أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الناصري - الأهوار : طائر الفينيق الذي عاد إلينا من زهرة الرماد والوجع والفجيعة ، أو نص بيان الأهوار















المزيد.....


الأهوار : طائر الفينيق الذي عاد إلينا من زهرة الرماد والوجع والفجيعة ، أو نص بيان الأهوار


أحمد الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 1051 - 2004 / 12 / 18 - 12:53
المحور: الادب والفن
    


أتابع منذ زمن محنة سكان الأهوار الكبيرة والقاسية ، حيث تعرضوا إلى أهوال حرب الإبادة وإلغاء الطبيعة الأصلية الخاصة والنادرة لأسباب وجود الإنسان وحياته في مناطقه التاريخية الموغلة في القدم ، بسبب فاشية السلطة وسياساتها الهوجاء وحروبها العبثية ، وتحولت أجزاء هامة من مناطق الأهوار إلى خطوط أمامية في الحرب العراقية الإيرانية العدوانية الطويلة ، وتحولت أجزاء أخرى أيضا في أعماق الأهوار إلى معاقل للمقاومين العراقيين ، و رافضي تلك الحرب الشرسة والبشعة والمنسية ، وكانت النتيجة كارثة إنسانية وبيئية شاملة ، وعمل عدواني منظم يدخل ضمن باب الكوارث الطبيعية الكبيرة في نتائجه المباشرة ، ومن الناحية السياسية والقانونية يندرج ضمن الجرائم المنظمة والواسعة ضد الإنسانية ، وتصنف هذه الجريمة المنظمة بحق ، ضمن الجرائم الرئيسية والكبيرة التي اقترفتها الفاشية ضد شعبنا العراقي ، وهي كثيرة ومعروفة عايشها وتابعها وشاهدها شعبنا ، واكتوى بنارها وشرورها ، وأطلع عليها العالم أجمع ، وهذه الجريمة الكبيرة ثابتة العلامات والملامح من الآثار التي تركتها الفاشية على الأرض وفي المكان المحدد ، وهي دليل قاطع على وحشيتها ، ولا يمكن إخفاءها أو طمسها ، أو التلاعب فيها ، فهي بمساحة الأهوار الشاسعة التي تساوي أو تكبر قليلا على مساحة لبنان ، أودول وأمارات كثيرة لها موقع تحت الشمس رغم عدم أهميتها .

علاقتي بالأهوار وبالماء غامضة وغربية ، وهي ناتجة عن تقديسي للماء باعتباره الشرط الرئيسي لوجود وتكون الحياة ، حيث يمكن أن توجد الحياة حيثما تواجد وتوفر الماء ، وهو يدخل في كل شيْ حي ، كما تكونت هذه العلاقة الخاصة بالماء لوجود نهر الفرات الأهوار قريبين مني ، ولإطلاعي على طقوس وآراء الأديان العراقية القديمة وموقفها من الماء ، فديانة الصابئة التي تربيت قريبا منها تقدس الماء وتفرط في التعامل معه و استعماله ، وربما لهذه الأسباب وأسباب أخرى خاصة لم أستطع تعلم السباحة ، تقديسا له وخوفا منه ، أو لأجعل مسافة تحمي العلاقة وتبقيها سرية ومتباعدة ، رغم أنني ولدت في مدينة يشقها نهر الفرات الجميل إلى نصفيين ، والنهر لا يبعد عن بيتنا أكثر من عشرة دقائق مشيا على الأقدام !! ومدينتي تقع على تخوم الأهوار والماء ، وإن بعض أقضيتها ونواحيها وقراها تقع داخل الأهوار تماما ، وبعضها يطفوا فوق الماء، وسكانها كطيور الماء أو كالأسماك ، فهي مدينة مائية بكل المقاييس والمعاني ، وظل يراودني حلم أو رؤيا ليلية منذ بداية خروجي من الوطن إلى الآن ، وهو أنني أعرف السباحة ، وأنني أستطيع أن أسبح بشكل طبيعي ، ثم وبعد نزولي إلى الماء فأنني أغرق في كل مرة بهدوء وسكينة وقبول تامين ، لكنني أبقى حيا تحت الماء أراقب وألمس حركة المياه والكائنات والطحلب ، وتمر بي بقايا الغارقين !! وقد حاولت التعويض عن فقداني الطويل للفرات أن تزوجت من امرأة ولدت في مدينة تل ماري التاريخية التي تقع على أعالي نهر الفرات ، وأنا من أور التاريخية والتي سبقت الجميع إلى الكتابة والتدوين ، و أسميت طفلي البكر فراتا ، وهو يلعب معي في غرفتي ويشاركني في كل شيء ، ويفرض علي مشيئته المائية أحيانا ، وأنا مفتونا بالخلق وبالماء ، أعتقد إنها محاولة ناقصة للتقرب من نهر الفرات المفقود ، وربما محاولة للتقرب من الجواهري الكبير ( أبو فرات ) ، كما كنت أذهب إلى أعالي الفرات و الذي هو الامتداد الأولي للفرات ، وهو أعالي وادي الرافدين الموصول به حضاريا وعضويا من جميع النواحي ، أذهب إلى صديق حبيب مقيم هناك على النهر في مدينة الطبقة السورية لأشرب من ماء الفرات ، وأقيم عند النهر ، وأتذوق سمك الفرات ، واشم رائحة الطين المنحدر نحو العراق ، وكدت أن أغرق بشكل حقيقي وواقعي وليس بالحلم ذات يوم ، وكاد الحلم أن يتحقق ، بعد نوبة عبث وتهور عنيفين ، ومحاولة فاشلة للالتحام بالماء ، وكنت أقبل بالنتيجة مطمئنا لأنها ستوحدني بذلك النهر الأسطوري العزيز وتعيد مكوناتي إلى بدايتها وتخلطها وتذيبها مع القطرة الأولى التي شربتها من ماء الفرات ذات عمر !!

لقد هالني وروعني ما رأيت قبل أيام في فلم تلفزيوني حديث عن مناطق الأهوار وعودتها التدريجية ، وعن وجوه الناس وملامحهم المتعبة ، وعوزهم وفقرهم المدقع ، وخراب كل شيء من حولهم ، وضياع آمالهم البسيطة والبدائية في عيش طبيعي بسيط ، لقد فجعت بما سمعت وبما قد رأيت ، فقد رأيت ما لايمكن تصوره أو توقعه في أسوأ الأحوال وفي أسوأ الكوابيس ، وحتى في أكثر الأفلام فانتازيا ورعب ، كائنات محطمة ومشوهة ، كأنها خرجت من زلزال مدمر ، وخراب شامل ، أنه التدمير الشامل الذي قادته الفاشية ضد شعبنا الأعزل ، وقد تراكب وأندمج مع الحصار المشئوم والمدبر الذي قادته أمريكا ، لتدمير وتخريب كل شيء في وطننا المحاصر ، لقتل الأمل ، وإيقاف ومنع التطلع نحو مستقبل إنساني !! كل دول العالم تحافظ على مناطق بسيطة وصغيرة ، وتعتبرها محميات وطنية وعالمية ، وتوفر لها كل شروط الرعاية والحماية ، وتقيم لها متاحف وتدون المعلومات وتصدر النشرات والبطاقات والكراريس والكتب عنها ، وتصنع الهدايا ، وتقيم المنتجعات السياحية ، بينما الفاشية المتخلفة في بلدنا لم تترك الطبيعة عندنا على بدائيتها ، ولم تترك هذا المتحف الكوني الزاخر بالحياة ، بل قامت بتخريبه وإزالته من الوجود تماما ، ولقد جاءت الطيور المهاجرة مرة في رحلتها الأزلية وهجرتها الدورية ، فلم تجد الأهوار وعادت إلى حيث لا تدري ، ولم تكن مستعدة لهكذا عودة غير متوقعة وغير محسوبة ، فماتت من الخزن والتعب والمشقة!!

من المفارقات الفانتازية والحزينة ، إنني شاهدت هذا الفلم مع صديقة أجنبية ، وقد تابعت علامات الذهول والحيرة على وجهها والأسئلة والعلامات الغربية ، ثم سألتني بعد أن شاهدت الأكواخ المتالهكة والمهلهلة والحياة البدائية ، والأحوال المزرية ، أين ينام هؤلاء الناس ، أكيد في مكان آخر ، أقصد في بيوتهم ؟؟ لقد تصورت أن هذا المكان للعمل أو للحيوانات ، وهذه السقائف البسيطة هي لحمايتهم من حرارة الشمس أثناء العمل فقط !! لأن هذا المشهد غير موجود حتى في الزرائب التي يعيش فيها السود في مزارع البيض في جنوب أفريقيا وزيمبابوي ( روديسيا العنصرية سابقا ) ، عندها فهمت حيرتها وذهولها ، وقررت الدخول معها في نوبة تحشيش وتسطيل وفانتازيا مقصودة ، وأجبتها ببرود وهدوء شديدين ، طبعا لا !! كيف ينامون هنا ونحن بلد يمسك ويغفو على أكبر احتياطي نفطي في العالم ، كل يوم في المساء وبعد انتهاء وقت العمل تحط هنا طائرات هليكوبتر أو تأتي باصات حديثة أو ينتقلون بسياراتهم الفارهة الخاصة ، التي تجر غرف الكرفانات ، المجهزة بالانترنيت والستلايت وكل الخدمات العصرية الضرورية ، ويذهبون إلى قصورهم وفللهم أو إلى أجنحة فنادق الدرجة الأولى في مدن الجنوب ، حيث يقيمون الحفلات الصاخبة ، يأكلون ويشربون ويرقصون حتى مشارف الصباح ثم يعودون بنفس الوسائل والطرق الحديثة والمريحة ، وقد استغرقت في الرد حتى بكيت ولاحظت الصديقة دموعي المترقرقة في عيني وسمعت نشيجي واستغربت أكثر !! وقررت دعوتها في المستقل لترى بعينيها الواقع حتى تعرف وتفهم ماذا كنت أقصد بالضبط ، حيث أن ما قصدته لايمكن شرحه أو توضيحه أو رسمه حتى بعين الكاميرا الذكية !!

لقد تكلم الناس هناك عن السياسة والخطوات التدريجية التي أتبعها النظام لتجفيف الأهوار والقضاء على الحياة الطبيعية والإنسانية فيها ، وسط صمت عالمي مريب ، ثم تحولت المنطقة إلى ساحة حقيقية للمعارك التي استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة الثقيلة والحديثة ، إلى جانب أسلحة التدمير الشامل ، ضد الجيش الإيراني وبواسطة الجيش الإيراني ، كما ضد السكان المدنيين العزل والمقاومة الشعبية المعارضة للنظام ، ورافضي الحرب والخدمة الإجبارية في الجيش ، وقد استخدمت الأسلحة الكيماوية والأسلحة المحرمة دوليا على نطاق واسع ودون حساب، وأمام سمع ونظر العالم المنافق و المتبلد ، ثم جاءت موجات وضربات اليورانيوم المنضب الواسعة والمركزة لتبيد وتدمر كل شيْ تقريبا في مناطق الأهوار ومناطق الجنوب وعموم العراق ، وقد أمتد تأثيرها إلى دول الخليج العربي ، وكذلك سوف يستمر هذا التأثير المدمر إلى ملايين السنوات حسب تقدير العلماء المختصين بهذه الإشعاعات !!

كما تحدث الناس عن الهجرة الداخلية القسرية إلى مدن وأماكن بعيدة وغريبة ، خارج البيئة الأصلية وخارج المكان الأول ، كما هو حال الناس مع الهجرات القسرية والترحال الإجباري الذي تعرض له الإنسان على مر التاريخ ، لتغير مكان ما ولفرض حالة أخرى جديدة مختلفة ، كما حصل في فلسطين مع وعد بلفور والمشروع الصهيوني الذي أطلقته الوكالة اليهودية الصهيونية العنصرية !! والى الهجرة الخارجية إلى إيران التي حجزتهم وجمعتهم في معسكرات ومخيمات لا يتوفر فيها ماء الشرب أو الاغتسال أو حتى الوضوء ، في بلد يعتبر الصلاة من الفرائض الخمس !! كيف يعيش طائر الماء مع الماء المقنن ، أو دون ماء وفير ؟؟ لماذا مارست إيران كل ذلك التعسف رغم أنهم من جيوش ولاية الفقيه ، و من جند المهدي القادم على فرس من نور أبيض ؟؟ كيف يعيش بن الفضاء المفتوح والفسيح في قفص الملجأ ؟؟ هل قلدت إيران الأنظمة العربية في تعاملها مع اللاجئين الفلسطينيين ، وطبقت التجربة البائسة للحكام العرب في تحطيم الإنسان ونخره ؟؟ كما تحدثوا عن موت الأسماك والطيور والحيوانات والضواري والنباتات ، وكيف نفقت الجواميس والخنازير البرية واختفت غابات القصب والبردي والدفلة الشاسعة من الوجود ، وتحولت التربة الرسوبية الزراعية إلى رمال متصحرة لونها أحمر ملوثة باليورانيوم المنضب الفتاك ، يصبغ وجوه الأطفال وجلودهم الشاحبة ، ويحولهم إلى أشباح هزيلة وغريبة ومريضة .

الأهوار ذلك العالم المدهش والغامض الطافح فوق الماء والراقد تحته ، ذلك العالم السحري المكون من الماء والمنقوع فيه والمسكون به ، الذي يبدو للناظر من داخله كأنه بلا نهايات مرئية وبلا ضفاف محددة أو ثابتة ، لذلك يشكل عالما متكاملا ومستقلا بذاته . وهو عالم بدائي و خيالي ، مسحور بالأسطورة والخوف والواقع والعزلة المكانية والزمنية ، و تمتد الأهوار في عمق التاريخ المجهول للإنسان وتواجده في هذه المناطق المائية والرسوبية التي شهدت أولى الحضارات البشرية المتطورة التي عرفها الإنسان في التاريخ المسجل والمعروف بعد اكتشاف التدوين والكتابة ، حيث قامت هذه الحضارات فيها وعلى تخومها ، وقد استطاع ( جنوب وادي الرافدين من تكوين مشتركات مدينية على هيئة مدن مستقلة ، يشكل كل منها دولة مستقلة ) ومنها ظهرت كيانات الدولة _ المدينة الكبيرة و المتطورة فيما بعد ، ومنها تمددت مدن ودول وحضارات وسط وشمال وادي الرافدين ، وتركت آثارا خالدة وباقية إلى الآن ، و( تركت لنا أيضا تراثا حضاريا ثريا ، يزخر بالقصص والملاحم والأدب الديني ، يفسر نشأة الوجود كونيا وكيانيا ) رغم إن حجم البقايا غير المكتشفة غير معروف تماما ، لكنه كبير وهام حسب تقدير علماء الآثار والتاريخ .

لقد حافظت الحياة الطبيعية الاجتماعية في الأهوار على طبيعتها البدائية شبة المنغلقة بسبب تكوينها وصعوبتها وانغلاقها وانعزالها الجغرافيين عن الاختلاط والذوبان في المحيط الخارجي ، و ابتعاد المحيط الخارجي عنها بسبب قسوة الحياة فيها والخوف والريبة منها ، وهذا ما تصنعه الظروف الجغرافية والطبيعية التي تتحول تدريجيا إلى ممارسات سياسية واقتصادية ونفسية ، ثم تحول التعامل مع سكانها في الأزمنة الحديثة إلى مشكلة اجتماعية وسياسية معقدة ومتنوعة ، تفجرت مع عودة الفاشية وصعودها وسياساتها الطائفية والأمنية والعسكرية ، ونظرتها المتعالية البليدة لسكان المناطق المائية ، التي انتهت بإبادة الأهوار وإزالتها المؤقتة من الوجود ، ربما بسبب جفاف وتخلف عقل السلطة البدوي المتصحر ، وهنا لا أقصد التعميم على جميع سكان البادية والصحراء ، إنما أخصص حالة محددة تزاوجت فيها البداوة المتخلفة مع سلطة أكثر تخلفا وشراسة وبدائية !!

تعتبر أهوار الجنوب العراقي ظاهرة بيئية وكونية خاصة ونادرة ورائعة ، وهي تسمى فينيسيا العرب وفينيسيا العراق ، أو ربما هي أهم وأغنى منها ، من حيث ثرائها المائي ، وكبرها الجغرافي الممتد بين محافظات البصرة والناصرية والعمارة الجنوبية ، وتدخل إلى المنطقة العربية من إيران في هور الحويزة ، والتي هي امتداد طبيعي للأرض العربية القديمة ، كما إن هناك امتدادات مشابهة لها في منطقة الحي والديوانية وعموم الفرات الأوسط ، وهي رئة كبيرة من الماء التي تؤثر في مناخ العراق الطبيعي ، كما تؤثر في جنوب إيران والخليج العربي وعموم الجزيرة العربية والعالم أيضا ، رغم إنها نقطة صغيرة على خارطة العالم الواسع ، ولكن لكل نقطة مهما صغرت وجودها وتأثيرها في الجغرافية والكون ، ولا تكون دون تأثير ، كما إن للنقطة معناها المحدد و دلالاتها البالغة في التكوين والهندسة واللغة والجغرافية كما في التصوف ، والعالم يعرف مساهمة هذه النقطة في تكوين وصناعة و تسجيل التاريخ البشري ، ونقل الحياة من مرحلة ما قبل التاريخ والدخول بها إلى التاريخ المسجل والمدون ، وهو ما يعد أهم منجز نقل البشرية إلى الحضارة المكتوبة وتدوين الأفكار الدينية والدنيوية الجنينية . والتي شاركت في تأليف وإنشاء الفكر الإنساني الراهن ، أذن هي نقطة لكنها نقطة عالمية وبالغة الأهمية وبالغة الحضور والتأثير والفائدة !!

كما تأتي أهميتها من تنوع الحياة الطبيعية فيها ، واعتبارها من اكبر المحميات الطبيعية في العالم ، واحتواءها على آلاف الأنواع من الكائنات الحية التي تعيش تحت وفوق الماء ، أنواع نادرة من الأسماك والكائنات المائية والطيور والحيوانات البرية والمائية والحشرات والهوام ، إضافة إلى النباتات المتنوعة والمفيدة والتي تستخدم كغذاء للإنسان والحيوان والطير ، كذلك يستعمل بعضها كدواء شعبي ، وتدخل في بناء البيوت والصناعة المحلية ، وتشكل الاقتصاد المحلي الذاتي الخاص والمتكامل ، ومن هنا جاء السبب الأساسي في ثبات خصوصية وانعزال الحياة في الأهوار . كشكل من أشكال ممانعة الخارج ، وللحماية والمحافظة على النوع ، وما إن استطاعت الفاشية من دخول الأهوار واختراقها حتى حطمت وقتلت هذه الظاهرة وبعثرت كل شيء !!

أخيرا أردت أن أختار عناوين فانتازية أخرى ، عناوين جرباء ، من القاموس البليد للسلطة الفاشية وإعلامها المتخشب والمتخلف والتافه ، ذو الضجيج العالي والمقزز ، فمن بين العناوين التي فكرت بها هو : الأهوار بين الواقع والطموح ، وهذا الشعار من نوع العناوين التالية : القطاع العام بين الواقع الطموح ، والجبهة الوطنية والقومية التقدمية بين الواقع والطموح ، ميثاق العمل القومي ( هذا غير ميثاق العمل الوطني إياه ) بين الواقع والطموح ، أستطيع أن أهري ذاكرتي بهذه العناوين قبل أن أنتقل إلى عنوان (10 سنوات الأهوار تتقدم ) والذي يقرأ ويترجم (10 سنوات كافية لإزالة ومحو الأهوار ) وهذا ما تحقق ، يا للعار !!

أود أن أقول كلمة واحدة بصدد ما سطره قلم فاشي متخلف ، في جريدة الثورة عن تاريخ سكان الأهوار بعد تراجع وفشل الانتفاضة الشعبية المجيدة في شهر آذار عام 91، من أن سكان الأهوار ليسوا عربا ، وان القائد العربي المسلم محمد القاسم جلبهم معه من الهند برفقة الجاموس وربما ( المطال ) بدل الطاقة النووية ، أن هذا القلم الفاشي لم يقرأ التاريخ السومري لسكان المنطقة ولا يريد أن يقرأه ، ولم يحفر فيه ، وهذا واجب العقلاء من البشر ، وهم من الجهلاء والدهماء ، وهولا يعرف تاريخ الموجات والهجرات البشرية القديمة ، وإنه قلم متخلف لا يفقه شيء ، وهو واحد من الأقلام الفاشلة من شعراء فاشست وكتاب افتتاحيات وأعمدة مخجلة وقصائد موثقة ومحفوظة بما كتبت أيديهم ، وما اقترفت أقلامهم من مهازل وقرف ومعلقات لم يعلقها أحد حتى في بيوت الماء والخلاء ، ولعق لأحذية الدكتاتور البائس ، ومن تمجيد أمه وخالاته وعماته ، وهو يدبج و يسجل ما يملى عليه من أوامر رئاسية ينقلها كل من ، الشرطي التافه عبد حمود ، أو وزير الثقافة الفاشية ، أو وزير الإعلام والتهريج البائس و المقيم في مكان آمن مؤقت بتوصية أمريكية ، أو يصدرها مباشرة رئيس مكتب الأعلام القومي ، الذي هو الدكتاتور الفاشي صدام حسين نفسه !!

إننا بحاجة إلى جهد وطني واسع ومخطط ومنظم ، ومساعدات دولية وخبرات عالمية عاجلة ، لمعالجة وإزالة آثار كارثة محو الأهوار بسرعة عالية ، ومساعدة السكان على العودة وبناء حياتهم بشكل يليق بالبشر ، وكفى إهمال مقصود وغير مقصود ، وأن لا تترك العملية العلمية والكبيرة للعفوية والمبادرات الفردية لسكان المنطقة فقط كما هو جاري الآن!! أما ما يتعلق بمحاسبة الدكتاتور على جميع جرائمه الكبيرة والرئيسية ، ومنها جريمة تجفيف وتدمير الأهوار التي يجب أن تكون ضمن لائحة الاتهام الرئيسية باعتبارها جريمة ضد الإنسانية وضد البيئة ، تطرح على محكمة أصولية متخصصة ، والتي أرى أن تقودها محكمة وطنية مستقلة في ظل حكومة وطنية مستقلة أيضا ، بعيدا عن المحتل وأغراضه وأزلامه وضغطه ، بعيدا عن القوانين التي كتبها بريمر ، وبعيدا عن آراء وأوامر قائد الإرهاب الدولي في العراق الخبير نكروبونتي !! وأن تكون هذه المحاكمة هي محاكمة القرن لكل النهج و الإرتكابات المشينة السابقة ولعناصر النظام ومن تعاون معهم وساعدهم في الاستمرار والبقاء وتنفيذ الجرائم الكبرى بحق شعبنا ووطننا ، بالوثائق الدامغة والشهود من الشهداء والأحياء والأدلة الثبوتية الجرمية والقانونية ، وفي مقدمتهم الدكتاتور الفاشي صدام حسين ، وأن يجري الإعداد والتحضير لها على المستوى الوطني والشعبي ، وليس في الغرف السرية والجلسات المحدودة و المغلقة !!

لقد عادت الأهوار بهية ، وعاد الماء إلى خضن الهور ، وعاد الإنسان ، وعاد الشهداء ، وعاد الطير طليقا ، عاد البط طليقا يصرخ ، وعاد النورس ، وعاد الرخيوي والبرهان ، وعادت القبرات ، وعادت الططوة وهي تصرخ باستهزاء وتحدي أبديين ( صياد رماني وضرط ) ، لم تصطد الططوة ، لكنك ضرطت أيها الدكتاتور !! ومنذ ذلك الحين بدلت الططوة صرختها بشعار آخر جديد (صدام رماني وضرط ) !! وعادت الحشرات والهوام الزواحف ، عاد النخيل الجليل ، عاد القصب والبردي والشلب والعنبر ، وعاد السمك ، وعادت المشاحيف ، وعاد الصيادون ، وعادت الخلايا الوطنية ، وعادت النذور ، وعادت المدارس وعاد التنور وخبز البيت والسياح ، وعادت الجواميس ، والخنزير البري عاد ، وعادت الجباشة ، عادت كل الأشياء الحلوة ، عادت كل الأشياء التي تكرهها ، وعاد كل من عاد ، فقد عاد الجميع ، إلا أنت فلن تعود بعد الآن !! وأنتصر عليك بن الهور وبن الرمادي وبن الموصل وبن الجبل وبن بغداد ، أنتصر عليك العراقي ، رغم غصة الاحتلال !! أنت الذي نسيته لأنه طواه النسيان والخذلان والهزيمة ، لا تستحق أ ن أتذكر أو أذكر أسمه بعد الآن ، فلم ولن تعود ، ولا تعود ، لأنك غير عائد ، وتظل تشرب من كأس الهوان والذل ممزوجا بال ........... مكللا رأسك بال............. الذي أنت منه ، تلاحقك لعنات كل المخلوقات التي قتلتها ، والتي طاردتها كل حياتك ، سيلاحقك الشهداء والأحياء ، يلاحقك الإنسان والماء والطير والهوام والدواب والزواحف ، ويلاحقك غناء الجنوب الموجع وأبوذياته المشبعة بالتبغ وطين الأرض والفجيعة ولوعة الفراق!! أما نحن فلنا الأرض ، ولنا الأمس والشمس وتاريخ الإنسان ... نحن الوارثون !!

الأهوار : طائر الفينيق الذي عاد إلينا من زهرة الرماد والوجع والفجيعة !!
مرثية المراثي والرجوع ، لنا ولهم ، وبيان الأهوار ، في فانتازيا الواقع ومراثي الغياب والوجود و المكان القديم الذي يقوم ويحضر دائما ، ولو بعد حين ، أو غياب مؤقت !!

أحمد الناصري 17. 12 . 05



#أحمد_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشهيد مناضل عبد العال موسى / مؤيد
- كلمات في عشق النساء . نص من أدب الرسائل
- الرعب ، الصمت ، العار . قضيتان من باريس وبغداد
- اليسار الجديد والقضايا الفكرية والسياسية والإعلامية ، بمناسب ...
- بشتآشان الجرح المفتوح والملف المغلق !!
- عن المبادرة الوطنية والإنتخابات وقضايا أخرى
- رسالة الى الفدائية البطلة لويزه أحريز
- عرس واويه في شرم الشيخ ، وأشياء أخرى
- عن أغراض مؤتمر شرم الشيخ ، وأهمية المبادرات الوطنية الموازية ...
- كيف تعرفت على شعر سعدي يوسف ؟؟
- مبادرة وطنية ديقراطية عراقية
- هموم شخصية وقضايا عامة ، عن الفلوجة والإرهاب وغياب أبو عمار
- كلمة : زمن الهبوط ، زمن الغناء الهابط !!
- كلمة : أمريكا وقرية مارقة جديدة !!
- كلمة عن المفاجأت والصفعات لبوش و طاقمة الإنتخابي
- تداعيات الوضع الأمني والسياسي والمدن المارقة
- أوراق خاصة / الى الصديق م . ذ
- عن الشيوعي الجميل طارق وتوت / أبو زياد
- الحوار المتمدن والقضايا الفكرية الماركسية
- موت الشاعر ، أو موت بلا شاهدة ، أسئلة إلى وعن آدم حاتم ؟؟


المزيد.....




- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الناصري - الأهوار : طائر الفينيق الذي عاد إلينا من زهرة الرماد والوجع والفجيعة ، أو نص بيان الأهوار