أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سعيد مضيه - السلفية والعولمة















المزيد.....


السلفية والعولمة


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 3639 - 2012 / 2 / 15 - 17:10
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


اليسار وقضايا الفكر والثقافة
5 ـ السلفية والعولمة

الفرق واضح بين شرائح السلفيين و تعدادهم بالملايين، وبين قياداتهم ممن يفرضون بآليات معينة لذواتهم الطاعة. التيار السلفي وجد الوعي الاجتماعي جاهزا لاستثماره في نشاطه السياسي ؛ والتدّين الإسلاميّ لم يتعرض لعملية تحديث تواكب تحوّلات المجتمعات والأزمنة الحديثة، كالتي طرأت على التدّين المسيحيّ مثلاً ، الذي أخضع لتغيّرات عميقة طاولت البناء السياسيّ والاقتصاديّ. فطبيعة ومستوى ثقافة المجتمعات العربية لا بد أن تتأثر بالأمية الواسعة وشيوع ثقافة السماع . و ثقافة العصر الوسيط وتراجع التفكير العقلي وتدهور مستوى البحث والتعليم في مجتمعاتنا المعاصرة أو في نظمنا الاجتماعية هي المسئولة عن شيوع التأويل المحافظ واللاعقلاني للتراث وعن التدين المغلق والتطرف الديني. الإنسان. لذا فينبغي احترام قناعات الجمهور واستجاباته أيا كانت لأنها حصيلة تجربة وجودية وتجسيد للثقافة أغلبها موروث. علاوة على أن السواد الأعظم في المجتمعات العربية هم ضحايا أوضاع غير إنسانية تلف الأفراد في دواماتها المربكة، وتفرز للوعي ثقافة غير إنسانية.
ونود أيضا التفريق بين التقاء الرؤى مع أهداف العولمة وبين التواطؤ التآمري مع مبعوثيها. فإذا قيل ان السلفية تجاوبت مع تداعيات العولمة والليبرالية الجديدة فالمقصود توجيه التحذير بأن ينظر السلفيون بين أقدامهم وينتبهوا للمنزلق قدامهم. فتعدد الفرق السلفية والتباينات فيما بينها دليل على أنها لا تستمد مرجعيتها من الدين، إنما هي عمليات انتقائية تتوقف على التجارب والمنطلقات الاجتماعية للقادة والمؤسسين. وينجم عن عدم الأخذ بمنهجية اختبار الأفكار في مجرى النشاط السياسي والمراجعة النقدية تعمق الخلافات بين فرق السلفيين. تدخلت أحداث وعوامل عديدة أوجدت أرضيّة مأزومة بين الجماعات السلفية ؛ وما أسهل أن يرمي طرف يملك السلطة أو الحضور أو الفاعليّة طرفا آخر بالعمالة للأجنبيّ، أو بالعمل على زرع الفتنة والشقاق في المجتمع. فنحن ورثنا من العصر القديم اعتبار معارضة المتسلط زندقة وتفتيتا للمجتمع.

منذ عشرينات القرن الماضي والدعاية السلفية تتمحور حول الحفاظ على الدين، وليس حفظ ورعاية مصالح أتباع الدين. فقد تعايش هؤلاء مع الحرمان والإقصاء، واستلهموا من المكابدة المديدة الصبر الجميل . وفي تسعينات القرن تهيأت فرصة استثنائية كي تنشط الحركات الجهادية " دفاعا عن الدين"، دون أن يصدر من الجماعات السلفية الأخرى ما يردع الإرهاب الممارس باسم الإسلام، والذي يسخر في حبك وتنفيذ المؤامرات على المجتمعات الإسلامية. فقد احتضنت العولمة السلفيتين اليهودية والمسيحية واستفزت السلفية الإسلامية. لأول مرة في التاريخ تشن حملات ضارية على الإسلام ورموزه وعلى المسلمين. أما حقيقة الغاية من التجني على الإسلام واتهامه بالإرهاب وتحقير جماهير المسلمين فهي تبرير العدوان العسكري المبيت للاستحواذ على مصادر الطاقة واحتكار الموقع الاستراتيجي للمنطقة.
تمويه الصراع
تضافرت عوامل اجتماعية عديدة من تداعيات العولمة شكلت قوى دافعة لشعبية التيار السلفي ومنه حركة الإخوان. ونود تأجيل مقاربة تلك العوامل إلى حلقة قادمة والاقتصار في هذه الحلقة على انفلات عفريت العصبية الدينية في عصر العولمة. جرى تمويه الليبرالية الجديدة بالدين . احتضن ممثلو الاحتكارات الطامعة في الهيمنة الكونية السلفية المسيحية واليهودية ودمجوهما في إطار مفهوم الحضارة الغربية المتصارعة مع الحضارة الإسلامية، حسب فرضية هنتنغتون. والفرضية تزييف للتاريخ، ومكيدة سياسية تخفي الصراع الطبقي وصراعات المصالح وتمنح قداسة دينية لمغامرات الاحتكارات الأميركية على المسرح العالمي ؛ وبدلا من كشف التآمر وإفشاله، انجرف السلفيون المسلمون داخل بلدانهم وفي بلدن الهجرة، وراء المكيدة ، شأن النزعات السلفية في مستهل القرن الماضي. التهب تدين الجمهور إلى تعصب ديني بسبب الاستفزازات المستنفرة للمشاعر الدينية المضادة. احتدم صراع مموه الأهداف، تقاسمت عائداته الاحتكارات عابرة الجنسية والتيارات السلفية : أتيح للأولى التغلغل وتوطيد مواقعها في اقتصادات الأقطار العربية ، وأتيح في نفس الوقت للتيارات السلفية أن تستحوذ على أذهان جماهير واسعة في الولايات المتحدة وأوروبا والأقطار العربية والإسلامية. ويدعو للتأمل تزامن اشتعال نيران العمليات الإرهابية من جانب عناصر السلفية الجهادية مع انطلاقة مقولة صراع الحضارات. والدسائس الاستخبارية تتقن أساليب التغلغل في الحركات، وتوجيهها ومساعدتها على تنفيذ ما يمكن أن تستثمره لصالح مشاريع الهيمنة. في برنامج العاشرة مساء على قناة دريم 2 المصرية ذكر لواء عسكري سابق ورئيس مركز دراسات استراتيجية حاليا، أنه شارك في تسعينات القرن الماضي في وفد عسكري مصري إلى لقاء دوري يعقد في البنتاغون . كانت عمليات العنف من قبل السلفية الجهادية على أشدها في مصر. وطرح في الاجتماع السؤال هل لكم صلات بالإرهابيين في مصر ؛ وأجيب بالإيجاب "فنحن لا نرغب تكرار تجربة إيران ، حين فوجئنا بثورة ونظام جديد نجهل كليا منطوياته وتوجهاته".

في المجال العملي وابتداء من ثمانينات القرن الماضي شرعت الليبرالية الجديدة تطبيق "وصفات" الصندوق الدولي بمسوغ معالجة الديون وتقليص النفقات لعامة. و كان من حصيلتها تصفية القطاع العام بأسعار بخسة وفتح الأبواب لتغلغل الرساميل الأجنبية في الاقتصاد الوطني وإطلاق العنان لأنشطة الفساد والإفساد وتخلي الحكومات عن مسئولياتها وتعاظم سطوة الاستبداد السياسي والديني وتقليص قطاعات الخدمات العامة من جانب الحكومات. ساندت الجماعات السلفية الإجراءات الجديدة ، وانبرت باسم العمل الخيري المدعوم من بلدان النفط تعوض تقصير الحكومات في مجال خدمات الصحة والتعليم واستأثرت بأموال صناديق الزكاة في أنشطتها الخيرية الموجهة للاستحواذ على ولاء الجماهير الفقيرة . أمكن للجماعات السلفية أن تقيم صلات يومية مع قطاعات واسعة من " المحرومين "، وأن تملأ فراغ عدم تسييس الجمهور بخطب الجوامع، وكلها موجهة . وإذا أضفنا لكل هذا تأجيج التعصب الديني فإننا نمسك بمنطق تشابك انتشار السلفية مع نجاحات الليبرالية الجديدة في البلدان التابعة واستقرار أنظمتها الاستبدادية والفاسدة .

لم يبدر من الحركات السلفية ما يشير إلى توجيه التفاف الجماهير حولها لقيادة تحركها الثوري، أو التصدي لتخريب العولمة للاقتصاد والتعليم والثقافة . بالعكس من ذلك ، فقد كيّف الدعاة السلفيون في الأقطار العربية الحياة الاقتصادية وخطابهم الثقافي ودعايتهم المتدفقة في أوساط الجمهور المستلب في ظل الأنظمة الاستبدادية طبقا لمقتضيات الليبرالية الجديدة. ويلفت النظر تفجير الثورة الشعبية في مصر بينما الإخوان يجتمعون مع رئيس النظام. فقد سكبوا المياه الباردة على الطاقة الثورية للجماهير، وأغرقوا تطلعاتها في بحر الجبرية العائدة لزمن حكم معاوية الأموي ، الذي أسند الاستبداد السياسي والديني إلى مشيئة ربانية.
تصنيع التعصب
أما في المجال الروحي فاستهدفت دعايات السلفية ودعاتها شيطنة الخصم حتى تصويره خلاصة الشر كي تبرر تصفيته جسدا نتفيذا ل" العدالة الربانية". فهي لا تدعو لحوار ولا تقبل اختلافات الرأي . مل تبلغ مسامعها قولة الإمام المجتهد : رأيس مصيب يحتمل الخطا ورأي الآخر خطأ يحتمل الصواب. في الإدارة الأميركية ردد بوش الابن مقولة " إما معنا او علينا". وفي مجتمعاتنا العربية راجت تهم التكفير واحتكار الصواب. في هذا المجال يتم اتباع منهجية علمية تنطوي على طقوس وممارسات من شانها أن تخمد الطاقة الذهنية للجمهور فتبعد عنها الأدوات المفهومية للتفكير السليم؛ بدل التفكير والعقلانية والحوار والنقد تستبد الانفعالية بالسلوك. ان سيكولوجية الجمهور عرضة للانقياد باتجاه التقدم او بالاتجاه المضاد. واستثمرت الفاشية سيكولوجية الجماهير لفرض ديكتاتوريتها .
تجلى نهج العولمة في تسعينات القرن الماضي بالتحام السياسة الأميركية في الشرق الأوسط مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي ومشاريعه الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فالمحور الذي تدور حوله السلفية المسيحية ـ اليهودية يتمثل في تهيئة مقدمات نزول المسيح ( بمقتضى معتقدات إحدى الفرق المسيحية المدعوة الإنجيليين): عودة اليهود إلى "أرض الآباء" وإقامة دولة إسرائيل وبناء لهيكل الثالث. بادر السلفيون المسيحيون في الولايات المتحدة بالتأييد الحازم لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ودعموا استباحة مناطق السلطة الفلسطينية في آذار 2002 وفق خطة أعدها شارون بموافقة الإدارة الأميركية. تهيأت المناخات المواتية لإنجاح الخطة عن طريق مواصلة استفزاز الفصائل الفلسطينية واستدراجها لأعمال "انتقامية". اوردت كاثلين كريستيسن، التي عملت محللة معلومات لصلح السي آي إيه قبل أن تتقاعد، أن الميديا الأميركية واصلت الصمت حيال جرائم شارون في الأراضي المحتلة ، حيث استخدم الأباتشي والفانتوم ضد الأحياء والمنطق المدنية، ولم تنقل سوى عمليات العنف الفلسطينية في سوق تجارية او مطعم أو ملهى. ولمزيد من الاستفزاز أثناء وقف عمليات العنف المسلح عمدت المخابرات الإسرائيلية إلى اغتيال قائد ميداني لفصيل، ليستدرجه إلى العنف وينفذ عمليات "انتقامية"؛ وتنطلق أجهزة الدعاية لترويج العملية وشن الحملة ضد الإرهاب الإسلامي. هي مكيدة الصدمات المباغتة، يتقبلها المتلقي بانفعالية بدون مساءلة او تشكيك او نقد. تحدثت كريستيسن عن تجربتها حين كانت تعرض خارطة فلسطين أمام جمهور أميركي لتريهم انتشار المستوطنات كخلايا سرطانية في المناطق المحتلة؛ وكان الرد: كم أنت قاسية على إسرائيل!أما إيديرس ميهرينغ بريفيك، عضو الحزب النازي في النرويج، فقد صرع برشاشه ستة وسبعين من أطفال حزب العمال النرويجي وهم يقيمون مخيمهم الصيفي في جزيرة أوت أوبه. أكثر من ساعة ، بهيجان هيستيري، طارد الأطفال المرعوبين وتعقبهم حتى في البحر. ثم بثت الميديا رسالة أعدها القاتل سلفا يهيب بإقامة تحالف بين المتطرفين في أوروبا مع إسرائيل " أحد أعمدة الحضارة الأوروبية في صراع حياة او موت مع الإسلام الهمجي". الدعاية المناهضة للشعب الفلسطيني نجحت في تصوير النضال الوطني إرهابا يستحق السحق بلا رحمة، وإلغاء وجود الفلسطيني؛ بينما اغتصاب الأرض والتحريض على القتل اعتبر عملا حضاريا يتسق مع المشيئة الإلاهية. انخرط الحاخامون في التشجيع على قتل الفلسطينيين بلا رحمة . وفي كتاب "توراة الملك " دعوة صريحة لقتل حتى الأطفال الفلسطينيين.
وسط هذه الإثارة والتعصب المصطنعين غفلت فصائل المقاومة المسلحة عن مهمة التحرير وانخرطت في الانتقام. جذبتها دوامة الانتقام وتاهت في متاهتها المهلكة!! والطرفان السلفيان أسقطا النشاط الامبريالي ورديفه الاحتلال الإسرائيلي من المعادلة. السلفيون المسلمون أسندوا المشكلة إلى علمانية الغرب، "دار الكفر"، وانكبوا يكفرون ويحتكرون الحقيقة؛ وفي ذات الوقت أرجع البروفيسور بيرنارد لويس، قطب المسيحية الصهيونية، عداء العرب للغرب بالفشل في الصراع التاريخي بين الإسلام والمسيحية. تجاوز السلفيون لب القضية وضللوا الجماهير. واصل السلفيون المسلمون تراثا طويلا من الهجوم علي العلمانية، صال وجال فيه المتعصبون دينيا، وبلغ بهم الشطط أن انفصلوا عن الواقع وتعطلت لديهم ملكة التفكير وتجلياته في الخطاب ، مثل الحوار والتمعن في الواقع والنقد والتشكيك . وعلى نفس النهج جرى تصنيع ملايين المتعصبين في أميركا وأوروبا وداخل إسرائيل ضد "الإرهاب الإسلامي" والمتضامنين مع "حق إسرائيل في الأمن". لم تتعثر احتمالات التسوية بسبب انسداد الأفق السياسي في إسرائيل فقط؛ إذ تشكلت أيضا بنية ايديولوجية ـ ثقافية متطرفة وفاشية، محورها أسطورة ارض الميعاد المحولة الى واقع سياسي. بات الاسرائيليون يألفون فكرة الاحتلال ومصادرة الأراضي وقمع الفلسطينيين، باعتبارها حقوقا مقدسة لا يمكن المساس بها.
حيال الهجمات الضارية والمواقف المتجنية مضت حماس والجهاد الإسلامي في درب المواجهة العنفية، والمقاومة المسلحة. واستقطب الموقف تأييدأ واسعا للتيار الإسلامي داخل الأقطار العربية، وأجريت المقارنات مع اتجاهات أخرى تفاوض المحتلين، دون أن تقيّم المقارنات ميزان الربح والخسارة للعنف المسلح .

ولكي نرى كيف يجري استثمار جهود تربية التعصب نستعرض مقابلة مع المرشد العام للإخوان المسلمين بمصر أجراها الصحفي وائل الأبراشي، مساء الجمعة 10/2/2012 .
لم تتضمن المقابلة حوارا ؛ إنما كانت فرصة قدمت للمرشد العام كي يعرض رؤيته للمشهد السياسي . مارس المرشد سياسة ناعمة، تنطوي على مراوغة، ووجه رسائل إلى كل من يهمه الأمر، مغيبا مخالبه داخل قفازات من حرير.
وجدها المرشد العام مناسبة لتوجيه تحذير ضمني لكل من يتمرد على إدارته الأوامرية داخل الجماعة أو خارجها. قال بصريح العبارة أنه لن يغفر لعبد المنعم أبو الفتوح خروجه على إجماع الجماعة . بالطبع ، ولغرض في نفسه أشاد بالمغضوب عليه، نصب منه قامة رفيعة وأنذر أنه ضحى بقامة رفيعة تجرأت على مخالفته . وبالطبع عندما تطبق المركزية البيروقراطية داخل حزب يستحيل عليه الدخول في تحالفات مع آخرين ، حتى ولا توافقات .
ويحار المرء هل يأخذ مأخذ الجد خاطرة طرحها أخد أقطاب الإخوان تعبر عن تباين الآراء داخل الجماعة أم هي برسم المناورة . تقول الخاطرة : إننا نسعي لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة القائمة علي أسس المواطنة ومبادئها وسيادة القانون والحرية والمساواة والتعددية، بكل أشكالها وأنواعها, والتداول السلمي للسلطة, عبر صناديق الاقتراع, واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية, وشيوع قيم الحرية والعدالة والمساواة بين جميع أبناء الأمة..."

وعاب المرشد العام " التسرع " في الحكم على الجنزوري . وكان نائبه قد نطق نفس الكلمات في حوار سابق . المرشد العام ونائبه، كما يبدو، ينتميان لحزب الشبعانين ، ولا يشعران بآلام الجياع في مصر ممن يطلب منهم شد الأحزمة عاما تلو الآخر . ويبدو أيضا أنهما لا يضعان في الاعتبار تعديل مسار النهج الاقتصادي وإصلاح نظام التربية والتوجه الثقافي للإعلام الحكومي ، وكلها تماهت مع متطلبات الليبرالية الجديدة وشروط العولمة.
يفهم من حديث المرشد العام أن حزبه ينوي، وسط ضجيج دعاية تدير الرؤوس، إدخال تعديل جزئي على بند الموازنة بما يرفع رواتب شرائح موظفين يعانون أقسى ظروف الحرمان كي يسكت النقد عن عرقلة الجهود الرامية لوضع حد لبؤر الفساد والتحايل على القوانين وعلى قصر اختيار القيادات التنفيذية، بدءاً برؤساء الوزارات وانتهاء بالمحافظين، على رموز ارتبطت فى مرحلة أو أخرى بالنظام القديم، وتعمد إهمال شباب الثورة وتعميق الانقسامات بين صفوفه. العبثية بلغت ذروتها ، حسب تعبير الكاتب المصري وائل قنديل، "عندما تخلع على صانعى الثورة ومفجريها أوصافا واتهامات العمالة والخيانة للوطن، ومن ثم يمضى قطار التنكيت بأقصى سرعته، فتقرأ مثلا أن وزيرة التعاون الدولى ــ الأبدية ــ فايزة أبوالنجا تعتبر نفسها هى الثورة، بينما شباب الثورة هم الثورة المضادة، وتتحفك بتصريحات تقدم نفسها فيها على أنها المقاتل الأول من أجل حماية الثورة من محاولات أمريكا لإجهاضها".

المرشد العام أشاد بالدكتور محمد البرادعي وبالنقاط السبع التي حرك التنظيم الإخواني بأكمله لجمع التواقيع عليها. لوم المرشد العام البرادعي لأنه انسحب من المنافسة على منصب رئيس الجمهورية مؤكدا في نفس الوقت أنه سوف يدعم مرشحا غيره ، وذلك رغم تمسكه بالنقاط السبع. فلو كانت النقاط السبع التي طرحها الدكتور البرادعي ضالة المرشد ، والحكمة ضالة المؤمن، فلماذا لم يتمسك المرشد بتأييد البرادعي مرشحا لمنصب الرئاسة؟ أو على الأقل يدعم اختياره رئيسا لحكومة إنقاذ! عرض البرادعي أن يشكل حكومة إنقاذ ؛ وتم رفض العرض. المجلس العسكري الأعلى يقصر الثورة على تغيير الرئيس ورفض عرض الدكتور البرادعي ، وأصر على اختيار الجنزوري. ألا يشكل تفضيل الجنزوري على البرادعي مؤشرا ودلالة ؟ وهل الشعب المصري فئران تجارب كي ننتظر تجربة الجنزوري بعد تجربة شرف ؟ واضح أن التوافق قائم بين الإخوان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة على تفاصيل المرحلة الانتقالية؛ الطرفان متفقان على إبقاء القديم على قدمه...شيطنة الثوريين الحقيقيين ، و انتحال صفة الثوريين.
لا يسع المرء إلا أن يوافق على تفسير الروائي علاء الأسواني للمعضلة : أعد المجلس العسـكري لوائح الانتخابات بطريقة تسهل فوز الإخوان، وتم إنشاء لجنة عليا للانتخابات تتفرج على المخالفـات ولا تفـعل شيـئا. وهكذا ارتكب الإخوان والسلفيون كل المخالفات الانتـخابية، بدءا من شراء الأصوات وتوزيع السكر والزيت واللحم على الناخبين، الى استعمال موظفين منتمين الى الإخوان، الى التأثير على الناخبين داخل وخارج اللجان، الى رفع الشعارات الدينية، الى استعمال المساجد في الدعاية.. في النهاية أحرز الإخوان والسلفيون النتيجة التي أرادها لهم المجلس العسكري."
يتجلى الفجور الأكبر بفضيحة مدوية: فالذين يسكتون عن تهريب مليارات الدولارات، والذين يستبقون المشاركين في تدمير اقتصاد مصر في مراكزهم... يجدون في أنفسهم الجرأة على اتهام المحتجين على هذه الفضائح بأنهم يضمرون تخريب مصر!! هذا ما يلتقطه المراقب من جِِِرس الكلام المنمق والجمل الناعمة والنصائح الأبوية ، أبوة الرئيس المؤمن.
وصفعت الأذن كجَرس إنذار زنة أطنان قولة المرشد العام أن مجلس الشعب ورث الثورة!! "على الجميع قبول مستخرَ ج صناديق الاقتراع الديمقراطي". فيا سيادة المرشد ! الديمقراطية لا تقتصر على التعددية وصناديق الاقتراع. ومستخرج انتخابات جرت وفق النمط الأميركي ، حيث تنفق الملايين الواردة من الرأسمال المناهض للديمقراطية هم نواب يمثلون أصحاب الرساميل واهتمامهم بالشعب هو من قبيل النفاق. المبادئ التي ارتفعت في ميدان الثورة لم تقتصر على تبديل رئيس النظام، و لم تتم الانتخابات في إطار ميدان التحرير وميادين الثورة المصرية حتى يقال أن المجلس المنتخب ضمير الثورة. الحقائق تؤكد أن الجزء الأعظم من ناخبي حزب العدالة والتنمية لم يشاركوا في الثورة ، ولم ينخرطوا في تيارها بعد؛ ولم يدعم الشطر الأعظم من الثوار هذا الحزب. هم شرائح خرجت مجرحة الوعي ومهدورة من نظام القهر والهدر . هذا النظام يتحمل مسؤولية الرثاثة الثقافية والفكرية والأخلاقية التي تعانيها مجتمعاتنا اليوم؛ وتحتاج النفسية فترة نقاهة وعلاج من تبخيس الذات كي تملك مقومات الاقتدار الذاتي والمساهمة الإيجابية في تقرير المصير الوطني.

يمكن الثقة أن الديمقراطية لتي انتزعتها جماهير الثورة كفيلة بتذويب الجليد الدهري المغلف للوصاية على الجمهور واحتكار التفكير نيابة عنه . واحتمال بروز بديل لتأويل الدين طبقا لأهواء الطغيان وترقية تأثيره على حياة الفرد والجماعة، يتوقف على نشوء ثقافة مدنية جديدة، أي على تبوؤ العقل مكانته إماما لا مأموما. إن أي احتمال لظهور رؤية جديدة لمعنى الدين ومفهومه ومكانته في الحياة الفردية والاجتماعية، على مستوى المجتمع ، يتوقف على نشوء ثقافة مدنية جديدة، أي على التجديد الثقافي والعقلي بأدواته التي تملكتها المعرفة وبات بمقدور قوى التقدم الدفع به سواء عن طريق التربية المدرسية أو الارتقاء بالتعليم والبحث العلمي المرافق لإدخال العلم في الإنتاج.

يتبع في مقال قادم



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلفية العصر الحديث
- التكفير يقتحم المشهد الثقافي
- اليسار وقضايا الفكر والثقافة التراث 2
- اليسار وقضايا الفكر والثقافة
- البعد القومي في مهام اليسار العربي ومركزه القضية الفلسطينية
- التحول الديمقراطي.. أعطاب ذاتية
- الحوار المتمدن في العاشرة من عمره المديد
- مصر والثمار المرة للطغيان
- أشباح تحوم في فضاء مصر
- الخروج من متاهة التفاوض
- ردع تدخلات الامبريالية أولا
- بنية نظام الأبارتهايد الإسرائيلي وشروط تقويضه
- غولدستون المغلوب على أمره
- مأساة ليبيا بين آفات القذافي ونهم الاحتكارات النفطية ´- الحل ...
- ليبيا بين الآفات النفسية والذهنية للقذافي وبين نهم الاحتكارا ...
- الحق حين يسخره الباطل
- الدولة الوطنية من حلم إلى كابوس
- بعض الملاحظات على كتا ب -رؤية بديلة للاقتصاد الفلسطيني من من ...
- الديمقراطية الأميركية معاقة بالكساح
- أضواء العلم على تفجيرات نيويورك


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سعيد مضيه - السلفية والعولمة