أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - الشيطان يعتزل - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (15)















المزيد.....


الشيطان يعتزل - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (15)


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3691 - 2012 / 4 / 7 - 17:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تزاملت وتزامنت أفكارى الشاكة معى منذ الطفولة ولتمتد لصباىّ متوقفاً كثيرا أمام ما يُسرد من قصص خرافية , لا أعرف لماذا زاملتنى وإمتدت عن أقرانى فهل مقولة أبى صحيحة بأن الشيطان يسكن ويعبث فى دماغى .. لم أكن مقتنعاً بمقولته هذه فالأسئلة تلح للخروج من دماغى ولا أجد إجابة لها ولو نلت إجابة فتكون بائسة بل دافعة للمزيد من تناسل الأسئلة لتزيد من الحيرة , فينتابنى صراع بين عدم القدرة على إخماد السؤال والشك من جهة وعدم القدرة على الثورة على الفكر الدينى من جهة أخرى فالتراث الدينى لا يأتى حصانته ومهابته إلا من المناخ الاجتماعى العاطفى الوجدانى الحاضن له فهو الإرتباط بالأب والأم والأخوة والعائلة , لذا كانت الصعوبة ان ألقيه وراء ظهرى وأنصرف , لأحاول خلق هدنة مع عقلى بالقول ليس من المعقول أن الجميع على خطأ ولا وعى وأنا من يمتلك الوعى فلابد من إجابة ما لا أعلمها ,ولكن تظل الأزمة قائمة فى هذا العناد الغريب للعقل وقدرته المستفزة على إنتاج المزيد من الأسئلة أمام منظومة هشة .

لا أنسى محاولاتى التلفيقية فى إخماد الشك بخلق قصص من خيالى فعندما كان يستوقفنى سؤال عن مغزى عمل الخير وتجنب الشر كرغبة إلهية وماذا يستفيد منها للدرجة أن تدفعه ليقيم إختبار يحدد على أساسه الدخول إلى الجنه او الجحيم .. لذا جال فى خاطرى حينها فكرة تصور أن صلواتى وإنجازى للخير هو بمثابة طاقة إشعاعية تذهب لله فتزيده قوة فى معركته مع الشيطان بينما أعمالى الشريرة تذهب كطاقة فى معسكر الشيطان فتزيده قوة فى مواجهة لله وقد إستقيت هذه الرؤية الفنتازية من مجلات "سوبرمان" لأجد فى مرحلة متقدمة من الوعى والمعرفة أن خيالى هذا يقترب من أسطورة زرداشتية ,لأسعد بهذا الخيال ولكن لم ينتابنى الغرور بل تيقنت أن الفكر الإنسانى واحد فى إبداعه و بحثه عن إيجاد تفسيرات وتبريرات للحياة والوجود وإيجاد معنى للامعنى .
بالطبع لم يتم إستقبال فكرتى السابقة بترحاب بل بإستنكار وتنديد فالله لا يحتاج لأعمالى الصالحة ولن يضره اعمالى الشريرة فهو فى غنى عنهما بل يمكنه أن يفنى الشيطان وأتباعه فى لحظة واحدة .. لأجد أن محاولاتى التلفيقية لم تُجدى لتزداد رقعة الشك وتناسل الأسئلة فلا يحدونى الخجل بالبوح بها لأحظى بنصيبى من أسطوانة أبى المشروخة التى كان يُرددها دوماً من طفولتى إلى شبابى بأن الشيطان يحتل دماغى ويعبث فيه .!

لم أكن مقتنعاً بفكرة الشيطان بالرغم من حداثتى , فكيف له أن يدخل فى دماغى ويعبث به وهو محاط بجمجمة شديدة الإغلاق وكيف له ان يوسوس فى أذنى وانا لا اسمع شيئاً ! .. كما أن الأفكار تخرج من دماغى فلا أحس بتأثير هذا الكائن الخرافى , ليقودنى تفكيرى حينئذ أن ما أسمعه من تبريرات الجميع بأن الشيطان خدعهم ما هو إلا هروب من المسئولية بتعليقها على شماعة الشيطان لتثبت الأيام صدق رؤيتى هذه .

فى شبابى كنت أرسم لوحات زيتية وأبيعها بجنيهات قليلة ومن ضمن هذه اللوحات صور لأعمال فنانين عالميين عن شخصيات مسيحية كالمسيح والعذراء والقديسين والملائكة كنت أنسخها وألونها مقتربا بشكل كبير من الأصل ومن ضمن هذه اللوحات كانت لوحة تصور الشيطان بمنظر قبيح ذو مخالب وأنياب وحوافر وذو ملامح قبيحة لأتذكر حينها مقولة أبى بأن الشيطان يستعمرنى لأشعل سيجارتى وأنفخ دخانها فى الهواء وأسرح بعيداً لأتخيل حضور الشيطان فى غرفتى من تكوينات دخان السيجارة .!!

أنا : لم أكن أتخيلك بهذا الشكل كنت أظنك بحوافر ومخالب
-الشيطان : فلتتخيل يا عزيزى كما تشاء وليتخيل كل إنسان وفقا لثقافته ووعيه وإحساسه فأنتم البشر لكم قدرات رائعة على رسم الصور ولصقها مع بعضها كما تريدون ومنها أنتجتم عروس البحر والتنين والفيل الطائر .

* أنا : تدور أسئلة كثيرة فى ذهنى
- الشيطان : بالرغم أن مزاجى ليس رائقاً لكن على الرحب والسعة .

* أنا : أعرف من التراث الدينى أنك كنت ملاكاً وتمردت وعصيت الله .. وفى نفس الوقت يقولون أنك مجبول على الشر - فكيف تكون مجبولاً وقد سبق لك أنك إتخذت قرار العصيان
-الشيطان : هناك خلل فى إبداعات هذه القصص الميثولوجية فوفقاً للقول أننى مجبول على الشر فلا يستقيم مع إعلانى التمرد والعصيان ورفضى السجود لآدم كما فى السرد الإسلامى أو التمرد على الله فى الملكوت كما فى الكتاب المقدس أى أننى إتخذت موقفاً فكيف أكون مجبولاً على الشر وأمتلك فى نفس الوقت الإرادة والحرية وإتخاذ القرار, كما ان المروجون لمقولة أننى مجبول على الشر سيضعون الله فى مأزق لأن الشر سيكون فعل إلهى خالص بمعنى أننى مجرد قفاز فى يد الله لينتج الشر ومُبرمج على هذا الأداء فلا أستطيع الإفلات منه , فهل تحاسب جهاز الكمبيوتر على البرامج التى وضعتها فيه .. أرى ان إدعاء اننى مجبول على الشر سيطول فكرة الله الكلى الخير والصلاح ويظهر الوجه المزدوج للفكرة ليحول الحياة إلى مسرح و دراما كالعرائس المشدودة بخيوط رفيعة يحركها مخرج وحيد .

* أنا : إذن ما هو تفسيرك لظهور هذا القول ؟! .
-الشيطان : أرى أن المشكلة جاءت من فكرة توحيد الآلهة فى إله واحد , ففى الميثولوجيا القديمة كان هناك إله للخير وآخر للشر فى حالة إستقلالية وصراع وعندما تم توحيد الآلهة فى إله واحد جاء الله كإله للخير والشر معا بالضرورة , ولكن التناقض هنا قد حل فكيف يكون الضدين معا , وكيف يستقيم الله الخَير مع الإله الشرير , كما هناك رغبة إنسانية دفينة أن ينتصر الخير وترفع راياته وينسحق الشر , إذن فليتجسد الله فى الصورة الخيرة لذا تفتق ذهنية مُبدع الأسطورة على إستحضار الشيطان ككومبارس فى المسرحية .

* أنا : طالما أنت حر ولست مجبولاً على الشر فهل معنى ذلك أنك يمكن أن تتوب عن فعل الشر .
-الشيطان : سمعتك سابقاً تروج لفكرة توبتى هذه فى إحدى مقالاتك , ولكنى سأعلن لك عن خبر سيكون سبق صحفى تدونه فى كتاباتك , فأنا لم أتوب بل أعنت إعتزالى عن إعتلاء خشبة المسرح ..أنا لم اتقدم بأوراق توبة بل أعلنت الإعتزال لرفضى للقيام بدور وهمى مُخادع يُضلل به البشر ليجعلهم فى مسرح عرائس بينما هم أصحاب المسرح الوحيدون .!
*أنا : ماذا تقول
-الشيطان : نعم أنا إعتزلت عن أداء دور تمثيلى فى مسرحية وهمية هزلية يطلق عليها الشر وقبل أن أتطرق لها سأتناول ما قيل عن توبتى .
إحتمال التوبة كإحتمال وارد , وأى قول يزعم أن توبتى مستحيلة يوقع الفكرة كلها فى التناقض .. فتوبتى واردة كونى إمتلك الإرادة الحرة بدليل أننى اعلنت تمردى وعصيانى كما هو معروف لديكم لذا يمكن أن أراجع نفسى وأعلن بكامل إرادتى أننى قررت العزوف عن ممارسة الشر والإيعاز به , وسيكون الله قابلاً توبتى بالضرورة لأن قبوله التوبة يعنى انه يمتلك المغفرة بلا حدود وعدم قبوله يعنى أن صفة الرحمة والمغفرة لديه محدودة أو معطلة أو لها أسقف محددة لا يستطيع تجاوزها وهذا سينال من ألوهيته لذا سيقبل الله التوبة متى قدمتها له , ولكن هذا الأمر سيوقعه فى إشكالية عظمى فسينطلق السؤال حينها عن من ينتج الشر أو قل أن القفاز سيُخلع وتنكشف الأيادى ومن يضع البرنامج .

* أنا : تعقيباً على مقولتك بأن القفاز سيُخلع .. جال فى خاطرى أقوال لأبيقور عن الله والشر يقول فيها :
هل يريد الله ان يمنع الشر , لكنه لا يقدر ؟... حينئذ هو ليس كلى القدرة !!
هل يقدر , لكنه لا يريد ؟.. حينئذ هو شرير !!
هل يقدر ويريد ؟ فمن اين يأتى الشر اذن ؟
هل هو لا يقدر ولا يريد؟ فلماذا نطلق عليه الله اذن؟
اما ان الله يريد ان يمحو الشر لكنه لا يقدر , او انه يقدر لكنه لا يريد , او انه لا يقدر ولا يريد

ان كان يريد , ولكنه لا يقدر , فانه ليس كلى القدرة
ان كان يستطيع , ولكنه لا يريد , فانه شرير
لكن ان كان الله يقدر ويريد ان يمحو الشر , فلماذا يوجد الشر فى العالم ؟
فما رأيك فى هذا الكلام ؟
-الشيطان : لا تعليق .. ولعلك فى نهاية حوارنا ستصل للوعى بهذه التأملات

* أنا : هناك شئ يُحيرنى .. فالذى أعرفه أن كل الأقدار والمشيئة فى يد الله وكل حادث نمر به هو معلوم ومدون لدى الله فى مدونته أى ما تفعله فى حث البشر على ممارسة الشر هو فى المعرفة الإلهية وطالما المعرفة الإلهية سَابقة ومُدركة ومُطلقة لا يشوبها الخطأ فمعنى هذا أنك مُجبر أن توسوس للبشر والإنسان بالضرورة مُجبر ان يستجيب لك لأنه فى حال ان الله دَون فى مفكرته اننى سأسرق فهذا يعنى أنك مكلف بالإيعاز , وأنا مُجبر على الإستجابة وإلا أفسدنا العلم الإلهى .. فما رأيك؟!
- الشيطان : يبدو يا عزيزى أنك تلمست التناقض ومسكت أول خيط سيقودك للمعرفة وإدراك ماهية الشر , ولكن الأمور لا تتم هكذا فأنا إكتشفت بعدم وجود كل حدود المعادلة التى ذكرتها فالشر له مفهوم ومعادلة أخرى . !!

* أقاطعه : ولكنى أعلم أنك رفضت أمر الله بالسجود لآدم وتكبرت على أساس أنك أرقى من آدم فأنت من نار وهو من تراب .
- يستطرد الشيطان :هذه مسرحية و"تلكيكة " كما تطلقون على المبررات الواهية الإلتفافية فى لهجتكم العامية المصرية , فلماذا لا يمكن أن تفهم الأمور على أنها إخلاص لله وإستنكار للسجود لكائن غيره أما كونى من نار والإنسان من تراب فهذا يعنى أننى من فصيل غير فصيل البشر فما العيب فى رفضى السجود له ثم لماذا لا تعتبرها إختبار لله لىّ بمدى إخلاصى لعبوديته ؟!!
ما يثبت أن القصة "تلكيكة" أو أن "المخرج عاوز كده" أن الله إستقبل رد الملائكة المتسم بالندية والإستنكار عندما أعلن رغبته فى خلق الإنسان " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ "
فما رأيك فى ردهم على الله ألا يتسم بالعتاب والتطاول والإدانة فهل يليق تدخلهم هذا وتلك الندية والإستنكار وما قولك فى رد فعل الله الذى اكتفى بقوله " أنه يعلم ما لا تعلمون " .. أليس له أن يثور ويلعنهم .. ألا يمكن المقارنة بموقفى أيضا , فلما الكيل بمكيالين أم يمكن القول أن سيناريو المسرحية يُراد هكذا , أو بالأحرى إيجاد مفهوم للشر يبتعد عن فكرة الله .

*الشيطان مستطرداً : الأسطورة نفسها تحمل فى أحشائها كل الخلل ومن يدقق فيها سيجدها تنال من فكرة الألوهية .!
ماذا تتوقع من ملاك تحدى الله وأعلن عصيانه فى محضره أليس من المنطقى أن يسحقه ويبدده من الوجود قلا يجعل له قائمة ليكون أول المعاينين لجهنم ... أليس منطقياً أن يعاقبنى بقسوة وإنتقام وبجحيم فورى أكثر من عقاب الإنسان العاصى الغير معاين والغير مدرك للحضرة الإلهية ليكون نصيبه العذاب الأبدى .. بينما أنا المُعاين لحضوره ومجلسه والشاهد على مملكته وعظمته أتحداه وجها لوجه فيتركنى طليقا ً !!.. ألم يكن من الأهمية والضرورة عقابى للحفاظ على هيبته أولاً , وحتى لا تكون بدايات لفتنة كبرى تسمح لأى ملاك أن يتمرد عليه ... ثم هناك مشهد آخر فى المسرحية يحمل كل العبث وهو أننى بدلاً من أن أحظى على العقاب أو على أقل تقدير العزل والنفى بعيدا ً نلت مكافأة ودخلت مع الإله فى تحدى ومبارزة لتصبح رأسى برأسه بإدعاء اننى قلت " أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " ليكون رد الإله : " إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ " !!!
ما رأيك يا سيدى فى هذا ؟!!.. فهل من المنطق تمرير هذه القصة الساذجة ألم يكن حريا أن يقول الله : سحقاً لك أيها الملعون فسأقيدك بسلاسل من حديد غليظة لا تسمح لك بالحركة والفعل فى أن تبث الشر فى البشر .. فما ذنب هذا الإنسان أن يتعثر بحيلك ومكرك _ أليس أفضل من القول " إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ ".!!
لقد إكتشفت الوهم سيدى فهى تمثيلية خائبة أراد مُبدعها أن يبرر الشر أو بمعنى أدق تمرير التناقض بإسقاطها على شماعة كائن آخر يتوهم أنه تلقي الضوء الأخضر .
ما أثار ريبتى فى الإله أننى إكتشفت شيئاً غريباً فهو يعلن سخطه وغضبه وإنتقامه من الإنسان بينما أنا المُسبب وصاحب التوكيل الوحيد بالشر من خلال وسوستى ومؤامراتى الخفية والرديئة على هذا الإنسان البائس .. فلا تجده يلتفت لفعلى بل يصب جام غضبه على هذا البائس .. فقصة الطوفان مثلاً والتى جعلته يغرق الأرض وما عليها هو إنتقام جنونى منه لدرجة أنه أفسد الأرض ولا أعلم هل يفتقد فى مملكته للصواريخ الذكية مثل التى بحوذة أمريكا ؟!!.. عالعموم هو أفنى البشر المساكين الذين هم ضحايا وسوستى ليحظوا على عقاب لانهائى فى جحيمه بينما أنا حر طليق أمارس مسلسل طويل من المكائد .

= الشر .. الوهم الكبير .
يتنهد الشيطان تنهيدة عميقة تنم عن أسى وحزن ليستكمل بوحه ويعلن أنه خُدع خداعاً عظيماً ليجد نفسه كالأبلة يمارس دوراً تمثيلى يتوهم أنه يؤدى دوراً حقيقياً ..!!
أجد غرابة ما فى قول الشيطان ولكنى أتحسس أن فى داخله إحباط ومرارة ليقطع صمته بالقول عندما قلت أننى لن أطلب التوبة فهذا ليس تكبراً وغروراً بل لأننى إكشفت الحقيقة التى تغافلتها سنين طويلة .
* أنا : أنت وعدتنى بسبق معرفى بقولك أنك إعتزلت
-إرتشف الشيطان بعض من القهوة مع تنهيدة عميقة تخرج من أعماقه ليستطرد كنت أتحسس أن هناك شئ غريب فى أول مشاهدى مع الرب كونه لم يسحقنى بل سمح لى بمهمة غواية البشر لأحس بفاعليتى فى الوجود مقارنة بهؤلاء الملائكة البائسة التى لا تفعل شيئا فى مملكته ولكنى إكتشفت الحقيقة الكبرى بعدم وجود شر فى الوجود . !!!
نعم لا يوجد شر فى الوجود فأنا كنت واهم بأننى أنا والإله نمارس الشر !!! فلا وجود لشئ إسمه شر .!!

* أنا : مهلك عزيزى الشيطان أريد إيضاح هذا الأمر فكيف لا يوجد شر وماهذا الذى نراه .
- يرد الشيطان بعد أن أشعل سيجارته بالقول هناك نوعان من الشر أحدهما يتم إنسابه لى وهو غواية البشر على فعل الشرور وممارسة الموبقات والفجور والغواية والتضليل عن الإيمان وعبادة الله والسلوك القويم , وهناك شر يصيب البشر يكون مسئولية كاملة للرب يتفرد بها فلا يشاركه أحد فى فعله وهو ما مَعروف ومُعلن كالمصائب والبلايا التى تسقط على دماغ البشر مثل الزلازل والأعاصير والفيضانات وكل الكوارث والأمراض التى تجلب الألم والخراب والشقاء للإنسان فهى شر وليست خير وتكون حكراً على الرب فهو صاحب التوكيل الوحيد كما تروج الأديان .
الوهم الكبير الذى عشته يا سيدى وعاشه كل البشر أن الله ليس له تأثير على هذا الشر الذى يُنسب له !!, ولا أنا أيضاً لى أى فعل شر يُزعم بأننى أبثه فى البشر لقد عشت الوهم ... هاهاها- لذا سأعتزل هذه المسرحية الهزلية .

أتحسس حال الشيطان لأجده فى حالة من الإحباط واليأس الشديد ليدخن سيجارته بشراهة منتجاً دوائر من الدخان ما يلبث أن يبددها بأصبعه ليقول : نحن نفهم الوجود ونتعامل معه كدوائر الدخان تلك نستمتع بالوهم ولكن لو تلمسناها فستتبدد ولكننا نريد لدوائر الدخان ان تكون حاضرة .
انظر يا سيدى : الشر هو ألم لا يدرك الإنسان أسبابه أو هو تسويق لمصالح نخبة .

* أنا : تبدو حكيماً وفيلسوفاً أيها الشيطان .
- الشيطان : ليست القصة حكمة وفلسفة بل على العكس فيبدو أنى بطئ الفهم فبعد هذه المسيرة الطويلة من الوجود والفاعلية إكتشفت أننى واهم .!!!
سأقول لك لماذا الشر وهم الإنسان فهو الألم الذى لا يدرك سببه .. فالإنسان عندما إعتبر الكوارث الطبيعية هى الشر الذى يحاق به وانه من صنع الإله بل قدره ومشيئته فهو هنا واهم .. هو يتألم فقط من جراء ظاهرة طبيعية لا يُدرك سببها ولا يعرف كيف يتفادها ويتجاوزها لذا ستجد البشر عبدوا الله من الظاهرة الطبيعية فهم مارسوا حيلهم النفاقية والبرجماتية فى التودد للقوى التى تصنع هذه الكوارث فى أن ترحمهم وتترفق بهم وتزيح عنهم البلايا .
الفيضان الذى يزيح كل ما على الأرض من نسل وزرع أصاب الإنسان بالألم لم يعرف سببه أو كيفية الخلاص منه وتجاوز فعله المدمر ليعتبره الإنسان شرا ً ولكن عندما درس هذه الظاهرة وأدرك أسبابها وفهم تأثير هيدروليكا الماء أقام السدود التى تحصر الفيضان لتحول هذا الشر إلى خير فإستفاد من ترويض الفيضان فى الزراعة وتوليد الطاقة .
الإنسان من جهله وخوفه وألمه ونفاقه خلق الشر والآلهة , فعذراً لا تقل أن الإله سمح بالفيضان كشر ليبطل الإنسان حيلته بعد ذلك .. أو هو خلق الفيروس والميكروب لتكون أوبئة تعصف بأجساد وحياة البشر ليستطيع الإنسان فى وقت لاحق ان يتحداه ويبطل حيلته !!... ستجد كل الأفعال التى تنسب للإله بأنها من فعله وقدره ومشيئته قد أصابها الشلل على يد الإنسان المعاصر فعرف كيف يَحدها ويتحداها ويوقف فعلها أو يتحاشاها على أقل تقدير فهل يمكن القول أن حيل الإله خابت وأن اقدراه وتخطيطاته فشلت وأُحبطت على يد الإنسان .
سأختم مقولتى بحجة فكر فيها ملياً .. إذا كان الإنسان يعتبر الزلازل والبراكين والأعاصير شراً وألماً من الله وفى الفكرالديني يعتبرونها عقاباً للكافر والشرير وإختباراً للمؤمنين !!! .. فما معنى وجود زلازل وبراكين وأعاصير اجتاحت الأرض قبل الحضور الإنسانى أى قبل خلق الإنسان كما تدعون , ألا تعنى العبث واللامعنى !!.. أم ان هذه الظواهر الطبيعية هى بلا غاية ولا ترتيب والإنسان هو الذى أعطاها المعنى ووصفها بالشر والألم عندما نالت منه ... الشر هو ألم يجهله الإنسان ومنه عبد المجهول الذى ينقذه من ألمه .

* أنا : حسنا ً إذا كان المصائب والأقدار والأمراض هى من فعل الإله كشر لم يفهم الإنسان سببها وحينما أدركها تجاوزها ولم تعد شر ولا أقدار فماذا عن الشر الذى يُنسب إنك فاعله بالوسوسة فى عقل الإنسان بتدبير المكائد لكى ينصرف عن العبادة أو ممارسة الرذيلة والفواحش .. ألم تصنع هذا الأمر .. وكيف لك أن تبرر أفعال البشر الشريرة والطيبة .
-يشعل الشيطان سيجارته الثانية ويبتسم ابتسامة تحمل فى داخلها الأسى والسخرية ليقول : هذا هو الوهم الأكبر الذى عشته وعاشه البشر ومازال الجميع يتمرغ فيه .. بل أننى كنت اظن واهماً إننى امارس فعل الغواية والوسوسة والتأثير على البشر لكى ينهجوا كل أشكال الشرور والمفاسد لأرى نفسى واهماً والبشر واهمون والله واهم ...هاهاها .. لا يوجد شئ اسمه فعل الشيطان فى الإنسان .. لا يوجد شئ اسمه شر .

* أنا : ماذا تقصد بعدم وجود شر ؟!!.
-الشيطان : الإنسان يقوم بأعمال سيئة توصف بالشر لأنه يعبر عن غريزته وحاجاته النفسية التى أعطاها المجتمع الإنسانى الحاضن له حكماً قيمياً سلبياً ويقوم بالخير لأنه كبت وحجب غرائز وحاجات خضوعاً لمنظومتة المجتمعية التى تريد ذلك فتم إستحسان هذا السلوك وتم وصفه خيراً .
محددات الشر والخير فى المجتمع هى رؤية المجتمع ونخبه المهيمنة على تعريف وتصنيف أشياء بأنها شر وخير ودليلى على ذلك أن فعل القتل وإزهاق الروح هو أعلى صور الشر كما يراها البشر , ولكنه يكون خيراً متى نال من الأعداء والكافرين بل يُكافأ المؤمن القاتل على فعله فى الجنه بمنحه طابور من الحوريات يكن فى إستقباله على باب الجنه بعد أن منح لقب شهيد على الأرض بالرغم انه قاتل نفس !
مثال آخر الزنا يكون شر ومُستهجن وفعل قبيح يلزم العقاب عليه فى الدنيا والآخرة ولكن نفس هذه العلاقة الجنسية تكون خيراً وحلالاً عندما تتم بالقهر والإغتصاب و بمباركة ومكافأة الرب لمؤمنيه فى الحروب ليتخذوا نساء الآخر سبايا وملكات يمين .. أليست زنا , بل زنا بشع مصحوب بإغتصاب وقهر .. هنا الشر تحول خير.!
السرقة تكون شراً يرفضه الله والمجتمع ولكن الإستيلاء على أموال الغير تحت مسميات الغنائم أو سرقة المصريين فى التوراة بإيعاز من الله أو فتوى سرقة بنوك الإئتمان الإسرائيلية كما افتى الشيخ الطريفى تكون حلالاً بيناً وكلوا من خيرات ما رزقناكم .
عشرات الأمثلة يمكن أن أوردها لك عن الشر والخير كمعايير نسبية إنسانية وليست مطلقة فأنظر للعلاقات الجنسية بين المحارم فهى كانت أمر عادياً وغير مستهجن بل مباركاً من قبل الله , ثم حدث انقلاب فجائى واصبحت هذه العلاقات الجنسية شراً يهز الكرسى الإلهى فهل الخير تحول لشر أم أن الظروف الموضوعية هى من حددت وحسمت هذا .
الضمير الإنسانى يتشكل من هذه المفردات الثقافية وما يتم ترسيخه فى النفس من محددات وحدود هى التى تكون الضمير والسلوك الإنسانى .. وتبقى حياة الإنسان هى الصراع الداخلى بين رغباته ومحدداته وأطر المجتمع الخاضع فيه فتكون المحصلة هو سلوك ليحكم عليه المجتمع كونه شراً أو خيراً وبالطبع لا تكون الامور الفاعلة والمؤثرة فى هذه المعادلة متقولبة ومتطابقة بين إنسان وآخر ولا فى الإنسان ذاته فكل تجربة حياتية تختلف العوامل التى تدخل فى الصراع مع تباين قوة حدودها لتخلق سلوك متفاوت .
انهم يفسرون ضعفهم وإحباطهم امام أنفسهم بأننى أوسوس فى عقولهم وأحثهم على الشر .. وأنا يا سيدى كنت أتوهم هذا الأمر ولكنى وجدت ان فعل الشر حتمى طالما توافرت الظروف والمناخ الذى يخلقه , وإذا كان احد يريد اللوم فليلوم ويؤنب فكرة الله الذى خلق وهيأ كل الظروف المتاحة للشر أو بالأحرى الظروف المادية التى خلقت الشرير شريراً .
لا يوجد شئ إسمه سلوك شرير بل هى رغبات نفسية وغرائز تنطلق أعطاها المجتمع الإنسانى حكماً قيمياً سلبياً كما لا يوجد شئ إسمه أعمال خيرة فهى كبت للغرائز ذات القيمة السلبية التى حددتها المجتمعات الإنسانية كقيم سلبية للحفاظ وخدمة لمصالح نخب.. فالقتل والسرقة والزنا أفعال ترونها شريرة .. القتل أصبح شراً لأن الإنسان وجد أن هذا الفعل يقوض الجماعة البشرية ويفقدها عنصر قوة وإنتاج فتنال من الجماعة وقدرتها فى مواجهة الطبيعة والجماعات البشرية الأخرى لذلك اصبح شراً .. كذلك السرقة والزنا تم إعتبارهما شراً لحماية مصالح أصحاب الأملاك فالسرقة ستنال من ممتلكاتهم العينية وهذا الأمر مرفوض بالقطع , والزنا يعنى تلويث أوانيهم الجنسية بإنتاج ليس من إنتاجهم فيضيع النسب وتتبدد الثروات لغير اصحابها .

لقد قررت إعتزال هذه المسرحية الهزلية المخادعة ...

أشعلت سيجارتى بدورى لأغرق فى تأمل كلام الشيطان .. ليلوح فى ذهنى سؤال عن الجدوى من هذه المسرحية الهزلية فأتوجه له فلا أجده !!!.. أجد دخان سيجارتى يسبح ويتناثر .. فأبدده بأصابعى .
دخان السيجارة أكثر حضوراً من وهم وخيال نغرق فيه .

دمتم بخير .
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هكذا يؤمنون - تأملات وخواطر فى الله والدين والإنسان (16)
- الطبيعة تنحت وترسم الآلهة - لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (21)
- أيهما الإسلام أفيدونا ؟!- الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (34)
- الإيمان إيجاد معنى لوجود بلا معنى -لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ...
- ثقافة التشرنق والتحفز - لماذا نحن متخلفون ( 4 )
- المنطق الدينى بين الهشاشة والسذاجة والهراء - خربشة عقل على ج ...
- البحث عن قضية إهتمام - الله مهتماً - لماذا يؤمنون وكيف يعتقد ...
- المرأة العربية بين جمود الثقافة والتراث وهيمنة مجتمع ذكورى
- الأديان بشرية الهوى والهوية -خيالات إنسان قديم (3)
- ثقافتنا ومعارفنا البائسة بين التلقين والقولبة - لماذا نحن مت ...
- حكمت المحكمة - يُقتل المسلم بكافر ! (4)
- عذراً لا أريد أن أكون إلهاً - خربشة عقل على جدران الخرافة وا ...
- مَخدعون و مُخادعون - كيف يؤمنون ولماذا يعتقدون (18)
- حصاد عام على إنتفاضة المصريين فى 25 يناير
- زيف الفكر وإزدواجية السلوك وإختلال المعايير - لماذا نحن متخل ...
- ثقافة وروح العبودية - لماذا نحن متخلفون (1)
- الأديان بشرية الهوى والهوية -نحن نتجاوز الآلهة وتشريعاتها (2 ...
- قطرة الماء تتساقط فتسقط معها أوهامنا الكبيرة - خربشة عقل على ...
- الأخلاق والسلوك ما بين الغاية ووهم المقدس - لماذا يؤمنون وكي ...
- نحن نخلق آلهتنا ونمنحها صفاتنا -خربشة عقل على جدران الخرافة ...


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - الشيطان يعتزل - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم (15)