أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - محمد علي الماوي - الحركة النقابية والصراع بين الخطين















المزيد.....


الحركة النقابية والصراع بين الخطين


محمد علي الماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3654 - 2012 / 3 / 1 - 22:03
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


انشر هذا النص من تراث الحركة الشيوعية الماوية-بتاريخ مارس 89- لانه يذكرنا اولا بحقيقة النهضة التي وقفت الى جانب الجنرال الفار وثانيا بطبيعة البيروقراطية النقابية التي لن تتغير رغم وجود عناصر اليسار الانتهازي في صلبها.
ان اعتداء مليشيات النهضة على دور الاتحاد يطرح اكثر من مهمة: اولا ضرورة فضح برنامج حكومة النهضة التي تريد الانفراد بالسلطة وتركيع "المجتمع المدني" ثانيا التفريق بين شعارات الانتفاضة المندرجة ضمن الصراع من اجل التحرر وصراع الكتل من اجل الكرسي.

الحركة النقابية والصراع بين الخطين-كيف روض الجنرال الحركة النقابية-
مدخل
إقترن تاريخ نشأة الحركة النقابية العمالية وتطورها بنشأة الطبقة العاملة وتطورها في المجتمع الراسمالي وكان بروزها وتطورها تعبيرا عن تبلور الوعي الطبقي لدى العمال ودليلا على الانتقال من مرحلة المواجهة العفوية المعزولة لارباب العمل الى بداية المواجهة المنظمة الجماعية والشاملة بين عموم الطبقة العاملة وعموم الطبقة البرجوازية.
فلم تكن النقابات هبة من الطبقة البرجوازية بل كانت مكسبا انتزعته الطبقة العاملة ببالغ التضحيات والنضال مما ارغم الطبقة البرجوازية على التسليم بوجودها ولكنها لم تقف مكتوفة الايدي بل عملت على اخضاعها بمختلف السبل:سواء بتخريب الوحدة النقابية ودعم التعددية النقابية او بافساد القادة النقابيين واحتوائهم لتصبح النقابات اداة في خدمة نظام الاستغلال الراسمالي.
ولم تتمكن الطبقة العاملة من الاهتداء الى الخط المعبر عن مصالحها الطبقية بالفعل الا حين ظهرت الاشتراكية وانصهر روادها في صلب الطبقة العاملة والحركة النقابية فاقترن منذ ذلك الحين نضال الطبقة العاملة في النقابات من اجل مطالبها المادية بمجمل مطالبها السياسية الا وهي تحررها من نظام استغلال الانسان للانسان واقامة سلطة دكتاتورية البروليتاريا.
وهكذا فان تاريخ الحركة النقابية هو تاريخ صراع بين خطين متعاديين :خط الوفاق الطبقي الداعي الى ترميم نظام الاستغلال وحصر النضال النقابي في الجانب المطلبي والاقتصادي وخط الصراع الطبقي الداعي للاطاحة بنظام الاستغلال وذلك بجعل النضال النقابي جزءا لايتجزأ من النضال السياسي.
ويزداد احتداد التناقض بين هذين الخطين اذا ما تعلق الامر بالمستعمرات واشباهها.فهذه البلدان تعاني من الاضطهاد الامبريالي ومن تخلف البنية الاقتصادية وعرقلة تطور قوى الانتاج كما تعاني نتيجة لذلك من ضعف تطور الطبقة العاملة وتخلف وعيها السياسي المستقل وهذا ما يجعل الصراع داخل الحركة النقابية في هذه البلدان –وهي حركة مختلفة التطور ومتفاوتة التقاليد-صراعا بين خطين متعاديين:خط يحصر النضال النقابي في المطالبة بتحسين الظروف المادية في ظل التسليم بواقع الهيمنة الامبريالية على كل المستويات وخط يربط النضال من اجل المطالب المهنية بالنضال ضد الحضور الامبريالي المباشر وغير المباشر وبالنضال ضد العملاء الذين يطبقون توصيات الصناديق الامبريالية اي انه يربط النضال النقابي بقضية التحرر الوطني الديمقراطي وهذا هو واقع الحركة النقابية في الوطن العربي وفي تونس بالذات.
إن تاريخ الحركة النقابية في تونس هو تاريخ صراع بين خطين : خط وطني وخط لاوطني, أي بين خط يساهم من موقعه في النضال من اجل طرد المستعمر وخط مرتبطة مصاله بتواصل الهيمنة الاستعمارية.وتجسد تجربة محمد على الحامي داخل جامعة عموم العملة التونسية هذا التوجه الوطني لذلك تكالب عليها الاستعمار واعوانه المحليون بينما كرس القناوي في التجربة الثانية لجامعة عموم العملة نزعة الحياد النقابي الذي كان يعني التخلي عن النضال الوطني وفي حين كانت حكومة الاستعمار لما سمي بالجبهة الشعبية في فرنسا تغمس يدها في دم عمال المناجم بالجنوب التونسي وفي دم جماهير الشعب العربي في المغرب تصدى القناوي للاضراب العام مما جعل هذه النقابة تولد ميتة.
وكان ميلاد الاتحاد العام التونسي للشغل في 20 جانفي 1946 الخطوة الجديدة التي خطتها الحركة النقابية الوطنية في بناء تنظيمها النقابي المستقل وساهم الاتحاد في النضالات الوطنية ضد الاستعمار المباشر ونذكر في هذا المجال احداث 5 اوت 1947 في صفاقس واحداث النفيضة في اكتوبر –نوفمبر 1950 كما ساهم بفاعلية في الكفاح المسلح اعدادا وانجازا مما جعل امينه العام فرحات حشاد يدفع حياته ثمنا لذلك.ولكن هذا لم يمنع من وقوع الاتحاد تحت هيمنة الجامعة العمالية للنقابات الحرة وتحت تاثير القوى العميلة ممثلة في الشق البورقيبي من قيادة حزب الدستور حيث تمكنت من الاستحواذ عل مقاليد المنظمة بعد انخراط رموزها في صفقة الخيانة الوطنية المعروفة "بالاستقلال الداخلي"سنة 1955.
وهكذا فقد افتقرت الحركة النقابية –بفعل غياب حزب الطبقة العاملة وبالرغم من المكاسب المسجلة-افتقرت الى مرشد يربط العمل النقابي بالعمل السياسي والعمل السياسي بالكفاح المسلح ضد المستعمر مما مكن الحزب الدستوري وتحديدا الشق البورقيبي من بسط نفوذه على الحركة النقابية ومنذ ذلك الحين اصبحت المنظمة مدجنة ومحكومة بالولاء له ولمجمل سياسته اللاوطنية واللاشعبية.
وبحكم الصراع الامبريالي عل القطر وقع توظيف المنظمة لصراعات الكتل المرتبطة بهذه الامبريالية او تلك وتم في العديد من المناسبات توظيف نضالات الشغيلة لصالح هذه الكتلة او تلك تجنبا لاحتداد الصراع بين مجمل القواعد العمالية والنظام العميل وكجزء منه البيروقراطية النقابية المرتبطة شقوقها بهذه الكتلة او تلك والتي طالما زجت بالحركة النقابية في صراعات هامشية لاعلاقة لها بمصالح الشغالين اطلاقا (صراعات بن صالح –عاشور ثم عاشور التليلي- ثم عاشور- بلاغة وعاشور- بوراوي ثم عاشور- البكوش وعاشور –بن قدور...)
لكن بفعل بروز الفكر الماركسي اللينيني وتبلور الوعي الوطني الديمقراطي في تونس وبداية انصهاره في الحركة العمالية وبفعل تدهور اوضاع الجماهير من جراء سياسة "التعاضد"وسياسة الانفتاح وانكشاف طبيعة النظام فقد تنامى النضال الوطني خاصة بعد افتضاح القوانين المشرعة للنهب الامبريالي في القطر مثل قانون افريل 1972 واوت 1974 وجويلية 1976 واحتد الصراع الطبقي في شكل حركة اضرابية متصاعدة بلغت اوجها في 1977 فنسفت "السلم الاجتماعية وميثاق الرقي" وعجزت البيروقراطية النقابية الموقعة على هذه المواثيق عن التصدي للمد الجماهيري مما فجر تناقضات الرجعية الحاكمة وادى ذلك الى اعلان الاضراب العام في 26 جانفي 1978والى الاحداث القمعية الدموية التي ارتكبها النظام لضرب الحركة النقابية بعد ان افلتت جماهيريا من يده ولتصفية حساباته الكتلوية
لقد جسدت احداث 78 تعاطف الجماهير مع الطرح الوطني الديمقراطي واعلان بداية القطيعة مع النظام وتعبيراته في الحركة النقابية الا وهي البيروقراطية النقابية وعكست لوائح بعض القطاعات هذا النفس الوطني الذي برز من خلال معاداة قوانين النهب الامبريالي والتنديد بالحلول الاستسلامية وتبلور شعار استقلالية المنظمة وديمقراطية العمل النقابي واجبرت البيروقراطية النقابية ولاول مرة على الانسحاب من الديوان السياسي للحزب الحاكم (...)
لقد ارتبط الخط الوطني ولاول مرة في تاريخ الاتحاد بالفكر الشيوعي الماركسي اللينيني واصبح التناقض جليا بين القوى الثورية وبين القوى المعادية للثورة والكتل الانتهازية وجسدت كيفية التعامل مع قمع الحركة النقابية سنة 1978 هذين الخطين المتناقضين خط ثوري دعا الى مقاطعة النقابة البوليسية المنصبة مقاطعة فعلية وطرح على نفسه مواصلة النشاط النقابي بصفة سرية وخط البيروقراطية النقابية التي لم تقطع الصلة مع السلطة بل ظلت تبحث دوما عن حل على حساب العمال وخط الافتكاك التي جسدته العناصر الانتهازية واساسا التيارات التروتسكية والتخريفية( العامل التونسي واتباعه والحزب الشيوعي وانصاره)
وبالرغم من النواقص والاخطاء التي تخللت تجربة "لجان المبادرة" فقد اثبتت الايام صحة هذا الطرح ودحضت تكتيك الافتكاك الذي حاول عبثا اضفاء الشرعية على النقابة البوليسية وتواصل الصراع بين هذين الخطين في الموقف من انتفاضة الخبز ومن ضربة 1985 حيث دخل النظام في فرض التعددية النقابية وتهرئة الاتحاد وطرد الثوريين منه فقد وقف النقابيون المخلصون لقضية تحرر الطبقة العاملة في مواجهة هذه المؤامرة وتصدوا لاتفاقية السلم الاجتماعية الجديدة. وتعرضوا للقمع والطرد والتجويع وتقدمت القوى الوطنية بارضية دنيا ارضية الخمس نقاط ومقابل هذا الصمود كانت الكتل البيروقراطية والجماعات الحيادية تعول على مناورات الكواليس وتراهن على الطبخات التي تعدها الكتل المتصارعة داخل النظام واتجهت بصفة عامة نحو التزكية الضمنية لجريمة النظام في تركيع الاتحاد العام التونسي للشغل وفرض الحل النقابي الحالي.
I– انقلاب 7-11-87 والحل النقابي
لقد بينا في المقدمة ان الصراع الذي شق المنظمة الشغيلة ومازال يشقها هو صراع بين خط لاوطني يحاول اخضاع الاتحاد العام التونسي للشغل الى توجهاته اللاشعبية المتمثلة في فرض سلم اجتماعية وتمرير نقابة مساهمة على حساب الشغالين وبين خط وطني يسعى الى تطوير شعار الديمقراطية والاستقلالية عن السلطة وربط مسألة الدفاع عن حقوق العمال بحركة التحرر الوطني الديمقراطي.
ولذلك فان "الحل النقابي"-المقترح من قبل النظام- يجسد هذا الصراع بكل وضوح اذ في حين تدافع السلطة والاخوانجية من جهة والجبهة الاصلاحية من جهة أخرى عن الميثاق الوطني والنقابة المساهمة و"حب العمل الدؤوب كشرط من شروط تحقيق نهضتنا" يقف الخط الوطني صامدا الى جانب العمال مدافعا عن المكاسب التي حققتها الحركة النقابية ولئن ظل هذا الصراع قائم الذات فان درجة احتداده قد خفتت بعض الشيئ بسبب المناورة الامبريالية وما تلاها من وعود في اتجاه اخماد التوتر الاجتماعي ظرفيا وكذلك بسبب واقع الطبقات الشعبية ومحدودية وعي الطبقة العاملة تحديدا,هذا الوعي الذي يعكس كيفية تعاملها مع "الحل النقابي"
1- خطة النظام في تمرير الحل
لقد تجنب النظام فتح الملف النقابي بعيد الانقلاب مباشرة لان شروط الطبخة لم تتوفر بعد ولذلك فقد عمد الى تكثيف الاتصالات برموز البيروقراطية النقابية في الكواليس وركز في نفس الوقت تحركاته من اجل كسب الشرعية وتحقيق الاجماع حول شخص الجنرال بن علي الذي يجب الاحتكام اليه في حسم الخلافات مهما كانت جزئية.
وهكذا تلخصت خطة النظام في ترميم صفوفه وكسب المعارضة القانونية واستمالة الاخوانجية من اجل تزكية الانقلاب وتبرئة ساحة الجنرال ولذلك وقع العدول عن محاكمة الاخوانجية والسماح لهم بالنشاط كما اعلن النظام عن الدخول في انتخابات تشريعية جزئية وسمح بعقد المؤتمر 18 الخارق للعادة للاتحاد العام لطلبة تونس بعد ان قدمت له التروتسكية الجديدة (حزب العمال "الشيوعي" التونسي)كل الضمانات واعطى التاشيرة لبعض الاحزاب الجديدة والغى محكمة امن الدولة وغيرها من الاجراءات التي طبلت لها المعارضة القانونية والبيروقراطية النقابية وراح الجميع يهللون للتغيير ويدعون الى منح الجنرال الوقت الكافي للوقوف على مدى مصداقيته معتمدين في ذلك على الاجراءات السابق ذكرها.وهكذا تمكن الجنرال من كسب ود البيروقراطية النقابية ونجح في اقناع كل من عاشور-الامين العام للاتحاد- وبوراوي-الامين العام للاتحاد الوطني المنصب-بالتخلي نهائيا عن النشاط النقابي كما وعد بارجاع المطرودين وطرح الاحكام بالنسبة الى النقابيين وترك الامر رهين تقدم "الحل ومكن البيروقراطية النقابية من المزايدة بهذا الوعد الذي وقع تطبيقه فيما بعد بكل انتقائية فحاولت البيروقراطية اسقاط اسماء المناضلين من قائمة المطرودين وظل شبح البطالة والجوع يهددهم وواصل النظام استعمال واقع الطرد والبطالة ورقة ضغط من اجل جر النقابيين الى التنازل والقبول بحل التناصف.
وفي هذا الجو المتسم بالتآمر على مصير الحركة النقابية انعقدت هيئة ادارية بحضور كافة اعضائها وصادقت على وثيقة "من اجل تصور مستقبلي للعمل النقابي"توجه بها علي رمضان ممثل الاخوانجية الى قصر قرطاج ولم يمض على ذلك سوى نصف شهر حتى التأمت هيئة ادارية ثانية قررت الدخول في لجنة متناصفة متكونة من "الشرعيين" من جهة و"الشرفاء"وجماعة الاتحاد الوطني من جهة أخرى وهكذا فرض النظام "الحل النقابي"رغم رفض القواعد التعامل مع من خرب الحركة النقابية وفي حين حافظ الخط الوطني على موقفه هذا أي رفض التناصف وجسده في بعض القطاعات ظل صراع الكتل في صلب البيروقراطية يدور حول لجنة متناصفة ولجنة محايدة دافع عنها الطيب البكوش ممثل الجبهة الاصلاحية التي راهنت على التغيير وحاولت طرح نفسها كبديل في اطار التغيير المزعوم لعاشور كما طرح بن علي نفسه بديلا لبورقيبة.(...) ثم توج حل التناصف بتنصيب لجنة وطنية ترأسها الحبيب طليبة عضو اللجنة المركزية للحزب الحاكم وقد كلف بتطبيق التوصيات(..)
وان قبلت الرجعية والاصلاحية شرعية بن علي وحل التناصف فان القواعد دخلت في تناقض مع اللجنة واصبحت العلاقة معها علاقة صراع ومقاومة فكانت التجمعات والعرائض والاضرابات والاعتصامات والتمسك بالشرعية الشيئ الذي جعل اللجنة مهددة بالانهيار بفعل مقاومة القواعد مما حدا بالنظام الى التعجيل بعقد المؤتمرات لتحويل وجهة الصراع من جهة والاعداد للانتخابات التشريعية في ظروف مناسبة من جهة اخرى.
2- طبيعة اللجنة
حاول النظام تقديم اللجنة في مظهر محايد تنحصر مشمولاتها في الاعداد لانجاز المؤتمر القادم لكن سرعان ما تحولت اللجنة الى اداة منفذة لسياسة النظام في المجال النقابي وتجسد ذلك من خلال :
أ‌) فرض مفهوم النقابة المساهمة بالتوقيع على "الميثاق الوطني"متجاوزة بذلك صلاحياتها ومتحدية رغبات القواعد وتطلعاتها الى المزيد من الاستقلاالية والديمقراطية.
ب‌) ضرب النظام الداخلي للمنظمة باصدارها للمنشورين رقم 4و5 من اجل عزل الثوريين والحيلولة دون تواجدهم في الهياكل .
ج) الارتباط المالي بالسلطة التي شلت النشاط النقابي بتحكمها في الموارد المالية للاتحاد باتخاذ جملة من الاجراءات مثل تقديم دفعة مالية اولى من الصناديق الاجتماعية واصدار منشور من الوزارة الاولى حول الخصم المباشر لمدة 3 أشهر فقط ووضع مالية الاتحاد تحت الائتمان العدلي تراقبها مباشرة وزارة المالية هذا بالاضافة الى امكانية ضغط النظام من اجل استرجاع الدين.
يتضح اذن ان البيروقراطية النقابية جزء لايتجزأ من النظام وقد اوكلت اليها مهمة تدجين الاتحاد وضرب شعار الاستقلالية والديمقراطية وقمع النضال الوطني وهكذا ليس غريبا ان يمضي طليبة عضو اللجنة المركزية للحزب الحاكم على الميثاق الذي رفضته القواعد من اساسه كما انه ليس من قبيل الصدف ان تفرض اللجنة ومن ورائها السلطة مؤتمرات جنائزية( الاكتفاء بالتصويت دون نقاش)كل ذلك من اجل التمهيد لتمرير سياسة النظام اللاوطنية ومفهوم النقابة المساهمة .
ان مثل هذا الاختيار يعكس تخوف النظام من مفعول الدعاية الثورية ولذلك يلتجئ الى قمع حرية التعبير لدى العمال ويسمح بها للطبقات الحاكمة والبيروقراطية النقابية المعبرة عن مصالحه والفرق الاصلاحية المزكية جوهريا لسياسته اللاشعبية بينما يتصدى للدعاية الثورية التي تتناقض كليا مع ما يروجه حول حرية التعبير.
ان انجاز مؤتمرات "ناطقة " يعني تحميل الازمة للمتسببين فيها ومحاسبة البيروقراطية وفضح الحل النقابي والتنديد بامضاء الميثاق باسم العمال والمطالبة بالدفاع عن مطالب الشغيلة كما ان ذلك يعني توعية العمال والنقابيين بخطورة "النقابة المساهمة" التي ينجر عنها مزيد من تدهور وضعهم الاجتماعي.ولم يكتف النظام بفرض مؤتمرات صامتة ومصادرة حق اخذ الكلمة فيها بل عمد الى ارهاب القواعد بتكثيف تواجد البوليس ومحاصرة الثوريين ومتابعة المؤتمرات من قبل لجان التنسيق والولاة الذين اصبحوا يزكون هذه القائمة او تلك ويرفضون هذا الاسم او ذاك بتنسيق محكم مع البيروقراطية النقابية.
إعادة بناء المنظمةII
لقد شهدت عملية اعادة بناء الاتحاد العام التونسي للشغل صراعا محموما تمحور حول ما يلي:
أي اتحاد نريد؟ واية حركة نقابية يتطلبها واقعنا؟
وقد برز من خلال طرح هذه المسألة موقفان متعارضان فراح اصحاب الموقف الاول وهم ممثلو السلطة على اختلاف مشاربهم يدعون الى تبني مفهوم النقابة المساهمة في اطار سياسة الميثاق "الوطني" وحلول "عهد جديد"لم يعد مطروحا في ظله طابع المواجهة ويدعون بان الحركة النقابية دخلت مرحلة المساهمة والمصالحة وانقطعت عن النزعة المطلبية "المشطة"حتى على الصعيد العالمي وقد تجسد هذا التصورفي الوثيقة التي صاغها علي رمضان باسم الهياكل الشرعية وفي البيان الذي ادلى به الطيب البكوش حول مفهوم النقابة المساهمة وضرورتها وهو تصور يريد تحويل الاتحاد الى اداة طيعة في يد السلطة.بينما دافع النقابيون الوطنيون عن مفهوم يجعل من العمل النقابي اداة لخوض الصراع الطبقي والنضال الوطني من خلال بلورة مطالب الشغالين وربطها بالحركة الشعبية عموما وبالنضال من اجل التحرر الوطني الديمقراطي.
وهكذا تجلى الصراع حول قضية التناصف والتمسك بالشرعية وحول استقلالية المنظمة وانحيازها لقضايا الشغيلة وديمقراطية العمل النقابي وحول جوهر المطالب وكيفية تحقيقها بافتكاك الحق النقابي وحق الاضراب باعتباره اسلوبا نضاليا ينبذ اساليب التمسح والاستجداء.ونتجت عن هذا الصراع بين التصورين جملة من المواجهات تتلخص في الصراع حول الحل النقابي وعلاقته بالانقلاب الابيض والميثاق وتعارضه مع المكاسب المسجلة في الحركة النقابية ومع مصالح الشغالين وبدأ يتبلور لدى القواعد هذان الخطان,خط البيروقراطية النقابية بشقيها وهو الناطق الرسمي باسم السلطة وقد اصبحت الفرق الاخوانجية تدعمه وخط وطني لم يبق مكتوف الايدي امام هذه المناورات رغم اختلال موازين القوى لصالح الرجعية.
وقد كشفت عملية انجاز المؤتمرات والتلاعب بالانخراطات اصرار النظام على التحكم في الاتحاد من جهة وتهرئة العمل النقابي وضرب مصداقيته من جهة ثانية ذلك ان النظام عمد منذ بداية الحل الى ضرب جماهيرية المنظمة النقابية وتأجيج الصراع الكتلوي المرتبط بالصراع الامبريالي على القطر فكان من نتائج ذلك تأجيل المؤتمر وارجاء انتخاب سلطات القرار مثل الفروع الجامعية والنقابات الجهوية والنقابات العامة والجامعات وتهميش النقابات المنتخبة برفض كل مطالبها وابراز ان العمل النقابي لايفضي الى تحقيق أي مكسب وان النقابة المناضلة لاأفق لها ولذلك يتعين على القواعد انتظار ما يمن به النظام عليها.
ان كل هذه الممارسات من جانب النظام تعكس تخوفاته من استرجاع المنظمة النقابية جماهيريتها حيث يصبح من الممكن تنظيم الاجتماعات العامة وتجنيد القواعد حول المطالب والتقدم في دعم الوحدة النقابية وكشف حقيقة البيروقراطية كما يدرك النظام ان تطور خط وطني في صلب الاتحاد يعني فضح النهب الامبريالي والاستغلال الطبقي والحال انه يريد تقنين ذلك بواسطة نقابة مساهمة أي نقابة تشرع استغلال عرق جبين العمال وتوافق على الطرد والتفويت في المؤسسات العمومية وتقلع نهائيا عن تحسين الاجور بدعوى انعكاس ازمة الامبريالية على الاقتصاد في تونس.
ويسعى النظام من جهة اخرى الى الزج بالاتحاد في دوامة اعادة الهيكلة بالدخول مجددا بعد المؤتمر في اعادة تشكيل بعض الهياكل بالارتكاز على ملفات الطعون وكل ذلك بهدف شل تحركات الطبقة العاملة وسلبها حقها في التنظم في هيكل نقابي قادر على اخذ القرار للدفاع عن مطالب المنخرطين وفرض النقابة المساهمة على ارض الواقع والتصدي لكل تحرك بدعوى ان الهيكلة لم تتم بعد واذا وجدت فلكي تتصدى لتحركات العمال تطبيقا لمفهوم النقابة المساهمة.
وهكذا يتضح ان النظام بعد ضربتي 78 ثم85 يتجه الى افراغ الاتحاد من جماهيريته فتنفض من حوله القواعد بسبب تسلط البيروقراطية ويصبح على شاكلة الاتحاد "الوطني" او "اتحاد الشرفاء",بيد ان الاتحاد يظل دوما مدرسة للثوريين وللعمال ولذلك فان من واجب الوطنيين الاستفادة من التجارب الماضية وضبط اهداف واضحة من العمل النقابي حتى يرتقي وعي العمال ويعرفوا الغرض من تواجدهم في المنظمات النقابية
الجزء الثاني:
واقع الاتحاد-آفاق العمل والمهام المطروحة-خاتمة



#محمد_علي_الماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نداء الى المجموعات الشيوعية
- تونس:الوضع في ظل الاعتصامات والاعتصامات المضادة
- حول خلايا المؤسسات
- نصوص حول المجلس التأسيسي
- الشعب في حاجة الى حزب الطبقة العاملة
- جانفي,شهر الشهيد وشهر الانتفاضات الشعبية
- حكومة النهضة -حكومة محاصصة
- ايّ معنى -لليسار- اليوم؟
- متطلبات الوضع الراهن في تونس
- الاتجاه الاسلامي بين المقول والممارس
- النهضة بديل امبريالي
- الانتخابات والمسألة الوطنية
- تونس-نتائج الانتخابات في تعارض مع شعارات الانتفاضة
- تعليق في الفياسبوك
- المجلس التأسيسي والبدائل الامبريالية في تونس
- حول انتخابات اكتوبر(من ارشيف الماويين)
- الانتخابات ودولة الاستعمار الجديد
- الانتخابات والخارطة السياسية في تونس
- الانتخابات البلدية
- الانتخابات


المزيد.....




- الوكالة الوطنية للتشغيل تبين شروط منحة البطالة 2024 بعد أخر ...
- شوف هقبض كام.. الاستعلام عن رواتب المتقاعدين في الجزائر 2024 ...
- زيادة 780 ألف دينار عاجلة!!.. “وزارة المالية” تكشف سلم رواتب ...
- خبر مفرح للعاطلين عن العمل .. حقيقة زيادة منحة البطالة 20000 ...
- “بزيادة 200% فوري مصرف الرافدين“ وزارة المالية العراقية تزف ...
- “هتقبض الزيادة امتى” متى موعد زيادة رواتب القطاع الخاص 2024 ...
- بزيادة 100 ألف دينار عراقي سلم رواتب المتقاعدين الجديد 2024 ...
- النيجر: إغلاق مناجم ذهب تديرها شركة صينية بعد حالات نفوق مفا ...
- الحكومة تكسر حاجز 3 آلاف جنيه.. زيادة الحد الأدنى لأجور العا ...
- نقابة الصحفيين الفلسطينيين تدين قرار إغلاق مكتب الجزيرة: مؤش ...


المزيد.....

- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - محمد علي الماوي - الحركة النقابية والصراع بين الخطين