أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - العنف الجماعي.. لغةً وسياقاً تاريخيا/ إطار نظري عام















المزيد.....

العنف الجماعي.. لغةً وسياقاً تاريخيا/ إطار نظري عام


علاء اللامي

الحوار المتمدن-العدد: 3652 - 2012 / 2 / 28 - 22:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تعرض و يتعرض العراق، شعباً وقيماً وإرثاً حضارياً، لعمليتي تشويه وتضليل شاملتين. هاتان العمليتان ليستا وليدتي اليوم، فقد أُلصِقَت مفردات العنف والدموية والقسوة والوحشية بالعراقي الفرد والعراق المجتمع على جهة التخصيص، والعربي الفرد والعربي المجتمع على جهة التعميم، منذ أمد بعيد، غير إنهما اكتسبتا مضمونا وسياقا جديدين نوعياً مع غزو العراق في 2003 وانهيار النظام الدكتاتوري القائم آنذاك كنتاج ثانوي لذلك الاحتلال، وصعود ظاهرة المقاومة العراقية مع ما رافقها من جرائم بشعة ارتكبتها القوى التكفيرية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة باسم المقاومة والجهاد.
تتعالى اليوم أصوات، بل جوقات أصوات في شتى وسائل الإعلام ومؤسسات الإنتاج الفكري والثقافي ذات الأجندات الغرضية ضمن هجوم فكري وإعلامي تشنيعي يطاول كل ما هو عراقي، وعلى جهة التركيز، مظاهر الرفض والمقاومة والمناهضة للاحتلال والطائفية، ويقوم على تشويه صورة المجتمع العراقي لتكون صورة مجتمع مريض بالعنف والإرهاب، وتصوير مقاومته للاحتلال كمجرد حملة من الذبح والخطف والتفجير. هنا، محاولة أولى لتسليط الضوء التحليلي والتعريفي على الموضوع ومشمولاته لمناقشة هذا الموضوع بادئين بإطاره التعريفي والنظري العام.
العنفُ لغةً : العُنْفُ في لغة الضاد "ضد الرِفْق، وهو أيضاً الشدَّةُ والمَشَقَّة ./ لسان العرب". وأعنف الشيء أخذه بشده واعتنف الأمر جهله فلا علم له به، والعنفُ الغِلْظَةُ والصلابةُ، وعنفوان الشيء أولُه وغلب على الشباب والنبات.
والتعنيف هو التوبيخ والتقريع واللوم. سنلاحظ أن المعاني التي تنصرف إليها المفردة في العربية القديمة أبعد ما تكون عن (العنف) كما صارت تعني وتنصرف في زماننا هذا.
نلاحظ، ثانياً، أن المضمون المعياري، السلوكي و الذوقي، وكلاهما يعني المتشابه الذي تأول إليه شبكة المعاني التي أتينا على ذكر البعض منها، ولا تنسرب إلى المعنى الراسخ والأول الراهن، في مجموعة اللغات الهندوآرية. هنا، في اللغات الهندوآرية تحيل مفردة العنف إلى المضمون الجنسي الشبقي فعلا ومصدراً وتركيباً. وهذا ما تعلنه وتشير إليه القوميس المدرسية الأكثر شهرة واستعمالاً، ففي الإنجليزية " قاموس المورد لمنير بعلبكي" تجد أنّ من مرادفات كلمة (VIOLENCE) عنف، أذى، اغتصاب لفتاة، اتقاد في الشعور. أما الفعل (VIOLATE) فيعني تحديداً ينتهك حرمة، يغتصب فتاة، يدنس مقدسات. ومن مرادفات كلمة (VIOLATION ) نقرأ أيضاً: انتهاك، تدنيس، اغتصاب لفتاة.
ولا نبتعد كثيراً عن هذه الإحالات والدلالات إذا تصفحنا قاموس اللغة الفرنسية "المنهل لسهيل إدريس" حيث تتكرر المعطيات السابقة بصورة شبه حرفية وأحياناً بوضوح دلالي أكبر. فالفعل (VIOLER ) يعني: خالف، خَرَقَ، اغتصب امرأة (بإضافة لفظة UNE FEMME) وتعني امرأة، واسم الفاعل (VIOLATEUR ) تعني فقط هاتك أعراض، مغتصب. وأخيراً فإن عبارة " FAIRE VIOLANCE" والتي ترجمتها الحرفية "يعمل عنف" تعني "يغتصب" فقط.
ما الذي نريد التأشير عليه دلالياً بعد هذا الجرد؟ أولا: إنّ الاتفاق الاستعمالي في عصرنا بين عنف "العربية" ومقابلاتها الهندوآرية لا ينفي بل يؤكد طبيعة البُنْيات والبيئات التاريخية والحضارية المختلفة وما ينتج عنها على صعيد المعطيات النفسانية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية. ثانياً: إنّ الانفصال والتباعد بين المعاني القديمة التي تحيل إليها مفردة "عنف" في اللغة العربية القديمة والتي تصب في مآل: "ضد الرفق"، لا تعني، أو لا يجب أن تعني، موت واندثار تلك المعاني على المستوين الشعوري واللاشعوري. في نفس الوقت الذي يتوجب فيه الاعتراف بأنها صارت تنطوي على أغلب المُرادات "الاجتماعية، والنفسانية، والسياسية، وبدرجة ما الأخلاقية" الخاصة باللفظة اللاتينية ومشتقاتها المعاصرات تحديداً ضمن أطر الظاهرة التاريخية المبحوثة. ثالثاً: إن التأكيد على لزوم وضرورة استعمال المنهجيات "العلم نفسية" المختلفة في دراسة ظاهرة العنف لا ينفي أو يعطل أية إمكانية مجدية لاختبار منهجيات تاريخية نقدية أو اجتماعية أو فينومنولوجية "علم ظاهراتية" ضمن ما يمكن أن نطلق عليه المنهجية النقدية الشاملة والتي لا تخلو من أسس انتقائية ذات أبعاد واستهدافات برغماتية. رابعاً وأخيراً: إنّ مناقشتنا هذه النظرية أو تلك، في علم النفس المجتمعي تحديداً كنظرية "فطرية التحريض العدواني" عند فرويد ولورنز أو جدلية "الإحباط و العدوان" عند ميلر ودولارد وغيرهما، نقول إنّ هذا التطرق ليس تبنياً إيمانياً "ذا رائحة أيديولوجية" بل هو توضيحي بالدرجة الأولى وتفسيري بالثانية، هدفه إعطاء صورة بانورامية مقتربة من الدقة باستمرار للظاهرة المبحوثة "العنف" وللوسائل النظرية "في علم النفس بشقيه" وسيكون هذا المرام كافياً حتى وإن لم نصل إلى الخلاصات والنتائج الحاسمة التي نطمح إليها. أما في البحث التاريخي للظاهرة عينها فستختلف الصورة تماماً وسوف نعتمد منهجاً تفسيرياً وتوضيحياً في النقد والتفكيك سبق لنا وأن استعملناه في مناسبات عدة، بمعنى إننا في هذا الميدان والسياق سنحاول الوصول إلى النتائج والصياغات النظرية العامة حول تلك الظاهرة بما يحقق هدفين: أولا، دحض التفسيرات والقراءات اللاتاريخية واللاعلمية والقائمة على الخلط والجهل والعوامل الذاتية لصاحب المحاولة. وثانيا، تقديم محاولة تعيد الظاهرة إلى تربتها التاريخية والاجتماعية وتعطي تصوراً أولياً للتفسير والتوضيح ومن ثم التعميم.
وسنقدم في المفصل التالي إطاراً نظرياً عاماً لظاهرة العنف من وجهة نظر علم النفس، فعرضاً توضيحياً لأهم المقولات والمشاريع النظرية في هذا الصدد.
إن الإطار النظري العام، الوارد في الأسطر التالية هدفه الرئيسي: وضع القارئ في صورة الموضوع والأساليب في محاولة لترصين الأداء التفسيري الذي سنقوم به بلغة سنسعى جهدنا لتكون مبسطة ومفهومة للقارئ غير المتخصص دون الوقوع في السطحية الفجة.
تعتبر رسالة مؤسس علم النفس العام سيغموند فرويد الشهيرة والموجهة إلى الفيزياوي الألماني وصاحب النظرية النسبية إنشتاين ( وردت رسالة فرويد هذه ومجموعة من الدراسات المهمة لعدد من علماء النفس بين دفتي كتاب هو "حراكيات العدوان" والذي ترجم إلى اللغة العربية على يد الدكتور عبد الكريم ناصيف تحت عنوان سيكولوجية العدوان: بحوث ديناميكية العدوان لدى الفرد، الجماعة، الدولة) ، تعتبر وبحق شهادة ميلاد حقيقية لعلم النفس المجتمعي وإشارة الانفصال الأكيد بين شقي هذا العلم الفتي إلى علم النفس الفردي والآخر المجتمعي. وبمعنى معين، يمكننا القول أن علم النفس الذي بدأ وشبَّ فردياً ، معنياً بالإنسان الفرد، ظل في واقع الأمر هكذا، إنما كفرع خاص بعلم النفس المجتمعي وقد تفرع عنه. وقد شاء السياق التاريخي الموضوعي، أن يكون محور تلك الرسالة العنف الجماعي أو الحرب بوصفها شكلاً قصوياً من أشكال العنف فقد كتبت في السنة ذاتها التي انتخبت فيها الأغلبية الألمانية المصوِّتة النازي أدولف هتلر زعيماً لألمانيا وسيقود هذا الأخير حرباً من طراز "غربي" أصيل أي حرباً بوصفها مجزرة هذيانية، ستنتهي بجبال من الجثث البشرية بلغت ستين مليون حيوة مزهوقة إضافة إلى الخراب والتدمير الهائل لمنجزات مئات السنوات من العمل والإبداع الإنساني والثروات الطبيعية المهدورة والمخربة.
كان موضوع الرسالة، أو سؤالها الأول، قد أثير من طرف إنيشتاين الذي كان المبادر لتلك المكاتبة فقد طرح سؤالاً جامعاً مانعاً على فرويد فيما كانت نذر الحرب العالمية الثانية تحوم في السماء يقول: ما الذي يمكن فعله لحماية الجنس البشري من الحرب ولعنتها؟ ويعترف فرويد بأنه شعر بالفزع لشعوره بالعجز عن معالجة ما كان يعتبره مشكلة عملية ومن مشمولات رجال الدولة. هكذا كانت البداية، وبمقدار ما كان فرويد عبقرياً ومتفرداً في دراسة موضوعه بأدواته العلم نفسية فقد كان ساذجاً كأي مواطن غربي من الطبقة الوسطى في قراءته التاريخية والسياسية لجدلية الحرب والسلام. إن العالِم المتميز في ميدان علم النفس يتحول إلى مادح ومروج لانتصار الإمبراطورية الرومانية الدموية على العالم واستعبادها لشعوب حوض البحر الأبيض المتوسط وما بعدها ويعتبر أن الحروب الرومانية ساهمت في تحويل العنف إلى قانون غدا استعمال العنف بموجبه مستحيلا وأدى كل ذلك إلى إقامة نظام جديد، لم ينعته بالعالمي مع أنه كان كذلك فعلا، لحل الصراعات. وبهذه الطريقة، يضيف فرويد، أدى احتلال الرومان للبلدان الواقعة على البحر الأبيض المتوسط لإعطاء هذه البلدان السلام الروماني الذي لا يقدر بثمن ) والحقيقة فقد كان بإمكان نازي ألماني نابه إحراج مؤسس مدرسة التحليل النفسي من خلال سؤال مُقارِن يقول : ولماذا تبيح للرومان ما تحرمه على النازيين الألمان؟ وكيف كان سيبدو العالم لو قُدِّرَ لهتلر أن ينتصر؟ لا أحد يستطيع المناكفة والعناد في أن "سلاماً نازياً لا يقدر بثمن هو الآخر" سيسود ولكنه سيظل قائماً على العنف والعدوان على شعوب الأرض الأخرى كشقيقه السلام الروماني تماما، وهنا فإن الفرق بين "السلامين" الروماني والنازي سيكون فرقاً في الدرجة "عدد جثث الضحايا" وليس في النوع "المضمون الحقيقي"... يتبع



#علاء_اللامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -ربيع القاعدة- في العراق يغرق بغداد وخمس محافظات أخرى بالدما ...
- «المجلس الأعلى» للمياه هل ينقذ الرافدين من الزوال؟
- إغلاق هرمز : حكومة المحاصصة تطمئن العراقيين والأرقام تثير ال ...
- قانونا الأحزاب الجزائري والعراقي والطائفية السياسية.
- العنف الفردي والجماعي في سرديات علم النفس الكلاسيكي
- طائفية الأمر الواقع في الدولة العراقية من 1921 وحتى الآن
- أسرار قادة -العراقية- على الهواء مباشرة !
- زوبعة سليماني: العراق لن يكون بيدقاً
- النزاع بين التيار الصدري والعصائب .. الخلفيات والتفاصيل
- بول بريمر يتقمص شبح جوزيف غوبلز!
- جعجع في كردستان العراق: استثمارات نفطية بنكهة أميركية!
- مأثرة الملازم نزهان تهزُّ الوجدان العراقي وتطلق حملة رفضا لل ...
- العراق: مقام الرئيس الفخري يهزم حصانة النائب المنتخب
- زعماء «العراقيّة» في «نيويورك تايمز»: دعوة لاحتلال جديد؟
- قراءة عراقية في نظرية إرنست رينان حول الأمة والقومية
- قضية الهاشمي: ضرب عرب العراق ببعضهم !
- الأمة العراقية: جذور المصطلح وانبعاثه اللاعلمي
- العراق يدخل جهنَّم سياسيّة باكراً: هل من رائحة أميركيّة؟
- المالكي في واشنطن : ل-ترقيع السماء العراقية-!
- أشباح جورج بوش تختفي من -عين الأسد-!


المزيد.....




- البيت الأبيض يدعو إسرائيل إلى إعادة فتح المعابر إلى غزة
- مسيرة -لانسيت- الروسية تدمر منظومة استطلاع أوكرانية حديثة في ...
- البيت الأبيض: إسرائيل أبلغتنا بأن العملية العسكرية في رفح مح ...
- -ولادة بدون حمل-.. إعلان لطبيب نسائي يثير الجدل في مصر!
- تبون: ملف الذاكرة بين الجزائر والمستعمر السابق فرنسا -لا يقب ...
- في الذكرى الـ60 لإقامة العلاقات بين البلدين.. أردوغان يستقبل ...
- تسريب بيانات جنود الجيش البريطاني في اختراق لوزارة الدفاع
- غازيتا: لهذا تحتاج روسيا إلى اختبار القوى النووية
- تدعمه حماس وتعارضه إسرائيل.. ما أبرز بنود اتفاق وقف إطلاق ال ...
- في -قاعة هند-.. الرابر الأميركي ماكليمور يساند طلاب جامعة كو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علاء اللامي - العنف الجماعي.. لغةً وسياقاً تاريخيا/ إطار نظري عام