أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر عبد المهدي صاحب - بمناسبة اداء بوتين اليمين الدستوري كرئيس لروسيا















المزيد.....


بمناسبة اداء بوتين اليمين الدستوري كرئيس لروسيا


جعفر عبد المهدي صاحب
متخصص أكاديمي في شؤون منطقة البلقان

(Jaffar Sahib)


الحوار المتمدن-العدد: 3721 - 2012 / 5 / 8 - 01:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بمناسبة أداء بوتين اليمين الدستوري كرئيس لروسيا الاتحادية
هل تستطيع روسيا بناء مجدها من جديد؟
الجزء الأول
دايان ميروفيتش
ترجمة: أ.د. جعفر عبد المهدي صاحب

بادئ ذي بدء لابد من تقديم السيد دايان ميروفيتش لقراء الحوار المتمدن.
السيد دايان ميروفيتش عضو برلمان جمهورية صربيا عن الحزب الراديكالي المعارض. يحمل شهادة الماجستير في العلوم الاقتصادية, وهو كاتب ناشط في مجال السياسة الدولية ومن الكتاب الاوروبيين المناهضين للعولمة وفكرة الصهيونية العالمية. وموضوعنا هذا مستل من كتابه ( كوسوفو – فلسطين, نظام الازمات). ان مؤلفاته من كتب ومقالات منشورة تعكس موقفه الواضح في معاداة العولمة وتسفيه فكرة الصهيونية العالمية, ذلك ما أدى الى اتهامه بمعاداة السامية وهي التهمة الجاهزة المعدة ضد كل من يجرأ على كشف حقيقة الفكر الصهيوني العنصري.
يؤكد ميروفيتش: أن مشكلة الشرق الأوسط سوف لن تجد لها حلا ً في المدى المنظور لبضعة عقود قادمة، ويعود الفضل بذلك، قبل كل شيء، لسياسة الولايات المتحدة في تلك المنطقة.
وينبغي علينا أن نفهم أن واشنطن هي المحرك لتلك الأزمة كبيرة والتي يمكن أن تؤثر على منطقتنا (البلقان) وعلى كامل كوكب الأرض.
وتسعى الولايات المتحدة وفق رغبتها المريضة أن تتحكم في كامل أرجاء العالم وهي بذلك تحاول أن تتخلص من منافسها الحقيقي الوحيد روسيا.
فإذا نجحت واشنطن في تنفيذ ذلك الهدف فإنها سوف لن تجد أمامها أي خطر ذي شأن يمكن أن يعوقها في التحكم في الشرق الأوسط وأي منطقة أخرى في العالم.
إلى جانب الأسباب التاريخية والمعاصرة التي حددت موقعنا الحالي ،يمكن التأكيد بأن الولايات المتحدة ستستمر لبضعة عقود قادمة في صرف أموال طائلة لغرض بناء الدرع الصاروخي الذي سيجعل وجود أمريكـــــا "معصومة من الجروح" التي من المحتمل أن تسببها ضربات نووية روسية.
ويمكن بهذه الصورة لواشنطن أن توجه ضربه "وقائية " إلى روسيا كالضربات الوقائية التي وجهتها إلى العراق عام 2003 ويوغسلافيا عام 1999.
ويبدو من الوهلة الأولى للناظر بأن هذا الموضوع ليس طبيعياً أو بعيد الاحتمال ولكن إذا تناولنا بالتحليل المعلومات المتعلقة بالدرع المضاد للصواريخ عند ذاك سيؤكد لنا بشكل واضح رغبة واشنطن الهيمنة على العالم مهما بلغ الثمن، مع عدم الالتفات إلى إحكام القانون الدولي أو مبادئ الأمم المتحدة أو حقوق الإنسان.
عند ذاك فإن هذه الفرضية المتعلقة بالهدف الحقيقي للدرع المضاد للصواريخ، ستكتسب المصداقية.

1945 - 1949 اكبر فرصة لغرض الهيمنة:
حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها فرض هيمنتهم العالمية. واكبر فرصة أتيحت لهم كانت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة. على سبيل المثال إن واحدا من قادة ما يسمى "بالعالم الديمقراطي" (الذي عرف بدعوته منذ عام 1919 بان يقضي بالأسلحة الكيماوية على القبائل غير المتحضرة كما حصل فيما بعد في أفغانستان وبلاد الرافدين) وينستون تشيرشل الذي أعلن في خطابه بتاريخ 8/10/1948 اقتراحه القيام بهجوم ذري وقائي ضد روسيا والذي من المكن أن يؤدي إلى موت مئات الآلاف من المدنيين. يوم ذاك قال تشيرتشل : "ماذا سيكون إذا تمكنوا من الحصول على القنبلة الذرية وإذا حصلوا على عدد كبير من تلك القنابل. ماذا سيحصل، حينذاك عليكم أن تتصوروا عما سيحدث. فإذا هم الآن يتصرفون بهذه الطريقة فماذا سيفعلون عندما سيتحسن وضعهم؟ هم الآن من شهر إلى آخر يؤذون ويزعجون العالم ؟
نعلق الآمال على تعاليمنا المسيحية في محبة الخير لذا فإننا سوف لن تتخذ ضدهم هذه القوة العجيبة الجديدة. ماذا سنعمل لو حصلوا على عدد كبير من القنابل الذرية ؟
لا يوجد من لديه عقل سليم ويعتقد بأن تحت تصرفنا وقت طويل وغير محدد. إننا يجب أن نقف عند الأمر لكي نجد الحل النهائي. ولكن لا نسمح بنقص الكفاءة واحتمالات نشوب الحرب هنا وهناك بهذا الشكل الطائفي. هل نبقى ننتظر شيئاً سيحدث في هذا المضمار؟، لا ننتظر سوى شيئاً سيئا بالنسبة لنا. والاحتمال الأفضل أن تتوصل الدول الغربية إلى اتفاق دائم معهم بدون إراقة دماء، ذلك قبل أن تمتلك القوة النووية من قبل الشيوعيين الروس"( ).
ينسجم هنري كيسنجر مع مواقف وينستون تشيرتشل الرهيبة في حقيقة إن الحقبة التي تلت الحرب مباشرة كثر فيها عدد الجيش السوفيتي في وسط أوروبا وبقوة تفوق قوات الطرف الآخر.
لم نتقبل ابدآ مقارنة قوتنا النامية في يوغسلافيا مع قوة الاتحاد السوفيتي الذي تعافى مما أصيب من ويلات الحرب العالمية الثانية، ولكن يمكن لنا القول إن مكانتنا العسكرية والدبلوماسية لم تكن يوما من الأيام مرضية كما كانت عليه أيام سياسة الردع التي عملنا بها بداية أربعينيات القرن العشرين. تلك كانت أيام التحرك الجدي لاعمار أوروبا ورسم مستقبلها ولكننا أهملنا فرصتنا. لذا فان ونستون تشرتشل أحسن من أدراك ذلك.
كتب المؤرخ الأمريكي جون غليدس إن: "في الواقع،خطر على بال ترومان ومستشاريه إن إظهار فعالية القنبلة الذرية المبهم سوف يخيف الاتحاد السوفيتي. مع الأخذ بنظر الاعتبار انه لم يتبع مثل هذا السلوك حتى في فترات توتر العلاقات مع موسكو.
اجتمعت القيادة العامة للقوات المسلحة بعد هيروشيما ونغازا كي مباشرة، وبعد مداولة قصيرة، أريد من هذه العملية أن تؤمن الاحتكار النووي لمدة أطول. ولربما كان من الأفضل أن نوجه نحن الضربة الأولى وقد اعترف بذلك الجنرال (جورج لينكون المخطط في البنتاغون عام 1945".
وكتب غليدس بأن ونستون تشيرتشل والفيلسوف (بيرنارد راسل) كانا إلى جانب توجيه الهجوم النووي ضد روسيا.
وذكر المؤرخ الأمريكي أيضا بأن ترومان وخلال فترة حصار برلين نهاية صيف نفس سنة (1948) قد وافق على جدول التنظيم الاستفزازي لقاذفات القنابل طراز (بي- 92 ) الموجودة في القواعد البريطانية.
وورد في إحدى دراسات معهد استوكهولم لدراسات السلام أن "أولى المعلومات النووية لإستراتيجية القيادة الجوية الأمريكية (أس. آ .سي) والتي تأسست في مارس 1946 أشارت إلى أنه بعد سبعة أشهر من انتهاء الحرب العالمية الثانية فان أسراب قاصفات القنابل (بي 17) و (بي 18) هذه القاصفات التي أنتجت خلال الحرب العالمية الثانية سوف تستبدل بقاصفات القنابل الثقيلة (بي 36) ذات القواعد الإشعاعية الثقيلة والقاصفة المتوسطة (بي 50) في القاعدة البريطانية في الشرق الأقصى. إن (أس.آ.سي) في ذلك الوقت أسرعت في اعتماد إستراتيجية تهديد الاتحاد السوفيتي. وبذلك فكرت الولايات المتحدة الأمريكية بهجوم نووي ضد روسيا بعد الحرب العالمية الثانية.

هيروشيما وناغازاكي
التهديد النووي:
إن روسيا لا تنوي الاستسلام كاليابان وان العقلية العسكرية الروسية كانت اشد صلابة من العقلية العسكرية اليابانية.
لم يكن الاتحاد السوفيتي دولة عادية ولا شعبها شعبا عاديا ذلك الشعب الذي تحمل هجوم زمرة هتلر- الذين قتلوا (20) مليون إنسان واحرقوا كافة المدن حتى مشارف موسكو- ان موسكو لا تخيفها التهديدات النووية.
لقد أوضح الروس بعد الحرب العالمية الثانية بأنهم على استعداد لجعل الغرب يدفع الثمن غاليا، وذلك من خلال تصميمهم على صون استقلالهم والحفاظ على وجودهم القومي.
كانت هذه المغامرة التاريخية في جوهرها أكثر خطراً على العقلية التجارية الأمريكية البريطانية. إن الرسالة الشجاعة الفريدة التي أرسلتها موسكو خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين قد أرجفت شفاه رؤوس الغربيين والذين تصوروا إن باستطاعتهم السيطرة على العالم بالاعتماد على الأسلحة النووية.

الشجاعة:
من الممكن أن تكون الجملة الرئيسة للقرن العشرين تلك التي جاءت بإعلان قيادة الدولة الروسية عام 1946 والتي أصبحت فيما بعد المبدأ الرسمي للدولة:
"إن هدف القنبلة الذرية هو تخويف الناس ذي الأعصاب الضعيفة ولكن تلك القنبلة لا تقرر نتيجة الحرب.
وكان موقف مارشال الجو قسطنطين فيرشينين : "في كل المعايير إن الاستفزاز الحربي قد بالغ في دور الحرب الجوية وحسب الحساب على أن الشعوب في الاتحاد السوفيتي ودول الديمقراطيات الشعبية ستخاف مما تسمى الحرب النووية أو الحرب التي تجري عبر الضغط على الأزرار. ولهذا السبب فان الأمريكيين الذين يرغبون الهيمنة على العالم قد فقدوا ثقتهم بأنفسهم".
كتب جون غليدس أن "مولوتوف قد أوضح بأن ما بقي القليل وليس الكثير، وأنه مستعد للاتفاق في أول مؤتمر لوزراء الخارجية بعد الحرب والمنعقد في لندن في سبتمبر عام 1945.
لقد هز الموقف الروسي ثقة أولئك الذين راهنوا على أن تكون القنبلة الذرية الخيار الأول للقائد الأعلى (تيودور روزفلت). فاتخذت الحكومة الروسية موقفاً رسميا يفيدً بأن القنبلة الذرية سوف لن تغير أي شيء في توازن القوى بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا ما جعل مولوتوف يظهر امتلاكه للسلاح الجديد في مؤتمر وزراء الخارجية المنعقد في لندن في سبتمبر 1945 إلى درجة أنه صنع نكته وجهها لوزير الدولة ببرنس عندما حياه بعبارة في صحة القنبلة الذرية. وينقل غليدس قول وزير الدفاع الأمريكي جيمس فوريستال قوله:
"حتى لو قدر للقوة الجوية فقط ، عام 1949 إن تقوم بتدمير (70) مدينة سوفيتية، فإن ذلك لا يؤدي إلى الاستسلام وحتى لو حصل الانتصار فسوف لن يتبدل شيئاً لان القوات المسلحة السوفيتية في نفس الوقت مؤهلة ومستعدة للتقدم بسرعة وشن هجوم مضاد وتزحف نحو أوروبا الغربية والشرق الأوسط وحتى الشرق الأدنى ماذا نعمل معهم بعد، هذا موضوع آخر.
وهكذا سقطت الفرصة التي تيسرت ببساطة وضاعت من الذين سعوا للهيمنة على العالم وتركيع كل شعوب الأرض.
واستطاعت روسيا منذ أغسطس عام 1949 أن تكسر الاحتكار النووي عندما جربت التفجير لأول قنبلة ذرية.
وذكرت دراسة مطلعة على التسليح النووي في معهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام انه: "قام الاتحاد السوفيتي في 29/8/1949 بتفجير أول قنبلة من سلاحه الذري بقوة (20) كيلو طن، وذلك بالقرب من (سيمبالتينسكا) في آسيا الوسطى. والى الآن فإن الأمريكيين ردوا في تفجير (8) قنابل ذرية أخرى بقوة تدميرية أقوى (50) كيلو طن. نعم إنها قنبلة سوفيتية واحدة كانت كافية كي تلجم الأمريكيين.

تطور فكرة الدرع المضاد للصواريخ
أول مشروع مباشر - النصف الثاني من الستينيات
الأمريكيون ظلوا يفكرون بموضوع الهيمنة المطلقة:
حاول خروشوف أن يخفف من حدة التوتر الدولي فطرح مبدأ التعايش السلمي مع الغرب والولايات المتحدة، مما أدى بالأخيرة أن تتجاسر -إن طرح المبدأ كان بالحقيقة مخفف أيضا من سياسة خروشوف تجاه الصين والتي أدت إلى التنافر بين البلدين. لقد عمر الروس بلادهم تماماً من أثار الحرب العالمية الثانية ولكن بقيت أمامهم عقبة جديدة كبيرة تتمثل في استمرار مشروع الهيمنة العالمية من جانب الطرف الآخر.
حصل تغير جديد في الكرملين بعد تسلم ليونيد بريجنييف القيادة إذ قام بتحريك المشروع الواسع لتسليح روسيا الذي وصل بداية السبعينيات إلى درجة التكافؤ مع الولايات المتحدة في القدرة النووية.
ويذكر هنري كيسنجر بأنه: "وصل السوفيت في عام 1971 إلى مستوانا وتقدموا في تقوية قدراتهم العسكرية. وبدلا من التوقف عند نقطة التساوي معنا، كما كان البعض ينتظر منهم كذلك، فإنهم واصلوا العمل في تقوية إمكانياتهم العسكرية، وتوجهوا بصورة جيدة نحو تحسين نوعية أسلحتهم حتى عام 1972 ،العام الذي وقعت فيه معاهدة (سالت).
كان الاتحاد السوفيتي منتصف عام 1966 يمتلك (250) صاروخاً بالستيقياً عابراً للقارات، وفي أواسط عام 1967 وصلت إلى (570) صاروخا، وفي سبتمبر 1968 بلغت (900) صاروخ وفي نهاية عام 1970 ستبلغ (1300) صاروخ.
ولا احد يعرف أي حدود ستكون الأسوأ. لقد كانت المعلومات المخابراتية في السنوات الأخيرة السابقة متدنية دائماً، إذ إنها قدرت الزيادة في عدد الصواريخ السوفيتية الموجهة بأنها قفزت من (45) صاروخا عام 1968 إلى (900) صاروخ عام 1975 .
و زادت في الوقت نفسه وبشكل مفاجئ عمليات التوسع والتحديث السوفيتي بالنسبة للأسلحة التقليدية وغير التقليدية.
لقد فشل دعاة الهينة الأمريكيون ليس في مجال الأسلحة التقليدية فقط بل حتى في الأسلحة الذرية، وهذا ما جعلهم ينطلقون في التفكير نحو إيجاد برنامج الدرع المضاد للصواريخ.
وهذا الدرع ينبغي أن "يعصم" الولايات المتحدة من الجراح ولكن الأهم بالنسبة لها ليس الوقاية فقط بل سياسة الهيمنة على الكوكب.
وعلى الأرجح لم تضع إستراتيجية الولايات المتحدة أي تمييز بين المدنيين والجنود الروس (تنظر الولايات المتحدة إلى معاهدة جنيف لعام 1949 باعتبارها حروف ميتة على ورق أصم).
يذكر هنري كيسنجر في أوراقه وهو يبحث عن مكان لهذه الإستراتيجية في قواعد القانون الدولي،لكي يقدمها بشكل طبيعي ومقنع، فيقول: "كنا نتحسب من هجوم سوفيتي محتمل مع استعدادنا بالرد بالشكل الذي نضمن التدمير الفعلي مع سقوط ضحايا من المدنيين بنسب معينة وتدمير المنشات الصناعية ( في عام 1965 عرف البتاغون "التدمير المؤكد " بأنه القابلية على تدمير من ربع إلى ثلث عدد سكان الاتحاد السوفيتي وثلثي منشآت التصنيع السوفيتي).
اعترف كيسنجر بعد ذلك بشكل مكشوف وقال بأن هذه الإستراتيجية كانت قبل كل شيء قائمة على "حصد المدنيين". ومن اجل تحقيق غاية الولايات المتحدة وبدون مجازفة فلابد من التوجه نحو بناء الدرع المضاد للصواريخ. وقد كتب كيسنجر عن تلك الخطط ذلك عندما واجهت تلك المشاريع تعثراً كبيراً وفي مقدمتها التكاليف الباهظة "ونتيجة للضغوط المستمرة من أوساط الكونغرس فقد اقترح وزير الدفاع الأمريكي (روبرت ميك نامارا) عام 1967 برنامج (سينتيل) ورفض بناء النظام المضاد للصواريخ البالستيقية رفضاً نهائياً، ذلك النظام الخاص بحماية كامل أراضي الولايات المتحدة من هجوم سوفيتي شامل.
تتطلب الترتيبات المذكورة تكاليف عالية جداً. وفيما عدا ذلك يمكن دراسة النظرية القائلة بأن الاتحاد السوفيتي يمكن أن يشكل خطرا محتملا. ويمكن سماع من يقول إن امتلاك الاتحاد السوفيتي لنظام صاروخي كهذا يجعل الولايات المتحدة الأمريكية تبادر بالضربة الأولى.
إن الدولة التي أنشأت نظاما كاملا للصواريخ البالستيقية من الممكن أن تقدم على توجيه الضربة الأولى لأنها تستطيع أن تستخدم مضادات الصواريخ البالستيقية لمقابلة مضادات الصواريخ المهاجمة من اجل إضعاف الهجوم المضاد. وفي هذا المجال فان إدارة نيكسون أجرت تعديلات على نظام الدرع المضاد للصواريخ.
قدم ( دافيد باسكارد) دراسة في نهاية فبراير، أوصى فيها بأن تجري بعض التعديلات الشكلية لضمان استمرار البرنامج(برنامج سنتيل) والذي قبلته إدارة جونسون عام 1967.
وكانت تلك التوصية تتضمن عدم توجيه الرادارات،في نظام الصواريخ المضادة للصواريخ البالستيقية، نحو الشمال فقط على افتراض إنها الجهة الوحيدة التي يمكن أن تأتي منها الصواريخ العابرة للقارات،بل يجب أن توجه باتجاه البحر، لأن من المحتمل أن تنطلق الصواريخ من الغواصات.
يرى (باسكارد) بأن الإكثار من الصواريخ المضادة للصواريخ البالستيقية المقابلة يمكن أن تستخدم لحماية مواقع المشاريع الأمريكية العابرة للقارات ولحماية حافات الولايات المتحدة، وبذلك يتقرر أن نحتسب لأي حالة هجوم من أي جهة كانت (وهذا تعبير مهذب يشير إلى الصين بشكل غير مباشر).
ويذكر باسكارد بأنه إذا فشلت محادثات (سالت) "فإن هذا الأمر سيقودنا نحو فكرة توسيع وتقوية نظام دفاعاتنا من هجوم سوفيتي متوقع، وبذلك يجب حماية المواقع التي تتواجد فيها الصواريخ وصد الضربة السوفيتية الأولى".
ورغم هذا كله ، لم يتحقق مشروع الدرع الصاروخي المضاد للصواريخ خلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين وذلك بسبب التكاليف العالية جداً المطلوبة لإنجازه.
لقد كتب كيسنجر بذلك قائلاً: أعلن نيكسون في الرابع عشر من مارس قراراً باستئناف برنامج الدرع المضاد للصواريخ. وتضمن برنامج نيكسون (12) نقطة مختلفة تتعلق بالدفاع الإقليمي. (أربع منها للوقاية من هجوم صواريخ مينوتمين) ومجموعها (19) راداراً مع بضعة مئات من الصواريخ المقابلة. وخطط أن ينتهي المشروع عام 1973 لكي يظهر فعاليته في الخدمة.
إن مشروع جونسون (سنتيل) بقي في (سافيغوارد) لأن الرادارات قامت بتغطية كامل أراضي الولايات المتحدة، وفيما عدا ذلك، فقد تم عرضه بأسس أفضل وأسرع انتشاراً من النظام الدفاعي السوفيتي وموجهاً بشكل أحسن في قواعد الدفاع الصاروخي ولكن الخصوم لم يتوقفوا.
لقد نجحوا في السنوات اللاحقة في التقليل من سائل الدفاع إلى مستوى (سافيغوارد) الذي صمم عام 1969 لكي يشمل شبكة مكونه من (12) مشروعاً لم يتحقق منها لغاية عام 1972 سوى (3) فقط.
لقد حددت اتفاقية سالت عام 1972 منظومة الدفاع المضاد للصواريخ باثنين من المشاريع لكل بلد، واحد لحماية القيادة العامة الوطنية والثاني لحماية قواعد الصواريخ العابرة للقارات.
تبادلت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، في عام 1974، المعاهدة وتعهدا بأن يبقى مشروع واحد إما مشروع حماية قواعد الصواريخ العابرة للقارات أو حماية القيادة العامة الوطنية. وبسبب متابعة الكونغرس والبيروقراطية المضعفة للهمم قررت الولايات المتحدة عام 1975 التراجع عن قبولها بمشروع واحد فقط.
إذن توقفت الولايات المتحدة الأمريكية عام 1975 عن تنفيذ برنامج الدرع المضاد للصواريخ بسبب قوة السلاح النووي الروسي الذي تفوق على الولايات المتحدة، ولأن المشروع كان غاليا جدا فإن الأمريكيين محبي الهيمنة لم يستطيعوا تحقيق المشروع خلال السبعينيات.

تجديد روسيا
المشروع الجديد للدرع المضاد للصواريخ:
لقد كتب الكثير عن ما يسمى ببرنامج "حرب نجوم ريغان" خلال الثمانينيات من القرن العشرين وبأن ذلك البرنامج قد استنزف الاتحاد السوفيتي وكان واحدا من الأسباب التي أدت إلى هدم الدولة السوفيتية.
إن هذا القول يعد من سلسلة الخدع التي روج لها الإعلام الغربي. لقد رأينا بأن حصيلة سقوط أسعار النفط كان بمثابة الضربة الموجعة لاقتصاد الاتحاد السوفيتي. وإن كل الادعاءات التي نسجت حول مشروع ريغان لا أساس لها من الصحة.والاهم من هذا كله نود أن نطرح سؤالا نقول فيه: هل كان الرئيس الأمريكي آنذاك ريغان عموما يعرف أي شيء حول هذا الموضوع؟
فقد صدر الأمر (119) تحت عنوان (مبادرة الرئيس في مجال الدفاع الاستراتيجي -أس أو آي) والذي في حقيقته لم يشكل أبدا أي تهديد للاتحاد السوفيتي وهذا ما تعرفه موسكو. إن تلك المعلومات جاءت ضمن تصريحات فلاديمير كريوتشكوف آخر مسؤول للمخابرات السوفيتية (كي جي بي).
كان الأمريكيون، دعاة الهيمنة على العالم، في عقد التسعينيات من القرن العشرين يشعرون بأنهم بحاجة إلى مشروع الدرع المضاد للصواريخ،في حين أصبح الاتحاد السوفيتي الدولة النووية التي تعاني من مشاكل داخلية عويصة وأصبحت فعلا على أبواب الانهيار بسبب طروحات غورباتشوف.
إن خاتمة كهذه لم تكن مجرد لحظات كان يتشوق الغرب لرؤيتها بل قيمها بأنها أحسن حلاً. فلم يستطع المستشار السابق فيما تسمى بإدارة كارتر زبيغنيف بريجنسكي كتم كراهيته للروس وهو قد انذهل من تطور الأحداث التي أشفت غليله بعد الأحداث التي وقعت بموسكو.
كتب بريجينسكي، في النصف الثاني من التسعينيات، حول "هشاشة الكونفدرالية الروسية" المتكونة من روسيا الأوروبية وروسيا السيبرية وجمهوريات الشرق الأقصى والتي زرعت بسهوله بعد (الاستقلال) علاقات اقتصادية مع أوروبا.
نجحت الولايات المتحدة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي بأن تجعل الدول الجديدة تسلم معداتها النووية إلى روسيا وخصوصاً أوكرانيا التي كانت تعد المكمن الثاني لتلك المعدات. وحصل تغيير في روسيا في بداية سنة 2000، ولم يستطع الأمريكيون استيعاب تلك التغيرات بعمق، وبذلك استخدموا في البداية فقط عبارات التهديد والتي ظنوا إنها ستخيف القيادة الروسية الجديدة.
ومن الطبيعي أن يتحدث الناطق غير الرسمي بلسان الاوليغارشه الأمريكية، دعاة الهيمنة على العالم بريجنسكي "بحديث الكراهية" وكالعادة لأنه (مندفع جداً في كراهية الروس) كان صادقاً بطريقة تفكيره التي لم يعلنها على السياسيين. لذا فإنه اخذ يطلق التصريحات، في شهر ابريل 2006، التي هدد من خلالها سلطات الكرملين الجديدة وبوتين بشكل شخصي.
يقول بريجنسكي: "إن بوتين مثل اندروبوف من أتباع تعظيم البلاد وسياستها الخارجية. وهذا شيء غير مقبول. ولا يسمح لسلطة الكرملين أن تفكر بأن تكون لها سطوة بمستوى(سطوة) رئيس الوزراء الفرنسي في زمن ديغول. فلا تمتلك روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي أي شيء. لقد فقد الجيش وفقدت السياسة الخارجية تماماً. يجب أن تحذو روسيا حذو تركيا كمال أتاتورك والتي قبلت قيادة غربية لها". وتكلم على نفس النغمة في مايو عام 2000 (وليم أودوم)مدير بوكالة الأمن القومي الأمريكية: "تعيش روسيا ظروف صعبة إنها وصلت إلى المستوى الكلاسيكي للدول الضعيفة وكنموذج لدولة من دول العالم الثالث، إنها لا تستطيع استرداد عافيتها لعقد قادم ولربما حتى لعقود عديدة قادمة. ولكن ذهبت تلك التكهنات والتهديدات عبثاً و كانت تقديراتهم خاطئة وبدأت روسيا بإعادة بناء نفسها بشكل سريع واستثنائي. إذن فكرة السقوط التلقائي للدولة الروسية وترسانتها الذرية لم تكن فكرة حقيقية وبدأت بالسقوط نوايا الهيمنة المطلقة على العالم. ولازالت دائما هناك دولة واحدة على سطح الكوكب تستطيع أن تقف وجها لوجه مع الولايات المتحدة الأمريكية وتستطيع أن توجه أسلحتها الذرية ضدها.
يذكر ( لوتشو كاراتشول) ، مؤسس ورئيس تحرير صحيفة (ليميس) الإيطالية المعروفة، بأن روسيا لازالت الدولة الوحيدة في العالم التي تستطيع أن تقوم بهجوم نووي ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد فهم أصحاب نظرية الهيمنة ذلك. ولهذا السبب مدوا أيديهم من جديد لبرنامج الدرع الصاروخي المضاد للصواريخ.
جاءت الخطوة الجادة الأولى نحو بناء مشروع الدرع الصاروخي المضاد للصواريخ في ديسمبر عام 2001، وبذلك انتبه بشكل صحيح المؤرخ الروسي المعروف (روي مدفيديف) واعتقد إن مشروع الدرع الصاروخي لم يصبح خطراً على روسيا بل إن الأولوية تتجسد في الخطورة من توسيع حلف الناتو. إن من الأحداث الرئيسة خلال ديسمبر لم تتحقق ولم تستأنف المفاوضات حول الناتو وأعلنت الولايات المتحدة الانسحاب من اتفاقية الدفاع المضاد للصواريخ. وتحدث الرئيس الأمريكي جورج بوش في البيت الأبيض في 13/12/2001 قائلاً:
"أرسلت إعلاما رسميا لروسيا ينص على إن الولايات المتحدة ستنسحب من تلك المعاهدة التي استمرت أكثر من ثلاثين سنة. وانتهيت إلى نتيجة بان هذه الاتفاقية ، الاتفاقية المضادة للصواريخ تزعج حكومتنا مما يجعلنا أن نخطط ونسلك طريقا نحمي به شعبنا من هجمات صاروخية مستقبلية محتملة يقوم بها الإرهابيون أو الدول المتمردة".
ومن الطبيعي أن يكون تعبير الدول المتمردة لا ينطبق إلا على روسيا، فعلى العموم وكما هو معروف، ان دولاً مثل العراق وإيران لا تمتلك أسلحة نووية فما بالك بالصواريخ العابرة للقارات.
أما دول أخرى مثل كوريا الشمالية فمن المشكوك انها ستقوم بهجوم نووي ضد الولايات المتحدة، لأنها في هذه الحالة ستعلن الانتحار. فإذا استخدمت كوريا الشمالية قنبلة واحدة من قنابلها فإنها ستتلقى ألاف القنابل الأمريكية .
ولم يثبت أبدا وفي أي وقت من الأوقات أن تنظيم القاعدة (الحليف السابق للولايات المتحدة) بأنه يملك سلاح دمار شامل. وان أحداث أفغانستان والعراق قد أثبتت إن القاعدة لا تملك سوى الأسلحة الخفيفة.



#جعفر_عبد_المهدي_صاحب (هاشتاغ)       Jaffar_Sahib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من خفايا البيروسترويكا الغورباشوفية -الجزء الثاني-
- من خفايا البيروسترويكا الغورباشوفية -الجزء الأول-
- مدينة النجف:عبقرية المعاني وقدسية المكان
- رحيل العلامة الدكتور فوزي رشيد
- كارل ماركس والماركسية في عيون النيهوم
- مقبرة النجف الكبرى
- الذكرى الثانية لرحيل العلامة كامل مصطفى الشيبي
- كرستوفر هيل: هل تتصرف بغداد كما تصرفت سكوبيا
- محنة البيروسترويكا
- الذكرى السنوية الاولى لرحيل العلامة الشيبي
- أدب الرحلات
- الكلام نوعان
- كيسنجرهم ومستشارنا
- لذكرى السنوية الاولى لرحيل العلامة الشبيبي


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر عبد المهدي صاحب - بمناسبة اداء بوتين اليمين الدستوري كرئيس لروسيا