أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مرزوق الحلبي - المستبطنون أمريكا!















المزيد.....

المستبطنون أمريكا!


مرزوق الحلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3387 - 2011 / 6 / 5 - 20:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


القراءات العربية للموقف الأمريكي من الثورات العربية تمنحنا فرصة ممتدة للتأمل في نسق قابض في الثقافة العربية لا سيما في مستواها السياسي يتجسّد في "استبطان" عرب لأمريكا تمثيلات ودلالات. ويتضح هذا "الاستبطان" في كثير من الكتابات مستحكما في أوساط عربية واسعة مختلفة المشارب والانتماءات. وهو ما يجعل هذه الأوساط تراوح في أماكنها عقودا تتحرك في قاموس محدود المفردات وضمن مدى محدود من التفكير مزوّدا بعدّة متقادمة من الأدوات النظرية منتهية الصلاحية.

نرجح أن هذا الاستبطان هو محصّلة حقبة الحرب الباردة التي اتسمت بحراك عالمي بين قطبين. وتزامنت مع حقبة حركات التحرر و"الثورة العالمية" التي نهلت من المركز السوفييتي وخطابه وأدبياته المتصلة بالماركسية ونقد الرأسمالية ومناهضتها ومعاداة أربابها لا سيما "أمريكا". ويبدو أن هناك مَن بقي هناك حيث الأمور واضحة تماما، والعالم موزّع على محورين، الشرّ الأمريكي المُطلق، والخير فيما عداه! حالة من تبسيط المركّب وتسطيح المجسّم. فنراهم يكررون ما كتبوه منذ خمسة عقود، أو يعيشون سياقا تجاوزته الوقائع والتحولات الكبيرة على مستوى العالم وأبرزها اختفاء المركز السوفييتي وانطلاق العولمة التي أضعفت المراكز التقليدية والدول المهيمنة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.

بمعنى، أن الاستبطان الآنف الذكر أثر من حقبة الصراع الأيديولوجي المحتدم في مستويات مختلفة. وهي حقبة رأى فيها العرب عموما أنفسهم في المعسكر الاشتراكي منه. ولأننا بشأن أيديولوجيا وعصاب أيديولوجي ـ على مدار العالم ـ فلا يظلّ للوقائع والحقائق التاريخية أي فرصة. كما أن المؤدلَجين أنفسهم لن يسمحوا للوقائع أن تخرّب عليهم "الرواية"، وأن ترفع علامات السؤال في وجه الطمأنينة التي توفّرها شمولية الأيديولوجيا وإطلاقيتها. ومن هنا جرّوا "أمريكا" ذاك النقيض الأيديولوجي والشرّ المستطير معهم إلى الآن، لييسّر عليهم صيانة تصوراتهم للعالم وأحكامهم على ما يستجدّ فيه. أبقوا على "أمريكا" فيهم كما كانت، جمّدوها في صيغتها الاستعمارية أو الساعية إلى المزيد من الهيمنة و"تكديس رأس المال. واستكانوا. ومن هنا، كانت الأمور في غاية الوضوح. فإذا علق مفتاح في قفله، ردّوا ذلك إلى "أمريكا". وإذا تأخرت عنزتهم عن الإنجاب لعنوا "أمريكا". وإذا فاجأهم السكريّ بسبب سوء العادات الغذائية فتشوا في كتبهم القديمة أو النصّ المقدّس عن إشارة ما تعود بالسبب إلى "أمريكا"! ومما زاد من استحكام "أمريكا" فيهم قيام المدّ الإسلاموي على النمط ذاته من الأيديولوجيا الشمولية التي تفترض أمريكا "الشيطان الأكبر" والغرب "كفارا". فاتفق الإسلاميون مع الشيوعيين ومَن بينهم على العدوّ الخارجي الباني للعقيدة وتنافسوا في تطوير العداء له كضرورة لبقائها.

ليس هذا فحسب، بل أمكننا أن نجد جذورا لهذا "الاستبطان" في الخطاب العربي والعالمي بعد كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد. فالفتح الفكري الثقافي الذي أحدثه سعيد في كشف "أسرار" الاستشراق وتفكيكه، استتبعه وعي عربي ـ وعالمي ـ تُرجم إلى طرائق جديدة في التفكير اعتمدت نقد الاستشراق وأدبياته، وهي محصّلة جهد غربي سعى إلى فهم الشرق وعقلنته من أجل الاستحواذ عليه. ولأن "أمريكا" كانت البارزة في سباق الهيمنة فقد أسقطت نقود سعيد وسواه عليها وعلى سياساتها. إلى هنا تبدو الأمور محصّلة حاصل و"طبيعية" في ظل مأ أنتجته السياسات الأمريكية إلى الأمس القريب. ومع هذا، فإن ردّة الفعل العربية على تفكيكات سعيد واستنتاجاته تجاوزت حدّ نقد أمريكا وسياساتها، ونقد الهيمنة والقوة، إلى الوقوع في شرك "أمريكا" على شكلين، إما الاستسلام لها والسير في ركبها أو استبطانها على نحو لا فكاك منه، كضحية لها أو نقيض قبالتها. بمعنى، أن هناك من انْساقَ لها لمصالح وشراكات في السياسات، وهناك من انساق لتمثيلاتها وقضى عمره يواجه سلطتها وتمثيلاتها فيهظ فعاش عمره في نوع من الوهم والتوهّم. نقول هذا لما نراه من أن مثل هؤلاء ـ وهم كُثْر ومن مختلف الاتجاهات والأعمار ـ لا يرون العالم إلا من خلال وَقْع هذا الاستبطان المستعصي فيهم. ولا يحكمون على شؤون الحياة، لاسيما السياسية، إلا ابتداء من واشنطن. وهم لا يختلفون في غيبيتهم هذه عن المؤمنين الغيبيين الذين يردّون كل صغيرة وكبيرة في حياتهم وحياة العالم لله. هذه وتلك حالة واحدة يتطوع فيها الفرد في التنازل كليا عن قدراته وعقله وضرورة التفكير المتجاوز، والاحتكام لما هو خارجي، أمريكا أو القدرة الربّانية! ومن هنا فإن إجاباته على تحديات الحياة واحدة وجاهزة تأتي في النسق ذاته ومن خلال قاموس مفردات محدود. وإذ هم ظلّ للآخر أو انعكس له أو صدى لصوته معكوسا!

إن ما أشرنا إليه يُفضي بالفرد من مفكّر فاعل إلى مفكّر متلق وناقل وناسخ ومتكرّر ومألوف. والأخطر، أنه غير قادر على إدراك الظواهر والأحداث والتحولات التي تصعقه وتصدمه وتحشره في الزاوية. لأن طريقة تفكيره القائمة على "الاستبطان" المستعصي للفكرة يستبعد أن يكون لها دلالات أو معاني خارج إدراكه، أو أن تتطور وتتحوّل خارج مجاله. أما إذا نشأت معاني جديدة أو اتضحت تحولات في الفكرة ـ أمريكا أو المقاومة أو الصمود أو الثورة ـ فإن المعنيّ يسارع إلى إلغاء كل حواسه لئلا يضطرّ لفقدان طمأنينته المستمدة من "استبطان متأصّل" لا يرى التحولات ولا يقبل بفرضية جدلية الظواهر والمعاني والأفكار، ويصرّ على جمودها وحالتها الخام. ينبري للدفاع عن "استبطاناته" كأنها الحقيقة المُطلقة (فيريري ومصطفى حجازي). ويصوّر القضية كأنها قضية تمسّك بوجهة نظر أو والدفاع عن رأي. ومن هنا تقصر الطريق إلى الحُكم الناقص والمبتسر على الظواهر والأحداث.
لكن الخطير في هذه "الحالة العربية" في الراهن هو استعداد المستبطنين لأمريكا ألا يروا معاناة السوريين أو التونسيين أو اليمنيين ولا توقهم إلى حريات وكرامات وعيش كريم. فلأن أمريكا مستفيدة من فوضى سورية أو يمنية، ولأنهم يعتقدون أن إسرائيل، أيضا، تحصد الوقت من ذهب جراء الثورات العربية، فلا بأس أن تبقى الأنظمة التي يليق بها كل نعت مُسْتكْره لئلا تفرح أمريكا أو إسرائيل! لكن بقاءها، كما نرى في اليمن وسورية وليبيا، يعني أن يموت المواطنون وأن تتهدّم البلد! وهي محصّلة تتراكم أمام أعيننا كل يوم. لكن للأسف، فإن المستبطنين أمريكا لا يرون غضاضة في ذلك، فإما أنهم يقبلون هذا الموت وهذا التدمير دون أن ترفّ لهم عين، أو أنهم يبحثون عن مبررات لهما في سلوك الشعب الطامح إلى التحرّر! وفي الحالتين، نسمع على ألسنتهم روايات بائسة في أقلّ تقدير أو مُجرمة تماما في أسوأ الحالات. وهو حال المدافعين عن جرائم بحق الإنسانية. ولا يُمكننا أن نعتبر ذلك مجرّد وجهة نظر!



#مرزوق_الحلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غداة خطاب نتنياهو: العودة إلى التاريخ من خلال الأمم المتحدة!
- المنافحون عن نظام بشّار الأسد: ماذا ستقولون لمحمّد الماغوط إ ...
- عن ثورات تفتح أبواب الأمل الموصدة !
- أفكار في نقد الضحية،
- يسار عيّ على الطريقة العربية!
- في ذكرى 11 سبتمبر:الإرهاب الإسلاموي حين يكون بديلا للسياسة!
- نظريات وحقيقة بسيطة!
- هدايا من باريس
- وحده المزيّن!
- بوابات فاس
- عن المسألة الإيرانية: كيفما اتفق وليس أبعد من ذلك
- عن أسر الإسلام والتمثيل به!
- لو أني عرفت!
- سنوات
- عن محاكم التفتيش العربية
- تعب من الذاكرة
- أحاديث في الحالة السورية!
- الإرهاب في مومباي: نهاية دولة العقد الاجتماعي!
- -الصحوة الإسلامية- كطور من أطوار الهوية
- العرب والتأثير على النُخب في إسرائيل!


المزيد.....




- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...
- -أنصار الله- تنفي استئناف المفاوضات مع السعودية وتتهم الولاي ...
- وزير الزراعة الأوكراني يستقيل على خلفية شبهات فساد
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- دراسة حديثة: العاصفة التي ضربت الإمارات وعمان كان سببها -على ...
- -عقيدة المحيط- الجديدة.. ماذا تخشى إسرائيل؟
- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مرزوق الحلبي - المستبطنون أمريكا!