أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الفنان والمخرج صالح حسن: قراءة في طفولة الجسد، وتفكيك - شيفراته - البليغة















المزيد.....

الفنان والمخرج صالح حسن: قراءة في طفولة الجسد، وتفكيك - شيفراته - البليغة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1070 - 2005 / 1 / 6 - 10:42
المحور: الادب والفن
    


ضمن مداخلات ندوة " المسرح والديمقراطية " التي أقامتها فرقة " المسرح الحديث " في مدينة لاهاي الهولندية قدّم الفنان والمخرج صالح حسن ورقة بعنوان " قراءة في طفولة الجسد " وهي شهادة أو سيرة فنية للمراحل التي مرَّ بها جسده مذ كان طفلاً مشاكساً، مروراً بمرحلة الصبا والشباب، وانتهاءً بمرحلة النضج أو " بلاغة الجسد " التي يعيشها جسده الآن. كانت مداخلة صالح حسن هي شهادة أدبية تتوفر على مستوىً عالٍ من السرد القصصي أكثر منها دراسة تحليلية في فن الجسد. لنقرأ ما يقوله صالح عن بدايات تعرفه على الطاقات الكامنة في جسده، والمخبئة في أعماقه الدفينة: " كنت أُمارسُ طفولتي سابحاً في مستنقعاتٍ آسنة، مطارداً الحيوانات في مخابئِها، ومتلصصاً على نزلاء مصحّة الشماعية، أو مقتنصاً فرصةَ اقترابِ أحدِهم من السياج لأمنحـَه سيجارةً طمعاً في حوارٍ مثيرٍ أو مشهدٍ أكثرَ إثارة. أو أتحرّشُ بالبناياتِ العالية، ماشياً على حافاتِها، أتمرجحُ بإطار الباب، راكضاً على سياجِ البيت، فاراً من ضيقِ البيتِ وواجبِ النومِ ظهراً، حافياً أتسكّعُ في أزقةِ مدينةِ الثورة، باحثاً عن مشهدٍ تمثيليّ جديدٍ ومثير، أو أتفرّجُ على شجارِ أطفالٍ أو على مجنونٍ يذرَعُ الشوارعَ، ساخراً منه، أو مشفقاً عليه، وأعودُ إلى البيت محملاً بالكثير من المشاهد التي اختزنتها الذاكرة لأعيدَ تمثيلـَها أمام اخوتي الصغار." المهم في هذا المشهد السردي ذي البنية القصصية القائمة على شطحات التوصيف الفني المقصود لذاته، أن الفنان يريد أن يصوّر لنا " آلية الشحن والتفريغ " التي لولاها لما وجدتْ هذه العملية الإبداعية طريقها إلى المتلقي. ويبدو أن صالح حسن كانت لديه الاستعدادات القبلية لبعض المفهومات السائدة عن " لغة الجسد " وإيماءاته الخفية التي قد لا ينتبه إليها عامة الناس. فليس من المستغرب أن يكرس نفسه لاستيعاب لغة الجسد، وينشغل حد الانغماس في رصد حركات الآخرين، وتأويل " شيفرات " المراكز الحسيّة الكامنة في تضاعيف الكائن البشري، ولهذا فهو لا يغالي حينما يقول " كبـُرتُ وكـبُـرَ معي هذا الانشدادُ إلى حركاتِ الأشخاصِ وإيماءاتـِهم وما تـُخبئـُـه خلفها من مشاعرَ ودلالاتٍ. ". من هنا فإن حركات الجسد هي عالم كامل، قائم بذاته، وله رصيد هائل من الدلالات، والإشارات، والمعاني الظاهرة والخفية. وعلى وفق هذا التصور نستطيع القول إن لغة الجسد هي لغة ثرية، ومعبرة، وقد تتجاوز في بلاغتها اللغة المنطوقة أحياناً إذا ما أُحسِن استخدامها بشكل فني يلامس جوهر العاطفة الإنسانية، ويحرّك المشاعر الحقيقية عبر التجليات الحقيقية والمجازية في آنٍ معاً. وحينما تشبّع صالح حسن بقسط وافر من " الكودات " الجسدية من خلال الرصد الفاحص، والمراقبة الدقيقة، والتمثّل الطويل وضع المشاهدات اليومية لحركة الناس العابرين جانباً، لينصّب اهتمامه على ما يشاهده يومياً من أفلام، ورقصات، وبرامج فنية في التلفاز. " كنت أتوسلُ صاحبَ المقهى، حيثُ التلفزيون الوحيدُ في قطاع 46، أن يسمح لي بالبقاء لمشاهدةِ فلمِ السهرة، أو برنامجِ (الرياضة في أسبوع) لأقتنصَ مشهد المتزلّجين على الجليد وحركاتِ أجسادِهم الراقصة." ربما يكون الرقص على الجليد بما ينطوي عليه من تعبيرية شديدة، ومكثفة هو الفن الأرقى بالنسبة لصالح حسن، لأن هذا المنحى الفني يزاوج بين رياضة الجسد، ورياضة الروح، وتجلياتها التي تنعكس عبر اللغة الجسدية المشذبة، والمدربة، والخالية تماماً من الترهلات والزوائد. ومن المؤكد أن فن البالية كان يثيره هو الآخر، لذلك قرر منذ البدء أن يربي جسده، وذهنيته على هذا الفن الرشيق الذي ينشد التحليق ليس بمخيلة الفنان حسب، وإنما بمخيلة المشاهد الذي يجد نفسه مندغماً لحظة التوهج بالفنان نفسه. كان لا بد لهذا الولع الفتّاك أن يأخذ صالح حسن إلى خشبة المسرح المدرسي، ثم يمهّد له الطريق إلى " فرقةِ المتنبي المسرحية " في مدينةِ الثورة حيث يدرّب مواهبه الجسدية المتعددة التي تجد طريقها من دون لأي إلى أكادمية الفنون الجميلة في بغداد حيث المحّك الحقيقي الذي يتميز فيه المبدع عن سواه من الناس العاديين الذين يمرقون من أمام أعيننا من دون إثارة أية جلبة تُذكر. وفي مختبر الأكادمية كان لا بد لصالح حسن أن يتطلع بعينيه، وذاكرته، وذهنيته المحتشدة بعلامات الجسد إلى د. صلاح القصب، فهذا المخرج المبدع هو الأقرب إلى ما يحلم به صالح حسن، وربما سيجد عنده إجابات محدده لأسئلة كانت تؤرقه ليل نهار. يؤكد صالح حسن هذا النزوع الحاد بقوله " بدأتُ أولى تجاربي الجادةِ في هذا المجال عبر عملين مسرحيين من إخراجِ الفنان د. صلاح القصب، هما (أحزان مهرج السيرك) و(الحلم الضوئي)." ولا شك في أن هذين العملين المهمين في تاريخ المسرح العراقي كانا بمثابة الشرارة التي أشعلت رغبة التوهج والتأجج الدائمين لدى صالح حسن من خلال الشروع بالممارسة الفعلية للغة الجسد المعبرة، وخصوصاً حينما يسلّم هذه الطاقة المخبأة في جسده لمخرج محترف يدرك جيداً الوسائل الفنية التي تمكّنه من تفجير هذه الطاقة، وترويضها بما يخدم الفنان والعمل الفني في آن معاً. ربما تكون نقطة الضعف الوحيدة في هذه المداخلة القيّمة هي الجُمل التي كرّسها صالح للعن الظلام والحديث عن الكوارث التي ألمّت بالعراق، وخصوصاً أن هذه المعلومات المُستهلكة قد باتت معروفة حتى لسكان الأسكيمو، لكنه سرعان ما أنتشل نفسه من هذا الخانق الضيق ليتحدث بلغة معبّرة جذابة عن " تهريب هذا الجسد المقدس " من نطاق الكوارث اليومية إلى مدن الحلم. لا أدري لماذا لم يتوقف الفنان صالح حسن عند الحقبة التي أمضاها في اليمن بين عام 1994 و 1997، وأخرج فيها عملين مهمين من أعماله المسرحية وهما " سمفونية المطر " و " قصائد بلا شعراء " وانتقل فجأة للحديث عن المرحلة الهولندية، وما أنجز فيها من أعمال مسرحية على صعيدي التمثيل والإخراج. على أية حال، بدأ صالح في أثناء تواجده في هولندا مرحلة جديدة من حياته الفنية ضمن أجواء الحرية الفائقة التي يتمتع بها المبدع عموماً، لذلك فقد أعاد إخراج " سمفونية المطر " على وفق معطيات الحرية الجديدة التي كان يفتقدها في اليمن، ثم " أخرج " أجمل الأحياء " وأردفهما بمسرحية " قلب ذاكرة " حيث " جعل الجسد بديلاً كلياً عن اللغة ". ثم عرّج صالح حسن في مداخلته عن علاقته بجسده على وجه التحديد، ووصفه بأنه " قطعة قماشٍ بيضاء، صالحة للكتابة، أو الرسم بالكلمات." وكأن جسده بالنسبة إليه شيئاً مرئياً، وهو قادر على أن يقدّم من خلاله خطابه البصري للمشاهدين. كما يذهب إلى القول بأنه " مفتون بجسده " ومتعلق إلى حد الوله بقدراته التعبيرية القادرة على خلق تشكيلات ضوئية شديدة الدلالة والتأثير تقترن بالصورة التي هي أسرع وصولاً إلى المتلقي من الكلمة المسموعة. وفي مجال الحديث عن الجسد والحركات التي تنجم عن الممثل البارع يقول صالح: " إن الاشتغال في هذا المجال (الجسد والحركة) يتطلب جهداً وصبراً ووعياً عميقاً بعالم الجسد. فإذا كان الصوفيّ يرى أنه (كلما تضيق الرؤيا تتسع العبارة) فإنني أرى أنه في المسرح (كلما تضيق العبارة يتسع الجسد)، حيث لا بدّ للممثل من أن يتوفر على قدرات خاصة في التواصل عبر جسده بين العالمين الداخلي والخارجي.". هذا الخطاب الجسدي الجديد قد يسرق انتباه المتلقي من الكلمة إلى الحركة الرشيقة، المعبرة، وتداعياتها الفنية بحيث يصبح هذا الجسد " خفيفاً كالفراشة، شفافاً كالماء، رخواً كطينة النحات. " ويجب على الممثل البارع كما يذهب غروتوفسكي " أن يحمل ذهنية شاعر، وقلب فنان، وجسد رياضي. ". يا تُرى، هل يمكن الاستغناء تماماً عن اللغة المنطوقة في ظل البلاغة الجسدية، وخصوصاً أن الفنان صالح حسن يرى " أن التعبير بالجسد، هو بطريقة ما، عودة إلى اللغة في أصلها القديم، فاللغة بدأت من الجسد وفي الجسد، وإذا كان الاستخدام الوظيفي للغة قد أخرجها خارج حيز الجسد، فإنها في المسرح تعود إلى رحمِها الذي ولدت فيه.". وفي ختام مداخلته توقف صالح حسن طويلاً عند المحاسن الكثيرة لمدينة أمستردام حيث وفرّت له فرصاً ذهبية نادرة من بينها متابعته لدراسة " المايم " في مدرسة أمستردام العليا للفنون المسرحية. وإحساسه بالفرق الهائل بين مساحة الحرية المتاحة في هولندا، وضيق أفقها في بغداد وبالذات فيما يتعلق بتناول التابوهات الثلاثة " الدين، والجنس والسياسة "، إضافة إلى توفر الفرص الجدية التي أتاحت له الإطلاع على التجارب المسرحية الهولندية والعالمية لمخرجين من أمثال بيتر بروك، غروتوفسكي، مايرخولد، يوجين باربا، وتجارب محدودة من المسرح الياباني التي ركزت على ما نسميه بـ " مختبر الممثل " الذي يكشف الطاقات المخبئة الكامنة في جسد الممثل.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيلم التسجيلي- غرفة التحكّم - لجيهان نُجيم والقراءة المحاي ...
- فيلم - جبّار - لجمال أمين وحكاية البطل التراجيدي الذي يقارع ...
- فيلم - غرفة التحكّم - لجيهان نُجيم: قناة - الجزيرة - محور ال ...
- مسرحيون عراقيون في لاهاي
- حوار الشرق والغرب: المسلمون بين الأصولية والاندماج
- التطرّف الإسلامي يخترق قلعة التسامح في هولندا
- ضوء- بيار سلّوم والنهاية المفجعة التي تشيع اليأس لدى المتلقي ...
- فيلم - رشيدة - للمخرجة الجزائرية يامينا شويخ وآلية التعاطي م ...
- فاقد الصلاحية - للمخرج العراقي رسول الصغير ثيمة غربية ساخنة ...
- فوز الكاتبة، وعضوة البرلمان الهولندي أيان هيرسي علي - من أصل ...
- زنّار النار - لبهيج حجيج: هذيان، وقلق، ولهاث خلف حلمٍ متوارٍ ...
- فيلم - خضوع - يفضي إلى اغتيال مخرجه الهولندي ثيّو فان خوخ عل ...
- طيّارة من ورق - لرندة الشهّال جماليات الخطاب البصري، وتفكيك ...
- فيلم - زائر - لبسام الذوادي بين بنية التخاطر والنهاية الرمزي ...
- باب العرش - لمختار العجيمي- الشريط الذي ترقّبه الجمهور التون ...
- فوق كفِّ امرأة - لفاطمة ناعوت: خدع فنية، ومتاهات نصِّية حافل ...
- مَنْ قال إن - الملائكة لا تحلّق فوق الدار البيضاء - ؟:محمد ا ...
- - بحب السيما - لأسامة فوزي الفيلم الذي انتزع إعجاب النقاد وا ...
- الشاعرة الكردية فينوس فائق : اشعر بالضيق حينما أقرأ قصيدة مش ...
- في الدورة العشرين لأيام قرطاج السينمائية: تكريم الفنانة يسرا ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الفنان والمخرج صالح حسن: قراءة في طفولة الجسد، وتفكيك - شيفراته - البليغة