أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - بهاءالدين نوري - سيناريوهات مختلفة لحل النزاع العربي – الإسرائيلي (عرض وتحليل) -2















المزيد.....


سيناريوهات مختلفة لحل النزاع العربي – الإسرائيلي (عرض وتحليل) -2


بهاءالدين نوري

الحوار المتمدن-العدد: 3396 - 2011 / 6 / 14 - 17:36
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


حــرب تـشــريـن 1973

كان عبدالناصر وطنيا نظيفا، ولكنه حمل عقلية عسكرية بيروقراطية، مما حمله على أن يجد في بعض زملائه الضباط، الذين تعرف عليهم في الجيش المصري قبل إنقلاب 1952، خير من يعتمد عليهم ويسند إليهم المسؤوليات الخطيرة، أمثال عبدالحكيم عامر وأنور السادات وحسني مبارك. وعندما توفى حل محله تلقائيا نائبه أنور السادات، الضابط المشبع بخليط مشوش من الأفكار الدينية – العلمانية، الرجل الذي لم يملك المؤهلات لزعامة تلك الدولة. ولكنه كان يريد الأتيان بمأثرة يثبت بها تفوقه على سلفه عبدالناصر وجدارته بزعامة العالم العربي كله، فهيأ سرا لحرب تشرين وباغت بها بالتعاون مع سوريا القوات الإسرائيلية، التي أقامت على ضفة القناة الشرقية خطا دفاعيا حصينا منذ 1967 معروفا بخط بارليف، ودحر الجيش الإسرائيلي محطما بذلك أسطورة ان للدولة العبرية جيشا لا يمكن دحره، وتقهقر العدو إلى الوراء في صحراء سيناء أكثر من عشرين كم. كانت هذه مأثرة للسادات وللجيش المصري وثأرا للضربة الإسرائيلية في 1967. غير أن نشوة الانتصار لم تدم طويلا إذ تمكنت القوات الإسرائيلية من عبور القناة في مكان آخر، عبر البحيرات إلمرة وأصبح الجيش المصري الثالث عرضة لخطر التطويق. فتحول السادات من فكرة تحرير السيناء إلى فكرة أشد إلحاحا، فكرة إنقاذ قواته من التطويق والتحطيم. كان عليه أن يركز كامل جهوده لعقد هدنة فورية. ولم يكن على أمل في أن تدعمه الدول الغربية في تحقيق الهدنة، ولم يجد بدا من التوجه إلى الحكومة السوفيتية، التي أستجابت وبذلت المساعي لتحقيق الهدنة، ثم لما سمي (فصل القوات)، أي بعض الإنسحابات المتبادلة وإعادة توزيع القوى العسكرية بين الطرفين. وان دلت هزيمة السادات العسكرية على شيء فأنها تدل على أنه هو وكبار قادته العسكريين في الجيش المصري أساءوا التقدير في توازن القوى العسكرية بين الطرفين.
على الرغم من أن الدعاية الرسمية لمصر والعرب ركزت على الانتصار في تحطيم خط بارليف وعلى الرغم من أن اختراق هذا الخط كان صدمة نفسية وعسكرية كبيرة لإسرائيل ودليلا ماديا على أن بالإمكان تغيير توازن القوى فعلا بين العرب وإسرائيل، فان النتيجة العملية من حرب تشرين لم تأت كما أراد السادات. فغير الأخير موقفه وقرر المراهنة على نهج مغاير: أن يحقق عبر التفاوض والتنازلات ما لم يستطع تحقيقه عبر القتال. ولا أستطيع أعتبار هذا التوجه خاطئا من حيث الجوهر. لكن ما قبح هذا الموقف هو أن السادات تصرف بحماقة مضحكة لأنه، بدلا من التفاهم والتنسيق مع الفلسطينيين والدول العربية حول الموضوع، ركب طائرة في القاهرة لينزل في تل أبيب وليخطب في الكنيست الإسرائيلي ويعرض لونا من الاستسلام، ثم ليعقد منفردا اتفاقية كمبديفد، متجاهلا أن حواليه دولا عربية أخرى وفلسطينيين تربطهم مع مصر ألف رابط، وهم كانوا شركاء في الحروب والمصائب. لقد أثارت تصرفات السادات هذه إشمئزاز العرب شعوبا وحكومات، بما في ذلك نسبة كبيرة من المصريين الذين تجاهلهم رئيسهم الأحمق. وكانت النتيجة ليس إبرام المصالحة الإسرائيلية – العربية، بل عزل أنور السادات على الصعيدين الرسمي والشعبي والنظر إليه كخائن لفلسطين وللأمة العربية وكعميل للأستعمار الأمريكي. وقد لقى حتفه قتلا على يدي ضابط إسلامي في الجيش المصري أثناء استعراض عسكري في القاهرة. وبقيت مشكلة فلسطين المحتلة، ومشكلة الجولان السورية دون أي حل بعد مقتل السادات وحتى يومنا هذا.
وحل حسني مبارك محل السادات، بعد أن خفت الضجة التي أثارتها معاهدة كمبديفد في حينه، وتصرف كخير خلف لسلفه لمدة أكثر من ثلاثين عاما إلى ان أسقطته مؤخرا ثورة الشباب المصرية وانتهى إلى وضع لا يحسد عليه!
جرب الطرفان المتنازعان طريق العنف والحروب، التي سببت مئات الألوف من الضحايا، إضافة إلى الدمار الواسع والويلات الكثيرة للطرفين، وخصوصا للفلسطينيين والعرب. فقامت حروب 1948 و 1956 و 1967 و 1973، إضافة إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان بهدف تصفية الفصائل الفلسطينية المسلحة هناك، وإضافة إلى حرب نتنياهو – باراك – ليبرمان ضد جنوب لبنان وكل لبنان وقطاع غزة وإلى القصف الجوي – البري المتواصل ضد هذا القطاع بعد أن إنسحب الجيش الإسرائيلي منه في عهد وزارة شارون، وإلى الاعتقالات والملاحقات الإسرائيلية المتواصلة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتفجيرات الفلسطينيين حيثما أمكن لهم ضد اليهود وإطلاق الصواريخ العشوائية على هذه البلدة الإسرائيلية أو تلك . . . الخ. كل هذه لم ولن تؤدي إلى حل للنزاع ولا إلى تمكن أي طرف من إزالة الطرف الآخر من الوجود.
وقد اقتنع الكثيرون من الفلسطينيين والعرب ومن الإسرائيليين واليهود ومن رجال الفكر والسياسة في شتى أنحاء العالم بهذه الحقيقة. وكان بين المقتنعين هؤلاء أبرز رجالات الحركة التحررية الفلسطينية أمثال ياسر عرفات ومحمود عباس ورجال في سائر الفصائل الفلسطينية وكثرة من الساسة والمثقفين اليهود في حزب العمل الإسرائيلي وغيره، كما كان بينهم ساسة بارزون في شتى البلدان الأوروبية ومسؤولون كبار في واشنطن . . . وكانت هذه القناعات وراء المفاوضات التي جرت بين ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية من جهة وممثلي الحكومة الإسرائيلية في العاصمة النرويجية خلال سنتي 1991 – 1992 من جهة أخرى. وقد أثمرت هذه المفاوضات عن الاتفاقية المسماة (معاهدة أوسلو)، التي وقعها الجانبان بحضور الرئيس الأمريكي بل كلنتون في واشنطن يوم 13 أيلول 1993. وحسب هذا الاتفاق تقرر تشكيل سلطة فلسطينية ذات حكم ذاتي مقرون بقيام مجلس تشريعي، تعمل خلال المرحلة الانتقالية وتجري أبانها مباحثات مشتركة حول القضايا العالقة كقضية قدس الشرقية وقضية اللاجئين الفلسطينيين وحدود الدولة الفلسطينية وغيرها من الأمور. ومن الانصاف ان يذكر ان كلنتون بذل أقصى ما استطاع من الجهود لتحقيق هذه المصالحة قبل نهاية فترته الرئاسية. لكن اللوبي اليهودي في أمريكا وقف خلف اليمين العنصري الإسرائيلي لإجهاض المشروع، ساعدهم في ذلك المتطرفون الفلسطينيون من الإسلاميين ومن أمثال أحمد جبريل.

مـا هـي الـعـراقـيـل الـيـوم فـي طـريـق حـل الـنـزاع؟

تلكم هي الأحداث، التي عاصرتها بنفسي منذ إتخاذ قرار التقسيم عام 1947. وقد أعتمدت فقط على ذاكرتي ولم أراجع المصادر الوثائقية. فأرجو المعذرة عما إذا خانتني الذاكرة في سرد الأحداث، وعبرت عن رأيي الشخصي في التحليلات التي تضمنها المقال. وعرضت ما سبق لعله يفيد في البحث عن حلول. وأتطرق هنا يإيجاز إلى العراقيل بنفس الهدف:
- التطرف المشحون بالتعصب القومي، عربيا كان أم يهوديا، كان ولا يزال يشكل إحدى العراقيل الرئيسية في طريق التوصل إلى حل وسطي مقبول. ويتغذى هذا التطرف بين جماعتين مختلفتين من ناحية الشكل والخطاب السياسي ومتماثلتين من حيث الجوهر، أولاهما الوسط الديني المتطرف والثانية هي الوسط القومي المتطرف، فالمتدينون اليهود المتمسكون بنصوص واردة في كتاب التورات لا يزالون يفكرون إزاء الفلسطينيين والعرب كما كان أسلافهم قبل ثلاثة آلاف سنة عندما أفتوا بذبح الفلسطينيين كلهم، حتى أطفالهم، لمحو ذريتهم من الوجود. والحياة الصعبة المليئة بالأضطهاد الدائم للأقليات اليهودية عبر آلاف السنين جعلت من التطرف جزءا من ثقافتهم وتكوينهم النفسي ونمت بينهم روحية الثأر. والدروس التي استنتجوها من الأضطهاد الهتلري – العنصري، الذي مارسه هتلر ضدهم في أوروبا قبل وأثناء الحرب الكونية الثانية، لم تكن سوى أن يمارسوا إزاء الخصم الفلسطيني – العربي نفس الأساليب الهمجية التي مارسها هتلر ضدهم. والقوميون اليهود المتطرفون، خصوصا بن اليهود المنحدرين من الجاليات اليهودية في البلدان المتخلفة، متطرفون كالتوراتيين. ويقال الشيء نفسه عن المتطرفين الفلسطينيين والعرب عامة، خصوصا من الجماعات الإسلامية المتطرفة (كجماعة بن لادن والسلفيين . . .) الذين يسمون اليهود بـ (شذاذ الآفاق). وقد كتب خيرالله طلفاح أيام الحرب العراقية – الإيرانية – وكان من ذوي الميول السلفية – كراسة صغيرة، طبعها ووزعها في بغداد، قال فيها نصا: {ان الله أخطأ في خلق ثلاثة أشياء، الفرس واليهود والذباب}، وكان يجسد في هذه الجملة العقلية العنصرية بين البعثيين والإسلاميين المتطرفين.
وتزداد المشكلة خطورة حينما يجلس حملة هذه الآراء المتعصبة من أمثال ليبرمان ونتنياهو في إسرائيل وأشباههم من الإسلاميين والقوميين العرب على كراس الحكم ويصبحون من أصحاب القرار، فيغدو همهم على الدوام البحث عما يفسدون به أي مسعى هادف إلى المصالحة وإحلال السلام.
ومن الانصاف ان يحسب بين المتطرفين الخطرين العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي، الذين صفقوا إلى حد المبالغة لهذيان رئيس الحكومة الإسرائيلية الشوفيني المتطرف نتنياهو حين خطب أمامهم رافضا رأي الرئيس الإمريكي أوباما وجميع الساسة المعتدلين في العالم كله، بينهم اليهود أنفسهم الذين لم يعمهم التعصب القومي، والذين يدركون ما لا يدركه نتنياهو، يدركون ان من مصلحة إسرائيل قبل غيرها أن يتحقق حل وسط بإقامة دولة فلسطينية تتعائيش إلى جانب الدولة العبرية.
- العرقلة الثانية في طريق الحل هي أن للبعض مصلحة في بقاء المشكلة دون حل، لتستغل القضية لأغراض معينة غير مشروعة من قبل بعض الدول أو بعض الأحزاب والجماعات السياسية. لقد كانت الدول العربية نفسها، أو البعض منها ذات مصلحة في الحيلولة دون إيجاد حل لهذا النزاع، كانت تريد بقاء المشكلة غير محلولة لكي تتمكن من المتاجرة بها واستغلالها في الدعاية لصرف الأنظار عن أوضاعها الداخلية وسياستها ضد شعوبها. وتمارس السلطة الإسلامية في إيران وتوابعها من الأحزاب والجماعات الإسلامية في لبنان وغير لبنان اليوم نفس الدور إذ تشجع بكل السبل التطرف الفلسطيني والعربي من خلال الأحزاب والحركات الإسلامية بهدف إعاقة التوصل إلى أي حل. ورغم أنني لا أملك معلومات ملموسة إلا أنني على ثقة من أن بين اليهود أيضا مؤسسات وعناصر تسعى إلى بقاء المشكلة دون حل لكي يتسنى لها المتاجرة بها في شؤونها المصلحية الخاصة. وقد كان وسيبقى التطرف هو الوسيلة المثلى بأيدي الراغبين في وضع العراقيل أمام حل النزاع.

الـمـوقـف الأوروبــي والأمـريـكــي مـن الـمـشــكـلــة

ان بريطانيا هي الدولة الرئيسية، وكانت الدولة الغربية الأقوى أبان حقبة تأريخية، في أوروبا، التي تبنت طوال عشرات السنين رعاية الحركة القومية اليهودية – الصهيونية – وقدمت لها وعد بلفور 1917 من القرن الماضي. ووقفت الدول الأوروبية الغربية كلها تقريبا، ولو بدرجات متفاوتة، إلى جانب الدعم المادي والمعنوي للحركة الصهيونية المتطرفة ولتنفيذ وعد بلفور بذريعة أن اليهود تعرضوا في أوروبا، أبان العهد الهتلري (1933 – 1945) للإبادة. ولم ترحم بريطانيا نفسها، التي استعمرت فلسطين لحقبة، ولا أي دولة أوروبية أخرى الفلسطينيين هناك. علما أنه كان بالإمكان، بل من السهل، على بريطانيا في تلك الفترة إتخاذ موقف حيادي من الطرفين وفرض إقامة دولتين لهم دونما لجوء إلى الأمم المتحدة. فالدول الأوروبية، بالأخص دولة بريطانيا، مسؤولة تأريخيا عن كل التعقيدات التي لازمت قضية النزاع العربي – اليهودي، مسؤولة عن قسط كبير من المآسي المريرة التي عانى منها الشعب الفلسطيني.
على أن بعض التغيير قد طرأ على خارطة النزاع العربي – اليهودي بعد الحرب العالمية الثانية، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأقوى في العالم الرأسمالي الغربي، وبعد أن حلت محل بريطانيا في رعاية ودعم الحركة الصهيونية. وإذا كان أحد الأسباب وراء ذلك هو التنامي المطرد للدور الأمريكي سياسيا واقتصاديا وعسكريا على صعيد العالم، فان سببا آخر، حسب تصوري، يعود إلى تنامي النفوذ الاقتصادي والسياسي للجماعات اليهودية الثرية في أمريكا. يضاف إلى ذلك ان و م أ (الولايات المتحدة الأمريكية) كانت في حاجة إلى ركيزة تستند عليها في الشرق الأوسط المليئ بالنفط والثروات الطبيعية سعيا لتأمين مصالحها الخاصة، وهكذا انتقل دور بريطانيا القديم في رعاية ودعم الحركة الصهيونية إلى و م أ في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى اليوم. وأقترب ذلك بالتنامي المطرد لنفوذ اللوبي اليهودي وتأثيره على السياسة الشرق أوسطية الأمريكية إلى درجة الإنحياز الأمريكي المخزي لجانب إسرائيل ضد العرب وحتى ضد الأمم المتحدة والرأي العام الدولي. فالإدارة الأمريكية استخدمت حق الفيتو في مجلس الأمن لصالح إسرائيل ضد العرب أضعاف ما استخدمت هذا الحق في الشؤون الأخرى. والأنكى من ذلك انها انفردت في استخدام حق الفيتو ودافعت عن سياسات إسرائيل اللاعادلة إلى درجة لم يصوت معها حتى أقرب حلفائها مثل بريطانيا وغيرها. ولم يرق الكونغرس الأمريكي حتى إلى مستوى الكنيست الإسرائيلي. فلو ألقى نتنياهو خطابه الأخير في برلمان بلده لرد عليه عدد كبير من النواب اليهود، المعتدلين سياسيا، ردا فوريا معترضين رافضين، فيما استقبل هذا الخطاب الشوفيني بالتصفيق لدى أعضاء الكونغرس 24 مرة!! ولم ينبر أحد ليقول في وجه هذا اليميني المتشدد:
- كلا لست مصيبا يا بنيامين ولا تمثل المصلحة الحقيقية لشعب إسرائيل ولا لأمريكا. مصلحتنا في تنفيذ ما قاله باراك أوباما من الأعتراف بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس، مصلحتنا في التباحث بشأن عودة اللاجئين والحدود بين الدولتين . . . الخ.
ان تصفيقات الكونغرس الأمريكي لنتنياهو يذكر ببيت شعر للرصافي حيث قال ساخرا من رجال الحكم في العراق في العشرينيات:
المستشار هو الذي شرب الطلا فعلام يا هذا الوزير تعربد؟
وعلى م كل هذه التصفيقات الحارة من برلمان أقوى دولة في العالم لحاكم عنصري أحمق في دولة صغيرة لا تستطيع البقاء بدون الدعم السخي المتواصل من و م أ؟ أنني لم أطلب من الكونغرس الأمريكي الإنحياز إلى العرب ضد إسرائيل، بل أريد موقفا موضوعيا غير منحاز إلى أي طرف، وأنا واثق من أن الزمن سيلقنهم درسا عندما يتغير الوضع في البلدان العربية – وهو في طريقه إلى التغير المنشود نحو الديمقراطية.
وفيما يخص الإدارة الأمريكية فان الرئيس كان ولا يزال منحازا إلى إسرائيل، مغازلا حكامها بشكل بعيد عن الحق والإنصاف، ولكن موقف الرئيس مغاير تماما ومن نواح هامة لموقف الهيأة التشريعية في بلاده. فقد بذل الرئيس كلنتون أثناء سني رئاسته قصارى جهده في سبيل تحقيق السلام، ولم يفلح لأن الكونغرس لم يسنده. وحاول جورج بوش نفس الشيء ويحاول الرئيس الحالي باراك أوباما، وهو أول رئيس أمريكي يتجرأ ليقول علنا بأنه مع تشكيل حكومة فلسطينية في حدود 1967 ومع الحل وفق اتفاق أوسلو، وأن هناك خلافات بينه وبين نتنياهو.
وفيما يخص الأوروبيين فان تغييرا كبيرا طرأ على سياساتهم ومواقفهم إزاء النزاع العربي – اليهودي. صحيح أنهم، أو بعضهم على الأقل، لا يزالون أقرب إلى الإنحياز صوب حكام تل أبيب، ولكنهم ينصفون الفلسطينيين أيضا وأحيانا يجاهرون بمواقف معاكسة لما تريده الدولة العبرية. ومن المؤكد أن ذلك ليس نهاية المطاف وأن مزيدا من التغيرات سيطرأ على آرائهم ومواقفهم.
وبالنسبة إلى مواقف روسيا والصين واليابان والدول النامية عامة فانها كانت ولا تزال على موقف شبه حيادي أقرب إلى الموضوعية، وهو الموقف الذي ستستقر عليه الدول الأوروبية أيضا في مستقبل غير بعيد.

ســيـاســة الـدول الـعـربـيـة تـجـاه قـضـيـة فـلـســطـيـن:

أكرر ما سبق أن قلته ان سياسة الدول العربية تتحمل قسطا كبيرا عن مأساة الشعب الفلسطيني حيث كان الصحيح القبول بقرار التقسيم في 1947 بدلا من خيار الحرب الخاسرة في 1948 وفي 1967 و 1973. وفي مجرى السنوات الستين التي مرت عقب الحرب الأولى في 1948 حدثت تغيرات كثيرة على الخارطة السياسية للعالم العربي إذ حصلت أقطار عربية عديدة مستعمرة سابقا على الاستقلال وإقامة أنظمة الحكم، فأرتفع عدد الدول العربية المستقلة رسميا من ستة أو سبعة دول في 1948 إلى عشرين دولة أو أكثر منتسبة إلى الجامعة العربية وإلى الأمم المتحدة حاليا. وبين هذه الدول عدد غير قليل من الدول النفطية الثرية في منطقة الخليج وفي أفريفيا العربية. وأرتفع سكان العالم العربي خلال الستين عاما المنصرمة أرتفاعا كبيرا متواصلا بوتائر متسارعة بحيث يزيد عن عدد اليهود القاطنين في إسرائيل اليوم بستين مرة أو أكثر. والفارق في المساحة أكبر من ذلك. وإذا كانت الدول العربية طوال القرن الماضي وحتى الآن فاقدة لإستقلاليتها وإرادتها وخاضعة بهذا الشكل أو ذاك لمشيئة الدول الكبرى وقائمة على أسس عائلية وبيروقراطية بعيدا عن الديمقراطية وعن صناديق الأقتراع الحر، وبالتالي معزولة عن شعوبها ومكروهة . . . فان تلك المرحلة على وشك أن تنتهي فيتغير الوضع جوهريا في هذه البلدان، يتغير طابع الأنظمة الحاكمة وتتغير العلاقة بين الشعوب وبين أنظمة الحكم، وبالتالي يتغير توازن القوى بوجه عام إذ تجد إسرائيل نفسها إزاء وضع جديد مغاير لما كان حتى اليوم. فالثورات العربية السابقة، التي كانت ثورة العشرين العراقية في القرن الماضي بين أوائلها، كانت ثورات وطنية تحررية وكانت تنتهي بقيام أنظمة مستقلة صوريا ومتفاهمة كليا مع ذات الدول الاستعمارية . . . لكن الثورات الشبابية التي بدأت في تونس ومصر منذ أوائل السنة الجارية واتسعت لتعم بلدانا عربية أخرى إنما هي ثورات ديمقراطية لم يسبق لها مثيل في هذه البلدان، وهي تهدف إلى نبذ الدكتاتوريات والأنظمة العائلية الموروثة من النظام العشائري القديم ورفض إحتكار السلطة لعائلة أو فئة صغيرة . . . سيحل عهد جديد ديمقراطي حضاري معتمد على صناديق الأقتراع كوسيلة لتشكيل السلطة وتداولها في هذه البلدان. صحيح ان ذلك يستغرق سنوات ويتحقق بخطوات تدريجية بطيئة، وان هناك من يقف ضد هذه العملية ويحاول إعاقتها ويخلق أمامها صعابا كثيرة . . . الخ. لكنها عملية تأريخية حتمية، في ظروف العولمة الراهنة، تتابع سيرها إلى أمام وما من قوة قادرة على إفشالها. ستجد إسرائيل نفسها لا إزاء دول يرأسها أمثال بنعلي ومبارك وبشار الأسد وعلي عبدالله صالح . . . الخ ممن كان همهم الاحتفاظ بكرسي الحكم وسرقة أموال الشعب، بل إزاء دول ديمقراطية منبثقة من إرادة شعوبها عبر صناديق الأقتراع وقادرة على إتخاذ القرار وفق مصالحها القومية والأقليمية المشروعة. وستفقد إسرائيل آنئذ السمة التي طالما تباهت بها في الأروقة الدولية، سمة الديمقراطية (المطعمة بالعنصرية تجاه الفلسطينيين).
ان الوقت لا يسير في صالح إسرائيل ولا في صالح أصدقائها والمدافعين عنها في واشنطن وفي سائر البلدان. ان قبول الحل المطروح الآن على تل أبيب – إقامة دولة فلطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية والتنفيذ الكامل لبنود اتفاق أوسلو – هو من مصلحة الطرفين، وبالأخص مصلحة إسرائيل.
من أكبر نقاط الضعف في سياسة الدول العربية، سواء بالنسبة للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني أو عن الحقوق والمطالب العربية عامة، انها لم تستخدم سلاح ثرائها الاقتصادي، وبالأخص سلاح النفط الفعال الذي وهبته أياها الطبيعة. أنظروا إلى الإدارة الأمريكية وحتى الكونغرس الأمريكي، فترون ان أمريكا استخدمت وتستخدم عشرات المرات سلاح قطع المساعدات الاقتصادية أو إيقاف التعامل التجاري وما شابه ذلك مع مختلف الدول {مع الصين وإيران وكوريا الشمالية وسوريا والسودان . . . الخ} كوسيلة ضغط لحمل تلك الدول على التخلي عن هذا الموقف أو ذاك. ولو اتفقت كلمة الدول العربية في استخدام سلاح النفط وسلاح العلاقات الاقتصادية – التجارية تجاه أي دولة كبيرة أو شركات كبرى عندها لتمكنت من إرغامها على تغيير مواقفها اللامعقولة. غير أن الملوك والرؤساء العرب لم يهتموا بالقضايا القومية قدر اهتمامهم بحفظ كراسيهم وصيانة مصالحهم الشخصية. وفي علاقاتهم مع زعماء الدول الكبرى حرصوا دوما على إرضاء هؤلاء وتجنبوا ما يزعجهم، ولهذا لم يتجرأوا على استخدام سلاح النفط وما شاكل تجاه الدول الأخرى.

يتبع



#بهاءالدين_نوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيناريوهات مختلفة لحل النزاع العربي – الإسرائيلي (عرض وتحليل ...
- هل يؤدي سقوط الأنظمة الدكتاتورية في الشرق الأوسط إلى تقوية ا ...
- التوءم الثاني في طريقه ‬للحاق بأخيه صدام حسين
- تقييم حيادي للوضع في اقليم كردستان -3
- تقييم حيادي للوضع في اقليم كردستان -2
- تقييم حيادي للوضع في اقليم كردستان -1
- ماذا رأيت في سوريا؟ -2
- ماذا رأيت في سوريا؟ -1
- عاصفة الثورة تجتاح العالم العربي
- مقابلة مع الأستاذ بهاءالدين نوري
- دعوة لمناصرة المناضل (بهاءالدين نوري)
- هل اصبح العراق ساحة حرب اهلية
- تزايد العمل الارهابي في العراق ومسؤولية الحكومة العراقية
- العراق بعد الانتخابات النيابية الاخيرة
- العراق بين مطرقة التخبط الأمريكي و سندانة القوى الظلامية
- ملاحظات ومقترحات حول التصدي للارهاب


المزيد.....




- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - بهاءالدين نوري - سيناريوهات مختلفة لحل النزاع العربي – الإسرائيلي (عرض وتحليل) -2