أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - السنة ما لها وما عليها: الفصل التاسع: (البلاغ، الأسوة، ما ينطق عن الهوى)















المزيد.....



السنة ما لها وما عليها: الفصل التاسع: (البلاغ، الأسوة، ما ينطق عن الهوى)


نهرو عبد الصبور طنطاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3655 - 2012 / 3 / 2 - 19:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


## ما مدلول قوله تعالى: (ما على الرسول إلا البلاغ)؟:

كما سبق وأن قلنا في الفصل السابق: ما أسهل وأيسر قول القرآنيين إذا ناقشت أحدهم: إن الرسول ما عليه إلا (البلاغ) فحسب. ثم يتلو على مسامعك بعض آيات القرآن الكريم التي تشير إلى أن الرسول تقتصر مهمته ووظيفته على (البلاغ) فحسب. ونذكر بعضا من آيات القرآن الكريم التي يستشهد بها القرآنيون على أن مهمة الرسول مقصورة ومحصورة في (البلاغ) فحسب، على النحو التالي:
قال تعالى:
(وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلاغُ المُبِينُ). (12_ التغابن).
وقال:
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلاغُ المُبِينُ). (92_ المائدة).
وقال:
(وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البَلاغُ وَعَلَيْنَا الحِسَابُ). (40_ الرعد).
وقال:
(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البَلاغُ). (48_ الشورى).

يظن القرآنيون أن هذه الآيات تدل على أن وظيفة الرسول تنحصر في (البلاغ) فحسب، وكذلك يظن القرآنيون أن (البلاغ) يدل على محض توصيل نصوص القرآن الكريم للناس. فهل هذا الفهم صحيحا وصوابا؟. فلنرى:
البلاغ ليس مجرد إيصال الشيء أو توصيله. كذلك البلوغ ليس مجرد الوصول إلى الشيء، فهناك فرق شاسع بين الوصول والإيصال وبين البلوغ والبلاغ، فليس من وصل إلى شيء أو أوصل شيئا كمن بَلَغَه أو بَلَّغَه، فالوصول والإيصال شيء، والبلوغ والبلاغ شيء آخر تماما.

فالفعل: (وصل) يدل على ضم الأشياء بعضها ببعض، ويضاد الانفصال، ويستخدم الوصل في الأشياء المحسوسة، وفي الأشياء المعنوية، يقال: وصلت فلانا. إذا زرته وتقربت وتوددت إليه، قال تعالى: (ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل) (27_ البقرة)، وقال: (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق). (90_ النساء). أي: يأتون إليهم. ويقال: فلان متصل بفلان: إذا كان بينهما صلة وتواصل بالزيارة أو بالتقرب أو غيره، كذلك منه قوله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). (51_ القصص). أي: أتيناهم بالقول وقربناه لهم ووصلناه إليهم.

أما (البلاغ) فشيء آخر تماما، (البلاغ) مشتق من الفعل: (بَلَغَ)، وهذا الفعل يدل في أصل لسان قوم الرسول الذي نزل به القرآن الكريم على: الإيغال والتوغل والانتهاء إلى أقصى المقصد ومنتهاه، سواء كان ما نقصد بلوغه مكانا أو زمانا أو أي أمر من الأمور المراد بلوغها، يقال: بَلَغَ المَكَانَ، بُلُوغاً، إذا أوغل فيه وتوغل إلى أقصاه ومنتهاه، ويُقَالُ للرجل شديد الحماقة: (أحْمَقُ بَلْغٌ، وبَلْغَةٌ) أي: رجل متوغل لأقصى ومنتهي الحُمْقِ وبالِغٌ فيهِ. ويقال للرجل شديد المكر والخبث: (رَجُلٌ بِلْغٌ)، أي خَبِيثٌ مُتَناهٍ ومتوغل في الخَباثَةِ. ويقال لمن ألم به المرض وأوغلت فيه آلامه إلى أقصاها ومنتهاها: تَبَلَّغَ بهِ المرض، أي: اشْتَدَّت عليه آلامه وبلغت به منتهاها. كذلك يقال لمن يثني على شخص أو يمدحه بإفراط: أثنى ثَنَاءٌ أبْلَغُ: أي مُبَالِغٌ فيهِ إلى أقصى منتهى الثناء والمدح، ويقال: بالَغَ في أمْرِي مُبَالَغَةً، أي: اجْتَهَدَ طاقته القصوى ولمْ يُقَصِّرْ حتى بلغ به الجهد أقصى منتهاه.

وكذلك (البَلاغَة) التي يُمْدَحُ بها فَصِيحُ اللّسان، لأنّه يبلُغُ بفصاحة كلامه إلى نفوس الناس ويتوغل كلامه في أذهانهم ويستقر بها، ويكون كلامه في منتهى غاية البيان والإفصاح عن مقصده. وقال علماء البيان لكي يكون الكلام بليغا يقتضي الكلام أن يجمع ثلاثة أوصاف: أولها صوابا في موضوع لغته، الثانية: مطابقا للمعنى المقصود به، الثالثة: يكون كلامه صدقا في نفسه. قال تعالى: (وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا). (63_ النساء). كذلك قال علماء البيان لابد للشخص حتى يوصف بالبلاغة أن يكون بليغا في نفسه كبلاغة كلامه، أي: أن يتكلم المتكلم بأمر فيورده على وجه حقيق أن يقبله المقول له. ومن هنا نعلم أن (بلاغ الرسول) للرسالة ليس مجرد توصيل نصوص القرآن الكريم إلى الناس أو تلاوته عليهم، إنما بلاغ الرسالة يقتضي الإيغال والتوغل لمنتهى البلاغ، وهذا لا يكون إلا بالممارسة الفعلية والتطبيق العملي لنصوص الرسالة على أرض الواقع، فبهذا فقط يكون البلاغ وليس بمجرد إيصال النصوص أو تلاوتها. ولذلك نجد نصوص القرآن الكريم التي جاءت فيها مشتقات الفعل (بلغ) تدل على الإيغال والتأكيد والوصول إلى منتهى الغاية، قال تعالى:

(أم لهم أيمان علينا بالغة). (39_ القلم). أي أيمان منتهية في التأكيد ولازمة وواجبة النفاذ والبر بها.
وقال تعالى: (بلغني الكبر وامرأتي عاقرا). (40_ آل عمران). أي تمكن الكبر مني وتلبث بي.
وقال تعالى: (حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ). (5_ القمر). أي حكمة بلغت أقصاها ومنتهاها في الوضوح ولا يمكن أن تخفى عليهم أو ينكروها.
وقال تعالى: (وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً). (63_ النساء). أي قولا يتوغل ببيانه وإفصاحه إلى أقصى نفوسهم ويثبت ويقر فيها.
وقال تعالى: (قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً). (76_ الكهف). أي وصلت إلى أقصى ومنتهى الأعذار مني فلا عذر لك عندي بعدها.
وقال تعالى: (ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ العِلْمِ). (30_ النجم). أي أقصى ومنتهى ما لديهم من العلم.

كذلك مما يؤكد أن البلاغ ليس مجرد إيصال نصوص الرسالة أو تلاوتها على مسامع الناس فحسب إنما (البلاغ) هو امتثال هذه النصوص واقعا مشهودا مرئيا على الأرض هو أن الله سبحانه وصف أربعة مشاهد من مشاهد يوم القيامة في القرآن الكريم بأنها (بلاغ)، مما يؤكد أن البلاغ هو تقديم الرسالة للناس بصورة أقرب إلى التقديم التصويري التمثيلي التفصيلي أو بالممارسة الفعلية العملية المشهودة التي يراها الناس واقعا على الأرض:
قال تعالى:
(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القَوْمُ الفَاسِقُونَ). (35_ الأحقاف). هذا المشهد التشبيهي التمثيلي أسماه الله (بلاغ).
وقال تعالى:
(قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً(22) إِلاَّ بَلاغاً مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ). (23_ الجن). هذا المشهد كذلك أسماه الله (بلاغ).
وقال تعالى:
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ(48) وَتَرَى المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ(49) سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وَجُوهَهُمُ النَّارُ(50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ(51) هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ). (52_ إبراهيم). كذلك هذا المشهد التصويري ليوم القيامة قال الله عنه: (هذا بلاغ للناس).
وقال تعالى:
(يوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ(104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ(105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ). (106_ الأنبياء).
انظر كيف وصف الله مشهد القيامة هذا ووراثة الأرض للصالحين بأنه: (لبلاغا لقوم عابدين).

إذاً فليس مدلول ومفهوم (البلاغ) _بلاغ الرسول للرسالة_ محض إيصال نصوص الرسالة أو تلاوتها على مسامع الناس فحسب كما فهم القرآنيون، إنما البلاغ هو الممارسة التطبيقية والعملية والفعلية المشهودة والمرئية لكل الناس، كذلك ليس مدلول قوله تعالى: (وما على الرسول إلا البلاغ) كما يفهم البعض أنه يقوم بتسليم الرسالة إلى الناس (مشافهة) أو (يدا بيد) من على الباب ثم ينصرف كما يفعل (ساعي البريد) أو (البسطجي)، كلا، إنما البلاغ يدل على امتثال مضمون هذه الرسالة واقعا فعليا على الأرض وفي حياة وسلوك الرسول، وبلاغ الرسول محمد للرسالة لن يتحقق إلا بامتثال الرسول نفسه لهذه الرسالة عمليا أمام الناس. والبلاغ بهذه الكيفية ليس عن اجتهاد شخصي من النبي محمد، إنما البلاغ بهذه الكيفية هو بوحي كذلك كوحي نصوص القرآن ذاته كما سنفصل هذا بعد قليل.

## ما مدلول قوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)؟:

يقول الدكتور: (أحمد صبحي منصور) في مقاله: (النبي نفسه لا يجسد الإسلام فكيف بالمسلمين؟). المنشور على الحوار المتمدن بتاريخ: 12/12/2007م، قال في آخره: (فى الدين الالهى فان محمدا عليه السلام لا يجسد الاسلام، مع أنه نبى الاسلام والذى قام بتبليغ رسالة الاسلام .. وبالتالى فلا يوجد اى بشر بعده يكون تجسيدا للاسلام) انتهى.
وذكر الدكتور (منصور) قبل نهاية المقال بسطور الآية التي تقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً). (21_ الأحزاب). وقال قبل هذه الآية ما يلي: (أمر الله تعالى المؤمنين بالتأسي بالنبي محمد وشجاعته في غزوة الأحزاب) انتهى. وقال بعدها: (وبالتالى فلا يمكن أن نتصور أن يطلب الله جل وعلا من المؤمنين أن يقتدوا بالنبى محمد عليه السلام حين وقع فى خطأ استوجب العتاب : كقوله تعالى له : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ). (التحريم 1) انتهى.

ثم ترك الدكتور (منصور) هذه الآية مسرعا وانصرف إلى ختام مقاله، ولم يخبرنا الدكتور منصور كيف علم بأن المقصود بهذه الآية هو أمر الله للمسلمين بأن يتأسوا بالرسول في شجاعته في غزوة الأحزاب؟؟، من أين جاء بهذا التفسير وهذا الفهم؟؟ هل جاء به من كتب التراث وكتب الأحاديث المكذوبة المدسوسة كما يصفها هو؟؟.

وكذلك فات الدكتور (منصور) أمر هام جدا في هذه الآية لم ينتبه إليه، هذا الأمر يخالف منهجه مخالفة صريحة، لقد فات الدكتور منصور أن نص الآية يقول: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة)، والدكتور (منصور) يفرق بين (النبي) كشخص بشري يخطئ ويصيب وبين شخص (الرسول) كمبلغ للوحي الذي هو القرآن، فوجود مسمى (الرسول) في هذه الآية يقتضي منا أن نوجه بعض الأسئلة للدكتور (منصور) ونقول: هل مسمى (الرسول) في هذه الآية يعني به شخص (محمد) البشري الذي يخطئ ويصيب؟ أم شخص (الرسول) كمبلغ للوحي؟، فإن قال الدكتور (منصور) هو شخص (الرسول) كمبلغ للوحي، نعود فنسأله: وأين هو الوحي الذي سيبلغه الرسول في هذه الآية؟، كذلك لن يستطيع الدكتور (منصور) أن يقول أن المقصود به شخص النبي (محمد) البشري، إذ لو قال بهذا فسوف يهدم مذهبه القائم على التفريق بين شخص (النبي) البشري وشخص (الرسول) المبلغ للوحي. هذا مع العلم أن الدكتور (منصور) قال عن هذه الآية ما يلي: (أمر الله تعالى المؤمنين بالتأسي بالنبي محمد وشجاعته في غزوة الأحزاب) انتهى.

وهنا نسأل الدكتور (منصور) أيضا: ما دخل الشجاعة بمسمى (الرسول) الذي هو مبلغ للوحي؟، أليست الشجاعة صفة بشرية من صفات الرسول البشرية ولا علاقة لها بتبليغ الوحي الذي هو القرآن؟، فلماذا أمر الله أن نتأسى بشجاعة (محمد) عليه الصلاة والسلام في (غزوة الأحزاب) كما قال الدكتور (منصور) مع ذكره لمسمى (الرسول) الذي يعتبره الدكتور (منصور) مسمىً خاصاً بتبليغ الوحي فقط؟ ولماذا لم يذكره بمسمى (النبي) الذي هو شخصه البشري؟، ثم ما الذي يجعل من شخصه عليه الصلاة والسلام أسوة في الشجاعة دون غيره من الناس؟، أليس من بين البشر شجعان كثر من أصحابه عليه الصلاة والسلام وممن جاءوا بعدهم؟. ثم إن النصف الأخير من الآية ينص على أن التأسي برسول الله لا يكون إلا من مسلم تتوافر فيه ثلاث صفات هامة هي: (يرجو الله) (واليوم الآخر) (وذكر الله كثيرا). فهل يعقل أن ينزل الله آية كهذه ليأمرنا بالتأسي بشجاعة الرسول في (غزوة الأحزاب) ويضع للمتأسي ثلاث صفات تجمع أسس الإيمان ولبه فقط لنتأسى به في شجاعته في (غزوة الأحزاب)؟. هل يعقل هذا؟. والسؤال الأهم: هل هذه الآية خاصة بزمن وعصر الرسول أم أنها سارية المفعول إلى يوم القيامة؟.

كذلك يقول الدكتور (منصور) في نفس المقال ما يلي:
(الأنبياء أئمة البشر، ولكن لأنهم بشر فان الله تعالى لا يجعل الاقتداء بهم مطلقا ولكن يربطه بالوحى أو بالموقف المحدد الذى يكون فيه تطبيق ذلك النبى للوحى فى أفضل حالاته) انتهى.
وهنا نسأل الدكتور (منصور) ونقول: أين هو الوحي في هذه الآية؟، وما فائدة أمر الله للمسلمين بالتأسي برسوله في اتباع الوحي والوحي موجود بالفعل في وجود الرسول وفي عدم وجوده؟!!، بل ما فائدة التأسي به أصلا عليه الصلاة والسلام وهو في الوقت نفسه كما يزعم الدكتور منصور في عنوان مقاله: (النبي نفسه لا يجسد الإسلام فكيف بالمسلمين؟)؟!!، وكما يزعم في متن المقال ويقول: (فى الدين الالهى فان محمدا عليه السلام لا يجسد الاسلام، مع أنه نبى الاسلام والذى قام بتبليغ رسالة الاسلام .. وبالتالى فلا يوجد اى بشر بعده يكون تجسيدا للاسلام) انتهى.
فإذا كان الرسول نفسه لا يجسد الإسلام، وفي نفس الوقت يطالبنا الدكتور (منصور) بالتأسي به في اتباع الوحي التزاما بالآية، وفي الوقت نفسه الوحي موجود في القرآن المحفوظ فكيف أتأسي به في الوحي وهو نفسه لا يجسد الوحي، وفي الوقت نفسه لم يرد في الآية ذكر للوحي ولا للقرآن، وإنما ورد التأسي بالرسول فحسب دون ذكر لا للوحي ولا للقرآن، فكيف هذا؟؟!! وما السبيل لحل هذه المعضلة التي أوقع الدكتور (منصور) نفسه فيها؟.

نترك الآن الدكتور منصور ليحل معضلاته ونأتي لنتعرف على مدلول ومفهوم الآية الكريمة: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً). (21_ الأحزاب). كثير من الناس يخلط خطئاً بين (القدوة) و(الأسوة)، فإذا سألتهم عن الأسوة قالوا: هي القدوة، وإن سألتهم عن القدوة قالوا: هي الأسوة. وهذا خلط فاحش بين مدلول ومفاهيم الكلمات، فأما (القدوة): فهي من الفعل (قَدَوَ)، الذي يدل قياس شيء بشيء، أو مقادرة شيء بشيء حتى يكون قدره ومساويا له، ويقال: (هذا قَدْ هذا) أي قياسه ومقداره ومساوٍ له إما في الطول أو الوزن أو الحجم أو أي صفة يراد قياسه وتقديره بها، ويقال: (فلان اقتدى بفلان) أي صار قياسه ومقداره في خلقه أو دينه أو تقواه أو مثله في أي شيء آخر أراد أن يقتدي به فيه. فالاقتداء لا يكون بذات الشخص وإنما يكون بشيء يحمله أو بشيء يتصف به، ولذلك حين أمر الله رسوله (محمد) بالاقتداء بمن سبقه من الأنبياء والمرسلين لم يأمره بالاقتداء بذواتهم وأشخاصهم وإنما أمره بالاقتداء بهداهم، فقال تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ). (90_ الأنعام). أي: أقتد بهم في (هداهم) لا في شخوصهم وذواتهم. هذا بالنسبة للقدوة والاقتداء.

أما (الأسوة) فهي تختلف تماما عن مدلول ومفهوم القدوة، فالأسوة من الفعل: (أَسَوَ)، والأَسْوْ: أصله من إصلاح الجرح أو إزالة المرض بالدواء وإزالة أسى الألم الذي يسببه الجرح والمرض، ويقال أسَوْت الجُرْحَ إذا داويتَه، ويقال: جاء فلان يَلْتمِسُ لجُرْحِه أَسُوّاً، أي دَواءً يَأْسُو به جُرْحَه. وكانت العرب تقول للطبيب: (الآسي)، أي: الذي بدوائه يُذهب الأسى والحزن والألم عن الجريح والمريض، ويقال لمن شعر بالأسى والحزن على شخص ما: أسيت عليه وأسيت له، ومنه قوله تعالى: (فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ). (68_ المائدة). ويقال أسَوتُ بين القوم، إذا أصلح بينهم وأذهب الأسى من بينهم. ومن هذا المدلول جاءت كلمة (أسوة)، يقال: لي في فُلانٍ أسْوَةٌ، أي: آسَيْتُ نفسي به فأصلحتها وأذهبت ما كان بها من أسى وحزن، ومنه قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً).

ولنا هنا وقفة مع هذه العبارة: (فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة). الأصل في هذه العبارة أن تكون: (رسول الله أسوة حسنة فتأسوا به). فلماذا جاء بحرف (في) قبل قوله: (رسول الله أسوة حسنة). هذا أسلوب من أساليب اللسان العربي يسمى (التجريد للمبالغة). بمعنى: أن رسول الله هو الموصوف بأنه (أسوة) ثم جاء بصفة (حسنة) المنتهية بتاء التأنيث التي تعود على كلمة (أسوة) وليس على الرسول، لماذا؟، لأن هذا التجريد للصفة (حسنة) عن الموصوف الذي هو (الرسول) لكي يكون الرسول هو ذاته (أسوة) وليست (الأسوة) صفة له، أي أن ذاته عليه الصلاة والسلام وشخصه (أسوة) وليست (الأسوة) مجرد صفة يتصف بها. وكما قلنا الأصل أن يقول: (رسول الله أسوة حسنة فتأسوا به)، لكنه قال: (في رسول الله أسوة حسنة)، ليجعل متعلقُ (الائتساء) بذاتَ الرسول وشخصه دون أي وصف آخر يضاف إلى ذاته وشخصه عليه الصلاة والسلام.

وبالتالي تقول هذه الآية: إن شخص (محمد) عليه الصلاة والسلام، ليس مجرد نبي. وليس مجرد رسول مبلغ للوحي كما يزعم القرآنيون، وإنما شخصه عليه الصلاة والسلام في حياته وآثاره وسلوكه وأقواله وأفعاله أشبه بالدواء الذي يداوي الجراح والأمراض وتنصلح به النفوس، _بأبي هو وأمي ونفسي وولدي (عليه الصلاة والسلام)_، فلذلك جعل الله ذاته وشخصه (عليه الصلاة والسلام) أسوة حسنة ليس لأي مسلم، بل فقط للمسلم الذي هذه صفاته: (يرجو الله) (واليوم الآخر) (وذكر الله كثيرا). والسؤال الآن: إذا كان كل ما نسب إليه عليه الصلاة والسلام على العموم هي أحاديث وروايات محض مكذوبة ومدسوسة ومزورة وملفقة على حد زعم القرآنيين فكيف يمكننا التأسي به (عليه الصلاة والسلام) وهو ليس بيننا الآن؟؟.

وعليه أقول: إن هذه الأسوة في شخصه عليه الصلاة والسلام وفي سلكوه وآثاره وأقواله وأفعاله ليست فقط من وحي (القرآن الكريم) _كما يتوهم القرآنيون_، لأن وحي (القرآن الكريم) يحتاج إلى تطبيق عملي فعلي على الأرض، هذا التطبيق لا يمكن أن يأتي منضبطا ومتسقا مع وحي (القرآن الكريم) إلا بوحي آخر من غير القرآن الكريم موازٍ له. وهذا يحتاج إلى بعض التفصيل على النحو التالي:

النصوص القرآنية وحدها وبمفردها لا تكفي إطلاقا أن تطبق وتمارس على أرض الواقع بدون وحي آخر موازٍ يدل ويرشد ويوجه إلى كيفية ممارسة وإقامة هذه النصوص على أرض الواقع وفي حياة الناس ومعاشهم ومعاملاتهم بين بعضهم بعضا، وهذا ليس خاصا بالنص القرآني فحسب، بل هو عام في كل نص يتعلق بأي مجال من المجالات، وأضرب بعض الأمثلة على هذا للتوضيح: هب أن طالبا في كلية الطب أو في أي كلية أخرى من الكليات التي تجمع بين الدراسة النظرية والعملية في آن واحد، فهل يصلح أن نعطي للطلاب النصوص النظرية في كتب دون وجود شخص (المحاضر) أو (الأستاذ) الذي سيقوم بشرح هذه النصوص ودون وجود المعامل أو (الورش) والأدوات التي سيتعلم من خلالها الطلاب كيفية ممارسة هذه النصوص النظرية في أداء عملي يبين ويرشد إلى كيفية ترجمة وتطبيق ما في هذه النصوص من أعمال وأفعال إلى واقع فعلي وعملي حقيقي؟.

ومثل آخر: هب أنك قمت بشراء جهاز (كمبيوتر) أو جهاز (تلفاز) أو جهاز (تكييف) أو (ثلاجة) أو جهاز (كاسيت) أو أي من الأجهزة الأخرى، أليس مع كل جهاز من هذه الأجهزة يوجد (كتيب) صغير يشرح كيفية عمل هذا الجهاز وكيفية إيقافه وكيفية إصلاحه وفكه وتركيبه؟، فهل أحدنا يمكنه بنفسه ومن خلال ذلك (الكتيب) أن يقوم بضبط وإصلاح الجهاز أو فكه وتركيبه وتشغيله دون وجود ذلك الشخص المتخصص الذي لديه الخبرة والعلم والممارسة العملية في كيفية وهيئة الضبط والتشغيل والإصلاح والفك والتركيب؟ وأليس هذا المختص قد حصل على دورات تدريبية وحصل على مؤهلات علمية في فن صيانة وتركيب وفك وإصلاح هذه الأجهزة؟ وأليس هذا المختص من خلال ذلك (الكتيب) يستطيع أن يطبق ما فيه من إرشادات في واقع فعلي عملي حقيقي؟، هكذا هي نصوص (القرآن الكريم)، وهكذا هو دور رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهكذا هو دور الوحي الآخر الموازي الذي يوجه الرسول ويرشده إلى كيفية تطبيق نصوص (القرآن الكريم) في ممارسة فعليه عملية واقعية. وهنا قد يجول بنفس أحدكم السؤال التالي: وهل هناك وحي آخر مواز للقرآن الكريم؟. الجواب: بكل تأكيد نعم هناك وحي آخر مواز للقرآن الكريم لإرشاد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى كيفية تطبيق وممارسة نصوص القرآن الكريم عمليا وفعليا، وهذا ما سنبينه في المحاور التالية وفي الفصل القادم:

## ما مفهوم قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى)؟:

قال تعالى:
(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى(1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى(2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى). (4- النجم).

الفعل (نَطَقَ): مشتق من (الناطِقَةُ)، والناطقة هي: خاصِرَةُ الإنسان، (محيط وسطه). وبالتحديد الناطقة هي محيط وسط الإنسان التي كان الناس قديما حين يلبسون (الإزار) أو (السروال) يربطون عليه (حبلا) ويشدونه كي يمنع الإزار أو السروال من النزول إلى أسفل، وهذا الحبل الذي كان يتم ربطه كان يسمى (نطاقا)، وكذلك ما نفعله نحن اليوم في هذه المنطقة من وسط الجسد التي نربط ونشد عليها (حزام البنطلون) لمنعه من النزول للأسفل. وكذلك حين تلبس المرأة ثوبها، ثم تَشُدّ وسَطَها بشيءٍ، وترفع وسَط ثوبها، وهو: شِبه إزار فيه تِكّة. وسميت أسماء بنت أبي بكر الصّديق بذات النِّطاقَيْن، فقد قيل: إنه كان لها نِطاقان تلبس أحدهما، وتحمل في الآخر الزاد إلى رسولِ الله وأبي بكر وهما في الغارِ. وكانت المرأةُ تنْتَطِق به. والنِّطاق: شُقّة أو ثوب تلبسها المرأة وتشُدُّ وسَطَها بحبل. وانتَطَقَت بها، أي: لبستها على وسَطِها. وانْتَطَقَ الرجل، أي: شدّ وسَطه بمِنْطَقَه، وهو: كل ما شدَدْتَ به وسَطَك.

كذلك كانت العرب قديما تضع نطاقا لأنثى الغنم والماعز، فأنثى الغنم والماعز بعد أن تلد كانت ثدييها تمتلئان بالحليب فيكبر الثدي ويتضخم حتى يلامس الأرض، فكانت العرب تقوم بعمل (نطاق) لها، أي: ما يشبه الكيس وله نطاق طويل من طرفيه، أي: (حبل طويل) فيضعون ثديي (النعجة) أو (المعزة) داخل ذلك (الكيس) ويقومون بشد ثدييها ومن ثم يربطون ذلك النطاق (الحبل) حول ظهرها من الأعلى لرفع ثدييها ومنعهما من ملامسة الأرض، أي: ما يشبه بالضبط (حمالة الصدر عند المرأة). هذا الأمر مازال الفلاحون حتى الآن في أرياف الصعيد وغيره يصنعونه مع أنثى الغنم والماعز بعد أن تلد، ورأيت ذلك أنا بعيني أكثر من مرة لدينا في ريف الصعيد. إذاً (المِنْطَقَة)، بكسر الميم هي: ما يُنْتَطَقُ به. و(المِنْطَقُ) بكسر الميم و(النِّطاق): كل ما شُدَّ به الوَسَط. وهو النِّطاق، والجمْعُ: (مَناطِق) و(نُطُق) بضمّتيْن.

بقى لنا أن نعرف ما هو (النطق)؟، (النطق) هو ذلك الأثر الذي يحدثه شد النطاق (الحبل) حول الناطقة (خاصرة الإنسان)، فجميعنا يعلم أن شد الحبل أو (الحزام) أو (الخيط) الذي يكون في (سراويلنا) حول خواصرنا يحدث أثرا في موضع شده وربطه، هذا الأثر يكون واضحا نراه بأعيننا ولا تخطئه العين، كذلك النطاق الذي كان يشد حول أنثى الغنم أو الماعز كان يحدث احمرار في موضع النطاق، هذا الأثر يسمى (نطقا) أو (النطق). من هذا الأثر البين الواضح الذي يحدثه شد النطاق أو الحبل حول الخاصرة ويراه كل من تقع عينيه عليه بوضوح وجلاء ولا تخطئه اشتق منه (النطق)، ومن هنا أطلق العرب على كل أثر ظاهر بين واضح في شيء لا تخطئه العين أطلقوا عليه (ناطق) (ينطق) (تنطق)، فقالوا (كتاب ناطق)، أي: بين واضح بما فيه من آثار ومواعظ لا تخطئها العين، وسموا الرقعة الصغيرة المسجل فيها التواريخ والأزمان والحساب والمواقيت والديون وغيرها سموها (الناطقة)، أي: مسجل ومرقوم فيها المواعيد والديون والحساب بصورة مؤكدة بينة واضحة ظاهرة لا تخطئها العين وتحسم الخلاف بين المتواعدين والدائنين والمدينين بصورة قطعية يقينية لا يختلف عليها اثنان، وتنطق أي كأنها تكاد تتكلم بما هو متفق عليه، ولذلك قيل لكثير من الأشياء التي ليس لها لسان يتكلم قيل إنها (تنطق)، مع أنها لا تتكلم وليس لها لسانا ولا فما ولا شفتين، قيل لها هذا لأن ما بها من أثار واضحة بينة ظاهرة لا تخطئها العين أصبحت تنطق بما يسهل على الإنسان قراءته ومعرفته بمدلول هذه الآثار.

إذاً (النطق)، عبارة عن أثر أو عدة آثار واضحة بينة جلية في شيء ما، تحمل هذه الآثار معاني ومدلولات ومفاهيم يسهل على الإنسان قراءتها وفهما ووعيها دون لبس أو غموض أو مواربة، وعليه أقول: (النطق) لا يعني الكلام باللسان على الإطلاق، إنما هو أثار تكاد أن تتكلم ولكن لا تسمع بالأذن إنما تقرأ بالعين بوضوح وجلاء تامين. وأضرب بعض الأمثلة للتوضيح: فمثلا: يقال: (الثوب ينطق عليه). أي من شدة ضبطه واتساقه وإحاطته بالجسد وأثر هذا فيه نقول: (الثوب ينطق عليه)، أي يكاد يتكلم ويقول: (تم تصميمي لهذا الجسد خصيصا). ويقال: (عينيه تنطق بالفرحة) أي من شدة أثر الفرحة في عينيه كأن عينيه تكاد تتكلم وتخبر وتعبر عن الفرحة. كذلك حين نرى مثلا آثار أقدام على الأرض، هذه الآثار في الأرض من الوضوح والجلاء بأنها تنطق، أي كأنها تتكلم وتقول أقدام من هذه، هل هي أقدام آدمي أم أقدام حيوان: (جمل أو كلب أو حية أو حشرة)، ولو كانت أقدام إنسان ستنطق هذه الآثار وكأنها تفصح وتتكلم وتقول لنا: ذلك الإنسان كان يمشي (حافيا) أو كان يرتدي (حذاءً).

كذلك مثلٌ آخر: حين نأتي بقطعة معدنية صغيرة منقوشة على هيئة (عصفور) أو (نسر) أو (وردة) ثم نضعها على جزء من جلدنا ونضغط عليها لبعض الوقت ثم نرفعها فسنرى أنها قد نُقٍشَت ورُسٍمَت بنفس هيئتها على الجلد، هذا النقش أو هذا الرسم ينطق أي: كأنه يتلكم ويقول أنا نقش (عصفور) أو (نسر) أو (وردة). فنطق الآثار لا يمكن أن يخطئ في تقدير وتسجيل حقيقة ومفهوم ومدلول تلك الآثار على الإطلاق. ومن هنا قيل لكل معنى أو حد أو مدلول أو مفهوم أحدثه أثر ما يقال إنه ينطق بكذا أو ناطق بكذا أو نطق بكذا. وعليه فلا يقال لكلام اللسان والفم (نطقا) فهذا خطأ، وإنما يقال (نطق) فقط لكل أثر أو حد ظاهر واضح جلي بيٍّن حدث في شيء لا تخطئ العين حقيقته ومدلوله ومفهومه ومعانيه. وكانت العرب تقول: (كلام كل شيء منطقه). ومن المعلوم أن كل شيء لا يتكلم نفس كلامنا، وإنما قصدوا أن آثار كل شيء وما تدل عليه هذه الآثار وما تعنيه وما تحمله من حقائق ومفاهيم ومدلولات كأنها كالكلام، لهذا قالوا: (كلام كل شيء منطقه).

ومن (النطق) كذلك اشتق علم (المنطق) لأنه قواعد للتفكير ثابتة واضحة راسخة جلية ظاهرة لا يخطئها الفهم ولا الوعي ولا الإدراك، كمثال (1 + 1 = 2)، هذه قاعدة منطقية لا تخطئ ولا لبس فيها ولا غموض ولا مواربة ولا مزايدة ولا انتقاص، فهي تشبه الأثر الواضح البين الجلي الذي لا يكذب ولا يخدع ولا يواري. ونعيد فنؤكد ونقول: (النطق) لا يدل على الكلام إطلاقا فالبعض يظن أن النطق هو الكلام، كلا، النطق هو أثر في شيء أو حد في شيء أحدثه شد أو ربط من شيء آخر أظهر ذلك الأثر أو ذلك الحد.

ولو عدنا إلى القرآن الكريم وقمنا بمراجعة كل الآيات التي جاء فيها الفعل (نطق) لوجدنا أنها لا تعني الكلام الذي يصدر من فم الإنسان على الإطلاق، وسنرى كذلك أن النطق ليس بكلام، وإنما هو أثر أو حد في شيء أحدثه شيء آخر من شدٍّ فيه أو ربط، وهذه آيات القرآن التي تشير إلى ما ذكرنا على النحو التالي:
(قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ(62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوَهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ). (63_ الأنبياء).
فقول إبراهيم لقومه: (فاسألوهم إن كانوا ينطقون) لم يقصد بالنطق هنا الكلام، كلا، إنما فاسألوهم إن كان فيهم أي أثر للسمع أو البصر أو العقل أو الكلام أو الجواب على الأسئلة، فلم يقل لهم اسألوهم إن كانوا يتكلمون، وإنما قال ينطقون أي إن كان بهم أي أثر يدل على تمكنهم من الجواب على السؤال، لأن الجواب على السؤال يقتضي وجود للسمع والبصر والعقل والكلام والفم واللسان، فكان أبلغ رد عليهم هو قوله :(فسألوهم إن كانوا ينطقون). فكان جواب قومه عليه بالمثل: (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) أي لقد علمت أن هؤلاء ما بهم أي أثر للسمع أو العقل أو الكلام أو الجواب على السؤال.
ومثله قول إبراهيم عليه السلام للأصنام في موضع آخر:
(فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ(91) مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ). (92- الصافات).
أي مالكم لا أثر فيكم على تمكنكم من الأكل أو الحركة أو السمع أو البصر أو الكلام.
أما قوله في الآيتين التاليتين:
(وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (62- المؤمنون)
وقوله:
(هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (29- الجاثية)
أي أن الكتاب يُظْهِر عليكم بالحق كل أثر لكل ما فعلتموه وأحدثتموه في الدنيا من خير أو شر، صغير أو كبير.
أما قوله في الآيتين التاليتين:
(وَوَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ) (85- النمل)
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ(34) هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ(35) وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (36- المرسلات)
في الآيتين السابقتين يخبر المولى سبحانه أن الذين ظلموا لا يمكنهم إحداث أي أثر ظاهر في دفع أو مقاومة أو الفرار من عذاب الله في الآخرة. فهم لا ينطقون.
أما قوله في الآية التالية :
(حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (21- فصلت)
وكأن الجلود بسبب إظهارها أثار المعاصي والذنوب التي أحدثها أصحابها في الدنيا هذه الآثار مسجلة ومحفوظة في الجلود ويوم القيامة تنطق الجلود بهذه الآثار أي كأنها تكاد تفصح وتتكلم وتقول: (أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء)، مع العلم أن كل شيء لا يتكلم كما نتكلم بفم ولسان وكلام، أي أن الله هو من سجل علينا هذه الآثار التي تنطق اليوم أي: كأنها تكاد تتكلم وتقول وتشهد بما اقترفه هؤلاء من آثام في الدنيا. وهذا فيه ما يشبه (رفع البصمات) و(آثار الأقدام) و(الحمض النووي) وغيرها من الآثار التي كأنها تكاد تفصح وتتكلم وتشهد وتخبر عن صاحبها بما فعل وما صنع في الدنيا، ولكن بغير لسان ولا كلام، ومن ذلك قوله تعالى في آية أخرى: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ). (65-يس)، ففي هذه الآية كأن نطق الأيدي بالآثار التي فيها كأنها تتكلم وتفصح وتقول بما كانوا يكسبون، وكذلك شهادة الأرجل.

أما قوله في الآية التالية:
(وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ). (16- النمل).
يظن كثير من الناس أن المقصود بقول سليمان عليه السلام: (علمنا منطق الطير) أنه تعلم (كلام) أو (لغة) الطير، كلا، إنما المقصود من قوله: (علمنا منطق الطير)، أي ما تحدثه من آثار وسلوك تعتادها أثناء تحركها وذهابها وإيابها، وكذلك ما يظهر عليها من أثار وسلوك أثناء جوعها وعطشها وما تعبر به عما في نفسها من خوف وترقب وحذر، هذا هو ما تعلمه سليمان عليه السلام من منطق الطير، وهو ما أطلق الله عليه في القرآن (منطق الطير)، وليس كلام أو حديث الطير، وليس ما يظنه معظمنا خطئا أن سليمان عليه السلام كان يعلم كلام الطير وحديثها، فـ (منطق الطير) هو ما علمه سليمان وأدركه من الهدد حين جاء من سبأ بالنبأ اليقين، وهو كذلك ما علمه عندما أتى على وادي النمل فرأى نملة تحدث من الآثار ما تنطق بتحذيرها لبقية النمل أن يدخلوا مساكنهم حتى لا يحطمنهم سليمان وجنوده وهم لا يعلمون، فتبسم ضاحكا من قولها أي من آثارها التي ظهرت عليها في خوفها وتحذيرها لبقية النمل، والتي فهم سليمان من النملة ماذا تقصد بآثارها الظاهرة تلك فضحك سليمان لذلك، كما يشاهد أو يراقب أحدنا بعض الحشرات ويراقبها أو يداعبها فيفهم من سلوكها ماذا تقول وماذا تفعل وكيف تتصرف. وليس كما يظن معظم الناس خطئا أن سليمان سمع صوت النملة وسمع كلامها وحديثها، إنما علم سليمان كان علما بمنطق الطير أي بآثارها وسلوكها وليس بكلامها وحديثها، فمنطق الطير الذي علمه الله لسليمان، هو علم استقراء آثار وسلوكيات الطير والحشرات والذي من خلاله استطاع سليمان فهم ما نطقت به النملة أي ما أحدثته من آثار فهم منها سليمان أنها تحذر بقية النمل وتدعوهم لدخول مساكنهم حتى لا يحطمنهم سليمان وجنوده، وهذا العلم يشبه إلى حد كبير (علم الأحياء) المعاصر الذي يتناول في بعض جوانبه استقراء سلوك الحيوان والطيور والحشرات.
أما قوله في الآية التالية :
(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ(22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) (23- الذاريات).
هذه الآية الكريمة كسابقاتها، يقسم الله فيها أن الرزق حق لكل إنسان مثل ما أنكم تنطقون، أي مثل ما تحدثون من آثار ظاهرة بينة واضحة جلية لا تخطئها العين لأي أحد، هكذا رزقكم مسجل في السماء، ولا تعني الآية أن النطق هو الكلام والحديث والقول، كلا، إنما هو ما يظهر من آثار لكم تحدثونها ببيان ووضوح.

أما قوله في الآية التالية :
(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى(1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى(2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) (4- النجم)
كثير من الناس بل معظم الناس في الماضي والحاضر، يظنون أن هذه الآية تعني أن كل كلام الرسول سواء كان قرآناً أو غير قرآن هو وحي من الله، هكذا ظن معظم الناس خطئا، إلا أن المضمون والمدلول الحقيقي لهذه الآية، يعني أن كل ما أحدثه الرسول من آثار وكل ما حده من حدود ظاهرة بينة واضحة جليه في حياته وكل ما قام به من سلوكيات وأفعال وتغيرات جديدة ظهرت عليه ورآها كل من حوله في كافة النواحي والجوانب إنما هي بوحي من الله وليس عن هوى منه عليه الصلاة والسلام، فقد أحدث عليه الصلاة والسلام آثاراً كثيرة وحد حدودا كثيرة ظاهرة بينة واضحة جلية رآها جميع من حوله تنطق في سلوكه وأفعاله وذهابه ومجيئه وقيامه وقعوده وعلاقاته وكافة شئونه، كل هذه الأمور والآثار والحدود والتغيرات التي رآها وعلمها منه كل من حوله ظنوا أنه قد ضل أو قد غوى، فرد الله عليهم وأخبرهم بأن ما كل ينطق في سلوكه وفي أفعاله وكل ما تنطق به شئونه من آثار وحدود وإحداثيات لم تكن موجودة فيه من قبل، ليست عن هوى منه عليه الصلاة والسلام، إنما هو بوحي يوحى. فقال تعالى: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى(2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى). وهذا الوحي في هذه الآية ليس هو على الإطلاق وحي القرآن الكريم، وإنما هو وحي بكيفية تطبيق والتزام وإقامة نصوص القرآن الكريم عملا وفعلا وواقعا على الأرض، وهذا ما سنبينه ونفصله من نصوص القرآن في الفصل القادم.

(للحديث بقية في الفصل العاشر)

الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293175
الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين التقديس والشيطنة)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293537
الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التراث الإسلامي وتنقيحه)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294154
الفصل الرابع: (تاريخ إنكار السنة ونشأة القرآنيين)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294768
الفصل الخامس: (القرآنيون ومأزق حفظ وجمع القرآن)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=295266
الفصل السادس: (القرآنيون والتفريق بين النبي والرسول)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=295917
الفصل السابع: تابع (القرآنيون والتفريق بين النبي والرسول)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=296491
الفصل الثامن: (هل القرآن كافٍ وحده؟).
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=296924


نهرو طنطاوي
كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر
مصر _ أسيوط
موبايل : 01064355385 _ 002
إيميل: [email protected]
فيس بوك:
http://www.facebook.com/profile.php?id=100001228094880&ref=tn_tnmn



#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الثامن: (هل القرآن كافٍ وحده؟)
- السنة ما لها وما عليها: الفصل السابع: تابع (القرآنيون والتفر ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل السادس: (القرآنيون والتفريق بي ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الخامس: (القرآنيون ومأزق حفظ و ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الرابع: (تاريخ إنكار السنة ونش ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التر ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين ال ...
- السنة ما لها وما عليها: الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة ...
- إطلالات قصيرة على واقع المشهد المصري الحالي
- لماذا بصق المصريون في وجوه نخبهم وإعلامييهم؟
- شيفونية المصريين
- (توفيق عكاشة) نموذج معبر عن حقيقة الشخصية المصرية
- من ينقذ المصريين من أنفسهم؟
- من حق (فاطمة خير الدين) أن تكون عاهرة وتفتخر
- أما أنا فأقول لكم
- ما لا يقال ولن يقال حول الصراع الإسلامي المسيحي في مصر
- (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) رد على: علال البسيط
- تعليقات على مقال أم قداس في كنيسة؟
- (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا)
- الرجل هو من استعبد المرأة والرجل هو من حررها


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نهرو عبد الصبور طنطاوي - السنة ما لها وما عليها: الفصل التاسع: (البلاغ، الأسوة، ما ينطق عن الهوى)