أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - لا شيء يفنى أو يُخلق من عدم..!!














المزيد.....

لا شيء يفنى أو يُخلق من عدم..!!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 3617 - 2012 / 1 / 24 - 14:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يُعامل التاريخ على يد المؤرخين المحترفين كسلسلة من الأحداث المترابطة منطقياً، وغالباً ما تتحوّل معالجات كهذه إلى ما يشبه الحتميات التاريخية لدى آخرين. بيد أن ما يغيب عن التاريخ باعتباره سلسلة من الأحداث المترابطة منطقياً يتمثل في استبعاد الغرائبي، واللامعقول، والاستثنائي، باعتبار أن مكان هذه الأشياء كلها الهامش لا المتن.
بيد أن هذا الإقصاء، وإن كان ممكناً في أزمنة مضت، لم يعد ممكناً بعد الانقلاب في مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية بداية من النصف الثاني من القرن العشرين. ومن نتائج هذا الانقلاب أن التاريخ نفسه، باعتباره سلسلة من الأحداث الموّثقة والمترابطة منطقياً، أصبح أمراً يصعب التحقق منه، استناداً إلى فرضية مفادها أن الحقيقة التاريخية إن لم تكن مستحيلة، فهي متعددة الأوجه والتأويلات.
لذا، انقسم علم التاريخ، الذي اقتصر في أزمنة مضت على سير الحكّام والفاتحين، إلى تواريخ مختلفة لهذه الحادثة، أو الحقبة، أو تلك. يمكن أن نفهم تاريخ الحرب العالمية الثانية، مثلاً، بطريقة جديدة تماماً، إذا كتبنا تاريخ النساء، أو الأطفال، أو عمّال النظافة، أو الحانات، أو اللصوص، أو الأقليات، في الفترة نفسها.
وغالباً ما يقوم الأدب، وعلومه، بسد الفراغ الناجم عن وجود مناطق رمادية، في هذه الحادثة التاريخية أو تلك. وهذا أمر يقبل التحقيق استناداً إلى فرضية بسيطة لكنها جديدة تماماً في مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية، ومفادها أن تاريخ هذه الحادثة أو تلك قد يكون أشياءً كثيرة في وقت واحد، لكنه في نهاية الأمر نص، وعمل من أعمال السرد، يتجلى في اللغة وبها، وبالتالي يصدق عليه ما يصدق على غيره من النصوص السردية، بقطع النظر عن المضمون.
وقد أسهمت هذه الفرضية، أكثر من أي شيء آخر، في توسيع نطاق المعالجة التاريخية، إذ فتحت علوماً مختلفة ومستقلة على بعضها. وبالتالي قلّصت مساحة اليقين، بقدر ما أسهمت في توسيع نطاق المعرفة. وهذه سمة من سمات الجهد المعرفي في زمن ما بعد الحداثة.
على أية حال، وطالما نحن في سياق تحوّلات تاريخية، من عيار ثقيل، يعيشها العرب منذ مطلع العام الماضي، وما تزال مستمرّة حتى يوم الناس هذا، فإن هذا الكلام عن التاريخ يتم وفي الذهن تلك التحوّلات.
ما الذي حدث ويحدث؟
ولا اقصد، هنا، التشخيص والتأويل، بل التساؤل عن مكان الغرائبي، واللامعقول، والاستثنائي في كل ما يحدث وما يحدث، وعمّا إذا كانت لدينا القدرة، بالفعل، على التقاط الغرائبي، واللامعقول، والاستثنائي، والحيلولة دون إزاحته من المتن الهامش. لن تتمكن ثقافة ما من إعادة النظر وتحرير العلاقة بين الهامش والمتن من سلطة المألوف، والسائد، ومن سلطة النخب المُهيمنة في الحقلين السياسي والاجتماعي، قبل تفكيك العلاقة بين المعرفة والسلطة. وهذا لن يحدث في وقت قريب.
على أية حال، من اللافت للنظر في ما حدث ويحدث البرنامج الوثائقي عن أيام بن علي الأخيرة قبل الفرار من قرطاج. قبل فراره بيوم واحد، استدعت زوجته امرأة تمارس الرقية، على اعتبار أن عيناً قد أصابته.
وفي مصر، كما جاء في مقابلة مع صحيفة أجنبية، اعترف أحد المتنفذين في أجهزة الإعلام المصرية، أن عائلة مبارك كانت تنتظر معجزة من السماء، على اعتبار أن اسم مصر ورد في النص القرآني خمس مرّات، بينما لم تذكر مكة أكثر من مرّتين. هذا ما جاء في المقابلة، وثمة مشاهد درامية وردت على لسان الشخص نفسه حول سوزان مبارك، والحالة الهستيرية التي أصابتها عندما أدركت بأنها ستغادر القصر الرئاسي إلى الأبد.
أما في ليبيا، فقد روى أحد المقرّبين كيف أنفق القذافي أيامه الأخيرة بعد فراره من طرابلس في القراءة وإعداد الشاي. ثمة ما يشبه هذا الأمر في كلام علاء بشير عن أيام صدّام الأخيرة، كانت الحرب على الأبواب، وصدّام منهمك في كتابة روايته الأخيرة، بينما بنات العائلة الحاكمة يتسابقن على الذهاب إلى عيادة الجراحة التجميلية.
نحن لا نعرف ماذا يفعل بشّار الأسد في خريف النظام الذي ورثه عن أبيه، ونرجو ألا يطول الوقت قبل أن نعرف، لكن طريقته في الكلام والسفسطة ولغته الجسدية تفتح باباً مدهشاً للتأويل.
كل هذه الأشياء تدخل في باب الغرائبي، واللامعقول، والاستثنائي، لكن تحليلها يمكننا من إضاءة جوانب إضافية تُسهم في تعميق المعرفة بالنظم والنخب السياسية التي حكمت وما تزال في مناطق مختلفة من بلاد العرب. والواقع أن الأمر لا يقتصر على تعميق المعرفة بتلك النظم والنخب وحسب، بل يتعداه إلى تعميق المعرفة بمعنى ومبنى السلطة، أيضا.
تبقى مسألة أكيدة، الغرائبي، واللامعقول، والاستثنائي، ليس حكراً على بلاد العرب دون غيرهم. ففي عهد آخر القياصرة الروس، صعد نجم دجّال اسمه راسبوتين، احكم قبضته على العائلة المالكة، وتحكّم بهذا القدر أو ذاك في مصير النظام. جورج بوش الابن كان يسمع رسائل من السماء، وكانت لديه قناعة بأن العناية الإلهية أرسلته لغرض ما. في حالة راسبوتين وقعت مأساة، وفي حالة بوش الابن توفرت كل عناصر الملهاة. كلتاهما وجه لعملة واحدة.
المهم كلما سألنا ما الذي حدث ويحدث، يجب ألا تغيب عن أذهاننا ضرورة البحث عن الغرائبي واللامعقول والاستثنائي. في أميركا اللاتينية نجم عن سؤال كهذا أدب من طراز رفيع. سؤال يمتد من فترة الفتح الأسباني وحتى ظهور الدكتاتوريات الحديثة. وفي بلادنا يمكن أن يحدث هذا، وعلاوة عليه يمكن أن نزداد معرفة بمعنى السياسة والسلطة، إذا بحثنا عن نقطة بعيدة في الماضي، وعدنا إلى زمن الجمهوريات الوراثية. فلا شيء يفنى أو يُخلق من عدم.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مديح العام 2011..!!
- البيان والتبيين في خلافة المسلمين..!!
- المحبوب والعزيز والوارث، وكلهم زعماء..!!
- صعد الإسلاميون، وماذا بعد؟
- مصطفى موند..!!
- نهاية النظام في الأفق..!!
- سايكس بيكو الجديدة أم أغنياء النفط..!!
- معمّر القذافي، نهاية لا تليق بملك..!!
- في وداع فرانسوا أبو سالم..!!
- لماذا كلما اقتحموا مدينة عادوا إليها، وما وجه الشبه بين ليبي ...
- مبروك يا طرابلس والعقبى لأختك دمشق..!!
- عن العدوان الثلاثي، ومسلسل في حضرة الغياب..!!
- الإرهابي الأشقر وعيونه الزرقاء..!!
- والشعب في إسرائيل يريد إسقاط النظام..!!
- مديح العبث..!!
- عن ساحة المرجة، والثورة، وأدونيس..!!
- أسئلة ساذجة ومباشرة تكفي..!!
- الرهان الحقيقي على دمشق..!!
- الوجاهة القطرية، لماذا كل هذا؟
- مشهدان، وملاحظتان، وتعليق..!!


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - لا شيء يفنى أو يُخلق من عدم..!!