أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزيه كوثراني - الموت يحتضر...الجزء الاول















المزيد.....

الموت يحتضر...الجزء الاول


نزيه كوثراني

الحوار المتمدن-العدد: 3535 - 2011 / 11 / 3 - 04:22
المحور: الادب والفن
    


الموت يحتضر
(رجل يقف عند سفح الجبل عيناه مشدودتان نحو ما يشبه القبر . الساقية على مرتفع صعب . الستار الحديدي الذي يقي الماء من النزول إلى السفح يلمع )
- سعيد =( يتقدم نحو القبر ) بأي حق يا أبي فعلت ذلك . أرجوك وأتوسل إليك لماذا لم تتساءل مع نفسك عن زوجتك وأطفالك
- الصوت = ( صوت مجروح يرد على سعيد ) لست الوحيد الذي مات من اجل الآخرين . التاريخ بدأ منذ زمان قديم
- سعيد = من هم هؤلاء الآخرين ( يحتج بانفعال) شيء واحد لن اغفره لك . هو هذه التضحية المجانية .
- الصوت = تلك حياتي تخصني . افعل بها ما أريد . وربما ما يبدو لك تضحية مجانية هو بالنسبة لي استشهاد من اجل القرية ..من اجل الحياة .
- سعيد = حتى ذلك الموت الأبله والبشع تسميه استشهاد . أية موتة غراب اخترتها لنفسك .( يضحك) حياتك لا تخصك يجب أن تعرف أيها الكلب الأجرب انك شردتنا بعد موتك المشؤوم بين منازل القرية .
- الصوت = إن ما فعلته كان نتيجة قناعة صلبة . انه اختيار صعب أملته علي الحياة . فالكثير من الموت يا ولدي حين نعمق النظر فيه نجده حياة حقيقية .
- سعيد = ( يقاطعه ويحرك رجليه ويديه بعصبية ) ألم تكن تعلم أن لا احد من أبنائك بلغ أشده . آه يا أبي لو لم تمزق إربا إربا فوق الصخور لوجدت لك الآن قبرا حقيقيا حتى انتقم منك
- الصوت = لست مسؤولا عن حياتك كما عشتها كما إنني لست مسؤولا عن إخوانك جميعا . كانت لي حياتي عشتها كما أريد ولا حق لأحد أن يأتي بعد خمسين سنة لمحاسبتي .
- سعيد = اعتقد أن لي كامل الحق في محاسبتك ولو كنت املك مزيدا من الجرأة لفعلت شيئا واحدا على الأقل ...
- الصوت = ما هو هذا الشيء
- سعيد = بكل احترام مبالغ فيه أتبول واتغوط عليك صباحا ومساء
- الصوت = ( يقاطعه بحدة رافعا من صوته) يمكنني الآن أن أقول انك مجنون ..زنديق وسفيه ...
- سعيد = قل ما شئت ما دمت تعتقد انك لنفسك ولذاتك أو لم تعرف أو تفكر أي شيء كان ينتظرنا بعد انتحارك الأحمق .
- الصوت = ما ذا أصابك أيها المجنون أ لم يكن لك تاريخ تتفرد به عن سكان القرية . أبوك شهيد ..علامة شريفة على وجه الحياة ..بداية لتاريخ جديد
- سعيد = أيها المجنون عن أي تاريخ تتكلم إذا كان الأمر يتعلق بتاريخ أبنائك اعلم أننا لو لا بعض الناس نجاهم الله من مثل أفكارك الخسيسة .. يطعموننا بعين الرحمة والشفقة . لكن ذلك لم يكن يكفي لدفع الجوع . فبدأنا نطرق الأبواب بحثا عن المحسنين ...
- الصوت = حتى لو كان صحيحا ما تقول لست نادما على اختياري. إن سر اخضرار الطبيعة في القرية هو نتيجة دماء أبيك الطاهرة ولا تنسى يا ولدي أن الدماء الشريفة لا تموت تبقى يقظة مستنفرة ومستعدة للانتقام ...
- سعيد = بكل صراحة أنا لا افهم ما تقول ولا أريد أن أفك الألغاز ما يشغلني الآن هو موتك العدمي . بالله عليك يا أبي لم أقدمت على قتل نفسك أية حماقة دفعتك إلى هذا الاختيار المأساوي . أي غباء أدى بك إلى هذا الفعل الشنيع
- الصوت = اعتقد انك بالغت في تجريحي وأنا أعذرك لأنك في حالة انفعال . والنقاش الحقيقي يحتاج إلى التعقل حتى لا يتغير مسار الحوار فتضعني في قفص الاتهام وبالتالي تجردني من كل أشكال الدفوعات . أرجوك هدئ من روعك ولا تسقط الأحكام جزافا فما وقع قد وقع ولست حاقدا عليك فيما تقول . ربما الخلل لم يكن في موتي . لم أفكر في النسيان الذي يطال الموتى فقد كنت اعتبر موتي حياة ضد موت الحياة
- سعيد = أتبين مغزى كلامك الذي تريد أن تصله بتبريراتك الواهية . ستقول زحف النسيان على شهادتك ..تنكر الناس للحكي والحوار فضاع تاريخ بدأته بالموت العنيد . وربما لكي يكون لكلامك نغمة أخاذة ستستعير أسلوب السياسي فتصرخ في وجهي قائلا إن الشعب الذي لا يدرس لأبنائه تاريخه وارثه النضالي وكل المكاسب التي يجب الحفاظ عليها وتصليبها ( يتوقف ضاحكا ) فيظل يتعاطى للصمت الأبله ...
- الصوت = ( يقاطعه بهدوء ) لم أكن بحاجة إلى كل هذا الكلام الممتلئ إلى حد الفراغ كنت بسيطا في تفكيري وعشت على حد الصدفة والضرورة . والشيء الوحيد الذي أنا واثق منه هو أنني لن أكون ماضيا يمضي مهما كانت غشاوة النسيان ...
- سعيد = لن أنسى يا أبي الجريمة التي ارتكبتها في حق سبعة أطفال من صلبك . أي ذنب هذا الذي اقترفته . أبدا لن أنسى ..لاني كنت أكثر إخواني عذابا . في البداية كنت أنت كبش الفداء وبعد موتك الأبله صرنا يدا عاملة بخسة لأهل القرية
- الصوت = وأنا واثق أيضا أن الذاكرة مهما زحفت عليها رمال النسيان ستظل تحكي سر اخضرار الحقول وانبثاق الزهور والتربة الممزوجة بدم الشهيد...
- سعيد =( يقاطعه ) لقد تألمنا كثيرا . مأساة حقيقية أو جريمة في حق سبعة أطفال . أنت تعلن شهادتك في وجه القرية وسكانها ونحن أطفالك نصرخ ونحتج احتجاجا قويا كرفض وإدانة لقتل نفسك أمام الناس . تألمت أمي كثيرا في عز الجوع والفقر والذل . كانت تختفي طول النهار وسط أوساخ الآخرين حتى تجلب لنا معها بعض الطعام . كانت حنونة وطيبة نحن أبناؤها وبعض الناس الطيبين نشهد شهادة لا يعتريها كذب ولا نفاق ولا مجال للبهتان والزور إنها أعظم امرأة عرفها التاريخ ..بطلة في وجه الزمن الغشوم ..صخرة ترتطم وتنكسر على صمودها القوي أمواج المحن الطالعة من عمق الليالي العفنة . استشهادك وبطولتك انتهت مع أشلائك المرمية في عيون الصبايا . ومع أمي ابتدأ تاريخنا .ها أنت ترى وأنا لا احقد عليك في شيء انك إنسان ما قبل تاريخي .قل لي بربك ما معنى أن يتحول أبناؤك إلى عبيد يبحثون عن لقمة العيش وسط وحل الحياة أما الأطفال أقراني فقد دبر آباؤهم حالهم واغلبهم أحسن منا وضعا . والجدير ذكره أن الحياة كانت ضاحكة في عيونهم ..التحقوا بالمدارس وتغيرت حياتهم مع الأيام وتمكنوا من جلب الآلات الحديثة لتقليب الأرض فكان الزرع والغرس مضاعفا ومثمرا . خمسين سنة وأنا اقلب هذه الأرض وما كشفت لي عن أسرارها ..كانت عنيدة وخضراء ..خمسين سنة وماء الساقية يجري ولا احد حكى الحكاية أو غنى لحن الفجيعة ..خمسين سنة وسكان القرية يأخذون المحصول من عرقي بعد أن تكون مياه الساقية العكرة والغادرة بدمك قد رعت نمو الأخضر في تربة زانية ..فأية جرأة تملك للرد على الجرح الأحمر الحافر في قلبي وخلايا جسمي . أي موت مجاني في العراء يعلنه غراب مثلك شهادة . أية ارض ملعونة هذه تظل تزهر ولا تنبت الشوك أي ماء لهذه الساقية وهو محنط بموت ليالي تشرين وكانون وجوع شباط وصدقات حزيران
- الصوت = وأنا أسمعك كدت انسي نفسي . تراجعت حججي وبراهيني . تلاشى تماسك أقوالي وكلامي وانحرفت في اتجاه نسيان من أكون . لكن خذ اسمع على أذنيك . نمقت كلامك بما يحفر في القلب رعب الندم . وزدت في نفاق الأمور. أتظن أن محطات جوعك وآلامك وعذابك الطويل ( يصمت ) لا أبدا أنت زدت الزيت في النار فالتهمت أحشاءك . ولنفترض جدلا كما يقول المتجادلون أن استشهادي كان موتة غراب أجرب . فهل كل ما أصابك مرده إلى موتي الشريف . كان عليك أن تتدبر حياتك بنفسك وان تعيش الحياة طموحا رافضا مبتسما عوض الكدر الذي صدا قلبك . تغير حتى لا تتغبر . أما أن تأتي إلي بعد كل هذه السنوات شاكيا باكيا متوسلا متجعدا كاسد عجوز فذلك ما يعني انك على شرفة الجنون أو الموت الفجائي بالسكتة القلبية
- سعيد = سترى أيها الوغد اللطيف . سأضع الأمور نصب عينيك .فلتشهد على الموت الشريف فلتشهد على الساقية والقرية وسكانها البعير . لا اعرف جميع بعير ولذا اسمح لنفسي بالقول سكانها البعر . افتح عينيك أيها الثعلب المراوغ سأصعد ناحية الستار الحديدي وامسكه بقوة ..وأشده شدا حتى انتزعه من رحم الجبل وإذاك ستغمرني المياه وترمي بي إلى الأسفل حيث مثواي الأخير . ولا خوف علي ولا هم يحزنون ...
- الصوت = ( يقاطعه ) لا يا ولدي أرجوك باسم الفجر الجديد والوصايا العشر لأبي ذر الغفاري ..باسم الأطفال والعجزة ..باسم هذا كله لا تفعل ذلك فالقرية ستموت وبالتالي فعلك مؤامرة في حق الأرض وسكانها . جريمة لا تغتفر ..مأساة إنسانية ..وصمة عار على جبين التاريخ البشري
- سعيد = إنها الشهادة . بعد اليوم لن تقوى يد السوط على صوتي انه الموت الشريف ..إرجاع الأمور إلى عدالتها ..إيقاظ الذاكرة من سباتها العميق ..إزالة الغشاوة عن العيون ..فك لغز الحياة ..إضافة ليلة إلى ليالي شهرزاد ..مباغتة شهريار السفاح ..رفع السيف عن الحكاية ..انعطاف حاسم في سير التاريخ ولادة لحياة جديدة ...
- الصوت = ( يقاطعه غاضبا ) انه القتل للأبرياء مع سبق الإصرار والترصد
- سعيد = أتعبتم آذاننا بنقيق الضفادع
- الصوت = دعك من هذا الجنون فكر في قرية بلا ماء وأطفال بلا طعام ونساء حوامل وعجزة في الزوايا ..ألا ترحم من في الأرض ..دعك من الناس أين حبك للأرض والأزهار ..آه فأنت فنان عظيم تعشق الطبيعة ..فكر في الورود التي ستختفي
- سعيد = أبي هذه الورود اصطناعية لا رائحة فيها ليست أصيلة وفوق ذلك انظر إليها كيف هي منحنية ضعيفة لا تقوى على رد الابتسامة والفرحة.. إنها تحتضر . أما عن الأطفال فانا أيضا كانت لي طفولة يتيمة . فقد رمى بي انتحارك الأحمق إلى أن أكون رجلا وأنا على صغر سني . أما العجزة فقد تواطئوا ضد الكلام وبقيت الحكاية نائمة في عتمة الذاكرة .هؤلاء العجزة لم يكونوا أكثر من البوم القادم من ظلام المقابر هتفوا للماء وتنكروا لجسدك المتناثر على الصخور ها أنت ترى أنني لست مجنونا ..كبرت وأصبحت اعي الأمور ..أستطيع أن أقودك من جفاف القرية وما تبع ذلك من نقاشات حول الموت البطيء الذي كان يهدد القرية . ثم موتك المجاني الذي اخترته دون أطفالك ..هذا المسار من الألم والمعاناة الموشوم بشجاعة أمنا التي تصح فيها كل الأسماء الحسنى



#نزيه_كوثراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما يضحك الوطن...
- تونس تمهل..ولاتهمل
- الاحذية
- الحفاة والكنغر
- يوميات عاشق =1) الامل الشاق
- لعبة الاواني
- اسئلة التمدن في السؤال الفلسطيني 2
- اغتيال
- اسئلة التمدن في السؤال الفلسطيني
- الكينونة والعدم
- مثقف المعارضة العربية


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزيه كوثراني - الموت يحتضر...الجزء الاول