أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - بعض الملاحظات حول مقال مكونات الطبقة الوسطى في العراق للكاتب والناقد السيد ياسين النصير















المزيد.....


بعض الملاحظات حول مقال مكونات الطبقة الوسطى في العراق للكاتب والناقد السيد ياسين النصير


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 1025 - 2004 / 11 / 22 - 08:10
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


نشرت مجلة الديمقراطية التي تصدر عن مؤسسة الأهرام بالقاهرة في العدد 16/2004 ملفاً خاصًاً عن الطبقة الوسطى في العراق, إضافة إلى مجموع’ من لمقالات الأخرى حول نفس الموضوع لكتاب عرب من بلدان عربية عديدة. وشارك في هذا الملف من العراق العديد من الكتاب المعروفين من أمثال الأستاذ المحامي والسياسي المخضرم عبد الرزاق الصافي والأستاذ الدكتور ميثم الجنابي والدكتور ثائر كريم وكذلك الدكتور علي عبد الأمير وأخيراً الكاتب والناقد الأستاذ ياسين النصير. وفي هذه المطالعة سأحاول التدقيق في بعض ما كتبه الأخ والصديق ياسين النصير, وأترك التطرق إلى بعض المقالات الأخرى لمناسبات أخرى أو حين يتوفر الوقت المناسب لذلك.
سأحاول في هذه المطالعة أن أتطرق إلى بعض الملاحظات العامة, رغم كثرة ما يفترض الكتابة عن ما ورد في هذا المقال الذي اتبع كاتبه منهجاً أخر في معالجة الموضوع أولاً, ومن ثم سأتناول بعض ما ورد في المقال من موضوعات وجدت مناسباً الإشارة إليها في ملاحظاتي التفصيلية ثانياً.
أولاً: الملاحظات العامة:
1. كنت أتمنى أن يبحث الأخ النصير تجليات الفكر الاجتماعي لهذه الفئات الاجتماعية في الأدب العراقي: قصة قصيرة, رواية, شعر, أو في مجالات أخرى من الفنون الإبداعية, إذ كان سيجد الشيء الكثير على امتداد العقود المنصرمة ولدى الكثير من كتاب القصة والرواية, دع عنك الشعر. وكان في مقدوره أن يفتش أيضاً عن الأدب السياسي لهذه الفئات أو الشرائح التي تدخل ضمن ما يصطلح عليه بالطبقة الوسطى, وكان سيجد أدباً سياسياً واعياً وواضحاً باتجاهات ثلاثة, وهي:
• أدب خاص بالشرائح العليا والمتوسطة والدنيا في وسط الأحزاب السياسية أو الحركات المختلفة في العراق, وكان من خلال ذلك يكتشف الوجود الطبقي للفئات المختلفة ووعيها الاجتماعي.
• أدب خاص بالاتجاهات اليمينية والوسطية واليسارية لهذه الفئات الاجتماعية في سياسات الأحزاب والقوى السياسية العراقية.
• وأدب خاص لهذه الفئات على صعيد القوميات العراقية المختلفة, ومنها كان يمكن معرفة مدى اللقاء أو التباين في ما بينها على المستوى القومي والمصلحي.
لكن الزميل لم يلج هذا الدرب, كما لم يأخذ بمحاولة بحث موضوع الطبقة الوسطى من حيث موقعها من وسائل الإنتاج والإنتاج وتوزيع وإعادة توزيع الدخل القوى أو الثروة الاجتماعية, بل اختار منهجاً غير واضح المعالم ولا يساعد على بلورة مفهوم الطبقة الوسطى أو الفئات الاجتماعية التي تدخل في إطار ومضمون هذا المصطلح. ويبدو هذا واضحاً من ملاحظتي التالية.
2. يشير الكاتب والناقد العراقي الصديق ياسين النصير إلى افتقار المكتبة العربية للدراسات المتخصصة بالطبقة الوسطى وإلى غموض في المفاهيم الخاصة بالطبقات. اتفق تماماً في أن البحث بالطبقات عملية معقدة جداً وخاصة في مجتمعاتنا بسبب التداخل أو التشابك في ما بين نهايات الطبقات أو الفئات الاجتماعية إضافة إلى عدم تبلور بحيث يمكن التمييز الدقيق بين الحدود الطبقية. ولكن هذا القول نسبي أيضاً, إذ أن هناك الكثير من الدراسات التي تبحث في الموضوعات الطبقية وتحاول تحليل الواقع الطبقي في كل بلد عربي بغض النظر عن مدى قوة تلك الدراسات أو ضعفها, كما أن هناك تحليلات قيمة للفئات الاجتماعية التي تشكل ما يطلق عليه بالطبقة الوسطى. ويمكن أن نجد مثل هذه الدراسات في مصر وسوريا ولبنان والعراق, وكذلك في المغرب والجزائر وتونس. وأنا شخصياً على اطلاع على عشرات الدراسات القيمة في هذه المجال, سواء أكانت صادرة عن معاهد علمية كما في المغرب ومصر, أم عن باحثين درسوا هذه الإشكالية بشكل فردي. كما أن التحليل الماركسي للطبقات في المجتمع قد أرسى أساساً علمياً قوياً للبحث العلمي في موضوع المجتمع وبنيته. وجميع الدراسات التي تبحث في الطبقات لا تستطيع أن تبتعد حتى قليلاً عما سجله التحليل الماركسي للطبقات. والمسألة الرئيسية في المسألة الطبقية هو موقع الفرد من ملكية وسائل الإنتاج والعملية الإنتاجية وطريقة الحصول على الدخل, سواء كان هذا الفرد في الريف أم المدينة, وسواء أكان عمله في الإنتاج أم في الخدمات, أي موقعه من العملية الاقتصادية بمختلف مراحلها أي مراحل – الإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك-. ولهذا فأن الباحث العلمي العراقي, أياً كان, لم يقتبس خطأً نظرية الطبقات بصورة عفوية من الماركسية, فالجانب النظري الذي يعتمد على المنهج المادي في التحليل هو الذي أفلح في طرح صورة المجتمع وعلاقاته بصورة سليمة. ولو أخذنا جميع الدراسات غير الماركسية لوجدنا أنها لا تخرج عن ذلك سوى أنها تختار مسميات أخرى. فعلى سبيل المثال بدلاً من الحديث عن الرأسماليين يستخدمون مصطلح "أرباب العمل" وبدلاً من الطبقة العاملة يتحدثون عن المشتغلين. وفي الوقت الذي لا يرفضون هذا التقسيم الطبقي, إلا أنهم يرفضون الاعتراف بوجود التناقضات الاجتماعية والصراعات الطبقية.
3. في المفهوم العلمي للطبقة, بغض النظر إن كان الباحث ماركسياً أم غير ماركسي, ليست هناك طبقة وسطى, بل هو مصطلح مجازي وضع للتعبير عن تشكيلة واسعة من فئات اجتماعية تنحدر كلها من مواقع البرجوازية الصغيرة وحواشي البرجوازية المتوسطة. ولهذا يمكن ملاحظة وجود اجتهاد حول تلك الفئات الاجتماعية التي ترتبط بهذا المفهوم الخاص بالطبقة الوسطى. ولا يقصد بالطبقة الوسطى فئة البرجوازية الوطنية, سواء أكانت صناعية أم تجارية أم مالية أم زراعية ..الخ, إذ أن الطبقة البرجوازية الوطنية تضم فئات محددة وذات علاقة خاصة بملكية وسائل الإنتاج والإنتاج من جهة, وهي القطب الأول في البنية الطبقية للمجتمع الرأسمالي أو الذي تسود فيه علاقات الإنتاج الرأسمالية, في حين تشكل الطبقة العاملة بمختلف فئاتها, القطب الثاني. فمصطلح الطبقة الوسطى مجازي, وليس هناك ما يناقض التحليل الماركسي في الأدب الفكري والاجتماعي البرجوازي في هذا الصدد. والتعارض بين الفكر الماركسي والفكر غير الماركسي يبدأ مع الاختلاف في الموقف من الصراع الطبقي.
4. ولجت غالبية المجتمعات في الدول الغربية منذ القرن الثامن عشر والتاسع عشر في عملية الصراع بين الإقطاع والبرجوازية حيث انتصرت العلاقات الإنتاجية الرأسمالية فيها تدريجاً على العلاقات الإنتاجية الإقطاعية والتي استمرت أكثر من قرنين من الزمان. وها هي تلج منذ ما يقرب من عقدين مرحلة العولمة الرأسمالية موضوعياً بسبب التطور الهائل والمتسارع في القوى المنتجة المادية والبشرية وبسبب التحولات الهائلة في بنية الإنتاج والاقتصاد وأهمية ثورة الإنفوميديا , في حين لا تزال البلدان النامية, ومنها العراق, تعيش المرحلة الأولى من الصراع بين العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية والعلاقات الإنتاجية الرأسمالية, وبالتالي فالبنية الاجتماعية في المجتمعات الرأسمالية المتطورة غير ما هي عليه في البلدان النامية, ومنها الدول العربية بشكل عام والعراق باعتباره موضوع بحثنا بشكل خاص. وعندما يجري الحديث عن الطبقة الوسطى في الدول الرأسمالية المتقدمة تدخل ضمنها فئات كثيرة, تماماً كما تدخل فيها فئات عديدة في الدول النامية, ولكن الاختلاف يبرز في ثلاثة جوانب أساسية, وهي:
أ?) أن مجموعات تدخل ضمن الطبقة الوسطى في الدول النامية لم تعد موجودة أصلاً في الدول الرأسمالية المتقدمة ومنها جمهرة من أبناء العشائر, الذين يعتبر يعضهم, بحكم مستوى الدخل الذي يتحقق لهم ونوعية هذا الدخل, ضمن الطبقة الوسطى.
ب?) المستوى المعيشي المتباين جداً بين أفراد هاتين الطبقتين في المجتمعين المتباينين, المتقدم والنامي من حيث مستوى تطورهما.
ت?) الوعي الاجتماعي لفئات هذه الطبقة في المجموعتين من البلدان والمجتمعات.
وإذا ألقينا نظرة على الجماعات التي تدخل ضمن الفئات الوسطى (الشرائح العليا والشرائح الوسطى والشرائح الدنيا) أو ما ندعوه مجازاً بالطبقة الوسطى في الدول الرأسمالية المتقدمة لوجدنا التشكيلة المتنوعة التالية: إن الغالبية العظمى من أفراد الشريحة العليا تتوزع على العلماء والباحثين وأساتذة الجامعات والمعاهد العليا والمديرين وأصحاب المهن المتميزة كالأطباء والمهندسين والقضاة والمحامين والفنانين وكبار ضباط القوات المسلحة والبوليس والفنيين العاملين في قطاع المعلومات, في حين نجد أن أفراد الشريحة المتوسطة "يشغلون الوظائف الإدارية والفنية والإشرافية في الوزارات والأجهزة والمصالح الحكومية وإدارات الحكم المحلي, مثال ذلك: المدرسين والموظفين في شركات القطاع العام والمشتغلين في البنوك وشركات التأمين والمؤسسات التجارية ومن يعملون بالخدمات الشخصية لحساب أنفسهم", وهم يتسلمون رواتب ثابتة أو شبه ثابتة بحيث توفر لهم مستوى معيناً من العيش الذي يدخل في مفهوم الوسطية في المجتمع, أما الشريحة الدنيا من هذه الطبقة فتضم صغار الموظفين والمستخدمين في أجهزة الدولة والقطاع الخاص أو العاملين لحسابهم الخاص في قطاع الخدمات والمشروعات الصغيرة ....الخ. (قارن في هذا الصدد: د. رمزي زكي. وداعاً للطبقة الوسطى. دار المستقبل العربي. القاهرة. 1997. ص 85-87.
إذن فالتشكيلة الغريبة التي يشير إليها الأخ ياسين النصير حول هذه الطبقة في رأس الصفحة 88 ناجمة عن طبيعة علاقات الإنتاج السائدة في البلدان العربية أو في العراق أو في الكثير من البلدان النامية وليس غير ذلك, وهي تشكيلة مماثلة لفئات وجدت في البلدان الرأسمالية المتقدمة منذ عقود طويلة. ومع ذلك نجد أن عدداً من أفراد هذه الفئات يدخل في بنية الطبقة المتوسطة في المجتمعين رغم التمايز في مستوى تطورهما.
5. إن الغالبية العظمى من أعضاء الأحزاب السياسية في البلدان النامية تتشكل من الفئات الوسطى, إذ أنها تضم في الغالب الأعم جمهرة المثقفين والمتعلمين والطلبة من مختلف المستويات وكذلك تلك الفئات القادرة على التحصيل العلمي. وهذه الظاهرة لا تختلف كثيراً عن البلدان الرأسمالية المتقدمة في ما عدا أن أفرادا كثيرين من قيادات الأحزاب غالباً ما تكون منحدرة من فئات الطبقة الوسطى, ولكنهم يلتحقون بالطبقة البرجوازية الاحتكارية ويصبحون جزءاً منها ويدافعون عنها. ويمكن تتبع تاريخ عدد كبير من قادة الأحزاب الاشتراكية في البلدان الرأسمالية المتطورة, إذ نجد أنهم ينحدرون من أصول عمالية وكادحة ومتوسطة, ولكنهم يتبنون اتجاهات تعبر عن مصالح البرجوازية الكبيرة بشكل عام, ولكن توجد في هذه الأحزاب أجنحة تعبر عن مصالح مختلف الفئات الاجتماعية التي تسعى إلى تمثيلها, وإذا ألقينا نظرة على قادة وغالبية أعضاء الأحزاب الشيوعية والاشتراكية في البلدان النامية وفي القارات الثلاث (آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية) سنجد أنهم ينحدرون من فئات البرجوازية الصغيرة أو الطبقة الوسطى بشكل عام. وهذا لا يعني عدم وجود بعض العمال أو الفلاحين أو بعض العناصر من الفئات المهمشة في المجتمع. وهذا الأمر ينطبق على حزب البعث العربي الاشتراكي على المستوى القومي وفي المستويات القطرية أيضاً, وكذا الأحزاب القومية الناصرية أو حتى الأحزاب الدينية.
6. من المعروف أن الريف شكل بالنسبة إلى جميع البلدان ووفق تطور كل بلد المعين الذي نضحت عنه الفئات الاجتماعية الأخرى التي تعيش في المدينة. والفئات المتوسطة نشأت عن مختلف فئات الفلاحين التي نزحت إلى المدينة أو من فئات الكسبة والحرفيين, أي البرجوازية الصغيرة الريفية والمدينية, وأصبحت الوعاء الذي حطت فيها العناصر المختلفة التي شكلت مختلف شرائح أو فئات الطبقة الوسطى. ومن هذه الطبقة كانت تنسلخ مجموعات قليلة جداً منها لترتقي إلى الطبقة البرجوازية بمختلف شرائحها, أو تنحدر منها إلى صفوف الطبقة العاملة أو الفئات الهامشية وفق تطور الأوضاع الاقتصادية في البلاد. فالطبقة الوسطى لم تكن بهذا المعنى "البؤرة المولدة للطبقات الأخرى", كما أشار الكاتب إلى ذلك على الصفحة 88, بل كانت الوسيط الذي استقبل ثم سهل عملية الانتقال إلى مواقع طبقية أخرى ليس في العراق وحده, بل في سائر المجتمعات الأخرى. من الصائب أن يجري الحديث عن الحراك الفئوي أو الشرائحي في إطار ما يطلق عليه بالطبقة الوسطى, نتيجة تأثرها المباشر بسياسات الدولة مباشرة وباتجاهات التطور الاقتصادي, ولكن لا يمكن القول بأنها البؤرة المولدة بأي حال للطبقات الاجتماعية الأخرى.
7. الطبقات الاجتماعية ليست وليدة تيارات قومية وثقافية واقتصادية وإقطاعية و... الخ كما جاء في صدر الصفحة 89, بل هي وليدة العلاقة القائمة في المجتمع بين الفرد ووسيلة الإنتاج, أي أنها علاقة اقتصادية, ومنها تنشأ بقية العلاقات أو تترتب عليها وعنها. وليس الفكر القومي هو الذي خلق الطبقة, بل الطبقة والعلاقات الاجتماعية والسياسية هي التي نشأ فيها الفكر القومي وفق مصالح معينة وفي ظروف محددة. الفكر ينشأ في الواقع, أو بتعبير أدق في الواقع تنشأ الأفكار وليس من الأفكار ينشأ الواقع. من الأفكار يمكن أن تتكون بعض الأحلام لرؤية مستقبلية مثلاً: الحلم بقيام نظام اشتراكي. هذا الحلم الذي يتطلع إليه الإنسان بني على أساسيين, هما: الدراسة التاريخية التحليلية وفق المنهج المادي الجدلي لاتجاهات تطور المجتمع البشري من جهة, وحلم الإنسان بالعيش في ظل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية من جهة ثانية. إلا أن الحلم ليس واقعاً قائماً. وما لم تتوفر المستلزمات المادية لمثل هذا التحول, فلن يتحول الحلم إلى واقع معاش. وتجربة البلدان الاشتراكية بين 1917 -1989/1990 التعبير الصادق عن ذلك.
8. يلاحظ من حيث الواقع أن تعبير الطبقة الوسطى يضم في ثناياه نهايات شرائح تحسب على طبقات اجتماعية أخرى. فعلى سبيل المثال يمكن أن تجد من هو في إطار البرجوازية الصناعية الوطنية, ولكنه يحسب على الطبقة الوسطى, أو من هو في صفوف الطبقة العاملة ولكنه من ذوي الياقات البيض الذي يحسب على الطبقة الوسطى أيضاً. ولكن مثل هذا التقدير يمكن أن يتجاوز الفوارق الفعلية القائمة بين بين الطبقة البرجوازية الصناعية ذات المضمون الرأسمالي الوظيفي – الصناعي- أو التي تعمل في التجارة, وبين فئات الطبقة الوسطى التي اشرنا إلى مكوناتها ... الخ.

ثانياً الملاحظات التفصيلية:
1. لا تخرج بنية حزب البعث العربي الاشتراكي عن بنية جميع الأحزاب السياسية العراقية التي تأسست في تلك الفترة (الخمسينيات من القرن العشرين) أو حتى قبل ذاك. فكل الأحزاب السياسية العراقية نشأت في وسط الفئات التي نطلق عليها بالفئات الوسطى أو الطبقة الوسطى ابتداءً من الحزب الوطني لجماعة جعفر أبو التمن وجماعة الأهالي والحزب الشيوعي العراقي وحزب الشعب في العراق في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين (مجموعة القوميين في نادي المثنى والعقداء الأربعة والسيد رشيد عالي ال?يلاني ومفتي الديار الفلسطينية السيد أمين الحسيني), وكذلك الأحزاب التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية ومنها حزب الشعب (عزيز شريف) والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال وحزب التحرر الوطني وحزب الأحرار (سعد صالح) وغيره, وكذلك حزب الاتحاد الدستوري (نوري السعيد) وحزب الأمة الاشتراكي (صالح جبر) وحزب البعث العربي الاشتراكي والجماعات القومية المختلفة, وخاصة الجماعات الناصرية, وحزب التحرير الإسلامي (عبد العزيز البدري) وجماعة الأخوان المسلمين (الصواف), أو فيما بعد حزب الدعوة (الفاطميين) ... الخ. ولا يعني هذا أن هذه الأحزاب كانت تعبر بالضرورة عن مصالح الفئات التي نشأت في وسطها, إذ بينها من كان يدافع عن الإقطاع والكومبرادور, مثل الاتحاد الدستوري وحزب الأمة الاشتراكي, وأحزاب كانت تدافع بالعكس من ذلك عن الطبقة العاملة والكادحين مثل الحزب الشيوعي العراقي وحزب الشعب (عزيز) شريف وحزب التحرر الوطني (حسين محمد الشبيبي), وأحزاباً أخرى كانت تعبر عن مصالح البرجوازية الوطنية والبرجوازية الصغيرة, بضمنها فئات المثقفين والموظفين ...الخ, وقضايا وطنية عامة مثل الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الأحرار وحزب الاستقلال باتجاهات فكرية وسياسية ليبرالية وقومية متباينة. ومن الجدير بالإشارة إلى أن قيادة وقواعد حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق, وكذا الحال في مختلف الأقطار العربية, تنتسب إلى فئات البرجوازية الصغيرة أو فئات الطبقة الوسطى, أي من أوساط الموظفين والمستخدمين والضباط والطلبة والمعلمين والمدرسين وبعض أساتذة الكليات والكسبة أو أصحاب المصالح الصغيرة ومن بعض أبناء شيوخ العشائر الحضريين, وكذلك بعض أفراد الفئات الهامشية من الناحيتين الاقتصاديةً والاجتماعيةً. وكانت برامجهم السياسية والاقتصادية تعبر في جوهرها عن هذا الواقع المشحون بالفكر القومي اليميني الشوفيني. وعندما وصل هذا الحزب إلى السلطة كان يعبر عن هذا الواقع, ولكنه في الممارسة العملية وبشكل خاص في مجيئه الثاني إلى السلطة في عام 1968, انتقل إلى مواقع أخرى في الفكر والسياسة, رغم أن قيادة وقواعد الحزب حافظت في بنيتها على خليط واسع يتكون في أغلبيته من الفئات الوسطية أو الطبقة الوسطى, مع أن الحكم راح يعبر دون تحفظ عن مصالح فئة صغيرة جداً كانت قد أصبحت من كبار الرأسماليين البيروقراطيين والمقاولين والمتعاملين بتجارة السلاح والنهابين لثروة البلاد والممارسين لأبشع أشكال الحكم الاستبدادي والعنصري المهين للشعب. وقد استنزفوا موارد البلاد المالية المتأتية من الثروة النفطية حتى في أحلك فترات البؤس الاقتصادي والحصار الاقتصادي الدولي الظالم الذي عاني منه الشعب العراقي الأمرين (العقد الأخير من القرن العشرين وبداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين).
2. حول الموقف من الأرض: عندما دخل المستعمرون البريطانيون بغداد في عام 1917 كانت لهم قبل ذاك علاقات وقواعد مهمة في أوساط العشائر العراقية وبين العائلات الميسورة في بغداد والبصرة والموصل منذ الحقبة العثمانية وعبر القنصليات البريطانية والشركات التجارية وغيرها. ومع ولوج القوات البريطانية للعراق بدأت بتثبيت وتكريس مواقع ومصالح الفئات الإقطاعية وتعزيز مواقعها في الأرض والسلطة رغم تناقض ذلك مع الطبيعة الرأسمالية للدولة البريطانية من جهة, وفئة الكومبرادور التجاري المتعاون مع الشركات التجارية الأجنبية من جهة أخرى. وقد بدأت الإدارة البريطانية ومن ثم الحكومات العراقية المتعاقبة بتوزيع الأراضي على الإقطاعيين أو دعم انتزاع تلك الأراضي من الفلاحين وتسجيلها باسم شيوخ العشائر لكسب ود البعض منهم أو انتزاعها من البعض الآخر بسبب مواقفهم المناهضة للوجود البريطاني في العراق. إلا أن التكريس الحقيقي للعلاقات شبه الإقطاعية وخدمة مصالح الإقطاعيين بالضد من مصالح الغالبية العظمى من الفلاحين تبلورت وتكرست استناداً إلى القوانين التي صدرت عن الحكومة العراقية, في أعقاب وصول الخبير البريطاني في شئون الأرض من مصر إلى بغداد (أرنست داوسن) وتقديمه المقترحات بهذا الشأن خلال أعوام 1932-1934, وأعني بها :
- قانون تسوية حقوق الأراضي رقم 50 لسنة 1932.
- قانون اللزمة رقم 51 لسنة 1932
- قانون العقر رقم 55 لسنة 1932
- قانون حقوق وواجبات الزراع رقم 28 لسنة 1933.
- قانون استملاك الأموال غير المنقولة رقم 43 لسنة 1934.
- كما صدرت قوانين أخرى بما فيها إعفاء أصحاب الأراضي من الضرائب ...الخ.
ونتيجة لهذه القوانين أصبح حتى سقوط النظام الملكي 2% من أصحاب الملكيات الزراعية في العراق يستحوذون على 69% من الأراضي الزراعية تقريباً, أو ما يعادل 4 ملايين هكتار من مجموع 5,8 مليون هكتار قابلة للزراعة. وهذا يعني أن 98% من أصحاب الملكيات الصغيرة لم تكن في حوزتهم سوى 1,8 مليون هكتار, أي حوالي 31% من الأراضي القابلة للزراعة فقط. والتمايز صارخ جداً. ونتيجة لهذه الفجوة الطبقة الكبيرة تفاقمت عمليات نزوح واسعة من الريف إلى المدينة, وخاصة إلى بغداد هروباً من ظلم الإقطاعيين قبل ثورة تموز 1958. وقد شكلت هذه الفئات النازحة المجموعة المهمشة من المجتمع وكونت لها مدناً بائسة ومتخلفة جداً, كما نلاحظ ذلك اليوم في مدينة الثورة (الصدر) ببغداد مثلاً. وعلينا أن نشير هنا إلى أن العائلة الهاشمية المالكة التي جاءت إلى العراق دون أن تملك شبراً واحداً من الأرض فيه, أصبحت بعد فترة وجيزة واحدة من أكبر العوائل الإقطاعية الكبيرة المالكة والمستحوذة على أراضي الدولة والفلاحين, وهي التي دعمت العلاقات شبه الإقطاعية في الريف العراقي.
3. حين ألقاء نظرة على واقع التجارة العراقية سنجد الحقيقة التالية منذ دخول البريطانيين إلى العراق إلى نهاية الأربعينيات: سيطرت الشركات التجارية البريطانية على القسم الأكبر من التبادل التجاري في العراق وبشكل خاص على تجارة الاستيراد, في حين فسحت في المجال لشركات عراقية العمل في مجال التصدير باستثناء النفط الخام. وأغلب الشركات التي كانت تتعامل في التجارة كانت من السكان المسيحيين ومن ثم اليهود وقلة قليلة من التجار المسلمين. وكانوا يهيمنون على السوق التجاري الداخلي. وفي فترة لاحقة وبعد إخراج غالبية اليهود عنوة من العراق وبالاتفاق مع السفارة البريطانية وجماعات صهيونية في الخارج تمثل مصالح إسرائيل, هيمنت جماعات من الشيعة بشكل خاص على السوق التجاري استيراداً وتصديراً, إضافة إلى جماعات من المسيحيين والسنة. وكل المصادر التي تبحث في قطاع التجارة العراقية تؤكد هذه الحقيقة, إذ لم يكن الشيعة والسنة منذ البدء يهيمنون على السوق التجاري العراقي.
4. من المفيد أن نشير هنا إلى أن جماعة الأهالي قد شاركت في انقلاب بكر صدقي وساندته وساهمت بقوة في حكومة حكمت سليمان التي تشكلت في عام 1936 في أعقاب الانقلاب. والشخص الذي رفض لانقلابات العسكرية في جماعة الأهالي كان الراحل الأستاذ عبد الفتاح إبراهيم, الذي كان مقتنعاً بأهمية النضال الديمقراطي العلني وليس الانقلابي أو السري في إطار الأوضاع التي كانت سائدة حينذاك, رغم أن الراحل الأستاذ كامل الجادرجي كان موجوداً وكان جزءاً من جماعة الأهالي وأيد الحركة الانقلابية. وفي عام 1957 ساهم الحزب الوطني الديمقراطي كعضو أساسي في التحالف الجبهوي-جبهة الاتحاد الوطني- وهي التي اتفقت مع حركة الضباط الأحرار في الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب عسكري تم فعلاً في تموز عام 1958. وشارك الحزب الوطني الديمقراطي في الحكومة الأولى التي شكلها اللواء الركن عبد الكريم قاسم. لهذا لا يمكن القول بأن الحزب الوطني الديمقراطي لم يكن يؤمن بالانقلابات العسكرية, إذ أنه شارك في انقلابين خلال الفترة الواقعة بين 1936-1958, رغم أن برنامجه لم يتطرق إلى الانقلابات بل دعا إلى النضال الوطني والديمقراطي, وكان حزباً إصلاحياً يميل إلى مبادئ الاشتراكية الديمقراطية ويضم في صفوفه فئات من البرجوازية الوطنية وأغنياء الفلاحين والمثقفين أي جمهرة من أفراد الطبقة الوسطى...الخ.
5. يشير الكاتب ياسين النصير إلى أن الطبقة الوسطى في العراق هي وليدة تناقض داخلي وإقليمي ودولي. والتفسير الداخلي والإقليمي والدولي الذي يقدمه لا يمنح هذه الموضوعة الصواب وبالشكل المعروض في المقال. ويبدو لي بأن الأخ الفاضل يقصد بأن سياسات الطبقة الوسطى هي نتاج للتناقضات الداخلية والإقليمية والدولية, كما يمكن أن نقول بأن سياسات الدولة البريطانية, وليست العثمانية, ساهمت بتسريع عملية النمو والتطور للطبقة الوسطى ونشوء مواقف فكرية وسياسات لها في الواقع العملي. وهو ما نجده في قوله لاحقاً: الطبقة الوسطى العراقية متفقة على المصالح الكبيرة وهي: محاربة الاستعمار وتحديث البلاد ... (ص 89).
هناك جملة من الأفكار الأخرى التي تستوجب المناقشة والتدقيق. والمقالة في كل الأحوال مثيرة للجدل وتبادل الرأي.
برلين في 19/11/2004 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل ستكون تجربة محكمة الشعب درساً غنياً لمحاكمات عادلة للمتهم ...
- !كان القتلُ ديدنهم, ولن يكفوا عنه ما داموا يدنسون أرض العراق ...
- !!ليس العيب في ما نختلف عليه ... بل العيب أن نتقاتل في ما نخ ...
- ! ...أرفعوا عن أيديكم الفلوجة الرهينة أيها الأوباش
- لا تمرغوا أسم السيد السيستاني بالتراب أيها الطائفيون؟
- !بوش الابن والأوضاع السياسية في الشرق الأوسط
- هل من مخاطر محدقة بانتقال الإرهاب في العراق إلى دول منطقة ال ...
- ما هي الأسباب وراء لاختراقات الراهنة من قبل فلول النظام المخ ...
- إلى أنظار المجلس الوطني ومجلس الوزراء المؤقتين كيف يمكن فهم ...
- هل بعض قوى اليسار العربي واعية لما يجري في العراق؟ وهل يراد ...
- هل التربية الإسلامية للدول الإسلامية تكمن وراء العمليات الإر ...
- ما الهدف الرئيسي وراء الدعوة إلى محاكمة الطاغية صدام حسين ور ...
- الولايات المتحدة, العالم والعراق
- هل لوزارة الثقافة معايير في النظر إلى الثقافة والمثقفين؟
- إعلان عبر الإنترنيت إلى دور الطباعة والنشر العربية
- هل أمسك الدكتور ميثم الجنابي في تعقيبه بجوهر ملاحظاتي أم تفا ...
- مرة أخرى مع أفكار الزميل الدكتور خير الدين حسيب التي عرضها ف ...
- مرة أخرى مع أفكار الزميل الدكتور خير الدين حسيب التي عرضها ف ...
- فكر وسياسات الدولة السعودية والحوار المتمدن! غربال السعودية ...
- مرة أخرى مع أفكار الزميل الدكتور خير الدين حسيب التي عرضها ف ...


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - بعض الملاحظات حول مقال مكونات الطبقة الوسطى في العراق للكاتب والناقد السيد ياسين النصير