أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق - الحلقة الثالثة















المزيد.....

السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق - الحلقة الثالثة


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1080 - 2005 / 1 / 16 - 09:54
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


إننا نعرف جيدا بأن للأوهام قوتها الجارفة التي تقهر أحيانا حتى الحقائق الكبرى. وهي مفارقة غريبة لكنها معقولة بموازين التاريخ والواقع والوعي. فقد وقف الفكر الفلسفي على الدوام أمام إشكالية تحديد الحقيقي من الزائف. وإذا كان من الممكن إدراكهما في المنطق بمقولات الصواب والخطأ، فان هذا التمايز يتلاشى أمام الرؤية الوحدانية للتاريخ والنشاط الإنساني الخارج عن شكليات المنطق وحدوده الضرورية في بناء العبارة والمعنى. غير أن هذه الوحدانية نفسها جعلت من الحقيقي والزائف محور اهتمامها الجوهري، لأنها أرادت من وراء ذلك كشف المعنى المفترض أو الغاية المتسامية أو الوجوب الوجودي والأخلاقي في الظواهر والأشياء والأفعال. وإذا كانت الرؤية الدينية قد افترضت المعنى والغاية والوجوب وراء الحياة وجسدته بمفاهيم الوعد والوعيد والثواب والعقاب والجنة والنار دون أن تهمل حدوده الأرضية (على الأقل في الإسلام) فإن النظريات التي جعلت من المطلق الإلهي ميدانا لتأمل الحرية الإنسانية واضطرارها المجبور، حاولت من خلال نماذجها المتنوعة صياغة الأسلوب المناسب في إدراك علاقة "الحقيقي" و"غير الحقيقي" في التاريخ. ومن حصيلة هذه المحاولات ظهرت مختلف التفسيرات والتأويلات السياسية التي ارتدت لباس الأيديولوجيا العملية لكي تثبت لنفسها وللآخرين على أن ما تقوله هو الحقيقة النهائية والغاية المتسامية للوجود. وبهذا نقف من جديد أمام الفكرة القائلة، بأنه ليست الحقيقة فقط غير متناهية، بل والأوهام أيضا!
إذ تبرهن التجارب التاريخية للأمم والحضارات على أن للأوهام قوة تعادل أحيانا قوة الكوارث الطبيعية. وتزداد قوتها تدميرا عندما تتلألأ من خلال ما يمكن دعوته بالقيم والعبارات "المقدسة". مع أننا نعلم انه لا قدسية في اللغة والقيم بحد ذاتها، باستثناء تمثل وتمثيل الفضائل التاريخية القادرة على تأسيس التحرر الشامل والسعادة. وهو تمثل وتمثيل تسعى لتحقيقه مختلف القوى الاجتماعية والسياسية على امتداد التاريخ. إذ ليس التاريخ العالمي والسياسي منه بالأخص سوى المسار التي تتكسر في دروبه مساعي البشر لتحقيق الأحلام "المتسامية". وهو الأمر الذي يبرهن على أن "الحل النهائي" في كل فعل تاريخي كبير هو وهم تاريخي، وان "الحل النهائي" الحقيقي يفترض الإقرار بعدم تناهي الحلول وشرعية البدائل والاحتمالات المتنوعة. وهو استنتاج يعكس طبيعة الخلاف التاريخي الذي طبع وما يزال يطبع الفكر في مختلف مدارسه واتجاهاته وأصنافه. بمعنى الخلاف بين أيديولوجيا الأوهام الكبرى وبين الرؤية العقلانية للتاريخ ومساره الواقعي.
وليس المقصود "بالأوهام المقدسة" هنا سوى تلك التي ترتقي إلى مصاف العقائد الإيمانية المتوارثة والمقتلعة من جذورها الأولية. وبالتالي فإنها عادة ما تجعل من وقوعها "الواعي" في اسر العقائد الموروثة مصدرا للتفاخر والاعتزاز، مع ما يترتب على ذلك من استعادة "حية" لمسار الأحداث القديمة وتذوقها الجديد خارج إدراك معنى الحقيقة القائلة بأنه لا تكرار في الوجود. إذ لا تكرار بتاتا! وهي ممارسة تؤدي بالضرورة إلى استلهام العبارة لا المعنى، واستنساخ الرمز لا محتواه الثقافي (التاريخي) ومن ثم الولع بترهات الماضي عوضا عن بذل الروح المعاصر من اجل حل الإشكاليات الواقعية الكبرى القائمة أمام المجتمع والدولة. وهي نتيجة عادة ما تؤدي إليها الأيديولوجيات الكبرى المصابة بمرض "الأوهام المقدسة"، التي تنطلق في رؤيتها للواقع من يقينها الجازم بأن ما تستلهمه من الماضي هو الوحيد المقدس، وبالتالي فإن ما تقوله وتفعله وتسعى إليه هو غاية "نهائية" للوجود. بينما لا تدرك هي الحقيقة البسيطة القائلة، بأنه لا نهاية في الوجود، وان أقصى ما تسعى إليه لا يتعدى كونه رؤية عابرة وتعبيرا عن غايتها الخاصة. إذ ليس هناك من غاية نهائية للأيديولوجيا أيا كانت سوى تجسيد ما تعتقده غاية عليا. وليس هذه الغاية العليا في الواقع سوى تصوراتها عما تقف عند حدوده التاريخية فقط. فالأحداث والأفعال والممارسة السياسية والمهمات العملية هي أمور محدودة على الدوام. ولا يمكن للأيديولوجيا أيا كانت أن تتعدى في أحكامها وتقييمها للأحداث هذه الحدود. وهي حقائق لا يمكن للأيديولوجيات العملية "الجماهيرية" أن تتمثلها وتمثلها.
إذ تبرهن التجارب التاريخية لجميع الأمم والحضارات على أن الأيديولوجيات الكبرى حالما تتغلغل في الوسط الجماهيري فإنها تؤدي بالضرورة إلى ابتذالها وإضعاف مستواها النظري. وهي نتيجة مرتبطة بواقع انتشارها الواسع بين أناس يفتقدون عموما إلى التأهيل المعرفي. مما يؤدي إلى تغيير المضمون الفعلي الأولي لما كانت تريديه هذه الأيديولوجية، وفيما بعد إلى استفحال دورها التخريبي. وليس غريبا أن تتحول الأيديولوجية الثورية إلى أداة للقمع الشامل، بينما تصبح الأيديولوجية القومية (كما هو الحال عند البعث) أيديولوجية التخريب الشامل للروح والجسد الفردي والاجتماعي والدولتي والتاريخي والثقافي.
وهي ظاهرة تميز في الإطار العام آلية فعل العقائد الكبرى في الوسط الجماهيري، بغض النظر عن مستوى التطور الاجتماعي الاقتصادي والثقافي. وهو "القدر" الذي ميز على الدوام الأديان العالمية والنظريات العقائدية الكبرى بفعل سيادة المبادئ الموحدة(الواحدية والوحدانية) فيها. وأعطى ذلك للجميع إمكانية الانتماء إليها والبقاء ضمن حيزها رغم تباين المعارف والأذواق. بمعنى عدم تعارض البقاء ضمن حيز "الإيمان" والارتقاء إلى مصاف المرجعية في العلم والعمل. وإذا كانت هذه العقائد ما تزال تفعل فعلها في استثارة وتنظيم القوى الاجتماعية والسياسية والروحية، فأنها تفرز مع ذلك عناصر التقليد والتقييد بسبب وجودها في "نظام الفوضى"، أي في ظل ضعف وهشاشة البنية الحقوقية للدولة، مما يؤدي في الأغلب إلى جعلها أداة بيد البيروقراطية الحزبية (السلطوية والمعارضة). وليس مصادفة أن يؤدي ذلك إلى انتشارها بين اكثر الناس جهلا بمبادئ العقيدة وأبعدهم أحيانا عن أخلاقياتها المعلنة.
وهي حالة تطرح مهمة تجاوز الأيديولوجية العقائدية بالشكل الذي يذلل إمكانية تحولها إلى مبادئ ثابتة. بمعنى تذويب عناصر العقيدة في الرؤية السياسية المتجددة والمتبدلة والمتغيرة لا جعلها أيديولوجية ملزمة. وهذا يستلزم بدوره تحرير الأحزاب من الأيديولوجيات المقننة، والتمسك بمبادئها المتسامية العامة فقط. فبقاء الأحزاب السياسية كقوى سياسية فاعلة يشترط عدم تقيدها "بمنهجية" أيديولوجية صارمة. وذلك لان ميدان فعل الأحزاب خال من المنهجيات، إضافة إلى صعوبة بل واستحالة حد المنهجية بمعايير السياسة. أما الإلحاح والانهماك في التنظير لها والجهادية المبدئية من اجلها فانه لا يؤدي إلا إلى صنع أساليب متنوعة للقمع المباشر وغير المباشر وهمجية مكتفية بذاتها. وهو قمع عادة ما يتخذ صيغة التبرير "المقدس" بعد سكبه بعبارة "الخلود" و"الخالد".
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق- ا ...
- السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق-ال ...
- التيار الإسلامي ومهمة تأسيس البدائل العقلانية في العراق
- الحلقة الثانية-البروتوكولات الصهيونية-الماسونية اليهودية الص ...
- الحلقة الاولى - البروتوكولات الصهيونية - تقاليد قواعد العمل ...
- الفساد والإرهاب توأم الخراب في العراق المعاصر
- (4) الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي 3
- 2.الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- (1)الهوية العراقية وآفاق البديل الديمقراطي
- الشعر والشاعر وإشكالية الحرية
- فلسفة السيادة وسيادة الدولة في العراق المعاصر
- الغلاة الجدد وأيديولوجيا الجهاد المقدس
- التصوف الإسلامي وفكرة وحدة الأديان
- محاكمة البعث ورموزه
- استئصال البعث ومهمة البديل الديمقراطي في العراق
- العراق وإشكالية المثلث الهمجي
- القضية الكردية وإشكاليات الوطنية العراقية
- العراق وعقدة الطائفية السياسية
- الغلاة الجدد وأيدبولوجية الإرهاب المقدس


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - السياسة والمقدس أو التاريخ الفعلي والزمن الضائع في العراق - الحلقة الثالثة