أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - المعصومون















المزيد.....

المعصومون


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1047 - 2004 / 12 / 14 - 08:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"الشيطنة"والمشاغبة الفكرية والاستفسارات المزعجة البريئة, والاسئلة المحرجة التي كنت دائما ارددها, كانت هي البدايات الاولى لعمليات القمع الفكري وارهاب العقل الغيبي المتسلط الذي كنت اتعرض له في تلك الدائرة العائلية الصغيرة والتي جعلتني فيما بعد كائنا هلاميا مدجنا مع كافة صنوف الارهاب المتألقة والرائجة والمزدهرة هذه الايام لدى قبائل البطش الظلامي الحالكة السواد.ولكن-وبرغم ذلك كله- لم تستطع كل طقوس الافزاع الممنهج وشعائر الهيمنةالشاملة والتهديدات الاقصائية الغاشمة من اطفاء تلك الجذوة المتمردة في اغوارالنفس المخدرة بالغيب والشعوذة والالغاز الغامضة الخزعبلاتية. وكانت كلمات من مثل "اسكت ياولد, وعيب عليك, وحرام هالحكي, وشو هذا ياابني" لازمات يومية كالزاد الضروري من ملح وخبز وزيت زيتون يكثر في تلك البقاع الجميلة الساحرة حيث تلاقت المقل الصغيرة البريئة مع النور الابدي الوهاج.ولو انتقلنا الى دائرة اكبر لوجدنا ان ذلك شكل تيارا عارما واسلوب حياة منظم وموجه وسائدا لدى جماعات عريضة حشرت في هذا الركن المظلم الدامس من جغرافية الكرة الارضية. والكل يعرف ويعي تلك المحاولات الدؤوب لاضفاء نوع من القداسة والعصمة المطلقة والهالة الرمزية على بشر بعينهم, ووضعهم فوق مستوى النقد والمحاسبة والسؤال سواء في المؤسسات الشمولية الحاكمة,اولدى الهيئات الدينية المهيمنة -بمختلف اشكالها- على الشارع البسيط والذي يشكل الغالبية العظمى لابناء هذه العائلة الكبيرة, والترويج لهم وتسويقهم لعلاميا وفكريا بهالات مقدسة واطر صارمة وبراقع لايمكن اختراقها. مع ملاحظة قوية بوجود حلف متماسك. ورباط مقدس. غير قابل للفكاك, وملفت للنظر بين الجانبين الحكم الوضعي والفكرة الغيبية . وكثرت في الآونة الاخيرة هذه المساجلات وتلك المماحكات, وفي اكثرمن مكان ومنبر وصعيد بين مدافع ومهاجم لتلك الرموز الكهنوتية المحنطة. وتحضرني الان, وقبل الولوج في صلب الموضوع, تلك القصة التي حصلت مع كاتب هذه السطور بالذات, وحين كنت اعمل ذات مرة, وفي مرحلة ما,من هذا العمر المسروق في دولة "تتلألأ" على حوض مائي واستراتيجي هام, يكتنز موادا قابلة للاشتعال وخطرة ومسيلة للعاب في الوقت نفسه .وكنت اتزامل مع احد ابناء الجنسيات القمعستانية بحكم العمل, وكان يبدو من مظهره وسلوكه وكأنه قد استفاق للتو من سباته السرمدي مع زملاءه من اهل الكهف المعروفين, بلحيته الكثة, وجلبابه القصير, وسبحته الطويلة. وذات مرة وبينما كنا جالسين في ضيافته في عرينه الخاص نتفرج على "البوماته" وذكرياته وصوره, واذا بي امام صورة جميلة بلباس البحر لفتى جميل ووسيم وحليق يتدفق حياة وبهجة وحيوية, وهي صورة حديثة كما اتضح من تاريخها, وسط غابة من السيقان المكتنزة الجميلة والمثيرة على شاطىء البحر الابيض المتوسط ورماله الذهبية الدافئة. وعند استفساري عن هوية هذا الشخص,وماالذي اتى بهذه الصورة الاباحية الماجنة الى هذا المحفل الاصولي المتطرف؟فأجابني بانه هو وفي بلده الاصلي في الاجازة, وعند استغرابي عن سر هذا التحول العجيب اجاب حرفيا بان هذا "لزوم الشغل يااستاذ هنا". وتذكرت ايضا بعضا من امثاله الذين هجروا بلادهم استرزاقا الى تلك البقاع متدثرين برداء الدين والورع والعفة والزهد ,او هاربين من ويلات وكوارث المد القومي الشمولي المتطرف. وادركت وقتذاك فقط معنى ازدهار البترو-اسلام في تلك الرحاب لدى هذه المجموعات "الفالحة" من الناس.
ولو عدنا الان الى تلك الحقبة والى ذلك المكان الذي شهد ولادة نور الاسلام والى ما كان يحدث احيانا من ومضات انسانية ومواقف وعِبر جديرة بالتامل والقراءة تدل على فهم واع وعقلانية ملحوظة وواقعية مطلوبة نفتقدها كثيرا الان.فلقد قال رسول الاسلام(ص) وفي احد الاحاديث المسندة(ولا تطروني كما اطرت النصارى عيسى بن مريم انما انا عبد فقولوا عبد الله ورسوله). وجاء ايضا في القرآن الكريم معاتبة للرسول نفسه .قال تعالى في سورة عبس: (عبس وتولى. ان جاءه الاعمى .ومايدريك لعله يزكى.او يذكر فتنفعه الذكرى...)الى نهاية الاية الكريمة, وفيها عتاب واضح للرسول الكريم (ص) عندما انشغل عن الاعمى الذي أتاه. وقال تعالى (ياايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة .....) الى اخر الاية, وقد عاتب الله فيها رسوله انه حرم بعض ما احل الله له. ولسنا بصدد الدخول في الحيثيات الدقيقة لذاك التراث, وانما لنأخذ مايلزم ونضعه بين يدي اولئك الذين ادعوا العصمة والمدافعين عنهم وقالوا انهم فوق اي نقد ولا يجب مناقشتهم.وما قاله الخليفة الثالث عمر بن الخطاب, ايضا ,بجملته المشهورة (اخطأ عمر واصابت امرأة), وما فيها من دلائل وضعية عميقة ناهيك عن بعدها الديني الرمزي الخاص.وقصص واقوال لخلفاء اعترفوا باخطاء وتقصير وطلبوا النصح والارشاد في مرات اخرى .وقال رسول الله(ص) كل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون). وهذا يعني ان كل انسان يخطىء ويصيب وهذا من طبيعة البشروالحياة. فهل هناك رموز ومقدسات اسلامية اعظم شأنا عند المسلمين انفسهم من هذه؟. لابل لقد كانت هذه الرموز الاسلامية البارزة ولا تزال منارات يهتدي بها مئات الملايين من المسلمين في اصقاع الارض الواسعة.
وبعد هذا العرض الموجز والسريع ياتي من يقول لك-وبعد الف وخمسمئة عام على ذلك- بان هناك اناس معصومون ومنزلون ومنزهون, الان ولايخطؤون ابدا وهم فوق مستوى البشر ويدعو الى عدم اعتراضهم ومناقشتهم وتوجيه اي نقد لهم ومن اي نوع كان حتى لو ارتكبوا خطأ في هذه المسألة او تلك. واعتبارهم "تابوهات"((taboos ومناطق محرمة يجب عدم الدخول او الاقتراب منها. وذهب البعض ابعد من ذلك حين اعتبر أي نقد او لوم اي واحد من اولئك هو هجوم على الاسلام بحد ذاته واختصر الاسلام العظيم في شخصه وشخصن الاسلام في نفسه الفانية . فيما يتم تصويرهم واظهارهم في وسائل الاعلام المختلفة- وفي قنوات الاستهبال الشامل تحديدا, بهالة من الورع والتقوى والعصمة والاستقامة والزهد وكل ما ينطقون به هو قانون ملزم ويجب الأخذ به وعدم مناقشته. ورأينا وشاهدنا جميعا في خضم حرب الفتاوى والفتاوى المضادة التي اشتعلت منذ فترة حول مسائل حساسة وهامة كيف تاه بسطاء المسلمين والمؤمنون وضاعوا فيمن تكون فتواه هي الملزمة ومن يتبع في هذه المعمعة الفقهية المحيرة. واين سيذهب ليقاتل؟ ومن يقاتل؟ وهل سيكون شهيدا ام انتحاريا ام قاتلا مجرما في حروب وقودها بشكل عام فقراء المسلمين ومحرمة شرعا على ابناءهم المعصومين؟ والكل يعلم القصة المشهورة التي حدثت بهذا الصدد مؤخرا.وهل البنوك وفوائدها ربوية ام لا؟ واين سيودع المسكين شقا عمره؟ ومن منهم اخطأ ومن منهم اصاب؟ ومن يوقف هذا النزيف القاتل الذي يبدو انه لن يتوقف في المستقبل المنظور؟والأهم من ذلك كله لما يطلب منا الا نتكلم اونناقش او نبدي اي نوع من الاعتراض والتذمر والنقد والاستفسار حتى لو شعرنا بادنى نوع من الغبن وعدم الفهم؟ وهل المطلوب الصمت وعدم النقاش في القضايا الفقهية ليتم ايضا اسكاتنا في القضايا السياسية الكبرى فيما بعد؟ وان اي حوار مع هكذا بشر محكوم عليه بالفشل كونهم سيناقشوك بقوالب جاهزة ومنطلقات لا تقبل الجدل, ومن مبدأ هل انت مؤمن ام كافر لانهم تعودوا ان المؤمن لايناقش ابدا ويسلم امره لهم. واذا كان كافرا فلا يجوز النقاش معه ابدا وباية حال من الاحوال.
وبالرغم من كل تلك الصروح العلمية العملاقة, والجامعات العريقة, والعقول والادمغة العظيمة, وشهادات الدكتوراه التي تملأ ديارنا, والقوافل الجرارة من الاختصاصيين والجامعيين المهرة, وكل تلك الدراسات والابحاث والنتائج التي اثرت المخزون البشري بكل ما هو جديد ومفيد وهام, فالمطلوب منا ان نشيح بنظرنا عن كل هذاونحملق في وجوههم الكالحة والعابسة وهم يصبون حممهم علينا ويتحفونا بالدرر الثمينة النادرة الوجود الا في دكاكينهم الفقهية المفلسة والخاوية. انهم ببساطة يريدون منا ان نلغي عقولنا تماما وننسى كل تلك الانجازات العلمية الضخمة والافكار الخالدة والنيرة التي ابتدعها العقل البشري وانقذت البشرية من كوارث وامراض واوبئة تعجز كل ماكيناتهم الاجترارية الغيبية عن التعامل معها, او حتى الاقتراب منها ولآلاف الاميال.يجب علينا ان ننسى ديكارت ونيوتن وغاليلو وروبرت كوخ وانتوني لوفينهوك وباستور وهارفي وغراهام بيل وكانط واديسون وفلمنغ ومدام كوري والاخوين رايت ونيل ارمسترونغ وهيمنغواي وبرناردشو ومارك تواين وباخ وموزارت وبيتهوفن وتشايكوفسكي وكل تلك العلامات البارزة والمضيئة في تاريخ البشرية الثري والحافل بكل الخير والجمال والابداع والفائدة, واهم من هؤلاء جميعا بيل غيتس "الصليبي الفرنجي"الذي جعل الكرة الارضية حوشا صغيرا في حارة ضيقة من حارات قمعستان, حيث تكثر الثرثرة والقيل والقال وحيث تنتشر الاخبار فيها انتشار النار في الهشيم.علينا ان نستمع فقط للافكار الساذجة والرؤى المسطحة والتحليلات الهلامية والفتاوى الضبابية وننام ونصحو على ما يقدمونه من وجبات غير طازجة ونسبح بحمدهم وحمد السلطان الذين ولدوا وترعرعوا في عهده الميمون الأغر .
وهؤلاء المعصومون بنوا امبراطورياتهم المرعبة والمغلقة في ظل حرب ضروس ضد كل ما هو تحديثي وتجديدي وعقلاني متهمين اصحابه بالكفر والزندقة والهرطقة وبمباركة وصمت مطبق من رموز الشمولية الدولية المشهورين. وطبعا لهم حماتهم ومروجهيم ومسوقيهم من تجار الكلمة والاعلاميين الهلاميين البؤساء الذين يقدمونهم بالقاب التفخيم والتعظيم والفضيلة وكانهم فوق مستوى بني البشر. وان مجرد مناقشتهم هو ردة كبرة واثم عظيم لاتنفع معه كل طقوس التوبة وكفارات الذنوب العظام. ومن ثم يأتي من يقول لك وفي بداية الالفية الثالثة ان هناك بشرا فوق البشر وفوق النقد والسؤال ومعصومين لايخطؤون ولا تجب مناقشتهم ومجادلتهم. وعند هذه النقطة, اتذكر دائما صديقي القمعستاني المعصوم, في المدينة "المتلألئة" .

إنهم المعصومون.................. لاتجادلوهم.

نضال نعيسة صحفي سوري



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحضاريون الجدد
- اللعب في الوقت الضائع
- الحوار المتمدن ........عفوا
- الثورة العالمية الثالثة
- سوق عكاظ .........الالكترونية
- اللعب مع الكبار
- الحلقة المفقودة في حلقة الاتجاه المعاكس
- الفرق الضالة..............سياسيا
- 2-2العلمانية والجهل
- شموليات القهر الجاهلية في الالفية الثالثة
- مثلثات الموت القادمة
- اوهام الاصلاح المستحيلة
- العلمانية والجهل
- مجتمعات الاقصاء الشامل
- وعاظ السلاطين وبيان الليبراليين


المزيد.....




- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - المعصومون