أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد زكريا توفيق - الدستور أولا إذا أردنا بناء دولة مدنية















المزيد.....

الدستور أولا إذا أردنا بناء دولة مدنية


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 3404 - 2011 / 6 / 22 - 09:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ظللت أتابع ثورة 25 يناير على شاشات التليفزيون المصرية والعربية والعالمية مدة ال18 يوم المجيدة، هنا في مدينة ينويورك.

لم تذق عيني النوم أكثر من ساعة أو ساعتين كل يوم. في يوم 11 فبراير عندما تنازل مبارك عن الحكم مجبرا، اغرورقت عيناي بالدموع، ووجدت إبنتي الصغيرة تندفع نحوي لكي تقبلني وهي تقول مبروك يا بابا.

أمجد ثورة في التاريخ. هي ثورة شعبية قامت بدون قيادة وبدون رأس، ربما هذا هو سر نجاحها. فقد دأب أعوان الشيطان على قطع الرؤس الوطنية التي تصلح لقيادة الثورات.

هي أيضا لم يسبقها مفكرين قاموا بالتمهيد لها. ولم تقم أصلا لنشر أيديولوجية معينة. قامت فقط للتعبير عن الغضب الذي لا يطلب سوى التغيير إلى الأفضل.

بدأها شباب كنا نعتقد أنه لا يأتي منهم رجاء، ولا نتوقع منهم شيئا ذي قيمة. رواد "الكفي شوب" والمقاهي والنوادي و"الفيس بوك" والتويتر والإنترنيت وكرة القدم.

ثورة اللوتس، انضمت لها كل فئات الشعب المصري، من نساء ورجال وأطفال وكهول، ومسلمين ومسيحيين وفقراء معدمين وحملة بطاقات تموين، وسكان العشوائيات والقبور والقري والنجوع والمدن، وسكان التجمع الخامس ومارينا ومراقيا.

لقد رأيت وسمعت في الأخبار طفلة تقود المظاهرات قائلة، "يالله يا رجالة". وإلى رجل أمي يحمل لوحة بيضاء يطلب من المارة أن يكتبوا له شعارا يريد أن يرفعه لأنه لا يعرف القراءة والكتابة. ورجل يحمل طفله على كتفيه والطفل يرفع يده بعلامة النصر.

عائلة بكامل أفرادها تذهب إلى ميدان التحرير. وقس مسيحي يصب الماء لرجل يتوضأ. وجماعة مسيحية تقيم القداس في حراسة مسلمين.

ناس من الصعيد تجلس على الأرض لتأكل مع ناس من وجه بحري، عيش وفول وطعمية. أطباء متطوعين، وباعة متجولين تبيع البيض والسميط للجائعين.

رجال ونساء بدون حالة تحرش واحدة. مسلمون ومسيحيون بدن هوس ديني. فقراء وأغنياء بدون حقد طبقي. الناس في مهرجان وطني أو في مولد شيخ العرب السيد بطنطا، أو في الليلة الكبيرة للقديس مار جرجس. لا في ثورة فقدوا بسببها 86 قتيل وما يزيد على 8 آلاف جريح.

آخرين يقومون بتوزيع زجاجات المياة والبلح على المارة. وحراس لمداخل الميادين لتفتيش القادمين حتى تكون الثورة سلمية مئة في المئة. وناس تقوم بكنس ورش المكان وتنظيفه وتجميله حتى يعود أجمل مما كان.

ماذا حدث للمصريين؟ لاشك أنها العناية الإلهية، وأرواح الأجداد التي كانت تحوم في الميدان وباقي البلدان.


طبعا يمكنني الإستمرار في هذا السرد بدون توقف لوصف لحظات رائعة من تاريخ هذا الشعب العظيم. كل فرد اشترك في هذه الثورة له قصة خالده يجب أن تسجل لتكون عبرة للأجيال القادمة.

قبل الثورة بعدة شهور، كنت أجلس في قهوة بحي المعادي بالقاهرة. تطرق الحديث، بيني وبين إثنين من الأصدقاء، عن حالة البلد التي تصعب على الكافر، كما يقول المثل الشعبي.

لقد أجمعنا على أن الشعب المصري تم إفساده بكل الوسائل من تعليم سئ وأجهزة إعلام غير أمينة، وأفلام هابطة وفنون رخيصة، ودعاة جدد، ورشاوي وتجويع وتهميش. حتى فقد القدرة على الحياة وعلى التفكير والثورة.

أذكر أنني قلت لأصدقائي، حقيقة تم إفساد الشعب المصري حتى يستمر الحكم الإستبدادي، لكن توجد تحت السطح، جينات مصرية عظيمة. تحمل الصفات الوراثية منذ أيام الفراعنة.

هذه الجينات هي التي جعلت أحمس يقوم بالثورة على الهكسوس وظل يطاردهم حتى أبادهم من ذاكرة التاريخ. وهي نفس الجينات التي حمت الإسلام والحضارة الإنسانية من هجمة المغول، وحمت مصر من غزوة الصليبيين، بقيادة أبطال مثل قطز والظاهر بيبرس وقلوون. صحيح القادة كانوا من أصل أجنبي، لكن غالبية الجيش كانوا أبناء الفلاحين.

هذه الجينات هي التي ثارت على الحكم التركي والمماليك، وأجبرت الباب العالي كي يعترف بمحمد على باشا حاكما لمصر. وهي أيضا التي جعلت الشعب المصري يقوم بثورة 19 ضد بريطانيا العظمى ويجبرها على الإعتراف بمصر كدولة مستقلة لها سيادة.

وهي الجينات التي أبدعت في ملحمة العبور عام 73، وقضت على أسطورة التفوق الإسرائيلي، بأسلحة أقل كفاءة، وهزمت عدو مدعوم من كل قوى البغي والظلم.

وهي التي بنت المعابد العظيمة والأهرامات الخالدة والحضارات العظيمة، وحفرت قناة السوس، وبنت السد العالي، وغيرها من الإبداعات الرائعة.

الشعب المصري شعب رائع. صبور حقا أكثر من اللازم، لكن يتسم بالإباء والشمم. نجدها هذه الصفات واضحة جلية بين البسطاء وأبناء الريف. مشكلة مبارك أنه لم يفهم طبيعة هذا الشعب الذي ظل يحكمه 30 سنة.

عندما كنت طالبا في الجامعة، ركبت الأوتوبيس عائدا لبلدي في أحد أيام رمضان. تعطل الأوتوبيس قبل البلدة بعدة كيلومترات. قررت السير بدلا من الإنتظار.

في منتصف المسافة، وجدت فلاحا معدما حافي القدمين يسير بجوار حماره. سرت بجواره وأخذنا نتبادل أطراف الحديث.

في منتصف المسافة، جاء وقت آذان المغرب حيث وجب الإفطار. أخرج الرجل من خرج الحمار رغيف خبذ واحد هو كل ما يملك. قسمه نصفين وأعطاني نصفه.

عندما تمنعت بحجة أننا على وشك الوصول، أقسم بأغلظ الأيمان أن لابد أن أشاركه الطعام. إننا في رمضان وحرام أن أظل صائما بعد المغرب.

جينات هذا الشعب سليمة وعظيمة لم تتغير منذ الفراعنة. الذي تغير هو الصفات المكتسبة التي يمكن إصلاحها في جيل واحد أو سنوات أقل.

لذلك تأتي أهمية ثورة 25 يناير، ثور اللوتس. نحن الآن أمام مفترق طرق. طريق السلامة، وطريق الندامة. طريق يأخذنا إلى عنان السماء ويجعلنا نعيد أمجاد أجدادنا الذين بهروا العالم بما قدموه للبشرية من حضارة رائعة.

وطريق محفوف بالمخاطر والتخلف والريبة وعدم الثقة. طريق التكفير والشك ومحاربة الفكر والرأي. طريق كبت المرأة وطمس معالمها، وتقسيم الشعب إلى طوائف، وتمييز طائفة عن الباقي.

طريق التفتيش في عقول وقلوب الناس. طريق محاكم التفتيش وفتاوي التكفير والحكم على المصريين بعقائدهم، لا بعقولهم ومساهماتهم في رفعة وطنهم.

طريق الشد والجذب، وتمزيق نسيج الشعب الواحد. طريق الحروب الأهلية التي غالبا ما تنتهي بتقسيم الوطن إلى دويلات.

الدولة المدنية هي دولة حتمية في هذا الوقت بالذات. أنظروا إلى ما يدور في العالم من حولنا. وقولوا لي بالله عليكم، هل يمكن الآن أن نقيم دولة دينية في مصر مثل السعودية أو أفغانستان؟

الدولة المدنية تحمي الفرد في الداخل والخارج، وتحمي حقوقه وتحمي بيته وأسرته وحريتة وعقيدته وممتلكاته.

الدولة المدنية تطلق كل طاقات الشعب المصري في إتجاه التقدم والرفعة. وتجنبه الصراع الذي يبدد طاقة الوطن فيما لا طائل من ورائه.

بدون الدولة المدنية، لن نعيش في سلام. سيظل المجتمع بين مد وجذب. وبين تصارع أيديولوجيات دينية، يعتقد كل مؤمن بها أنها الصواب، وغيرها الضلال والخراب.

من هنا تأتي أهمية الدستور أولا. حتى نستطيع أن نؤسس الدولة المدنية التي نستحقها. الدولة التي توظف كل أفراد الشعب المصري بكل طوائفه وعقائده ورجاله ونسائه ومسلميه ومسيحييه وما يدينون بديانات أخري، ومن لا يدينون بأي دين.

توظف كل هؤلاء في شئ واحد وفي إتجاه واحد. هو رفعة هذا الوطن وتقدمه ورقيه، حتى يصل إلى عنان السماء كما كان في الماضي.

هل الدولة المدنية تمنع الناس من الذهاب للمساجد أو الكنائس؟ أبدا. وهل تأخذ شيئا من الإخوان المسلمين أو تنقص من قدرهم؟ أبدا. هل تأخذ شيئا من السلفيين وتضعهم خلف القضبان؟ أبدا.

هل ستضطهد اليهود وتطردهم خارج مصر حتى يتجندون هم وأبناؤهم في جيش إسرائيل لكي يحاربوننا؟ أبدا. هل تمنع البهائيين والشيعة من آداء طقوسهم وفرائضهم؟ أبدا. هل تجبر المفكرين المصريين على الهرب بأفكارهم وخبراتهم إلى خارج البلاد؟ أبدا.

إذن لماذا لا نريد الدولة المدنية؟ ولماذا نتمسك بالدستور القديم لسنة 71 محاولين تجميله بالترقيع والتبديل؟ ولماذا لا نستمع إلى أصوات العقل وخبراء الدستور والمفكرين؟

نتيجة الإستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية ليست ملزمة، وبها مشاكل دستورية. تم شرحها بالتفصيل بخبراء الدستور، الدكتور إبراهيم درويش والمستشارة تهاني الجبالي.

التمسك بنتيجة الإستفتاء كحجة لعدم كتابة دستور جديد أولا، لا يهدف إلا لمحاربة قيام الدولة المدنية. لذلك يتمسك بها فقط من لهم أجندة الدولة الإسلامية.

هل هي مصادفة أن يتفق الإخوان مع السلفيين على رفض قيام دستور جديد موضوع بكل أطياف الشعب وخبرائه ونقاباته وجامعاته وعلمائه وشعرائه ومفكريه وكل من لهم القدرة على الخيال والتصور لمستقبل مشرق؟

وهل هي مصادفة تمسك الإخوان والسلفيين بدستور سوف يوضع بلجنة تحت إشراف مجلس الشعب والشورة، المشكلين بنسبة ال50% عمال وفلاحين، والمنتخب غالبيتهم من فلول الحزب الوطني المنحل والإخوان والسلفيين؟ وهل مثل هذا الدستور يحقق آمال الشعب المصري في النهضة المطلوبة لمئات السنين القادمة؟

[email protected]



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص وحكايات من زمن جميل فات (15)
- كيف نكون حكومة جديدة عصرية؟
- كيف نشكل لجنة وضع الدستور المصري الجديد
- قصص وحكايات من زمن جميل فات (14)
- مآثر المسلمين واسهاماتهم في علم الفلك
- ماذا تعرف عن اللاشئ؟
- نحو دستور جديد خالي من المادة الثانية
- بعد ثورة اللوتس، هل هناك أمل في التحرر من السلطة الدينية؟
- ثورة اللوتس المصرية
- الفلسفة النفعية
- شوبنهور فيلسوف التشاؤم
- مشكلة الأقباط وحادث الإسكندرية
- نيتشة والرجل السوبرمان
- كارل ماركس
- حتى لا نكون رعايا وعبيد لحاكم مستبد
- قصص وحكايات من عالم الأحياء 04 - عالم النحل
- جرب فكري ودعارة خلقية
- عدم اليقين في العلوم الحديثة
- جان بول سارتر والفلسفة الوجودية
- سيجموند فرويد والتحليل النفسي 1


المزيد.....




- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد زكريا توفيق - الدستور أولا إذا أردنا بناء دولة مدنية