة الزكية مدرارا على الأرض ,والبلاط,والسجاد الذي شهد لعبها البريء,و"شيطنتها" ولهوها البريء, وركضها, والجدران التي تخبئ صوتها الدافئ الذي خبا وإلى الأبد الآن,وشجاراتها العفوية مع إخوتها في الأيام القريبات من هذا الهولوكوست المرعب ومهرجان الذئاب.كيف كانت نظراتها لليدين اللتين حملتاها ,وداعبتاها,وقدمت لها الحلوى والدفاتر والكراسات,وحملتها في الحدائق ,وحضنتها وضمتها يوم كانت "تغاغي" وتغرد,وترفرف بجناحيها في المهد والفراش ,وصفقت لها حين لفظت أولى الأبجديات ,وإلى الوجه والعينين اللتين قدمتا لها البسمة والقبلة والحب والإعجاب في يوم من الأيام الغابرات,وما هو شعورها في تلك اللحظات وهي تفارق الحياة على يدي من كان أحب وأغلى وأعز الناس على القلب والوجدان؟لاشك إنها لحظات لاتوصف, وأمر صاعق ومذهل وغريب وشاذ ولا يمكن تبريره بشكل من الأشكال.

ولكي لانتهم بالجهل والتعميم والغباء, فليس كل الآباء مثل هذا الرجل,وليس كل المؤمنين مثل أبي أسماء ,وهذه حالة فردية قد لا تتكرر في القريب,ولكن ألا ترون أن الأمور بدأت تفلت من الزمام,وتأخذ أبعادا خطيرة في كثير من الأحيان,وأن نقاط المطر الهاطل قد صنعت ذاك المحيط الهادرالجبار كما تقول الأمثال العولميات ,وإنه آن الآوان للتوقف والتطلع ولو قليلا نحو الوراء.وعاصفة الصحراء السوداء تتسع وتهب ومن أكثر من اتجاه.والسؤال الآن من الذي أوصل هذا الرجل إلى هذا السعير وجرده من إنسانيته ,وألبسه هذا الثوب الإجرامي ,وجعله بهذا الصورة الهمجية البدائية المنحطة,ودفعه لارتكاب هذه الجريمة الرهيبة بحق فلذة كبده ,وعصفورة من عصافير الجنة ,ومن أحباء الله ورفقاء الملائكة؟ ومن الذي أطلق العنان لهذه القطعان البدائية المتوحشة لتفتك بالحرث والضرع والناس ,وتستبيح الأنفس والعقول والأرواح؟ ومن هو القادر على وقف هذا الطوفان؟ إنه وبلا شك ضحية مثله مثل تلك الفتاة العذراء التي بين الفحص الشرعي عذريتها, وعدم تعرضها لسوء في هذا المجال.وإنه قد مات من زمان,ومصنف مع الهالكين الأموات ,وماتت معه كل قيم الحياة الجميلة كما ماتت الأبوة والرحمة والحب والحنان.ومهما كان العقاب ,فلن يوازي حجم وبشاعة تلك الجريمة النكراء؟ فمن أوصل هذا الكائن البائس إلى شفير الهاوية ,ونقطة اللاعودة إلى الحياة الطبيعية بكل جمالها وتنوعها وثرائها بكل أسباب الديمومة والبقاء ؟ فلقد أصبح هؤلاء المساكين وأمثالهم من الملايين الذين استلمهم الظلاميون العتاة ضحية للجهل والفكر الأسود الضال, الذي يقذف بهم في كهوف ومغاور وبواطن الشعوذة والجهل والهذيان,ويعطل عقولهم ,ويمسح أدمغتهم,ويلغي آدميتهم.لقد أصبحوا قنابل موقوتة وخطرا داهما على أنفسهم وأطفالهم ونسائهم وكل من حولهم وعلى الحياة بشكل عام .وليس على الروافض ,والخوارج المارقين والكفار وتصنيفات العنصرية والإستئصال, وبدع القتل, وتبريرات الموت الأخرى الكثيرة التي يزخر بها هذا التيار. وقد تابعنا جميعا حروب التكفيروالإرتداد المتبادلة بين الجماعات المختلفة والمتباينة الإتجاهات,التي ترتدي نفس الأثواب, فيما وقف المعتدلون والعقلاء يراقبون بحسرة وألم هذه الحرب الشعواء. وكم من أسماء صغيرة مذبوحة ومنحورة وموؤودة وهي على قيد الحياة؟ وحتى الحكام وأولي الأمر الأبرار الودعاء الأحناء, الذين حضنوهم, وساندوهم ,وربوهم, ودللوهم,وغنجوهم ,ورعوهم في سنين القحط والجدب والغلاء لم يسلموا من غدرهم وتكفيرهم.

وكم حمدت الله وشكرته,في سري وفي علني ,وأنا أتابع الشاشات وأرصد كمية الحقد والتطرف والغلو والإستعداء, أن ليس لدينا أسلحة للدمار الشامل لكنا جميعا الآن في خبر كان, وفي الماضي, وأبشع حال. وما كان قد تبقى لدينا أطفال, أو بنات, وعصافير لنحرهم بالخناجر والسكاكين والمدى المثلمات,ولبقيت سمعتنا ,عندها فقط , في أحسن الأحوال.وعلى العكس فقد سلحنا الله, لحكمته وتبصره بالأقدار, بالجهل ,وعمى البصيرة والأبصار,والحقد والغباء وضيق الصدور والآفاق. وحمدت الله أننا لم نستطع إلى الآن اختراع حتى "نقيفة"أو منجنيق يطلق الحجارة أو حتى هروات وأسواط نجلد بها ظهور المعارضين والثرثارين الأوغاد, مادامنا نسبح في بحور الظلمات ,ونعيش بالخرافات والدجل والزعبرات والأوهام. وكم تمنيت ألا يكون لدينا أية طلقة أو قنبلة أو مدفع رشاش لما كنا قد شهدنا كل ذاك الإقصاء ومسلسلات التصفيات.وأقف دائما ضد التسلح وامتلاك الترسانات لهذه الأسباب,وإن شاء الله ألا ندخل يوما في نادي الأقوياء. لأنه عندما نمتلك ويصبح لدينا قوة سنستعملها ضد الصدور العارية والعصافير والورود وليس في الميادين وساح القتال حيث تمتحن البطولة ورجولة الرجال.وأن نبقى مع المهزومين المندحرين والعراة الضعفاء.وحمدت الله كثيرا أن ليس لدينا مانقدمه للبشرية سوى لون السواد والليل والظلام .

لاتحاكموا هذا الرجل الضحية ,إنه مذبوح ومقطوع الرأس ومستأصل الدماغ والعقل والنخاع وهالك من زمان,ومصنف مع الوحوش البدائيين والذئاب. ويعيش ويتحرك ويمارس طقوسه تحت سمع وبصر ومراقبة الحكومات, التي تتفرج على سيرك الموت والعبث وتؤججه وتلهبه بعائدات وفوائض الثروات. بل حاكموا من جعله يستل السكين بفرح وأمان, وينقض على زهرة برية وادعة مسالمة في وضح النهار, وهو مطمئن ومبتسم ومرتاح البال,وحاكموا كل من سهل وزين له هذا السلوك الخزي وزركش له هذا الطريق بالمغريات ووعود الغيب وصكوك الغفران والخزعبلات.واذهبوا إلى المراجع وكتب الوعاظ التي تزخر بهذه "المسهلات", وحيث تضيق بها الرفوف والمكتبات,وتدرس في المدارس ,وتخرب بها النفوس وتشوه عندها قيم الحياة,وتغرس الكراهية والحقد والبغضاء التي لابد من تنفيسها حتى ولو كان "بالطفلة البريئة أسماء" .وافتحوا الآن ,وبعد كل ما حصل ويحصل من هدر للدماء ,وفي هذه اللحظة بالذات أبواق الإستهبال لتروا أطياف العمامات بمختلف الألوان, وهي تنشر وتسهل للموت الأسود الزؤام, وتحلل الدم الحرام,وتؤدلج وتبررالإجرام. واقرؤوا الصحف السوداء المنمقة كيف يبشرنجومها اللامعون بالسعير وجهنم الحمراء والهلاك لكل الشعوب والأعراق. وزوروا المواقع العنكبوتية لتروا التحريض والضخ والتجييش والتأجيج والظلام وفانتازيات النحرالموثق, وزهق الأرواح المصور,وقطع الرقاب المبرر تحت شتى المسميات وتحفل بالتشهير العنصري الإجرامي ضد أمم وخلق الله,وفي ظل ندرة وغياب وإقصاء متعمد ولافت لأدمغة النور والعلمانية والليبرالية والتحرر وحجبها كليا عن الظهور ومخاطبة الرعاع والدهماء,وانصتوا إلى أولئك الناعقين الكبار المطالبين بذبح وموت واستئصال الشعوب والملل والنحل والشيع والفرق التي خلقها الله لتعارفوا وتتعايشوا, ولو شاء ربك لآمن في الأرض,لكن ذلك تقدير العزيز الحكيم في السماء في هذا التنوع والثراء, ويصموا آذانهم دوما عن صوت الحكمة والعقل الذي لاينصت له ولايفقهه أويفهمه مصاصو الدماء.وحاكموا الثروة التي استغلها "الأذكياء" لنشر ثقافة الموت, وتفريخ القتلة, وانتاج السفاحين العتاة الذين ملؤوا الكون والآفاق.أفبعد ذلك تلومون وتحكمون على منحوري الدماغ المهووسين بدم البراعم والصغار؟
لاتحاكموا أبا أسماء فقد حكم عليه بالإعدام وهو في حكم الأموات من زمان.

إنه الذبح الحلال......وأضاحيه من الأطفال.

نضال نعيسة كاتب سوري مستقل






#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواجهـــــــــة مع الذات
- محــارق وأوشفيتزات
- النهايات المنطقيـــة
- البؤســـــاء
- الجحيــــم الموجــــود
- الصدمـــة والرعب
- توم وجيري.........للبالغين سياسيا فقط
- أهل الذمة السياسية
- تسوناميا العظمــــى
- عاصفة الصحــــراء
- بريسترويكا إعلاميــــة
- شهـــود الــزور
- 2-العولمـــة الجامحــــة
- 1-العولمـــة الجامحـــة
- قوانين الطــوارئ العقلية
- خذوا الكذبة من أفواه السياسيين
- اللعب علــى الحبال
- الفضيحـــة
- حـــزب المواطنــــة
- حتمـــية التعايــش


المزيد.....




- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
- الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل ...
- البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت ...
- الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
- -وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف ...
- مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن ...
- السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير ...
- 4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضال نعيسة - لاتحاكمـــوا هذا الرجل