أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - جعفر عبد المهدي صاحب - كارل ماركس والماركسية في عيون النيهوم















المزيد.....

كارل ماركس والماركسية في عيون النيهوم


جعفر عبد المهدي صاحب
متخصص أكاديمي في شؤون منطقة البلقان

(Jaffar Sahib)


الحوار المتمدن-العدد: 2709 - 2009 / 7 / 16 - 08:46
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


كارل ماركس والماركسية في عيون النيهوم
أ.د. جعفر عبد المهدي صاحب
أستاذ العلوم السياسية بجامعة السابع من ابريل - ليبيا

استطاع المفكر الليبي الصادق النيهوم أن يقدم الماركسية ويدافع عن الفكر الماركسي ضمن منهج لم يطرقه الماركسيون العرب وضمن سياق لم يخطر على بال الأحزاب الشيوعية العربية إذ استخدم منهجية خاصة مزج بين منهج البحث المقارن ومنهج دراسة الحالة واستطاع أن يلفت من خلالها انتباه الباحثين والمفكرين العرب الى جوانب عديده لاستيعاب افكار ماركس وطرحها بشكل علمي . ورغم أن النيهوم ليس ماركسيا وان ماركس ليس مسلما، إلا أن من يقرأ كتابات هذا المفكر سيتصور أن النيهوم قد ألبس كارل ماركس جبة وعمامة وسيتصور القارئ أيضا بان النيهوم نفسه ماركسي.

أرى لزاما علي أن أقدم النيهوم ولو بشكل مختصر للقارئ في المشرق العربي قبل أن ابدأ بطرح أفكاره الرائعة بشان ماركس والماركسية.
لقد قرأت بعض الشيء عن هذا الرجل المبدع أثناء فترة عملي في الجامعات الليبية إلا أن اطلاعي العميق على أفكار النيهوم قد اقترنت مع إشرافي على رسالة ماجستير أعدها احد تلاميذي عنه يوم كنت رئيسا لقسم الفلسفة بجامعة السابع من ابريل في ليبيا.

السيرة الذاتية:
ولد الصادق النيهوم في مدينة بنغازي عام 1937 . أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في مسقط رأسه وانتقل فيما بعد إلى طرابلس ليكمل دراسته في الجامعة الليبية (جامعة الفاتح حاليا) – قسم اللغة العربية وتخرج منها عام 1961 وتعين معيدا في القسم المذكور..
سافر إلى مصر لغرض تكملة دراسته في الأديان المقارنة بإشراف الدكتورة عائشة عبد الرحمن الملقبة (بنت الشاطئ ) بجامعة القاهرة ولأسباب تتعلق بطبيعة الاطروحة نقل دراسته إلى جامعة ميونخ الألمانية وبإشراف نخبة من المستشرقين الألمان وحصل على درجة الدكتوراه بدرجة امتياز. وتابع دراسته في جامعة أريزونا الأمريكية لمدة عامين بعدها قام بتدريس مادة مقارنة الأديان في جامعة هلسنكي في فنلندا للفترة 1968-1972.
استقر في هلسنكي إلى أن انتقل للإقامة والعمل بجامعة جنيف عام 1976كاستاذ محاضر لمادة مقارنة الأديان. وخلال وجوده في جنيف أسس (دار التراث) وبعدها (دار المختار) واصدر مجموعة كبيرة من الموسوعات وهي:
موسوعة تاريخنا- موسوعة بهجة المعرفة- موسوعة عالمنا – موسوعة صحراؤنا – موسوعة أطفالنا – موسوعة وطننا – أطلس الرحلات بثمانية أجزاء – موسوعة الشباب المصورة بثمانية أجزاء – موسوعة السلاح المصورة – وترجم عن الانجليزية موسوعة تاريخ الحضارة لويل ديورانت.. بقي النيهوم في سويسرا إلى أن وافاه الأجل بتاريخ 15/11/1994 ودفن في مسقط رأسه بمدينة بنغازي الليبية.
يجيد ، إلى جانب لغته الأم العربية ، الألمانية والفنلندية والفرنسية والعبرية والانجليزية والآرامية المنقرضة.

إنتاجه الفكري:
يمتاز الصادق النيهوم بغزارة الإنتاج الفكري فقد اصدر بالإضافة إلى الموسوعات التي ذكرناها أربع روايات رائعة هي:
من هنا إلى مكة ، بنغازي 1970– من قصص الأطفال ، بنغازي 1972- القرود ،1975 _ الحيوانات ،طرابلس 1984 .
وصدرت له الكتب التالية : الرمز في القرآن- إسلام ضد الإسلام –الإسلام في الأسر – فرسان بلا معركة – صوت الناس – محنة ثقافة مزورة – تحية طيبة وبعد – دراسة في ديوان الشاعر محمد الفيتوري - طرق مغطاة بالثلج – العودة المحزنة للبحر – ثلاث كلمات تقال بأمانة عن مشكلة التراث العربي – نزار قباني ومهمة الشعر –الذي يأتي والذي لا يأتي – نقاش - وترجم الكتب التالية إلى اللغة العربية: كتاب بابا هيمنجواي 1966 - كتاب موت رئيس جمهورية 1967 – كتاب تعليق على مذكرات خروشوف 1971 – بالإضافة إلى ترجمته لموسوعة تاريخ الحضارة لديورانت والتي ذكرناها في السطور اعلاه.
ثلاث تهم ضد الماركسية:
يرى الصادق النيهوم أن الفكر الماركسي والماركسية وكارل ماركس قد ظلموا في عالمنا العربي لان ثقافتنا العربية المعاصرة لا تعرف كارل ماركس بل تعرف ما سمعته عنه من أعدائه الرأسماليين وحدهم . وهم طرف منحاز في أصل القضية وكان ماركس يحرض على الثورة ضدهم وكانوا أصحاب مصلحة ملحة في تشويه أقواله . وقد تولوا تقديمه إلى ثقافتنا العربية المعاصرة موصوما بثلاث تهم كل تهمة منها مختلقة عمدا لإدانته أمام العرب بالذات.
التهمة الأولى:
اتهم بأنه يدعو إلى إلغاء المؤسسة الدينية ويرى الدين أفيون الشعوب. فيقول النيهوم إنها تهمة تتجاهل أن كارل ماركس كان يستهدف بحكم المعايشة الديانتين اليهودية والمسيحية ، وان هذه الفكرة ليس ماركسية أصلا بل إسلامية، سجلها القران منذ أربعة عشر قرنا في آيات منها قوله تعالى في سورة الجمعة-الآية 5- (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا). وهذه صورة أكثر وضوحا من قول ماركس إن الدين أفيون الشعوب.

التهمة الثانية :
إن قيام الدولة الماركسية في الاتحاد السوفيتي على نظرية الحزب الماركسي كانت على يد لينين وليست على يد ماركس. إن لينين هو صاحب النظام الحزبي أما ماركس" فقد استخدم كلمة ( كومون) وتعني الجماعة لأنه يشترط مبادئ دستورية في نظامه المقترح. منها أن تكون السلطة في يد الأغلبية ، ومنها إنهاء الإقطاع وتسريح الجيش المستديم ، ومنها تحريم الربا بتأميم وسائل الإنتاج وهي مبادئ لم يتبناها الاتحاد السوفيتي ولم تعرفها إدارة أخرى في التاريخ سوى نظام الشرع الجماعي في الإسلام الذي كان ماركس ينقل عنه دون أن يدري".
ونلاحظ أن النيهوم يقارب بين منطلقات الفكر الماركسي وأسس الدين الإسلامي وكأن لسان حاله يقول إن الإسلام دين الفطرة ، والفطرة النقية غير الملوثة تقود الإنسان إلى التفكير السليم وكأن تفكير ماركس وتنظيره يجري في هذا الإطار.
التهمة الثالثة :
يتهم ماركس على انه يرى الفرد عبارة عن آلة ، أي مسمار ضمن آلة كبيرة في حين يرى النيهوم العكس تماما إذ أن النظام الرأسمالي صاحب الاحتكارات الموجهة لتكديس الربح هو الذي يجعل الفرد مسمارا. " أما كارل ماركس فقد كان ينادي بتحرير الإدارة من سيطرة رأس المال لأنه كان يهدف إلى تحرير المواطن من وظيفة المسمار بالذات وقد عرض هذا المنهج في أعماله قبل أن يكتب –رأس المال- بثلاثين سنة على الأقل لكن خصومه الرأسماليين لم يختاروا أن يعرضوا هذه الأعمال المبكرة للتداول ولم يهتم احد بترجمتها عن أصولها الألمانية إلا منذ سنوات قليلة عندما نقلت إلى الانجليزية بمجهودات أفراد مثل الكاتب أريخ فروم ، فيما تأخر الروس في ترجمة هذه الأعمال الأساسية حتى الآن. إن ماركس لا يتكلم لغة رأس المال بل يتكلم لغة أخرى ذات مصطلحات خاصة تبث الرعب في قلب كل إدارة رأسمالية مثل – تأميم وسائل الإنتاج وإلغاء الطبقية والثورة المسلحة وحقوق العمال – وهي مصطلحات لا تعادي الله والناس إلا في تفسيرات الرأسماليين وحدهم. أما في ارض الواقع فانها مصطلحات مترجمة عن كتاب الله).
ويقارب النيهوم بين الثورة المسلحة وفريضة الجهاد، وبين إلغاء نظام الدولة و قيام الشرع الجماعي ويرى أن تأميم وسائل الإنتاج يعني بالضبط تحريم الربا . أما إلغاء الطبقية فهو المجتمع الذي يدعو إليه الإسلام كل سنة في مكة يجمع الناس على اختلاف طبقاتهم وألوانهم أمام بيت عالمي واحد . ويضيف النيهوم أن مجمل نظرية ماركس تقوم على حتمية سقوط الرأسمالية وهي ترجمة حرفية لما سمعه المسلمون منذ القرن السابع في قوله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم) التوبة : 34.
وبذلك فان ثقافتنا العربية لا تجهل منهج كارل ماركس فحسب بل تناصبه العداء لأنها ثقافة طبخت بمطابخ الرأسماليين ألد أعداء ماركس. وحسب رأي النيهوم أن الإسلام " يخسر شاهدا جديدا أساسيا على أن شرع الجماعة الذي دعا إليه القران قبل خمسة عشر قرنا ليس نظرية بل قانون يمكن اكتشافه بوسائل الاستقراء العالمي مثل قانون الجاذبية".
في الوقت الذي يوصم فيه الماركسي في وطننا العربي بالعمالة للاتحاد السوفيتي يرى النيهوم العكس فيقول : " رغم أن علاقة الاتحاد السوفيتي بماركس لا تختلف عن علاقات الولايات المتحدة بالبابا في استعراض علني لمدى جهل ما ندعوه باسم ثقافتنا العربية المعاصرة. ولو أتيحت لنا فرصة الخلاص من أخطاء المترجمين لرأينا أن كارل ماركس ليس مفكرا(( شيوعيا)) بل (( جماعي)) وأن كلمة Communist لا تعني مواطنا لا شيء له ،بل تعني مواطنا لا سلطة عليه لأنه يعيش في (كومون) أي تحت مظلة إدارة جماعية. ولعل ترجمة Communist بكلمة (شيوعي) هي الخدعة المفضوحة التي تدسها ثقافتنا العربية المعاصرة في لغتنا اليومية. فهذا مصطلح ترجمته الصحيحة كلمة (جماعي) وليس (شيوعيا) أما الشيوعي فهو الفوضوي في منهج الفوضوية Anarchism الذي كان ماركس يعرفه تحت اسم الجماعية الفجة Crude Communism وقد قال عنه في (دراسات اقتصادية وسياسية) : " إن هذه الجماعية الفجة تحمل بذور دمارها، لان سيطرة الملكية المادية من شأنها أن تعمل على إبادة كل شيء لا يملكه جمع الناس ، مثل الموهبة".
ماركس شاهد لصالح الإسلام وليس ضده:
وينقل النيهوم نصا لماركس يقول فيه :" ما دام الإنسان لا يرى من الدنيا إلا من خلال عين الإنسان فان علاقته بالدنيا علاقة إنسانية بالضرورة فلا يولد الحب إلا في الحب ولا يولد الإيمان إلا بالإيمان . وإن كنت تريد أن تستمتع بمباهج الفن فان عليك أن تكون قادرا على تذوق الفن ، وإذا كنت تريد أن تعلم الناس فإن عليك أن تكون قادرا على تحريك الناس. لأن كل علاقاتك بالجماعة الإنسانية والطبيعة تعبير محدد عن نياتك الحقيقية في سلوكك اليومي نفسه . فإذا أحببت من دون أن تصبح محبوبا وفشلت في أن تترجم حبك للناس إلى حب الناس لك فان جهدك ضائع وقبض الريح". ويستدرك النيهوم قائلا: ولعل ماركس يفتقد إلى سلاسة الأسلوب بعض الشيء ولكن من الواضح انه يريد أن يقول ( كل نفس بما كسبت رهينة) المدثر:38.
ولا يعد النيهوم ترجمة كلمة Communist بكلمة (شيوعي) مجرد خطأ في الترجمة بل فعل إعلامي مقصود من قبل الإعلام الرأسمالي لكي تغلق البوابات التي تتواصل عبرها ثقافات الأمم . وهذه الخدعة بقدر فضحها لمدى سذاجة ثقافتنا العربية المعاصرة فإنها في الوقت نفسه تفضح أيضا مدى مهارة الأصابع الرأسمالية التي حرتكها من وراء الستار . أما من دون الستار فان كلمة Communicate التي لا تعني أشاع بل تعني أوصل فقد ظهرت في فرنسا بمعنى رابطة منذ عام 1793 وأصبحت اسما رسميا لمقاطعات تديرها مجالس بلدية جماعية منفصلة عن أملاك الإقطاعيين منها – كومون باريس – الذي أعلن استقلاله عن حكومة فرنسا سنة 1781.
ويسخر النيهوم من المواطن العربي الذي يدعو نفسه (شيوعيا) ويشبهه تشبيها ساخرا حينما يقول : " انه مثل المقاتل الفلسطيني الذي يدعو نفسه إرهابيا . كلاهما مجرد ضحية للغة الترجمة عن لغة عدوه بالذات . أما كارل ماركس شخصيا فإنه مفكر على مذهب الجماعة ، لان مجتمع الإنسان لم يعرف أبدا مذهبا آخر في أي عصر من العصور ولا يستطيع أن يكون مجتمعا إنسانيا أصلا إلا في ظل الشرع الجماعي وحده فقط ، لاغبر. وسواء نجحت ثقافتنا المعاصرة في إصلاح أخطائها أو لم تنجح فإن كارل ماركس ، شاهد لصالح الإسلام ، وليس شاهد ضده ، لان الكلمة الخالدة هي الفكرة الخالدة ، ولان الناس حيثما ولوا وجوههم فليس ثمة سوى وجه الله" .

الصراع الطبقي صراع بين الأغنياء فقط:
حسب الفهم اللينيني فان الصراع الطبقي هو صراع مسلح بين الأغنياء والفقراء وهذا الصراع سيؤدي إلى انتصار طبقة البروليتاريا وتحقيق دكتاتوريتها. وفي الحقيقة لم يفصح ماركس عن ذلك بهذا الأسلوب ولم يعتمده مفسروا الماركسية الأوائل مثل روزا لوغسمبورغ ولا تعتمده أيضا دولة ماركسية مثل يوغسلافيا. ولم يفسر لينين ذلك نفسه إلا بمقولة من مقولاته الشعرية – ko kovo ? أي من يتنازل حقه لمن في غياب دكتاتورية البروليتاريا ؟ وهو قول يعكس ولع لينين بالسجع والطباق لكنه لم ينم عن معرفة جادة بتاريخ الثورة.
إن صراع الطبقات الذي عناه ماركس هو صراع بين الأغنياء أنفسهم ، انه معركة يقوم الفقراء فيها بدور الأداة المسخرة لكسب هذه المعركة. أي لا يؤدي الفقراء فيها دور الخصم .
إن تاريخ الثورات يثبت أن الأغلبية كانت دائما أداة في يد الثورة لكن الثورة لم تكن أبدا في يد الأغلبية. ويضرب النيهوم أمثلة عديدة تأييدا لهذا القول مثل ثورة اليهود ضد روما – وهي أول نماذج الثورة الجماعية في التاريخ – التي انتهت بإخضاع اليهود للسلطة العقائدية. وثورة البريطانيين في القرن السابع عشر انتهت بحشدهم لصالح رأس المال ، وثورة الفرنسيين في القرن الثامن عشر قد انتهت بحشدهم في جيوش نابليون، وثورة الروس في القرن العشرين انتهت بإخضاع 265 مليون إنسان لسلطة حزب واحد لا يمثل سوى 2 % من تعداد السكان. ويستطرد النيهوم قائلا : إذا كان لينين قد عرف نموذجا تاريخيا واحدا عن ثورة انتهت بإقرار سلطة الأغلبية فانه قد مات دون أن يبوح بهذا السر. وبذلك فان مبدأ دكتاتورية البروليتاريا ليس مستمدا من التفسير الماركسي للتاريخ بل مستمد من التفسير الشخصي لظروف لينين الشخصية. فقد أدرك هذا الرجل الموهوب والمحدود المعرفة انه لا يستطيع أن يضمن لنفسه مكانا في القمة بين آلاف الاشتراكيين المثقفين إلا بالمزايدة عليهم جميعا في دعوة غوغائية لتصعيد الصراع الاجتماعي وتحويل القضية من إدارة يتولى حلها الخبراء إلى مذبحة بين الطبقات يتولى قيادتها الخطباء . وراقت هذه الفكرة للثوار المحترفين الذين مهدوا لنسف الحزب الاشتراكي الديمقراطي من داخله وتأسيس حزب لينيني يدين بوجوده – طبعا – لرجل مشهور اسمه لينين. وفي النتيجة فان مبدأ دكتاتورية البروليتاريا لم يحقق شيئا لنظرية الثورة العالمية سوى انه جعلها بديلا سياسيا عن الثورة العالمية نفسها.
الأغلبية مجرد قطيع في ظل نظرية القائد المعلم:
بالنظر لعدم وجود مفردة باللغة الروسية تقابل كلمة ( الحكم الجماعي ) فقد اضطر الروس إلى نقل المصطلح اللاتيني كما أورده كارل ماركس Communism الذي يعني إداريا – حكم الأغلبية وليس حكم العمال. لكن لينين بعد ثورة عام 1917 استعمل كلمة البلشفية Bolsheviks أي الأغلبية ولكنه لم يعن بها أغلبية الروس بل أغلبية أنصاره في الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
ويذكر النيهوم أن كلمة Communism لا تعني ( سلطة الحزب) إلا إذا كان الحزب قد اغتصب السلطة لنفسه. وفي ما عدا ذلك فان المصطلح الذي استعمله كارل ماركس يعني فقط سلطة الأغلبية. ولا يمكن تفسيره أصلا إلا في إطار إدارة جماعية محرره من نفوذ المؤسسات الرأسمالية وحدها. ولعل تاريخ الإدارة السوفيتية شاهد في حد ذاته على مدى الشلل الإداري الناجم عن تجاهل هذه الحقيقة في نظرية كارل ماركس.
ويعتقد النيهوم أن لينين شاء أن يحتوي الثورة الجماعية في نظام غير جماعي وتسبب بذلك إنهاء الثورة لحساب الايدولوجيا وضرب سلطة الجماعة في المكان المميت للمرة الثانية منذ عصر معاوية . رغم أن لينين دخل التاريخ المعاصر باعتباره قائدا (للثورة العالمية ضد الرأسمالية ) فان كل ما حققه في أرض الواقع هو انه اخرج نصف سكان العالم من المعركة ضد الرأسمالية وحبسهم وراء جدار حديدي يمتد من الصين إلى ألبانيا وأخلى الطريق أمام رأس المال الأمريكي لاحتلال بقية العالم وأعاد الشرعية لسلطة الفرد ومسخ صراع الأغلبية من معركة لإقرار لعدل الاجتماعي إلى مذبحة لإقرار نظرية الحزب الواحد.
وبناء على هذا الفهم فان الثورة على يد لينين أصبحت أداة لضرب سلطة الأغلبية في كل مكان في العالم وأصبحت وسيلة شرعية لتبرير سلطة الفرد وإسكات صوت الناس باسم مصلحة الناس أنفسهم. وقد تكفل لينين شخصيا بوضع النموذج النهائي لهذه الثورة الوهمية وهو نموذج هدفه أن يقدم بديلا نظريا من سلطة الأغلبية بالذات. فنظرية القائد المعلم التي أقيم الحزب اللينيني على أساسها نظرية لا تقول بالواقع سوى أن الأغلبية مجرد قطيع.
لينين أخطأ التسديد:
إذا كانت أعمال لينين تستهدف ضرب الرأسمالية فان واقع الرأسمالية الآن بعد سبعين سنة من توجيه الضربة يروي قصة مختلفة جدا . فمنذ عصر لينين تضاعف حجم الاستثمارات الأمريكية في أوروبا ثلاث وأربعين مرة فوصل من 4 بلايين دولار سنة 1925 إلى 175 بليون دولار سنة 1980 ، وتمت تصفية المستعمرات الأوروبية لحساب رأس المال الأمريكي ، وتولت الثورات في المستعمرات نقل الرأسمالية من مرحلة الاحتلال الأوروبي المباشر إلى مرحلة الاحتلال الأمريكي المقنع وراء الشركات المتعددة الجنسية. وارتفع دخل الفرد في البلدان الرأسمالية من 200 دولار سنة 1917 إلى 1000 دولار سنة 1970 فيما انخفض دخل الفرد في بقية بلدان العالم بمقدار النصف. وإذا كان لينين قد مات وهو يعتقد انه وجه سهما قاتلا للرأسمالية بفكرة الحزب الواحد فانه لا يحتاج الآن سوى أن يطل من قبره الزجاجي لكي يرى بنفسه أن سهمه القاتل كان موجها إلى الجبهة الخاطئة. فالرأسمالية التي يتحدث عنها ماركس لا يمكن إنهائها إلا بنظام قائم على سلطة الجماعة وبدون هذا الصوت يصبح صوت المؤسسات الثورية بديلا عن صوت الأغلبية وتنحرف الإدارة عن مسارها الطبيعي ويغلي المرجل مرة أخرى وتنفجر الثورة ضد الثورة ويظل التاريخ يعيد نفسه في الدائرة المفرغة التي اشتقت كلمة الثورة من ( ثورة الماء في المرجل).
ونلاحظ من كل ما تقدم أن الصادق النيهوم قد قدم زادا فكريا نقديا لكل من يرغب في البحث عن مستقبل حركة اليسار العالمي على ضوء دراسة الماضي وتحليله تحليلا علميا خارج دائرة الجمود العقائدي والأحكام العاطفية المسبقة.
ولا بد من الذكر أن أفكار النيهوم هذه قد صدرت يوم كانت هناك دولة مازالت قائمة تسمى الاتحاد السوفيتي. وجاءت الأحداث وتوالت الأيام التي أثبتت صحة تحليل النيهوم وبعد نظره الذي يثبت صواب تحليله السياسي.



#جعفر_عبد_المهدي_صاحب (هاشتاغ)       Jaffar_Sahib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقبرة النجف الكبرى
- الذكرى الثانية لرحيل العلامة كامل مصطفى الشيبي
- كرستوفر هيل: هل تتصرف بغداد كما تصرفت سكوبيا
- محنة البيروسترويكا
- الذكرى السنوية الاولى لرحيل العلامة الشيبي
- أدب الرحلات
- الكلام نوعان
- كيسنجرهم ومستشارنا
- لذكرى السنوية الاولى لرحيل العلامة الشبيبي


المزيد.....




- غزة: السابع من أكتوبر في المنظور التاريخي
- بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قض ...
- الشرطة تعتقل متظاهرين مناهضين للحرب الإسرائيلية على غزة في ج ...
- العدد 555 من جريدة النهج الديمقراطي
- الجيش التركي -يحيد- 17 مسلحا من حزب العمال الكردستاني
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو إلى الاستنف ...
- اتحاد النقابات العالمي (WFTU – FSM)”، يُدين استمرار المحاكما ...
- شاهد ما قاله السيناتور ساندرز لـCNN عن تعليق أمريكا شحنات أس ...
- م.م.ن.ص// يوم 9 ماي عيد النصر على النازية.. يوم الانتصار الع ...
- آلاف المتظاهرين احتجاجا على مشاركة إسرائيل في -يوروفيجن-


المزيد.....

- كراسات شيوعية:(البنوك ) مركز الرأسمالية في الأزمة.. دائرة لي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رؤية يسارية للأقتصاد المخطط . / حازم كويي
- تحديث: كراسات شيوعية(الصين منذ ماو) مواجهة الضغوط الإمبريالي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (الفوضى الاقتصادية العالمية توسع الحروب لإنعاش ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - جعفر عبد المهدي صاحب - كارل ماركس والماركسية في عيون النيهوم