أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - رسالة إلى الرقم 1842..!!















المزيد.....

رسالة إلى الرقم 1842..!!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 3624 - 2012 / 1 / 31 - 18:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يمكن لمشاهدي فضائية "الدنيا" الموالية للنظام في دمشق قراءة العبارة التالية على الشاشة: "ادعم المطالبة الشعبية للجيش العربي السوري بالقضاء على الإرهاب المسلّح، ابعث رسالة فارغة إلى الرقم 1842، ستُرسل النتائج إلى السيد وزير الدفاع".
إرسال رسالة فارغة إلى الرقم المذكور يعني أن المواطنين وأصحاب الرؤوس الحامية من أنصار النظام يجب أن يستعملوا هواتفهم النقّالة. وهذا، بدوره، يعني أن شخصاً ما لن يحصل على "دعم" للمطالبة الشعبية بالقضاء على الإرهاب المسلّح وحسب، بل وسيجنى الكثير من المال أيضاً. وهذا الشخص على الأرجح من أفراد العائلة الحاكمة.
شركات الهواتف المحمولة في أربعة أركان الأرض تلعب هذه اللعبة، وتعدك بربح سيارة، أو بطاقات سفر وما شابه، وفي الخليج والسعودية يبيعونك الفتوى والأناشيد الدينية على الجوّال. كل هذا وغيره يدخل في باب "منْ سيربح المليون"، والعالم الجديد الشجاع الذي تصوّره وصوّره ألدوس هوكسلي في زمن مضى. لا بأس. الجديد والفريد أن المطالبة الشعبية بالقضاء على الإرهاب غير مجانية، ويمكن أن تصبح نوعاً من البزنس. هذا وجه أوّل من وجوه اللامعقول.
فلنتقدّم خطوة إضافية، ولنفكر، مثلا، في عبارة: "ستُرسل الرسائل إلى السيد وزير الدفاع". هل يكف السيد وزير الدفاع عن مشروع القضاء على الإرهاب المسلّح، إذا لم يصله ما يكفي أو يُقنع من نتائج الاستفتاء، مثلاً؟ وهل ينخرط السيد وزير الدفاع في مشروع للقضاء على الإرهاب المسلّح استناداً إلى استفتاء على الهاتف أم بأمر من القائد الأعلى للقوات المسلحة؟
الصحيح أن من يملك قرار الحرب والسلم هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو في الوقت نفسه رئيس الجمهورية "المُنتخب" من حبيبه الشعب، بينما السيد وزير الدفاع ينفذ الأوامر، ولا يجوز "دستورياً" وفي الأعراف العسكرية أن يقرر وزير للدفاع القضاء على الإرهاب بمبادرة فردية، وأن يستلهم هذا القرار من استفتاء على الهاتف أو غير الهاتف.
قد يحدث أمر كهذا إذا أصبح منصب رئيس الدولة شاغراً، وفقدت الحكومة زمام السيطرة على البلد. وقد حدث ما يشبه ذلك في مصر عندما تنحى الرئيس مبارك، وأوكل مسؤولية الدولة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وهذا لم يحدث، ولن يحدث في سورية.
فما المقصود بوعد إرسال نتائج الاستفتاء إلى السيد وزير الدفاع؟ محاولة للنأي برئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة عمّا يحدث، أم أن استفتاء الرسائل الفارغة مجرّد فكرة حمقاء خطرت على بال شخص يحارب الإعلام المضاد بأدواته، أي بالاستفتاء، والرأي والرأي الأخر والشعارات الفارغة التي تضخها فضائيات النفط؟ يبرز في هذا التساؤل وجه آخر من وجوه اللامعقول.
وبالمناسبة، هل المطالبة الشعبية تعني أن النظام مارس ضبط النفس، وكظم الغيظ، وحقن الدم، على مدار عشرة أشهر مضت، ويشعر بالحرج هذه الأيام لأنه مضطر لاستخدام القوّة ويحتاج إلى تفويض من الشعب، حتى وإن جاء عبر الهاتف المحمول؟ وماذا عن آلاف القتلى والجرحى والأسرى، وحملات التطهير والترويع منذ مارس (آذار) الماضي؟ وجه آخر من وجوه اللامعقول.
فلنتقدّم خطوة أخرى. إذا حللنا العبارة التي أتحفتنا بها فضائية الدنيا باعتبارها نصاً يقبل التحليل بأدوات النقد، فلنقل إن الدلالة المباشرة لعبارة كهذه تعني أن الشعب يطلب من الجيش أن يقتله، أو أن يقتل جزءاً منه، خاصة وإن الشعب لا يطلب من الجيش "التصدي" للإرهاب، أو "حماية" الدولة والسلم الاجتماعي، بل يطلب منه "القضاء" على الإرهاب. مفردة "القضاء" لا تحتمل التأويل بطريقة تنفي عنها شبهة القتل.
طيّب. القتل. هل يُعقل أن يطلب شعب من جيشه أن يقتله؟ سيُقال لك: طبعاً، لا، المقصود الجماعات المسلّحة. وطالما أن الجماعات المسلّحة اللئيمة ما تزال وبعد عشرة أشهر على اندلاع أعمال العنف في سورية (إذا استخدمنا لغة ومفردات الدابي عن العنف) بلا اسم معروف، وطالما أن النظام لم يتمكن حتى الآن من تسميتها، سنجد أنفسنا مرغمين على التشكيك في كفاءة النظام على تسمية الأشياء، أي على ممارسة السلطة والقوّة. ما يحدث في سورية ثورة شعبية ضد النظام. كفاءة التسمية أوّل تجليات السلطة والقوّة. وهذا الأمر ليس جديداً على أية حال، ففي سيرة آدم بدأ استخلافه في الأرض عندما تعلّم الأسماء.
الفشل في التسمية، أي ممارسة السلطة والقوة، وجه آخر من وجوه اللامعقول. بيد أننا لا نقف عند هذا الحد، فما يزال مشوار التحليل والتأويل طويلاً، وهذا يستدعي العودة إلى فكرة لامعة طرحها الياس كانيتي قبل عقود أصبحت طويلة.
ففي معرض تحليله لشخصية الطاغية يقول كانيتي إن أقرب مواطني الطاغية إلى قلبه، وأكثرهم إخلاصاً له، هم ضحاياه، أولئك الأشخاص الذين تمكّن من قتلهم. فعل القتل يعني تطهيرهم من الدنس، ووسم جلودهم بميسم النار، أي بما يدل على سلطته وقوته. وهل ثمة أكثر وفاءً من أشخاص ماتوا، فلم يعودا قادرين على الأذى والكراهية من ناحية، وأصبحوا وسيلة إيضاح لقوة الطاغية وسلطته من ناحية أخرى؟
بهذا المعنى يستقيم التأويل إذا قلنا إن الشعب يطلب من الجيش أن يقتله، أو أن يقتل جزءاً منه، طالما أن فعل القتل عمل من أعمال التطهير. كيف؟ فلنحوّل أنظارنا وجهة أخرى: الأدب هو الصندوق الأسود للوضع البشري، إذا شئت.
في 1984، عندما تنهش الجرذان عينيه يبكي ونستون سميث من فرط العذاب، يقول والدموع تنهمر على وجنتيه: أحبُ الأخ الأكبر. وفي "ظلام في الظهيرة"، يقول المحقق السوفياتي للمناضل الحزبي القديم قبل إعدامه بقليل: لا قيمة للفرد على طريق الفوز بالمستقبل.
في الحالتين الموت والعذاب في خدمة مثل أعلى، كلاهما فعل من أفعال التطهير، ولكل من ساقه الحظ العاثر فأصبح وسيلة إيضاح دلالة القربان. هذا على الأقل ما أدركه جورج أورويل وآرثر كوستلر. والقائمة في الواقع طويلة.
الضحية على مر العصور مجرّد قربان، ولأنها كذلك فهي مثيرة للقداسة والفزع. وإذا كان في طلب شعب من جيشه أن يقتله وجه من وجوه اللامعقول، فإن فيها أيضاً ما لا يحصى من دلالات القداسة والفزع. لا يحتاج الأمر في جمهورية الأسد الوراثية إلى أكثر من رسالة فارغة إلى السيد وزير الدفاع على الرقم 1842. يا جيشنا اقتلنا لنبقى صامدين، ممانعين، مواطنين، مقاومين، وصالحين كما شاء لنا الوريثُ مذ أطل من شرفة القصر إلى أبد الآبدين.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا شيء يفنى أو يُخلق من عدم..!!
- مديح العام 2011..!!
- البيان والتبيين في خلافة المسلمين..!!
- المحبوب والعزيز والوارث، وكلهم زعماء..!!
- صعد الإسلاميون، وماذا بعد؟
- مصطفى موند..!!
- نهاية النظام في الأفق..!!
- سايكس بيكو الجديدة أم أغنياء النفط..!!
- معمّر القذافي، نهاية لا تليق بملك..!!
- في وداع فرانسوا أبو سالم..!!
- لماذا كلما اقتحموا مدينة عادوا إليها، وما وجه الشبه بين ليبي ...
- مبروك يا طرابلس والعقبى لأختك دمشق..!!
- عن العدوان الثلاثي، ومسلسل في حضرة الغياب..!!
- الإرهابي الأشقر وعيونه الزرقاء..!!
- والشعب في إسرائيل يريد إسقاط النظام..!!
- مديح العبث..!!
- عن ساحة المرجة، والثورة، وأدونيس..!!
- أسئلة ساذجة ومباشرة تكفي..!!
- الرهان الحقيقي على دمشق..!!
- الوجاهة القطرية، لماذا كل هذا؟


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - رسالة إلى الرقم 1842..!!