أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاضل عباس البدراوي - ذكريات سياسية-عشت احداثا وكنت شاهدا عليها-الحلقة الرابعة















المزيد.....



ذكريات سياسية-عشت احداثا وكنت شاهدا عليها-الحلقة الرابعة


فاضل عباس البدراوي

الحوار المتمدن-العدد: 3346 - 2011 / 4 / 25 - 23:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


القسم الثالث
مرحلة جديدة ومهمة في حياتي الحزبية
في آب من عام 1956 جلب لي مسؤولي الحزبي صبحي جواد استمارة ترشيح لعضوية الحزب، واخبرني انه بالرغم من ان عمري ستة عشر عاما (كان في ذلك الوقت لا تمنح العضوية لمن يقل عمره عن 18 عاما) قرر الحزب قبولي كمرشح للعضوية، نظرا لنشاطي، والتزامي بتنفيذ كلما تناط بي من واجبات وعملي في صفوف الحزب كمؤيد منظم لمدة ثلاثة اعوام. فعلا ملأت استمارة الترشيح وانا فرح جدا. تتالت احداث كثيرة وهامة في حياة الحزب، حيث انعقد اجتماع موسع (كونفرنس) للحزب حضره كما علمنا عدد من الكوادر المتقدمة، اضافة الى الرفاق الذين انضموا الى الحزب بعد توحيد صفوفه، اتذكر ان الاجتماع عقد قي شهر تشرين الاول من ذلك العام، اصدر الاجتماع الموسع بيانا حول الوضع السياسي في العراق، وكانت صيغة البيان تنم عن تطور في رؤى الحزب ونضوج فكري في تشخيص المرحلة السياسية التي تمر بها البلاد، كذلك تم انتخاب قيادة جديدة للحزب على رأسها الرفيق الشهيد سلام عادل وعدد من الرفاق الذين كانوا خارج صفوف الحزب امثال الرفيق الشهيد جمال الحيدري وعبد الرحيم شريف وغيرهم، كما التحق في صفوف الحزب عدد من الشيوعيين القدماء الذين تركوا الحزب في اوقات متفاوتة لاسباب شتى. بدأت بوادر نهوض جماهيري في البلاد في ذلك الحين كما اسلفت، خصوصا بعد قيام جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس في خطاب له اثناء الاحتفال بذكرى انقلاب يوليو عام 1952 ضد النظام الملكي، احدث ذلك القرار دويا هائلا في الاوساط السياسية العربية والعالمية، انقسم فيه النظام العربي الى معسكرين، معسكر معاد للغرب أخذ بالاقتراب من المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، كان هذا المعسكر يضم مصر وسوريا التي كان فيها نظام ديموقراطي، واليمن بشكل ما، وبقية الانظمة العربية التي استمرت في ولائها للمعسكر الغربي بقيادة نظام نوري السعيد في العراق.
في شهر تشرين الثاني من ذلك العام حدث العدوان الثلاثي، البريطاني الفرنسي الاسرائيلي على مصر، احدث هذا العدوان ردود افعال صاخبة في الشارع العربي عامة والشارع العراقي بصورة خاصة، اجتاحت التظاهرات الشعبية مدنا عراقية مختلفة، ففي العاصمة بغداد انطلقت تظاهرات صاخبة من الكليات والثانويات وبمشاركة عدد كبير من مختلف شرائح وفئات المجتمع، تندد بالعدوان الثلاثي وبالموقف اللاقومي واللاوطني لحكومة نوري السعيد من العدوان الذي تعرض له الشعب المصري الشقيق على يد حلفائها الاعضاء في حلف بغداد ولم تتخذ حكومة السعيد قرارا بالانسحاب من الحلف المذكور احتجاجا على ذلك العدوان، بل اكتفت باصدار بيان خجول لذر الرماد في العيون، الا ان ذلك لم يخفف من الغليان الشعبي ضد الحكومة، كما حدثت انتفاضات شعبية عارمة في مدينة الحي حيث سيطر المتظاهرون على المدينة لعدة ايام، وقد قمعت تلك الانتفاضة بالنار والحديد وتم اعدام وسجن ومطاردة قادة الانتفاضة، حيث اعدم قائدا منظمة الحزب الشيوعي في الحي الشهيدين علي الشيخ حمود وعطا مهدي الدباس وتعرضت منظمة الحزب اثر ذلك لضربة قاسية جدا، حدثت في نفس الوقت تظاهرات شعبية واسعة في مدن عراقية اخرى كالنجف التي استشهد فيها مواطنان واعتقل عدد كبير من ابناء المدينة، كذلك حدثت تظاهرات شعبية في الموصل. ان معظم التظاهرات لم تكن تجري بصورة منظمة ولم تكن لها قيادة ميدانية لتوجيهها وجهة صحيحة، ورفع شعارات متفق عليها من قبل القوى الوطنية والديموقراطية والقومية، بل كانت معظمها تحدث بصورة عفوية، فمثلا من اكثر التظاهرات عنفا وسعة في بغداد كانت تلك التي جرت في منطقة الكرخ، حيث سقط الشارع العام الذي يربط محلة الجعيفر بساحة الشهداء في يد المتظاهرين الذين بلغت تعدادهم الالاف لمدة يوم كامل، وكنت مشاركا في تلك التظاهرة التي استمرت من صباح ذلك اليوم التشريني البارد حتى مسائه، كان المتظاهرون خليطا من الشيوعيين والبعثيين والقوميين والمستقلين ، كانت غالبيتهم من الشباب وحتى من طلبة وتلاميذ المدارس المتوسطة والابتدائية، الا ان تلك التظاهرة الجماهيرية الكبرى لم تسفر عن اية نتيجة للاسباب الواردة ذكرها اعلاه، لكن المظاهرة المنظمة الوحيدة حصلت بتوجيه من الحزب الشيوعي، شارك فيها كوادر واعضاء واصدقاء الحزب، كانت تلك التي جرت عصر تلك الايام، اذ انطلقت من الساحة المقابلة لمحطة وقود محلة الفضل متجهة الى باب المعظم لكسر الحصار الذي فرضته الشرطة على مجموعة كبيرة من الطالبات والطلاب المتجمعين في كلية الاداب التي كانت تقع في مدخل شارع الجمهورية الحالي قبل اكماله، استشهد في تلك المظاهرة الشاب الشيوعي عواد رضا الصفار الذي كان قائدا للمظاهرة وكان قد خرج توا من السجن وهو نسيب الرفيق الشهيد جمال الحيدري، كما جرح واعتقل عدد من المشاركين في تلك التظاهرة.
هكذا تم اخماد الانتفاضة الشعبية بقوة النار والحديد من قبل حكومة نوري السعيد.
اثناء العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الاسرائيلي على مصر كان يزور مصر وفد كبير من المؤتمر الشعبي العربي، يضم قادة سياسيون وطنيون وديموقراطيون وقوميون من مختلف الدول العربية، كان على رأس الوفد زعيم الحزب الوطني الديموقراطي، الشخصية الوطنية العراقية كامل الجادرجي، الذي ارسل برقية احتجاج من القاهرة الى الملك فيصل ونوري السعيد يستنكر فيها موقف الحكومة العراقية من العدوان على بلد عربي شقيق، ما ان عاد الجادرجي الى البلاد حتى تم اعتقاله واحالته الى المجلس العرفي العسكري الذي حكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة اعوام، ويقال ان هذا الحكم تم بتوجيه من نوري السعيد الذي كان يكن حقدا دفينا على كامل الجادرجي شخصيا، بسبب مواقفه الوطنية التي لا تعرف المساومة ولا التهاون امام انتهاك حرية الشعب وكرامة الوطن، فكان الجادرجي عصيا على حكومات العهد الملكي، لذلك كان يعتقل ويقدم الى المحاكم باستمرار.
بعد ان هدأت الاوضاع نسبيا في اواخر عام 1956 ، اتخذ الحزب قرارا بفصل اللجنة العمالية للحزب باكمله بذريعة ان الرفاق في اللجنة قصروا في زج العمال في الانتفاضة (علمت بهذا الامر بعد ثورة 14 تموز 1958) كان هذا القرار الذي اتخذ كما قيل من قبل الرفيق سلام عادل شخصيا يدعو للعجب لان المعروف عن الرفيق ابو ايمان سعة الصدر والمرونة، لكن كيف اتخذ هذا القرار بحق مجموعة من الكوادر العمالية المخلصة؟ شمل قرار الفصل، الرفاق (عبد القادر العياش وخليل ابراهيم السامرائي وحكمت كوتاني وعبد الله حاتم) لقد كان ذلك القرار قاسيا جدا بحق هؤلاء الرفاق حتى ولو كان اجتهادهم خاطئا، لان قرار الفصل من الحزب لا يتخذ الا في حالتين اما خيانة الحزب او الانشقاق عليه، وهؤلاء الرفاق لم تكن تنطبق عليهم اي من تلك الحالتين، لكنني على ثقة كاملة ان هؤلاء الرفاق حاولوا حماية التنظيم العمالي الذي كان ضعيفا من ضربة توجهها له السلطة، ففقد الحزب نخبة مناضلة من الكوادر العمالية المجربة (عاد الرفيق عبد القادر العياش الى الحزب بعد ثورة 14 تموز وانتخب رئيسا لنقابة عمال المطابع وعضوا في سكرتارية الاتحاد العام لنقابات العمال)، اما الرفيق خليل السامرائي فلم يوافق العودة الى الحزب الا بأعادة الاعتبار اليه، لكنه عمل بجد واخلاص ونشاط في الحركة النقابية، حيث انتخب سكرتيرا لنقابة عمال المطابع، وظل مخلصا لمبادئ الحزب وتعرض الى الاعتقال في عام ،1964 حتى وافاه الاجل عام 1987. اما الرفيقان الاخران فلم اعرف عن وضعهما.
انبثاق جبهة الاتحاد الوطني
في آذار من عام 1957 صدربيان موقع من الاحزاب الوطنية، الشيوعي، الوطني الديموقراطي، البعث، الاستقلال، يعلنون فيه انبثاق جبهة الاتحاد الوطني، وكان في مقدمة اهداف الجبهة العمل من اجل عراق ديموقرطي مستقل، ذلك بالخروج من حلف بغداد والتضامن مع حركة التحرر العربية والالتزام بمبادئ الحياد الايجابي، واطلاق الحريات الديموقراطية واجراء انتخابات حرة وغيرها من الاهداف، كما توحدت بعض الفصائل العسكرية المعارضة للنظام الملكي في حركة الضباط الاحرار، وتم التنسيق بين الجبهة والحركة من اجل العمل معا لتنفيذ الاهداف الوطنية المشتركة، كما ارتبط الحزب الشيوعي مع الحزب الديموقراطي الكردي الموحد بجبهة ثنائية بعد ان رفض الحزبان القوميان البعث والاستقلال انظمامه لجبهة الاتحاد الوطني. هكذا دخلت الحركة الوطنية العراقية مرحلة جديدة من النضال بعد ان سد النظام الملكي السعيدي كل ابوب الاصلاح السيايسي والاقتصادي، بوجه الشعب وقواه الوطنية.
استقالت حكومة نوري السعيد اواسط عام 1957 ، وشكل علي جودت الايوبي وزارة جديدة، بعد تشكيل تلك الوزارة قدم عدد من السياسيين البارزين مذكرة الى الملك يطالبون فيها باصلاحات سياسية واجراء انتخابات حرة واصدار العفو عن الشخصية الوطنية كامل الجادرجي، كان من ابرز الموقعين على تلك المذكرة كل من الراحلين مزاحم الباججي وناجي شوكت من رؤساء الوزراء السابقين ومحمد رضا الشبيبي من قادة حزب الجبهة الشعبية والوزير السابق وعضو مجلس الاعيان ومحمد حديد وحسين جميل من قادة الحزب الوطني الديموقراطي ومحمد مهدي كبة رئيس حزب الاستقلال وفائق السامرائي وصديق شنشل من قادة حزب الاستقلال وشخصيات سياسية واجتماعية وثقافية بارزة اخرى، الا ان الملك ورئيس وزرائه لم يعيروا اهتماما لتلك المذكرة . هذا الامر يثبت بصورة قاطعة ان النظام لم يكن يريد اجراء أي اصلاح على الحياة السياسية حتى ضمن القانون الاساسي (الدستور) الذي كان معمولا به.
في النصف الاخير من عام 1957 تعرض الحزب الى ضربة جديدة وموجعة اخرى، عندما القي القبض على عضو اللجنة المركزية للحزب مسؤول منظمة الفرات الاوسط، فرحان طعمة الذي هرب مع حميد عثمان من السجن كما اشرنا الى ذلك في مكان اخر من هذا الكتيب، لقد انهار فرحان طعمة وسلم قيادة منظمة الفرات الاوسط الى الامن العامة، حيث اعتقل معظم افرادها وعدد من كوادر المنظمة والمطبعة التي كانت المنظمة تطبع فيها جريدة صوت الفرات والادبيات الحزبية الاخرى، علمنا ان انهيار فرحان طعمة لم يتم بسبب تعذيب تعرض له، انما جاء نتيجة اصابته بحالة احباط ويأس، بسبب قلة ثقافته الحزبية، لان الانسان لا يكون مستعدا للتضحية من اجل قضية يناضل من اجلها ، دون استيعاب للنظرية التي يؤمن بها.
في ذلك العام تبرع الحزب الشيوعي بمطبعة لحليفه في جبهة الاتحاد الوطني (حزب البعث العربي الاشتراكي)! وقام بتدريب الكادر البعثي معاذ عبد الرحيم على الطباعة على ذلك الجهاز!
نهاية عام 1957 شكل نوري السعيد وزارة جديدة بعد استقالة حكومة علي جودت الايوبي، حيث بدأت مرحلة اخرى من التضييق على الحريات الديموقراطية كدأب السعيد في معادات القوى الوطنية والديموقراطية والقومية، وحل البرلمان، واجرى انتخابات صورية جديدة فاز فيها الاغلبية الكبيرة من المرشحين من اعوانه بالتزكية ذلك في مايس عام 1958.
وجهت في بداية ذلك العام ضربة قاسية موجعة جديدة الى الحزب ، فنتيجة اعتقال الكادر الحزبي المسؤول عن الدار التي تحوي مطبعة الحزب المركزية، حزام عيال، وقد كانت تقع في محلة المسبح في الكرادة ، انهار حزام، هو الاخر واعترف على الدار المذكورة لنفس اسباب زميله فرحان طعمة، حيث دل رجال الامن على الدار، كبست مطبعة الحزب واعتقل الرفاق الذين كانوا مسؤولين عن الجهاز الطباعي في الحزب، وهم الشهداء صبيح سباهي ولطيف الحاج اللذان استشهدا بعد انقلاب شباط الاسود، واعتقل كذلك الرفيقين سليم اسماعيل وسليم حميد مرزا وتم سجن هؤلاء الرفاق، ونتيجة تمكن افراد الامن المداهمين للدار الحزبية من الحصول على بعض الوثائق الحزبية، شنت حملة اعتقالات واسعة في صفوف الكوادر الحزبية، كان بينهم مسؤولي الحزبي صبحي جواد الذي اطلق سراحه بعد اعتقاله لعدة اسابيع، ترك على اثرها الحزب، وقد ساد ارتباك في المنظمات الحزبية وانقطعت صلات بعض الرفاق بالتنظيم، وكنت من بينهم، الا ان قسما اخر ترك التنظيم بارادته نتيجة الاحباط واليأس الذي اصابهم.
بعد انقطاعي عن التنظيم وعدم تمكني من الوثوق بأحد في تلك الاجواء، ارتبط بواسطته بالتنظيم لفقدان ثقة الرفاق بعضهم ببعض نتيجة ما ذكرناه آنفا، كنت اذهب اسبوعيا الى قضاء المحمودية القريب من بغداد حيث كان يعمل هناك نسيبي المناضل الشيوعي القديم، حمود الراوي الذي كان مختفيا عن انظار الامن بسبب صدور حكم غيابي ضده لمدة بسنة واحدة، من قبل المجلس العرافي العسكري عام 1956، اذ كان يعمل في شركة انشائية كان يديرها شخص شيوعي اوصديق للشيوعيين باسم مستعار، تمكن خلال عمله في المحمودية من تكوين منظمة حزبية نشطة وكسب عددا من شباب المدينة لصفوف الحزب عام 1957، منهم الراحل مظهرعلي الدليمي وشقيقه الشهيد ضاري علي الدليمي وعبد الرزاق القره غولي وغيرهم، كنت استلم الادبيات الحزبية من الرفيق حمود الراوي كلما صدرت عن الحزب، الا ان انقطاعي استمر مرة اخرى عندما نقل الحزب الرفيق ابو كفاح اواسط عام 1958 قبل الثورة باشهر قليلة الى منظمة كركوك للحزب للعمل كعضو في لجنتها المحلية حتى الثورة واعلان النظام الجمهوري.
اعود الى اشتغالي في المطابع، تركت العمل في الشركة الاسلامية للطباعة اواسط عام 1956 بسبب اصطدامي مع عدد من شباب الاخوان المسلمين الذين كانوا يترددون على المقر بسبب تهجمهم الشديد وكيلهم الشتائم لجمال عبد الناصر والاتحاد السوفيتي والشيوعيين، وقد اعتدى عدد منهم علي فعلا، واكتشفوا ان من كان يلقي بالنشرات الحزبية الشيوعية في صندوق الاقتراحات المثبت في قاعة الجمعية ، في صباحات بعض الايام هو انا، لذلك هربت من الشركة المذكورة، والجدير بالذكر انني تعرفت خلال عملي في الشركة المذكورة على طالب كردي شاب من اهالي كركوك كان يقيم في بناية الجمعية مع عدد من الطلاب الاخوان من اهالي المدن الاخرى، كان اسم هذا الطالب هو محسن عبد الحميد (الدكتور محسن عبد الحميد) كان يزورني يوميا في المطبعة حيث كنت اساهم في طباعة كراس لاخيه نظام الذين عبدالحميد بعنوان ( قل هذه سبيلي) وهو رد على الكاتب الاسلامي خالد محمد خالد، كان محسن شابا يدرس في دار المعلمين العالية (كلية التربية) للامانة اقول، انه كان شابا ودودا ولطيفا معي جدا، هادئ الطباع، حاول كسبي الى صفوف الاخوان، الا انه فشل وبقيت علاقتي به جيدة الى حين تركي للعمل في المطبعة المذكورة. اشتغلت بعد ذلك في شركة الرابطة للطباعة التي كانت تعود ملكيتها للشخصية الديموقراطية البارزة الراحل عبد الفتاح ابراهيم، حيث ان معظم العاملين في المطبعة كانوا اما من الشيوعيين اواصدقائهم، كان عدد العمال والموظفين يربو عن ثلاثين شخصا، وكانت من اكبر واحدث المطابع الاهلية (استولى عليها البعثيون بدون مسوغ قانوني بعد انقلاب شباط الاسود وحولوا اسمها الى دار الحرية للطباعة). بعد تركي لشركة الرابطة للطباعة اوائل عام 1957 اشتغلت في مطبعة الاهالي التي كان صاحبها الاستاذ كامل الجادرجي، وكان يدير المطبعة شخص متقدم في السن يدعى عبد الجبار يعقوب الشمسي، كان انسانا ظريفا وودودا ومنكتا، الا انه كان بعيدا عن الامور السياسية ويخاف من التدخل فيها اصلا بالرغم من انه كان يعمل في مطبعة جريدة صوت الاهالي منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ان المرحوم عبد الجبار كان يكن حبا واخلاصا كبيرين للراحل كامل الجادرجي وعائلته. واعتقد ان ملكية المطبعة التي تحولت الى مطبعة تجارية بعد اغلاق صحيفة الحزب صوت الاهالي ، آلت الى السيد عبد الجبار.
في نهاية شهر حزيران من نفس العام صدرت ارادة ملكية باعفاء ما تبقى من محكومية كامل الجادرجي، بسبب الرسائل الكثيرة التي كانت توجه الى الملك من الشخصيات العربية والعالمية. قررنا نحن عمال المطبعة وعددنا لم يتجاوز ستة عمال، كان جميعهم من اصدقاء الحزب الشيوعي باستثنائي حيث كنت الوحيد من بينهم منتميا للحزب، قررنا القيام بزيارة الجادرجي لتهنئته بالخروج من السجن، بالفعل اخذ المرحوم عبد الجبار يعقوب موعدا لنا من كامل بيك، حيث قمنا بزيارته عصر ذات يوم من نهاية شهر حزيران، في داره العامرة الواقعة في محلة نجيب باشا. استقبلنا ابو رفعت من باب الدار ببشاشة مرحبا بنا وقادنا الى رواق مكتبته العامرة التي كانت تغص بمئات او ربما الاف الكتب، جلس معنا بكل تواضع وبساطة، متحدثا بالامور العامة وشؤون المطبعة وهل نحن مرتاحون، ثم نهض وقدم لنا شخصيا اكوابا من الشاي والماء البارد، ولم نلاحظ خدما يقومون بهذا الواجب، استشفيت من خلال حديث الاستاذ الجادرجي في الامور السياسية ان هناك شيئا ما سيحدث في العراق، فعند مغادرتنا بيت الجادرجي بعد توديعه لنا في باب الدار شاكرا ايانا لتلك الزيارة، طلبت من بقية الاخوان الذين كانوا معي بعدم التحدث امام احد بالحديث الذي دار بيننا وبين الاستاذ الجادرجي، علما انني كنت اصغرهم سنا.
في يوم 9 تموز من نفس العام اعتقل كادرحزبي في ساحة زبيدة التي تقع في شارع الكفاح، وهو حكمان فارس الرييعي (كان اما عضوا في اللجنة المركزية او مرشحا لها) انهار حكمان كرفيقيه الاخرين فرحان وحزام ولنفس الاسباب، وهو الاحباط واليأس، ونتيجة اعترافاته كبست مطبعة جبهة الاتحاد الوطني التي كانت تطبع ادبيات الجبهة ويديرها كوادر من الحزب الشيوعي، اعتقل اثر ذلك الرفيق الشهيد حمزة سلمان عضو اللجنة المركزية للحزب والرفيق الشهيد النقيب المتقاعد فاضل مهدي البياتي الذي كان مسؤولا بارزا في الخط العسكري للحزب وكان يمثل الحزب في حركة الضباط الاحرار، ولولا صمود هذين الرفيقين ربما كانت ستلحق اضرار فادحة بالحزب او حتى بكشف حركة الضباط الاحرار واجهاض الثورة التي كان يجري العمل لتنفيذها، اصدر الحزب قبل الثورة بايام قليلة نشرة داخلية خاصة بالاعضاء فيها تلميحات بضرورة تهيؤ المنظمات والرفاق لاي حدث قد يحدث في البلاد.
القسم الرابع
التغيير التاريخي والانعطافة الكبرى
فجر يوم الاثنين المصادف الرابع عشر من تموز عام 1958 ، كنت نائما على سطح الدار التي كنا نسكنها في محلة ابو سيفين الشعبية، فاذا بي اسمع اصوات ضجيج وصيحات عالية، عندها نزلت الى اسفل الدار، سألت والدتي التي كانت قد انتهت توا من صلاة الصبح، ما الخبر يا امي قالت لا ادري، انا اسمع ايضا اصوات ضجيج في الشارع ، قمت بفتح المذياع واذا بي اسمع من المذياع صوت مارشات عسكرية، وبعد برهة سمعت صوتا قويا ينبعث من جهاز الرديو وهو يقول ..هنا اذاعة الجمهورية العراقية من بغداد، واخذ يردد هذه العبارة لمرات عديدة، ثم وجه نداءات الى ابناء الشعب يطلب منهم مساندة الثورة التي اسقطت النظام الملكي الفاسد الموالي للاستعمار، كما اذاع البيان رقم واحد الموجه من القائد العام للقوات المسلحة الوطنية الى الشعب العراقي، و اخذت تتللى بيانات من القائد العام للقوات الوطنية المسلحة باحالة قادة عسكريين على التقاعد وتعيين قادة اخرين مكانهم، ثم بيان بتشكيل مجلس للسيادة، وبيان بتشكيل حكومة جديدة، عند اذاعة اسماء الوزراء عرفت معظمهم لانهم كانوا من قادة احزاب جبهة الاتحاد الوطني وبعض المستقلين المعارضين، ولم يكن من بين الوزراء ممثل للحزب الشيوعي، ارتديت ملابسي بسرعة وهرعت الى الشارع (شارع غازي سابقا الكفاح حاليا) اخذت جموع المواطنين تتقاطر على الشارع وبعد فترة وجيزة امتلأت الشوارع بالجماهير التي تهتف للثورة وللجمهورية، هكذا غصت كافة شوارع بغداد بالجماهير المؤيدة والمساندة للثورة والجمهورية، كان المواطنون يحتضن ويقبل بعضهم البعض حتى دون سابق معرفة فيما بينهم وذلك بسبب الفرحة العارمة التي اجتاحتهم للخلاص من النظام الملكي السعيدي الرجعي الاستبدادي الموالي للاستعمار، قبيل الظهر اصدر الحزب الشيوعي العراقي بيانا صغيرا في حجمه وقليل في كلماته وزع بشكل واسع على جماهير الشعب، فيه حث للجماهير بضرورة مساندة الثورة واخذ اليقظة والحذر ومراقبة اعوان النظام البائد من محاولات التخريب. في الحقيقة كان الحزب الشيوعي هو اول حزب سياسي يصدر بيانا بمساندة الثورة، اقولها بامانة اننا عندما كنا نوزع بيانات الحزب كانت الجماهير تتلاقفها وتقرأها وتصفق لنا وعندما كان بعض الشيوعيين يلقون كلمات كانت الجماهير ترفعهم على الاكتاف، وكنت واحدا من الذين القوا كلمة قصيرة في الجماهير، لم تحدث اعمال سلب ونهب وتخريب في أي من المؤسسات العامة والخاصة عدا مهاجمة الجماهير لقصر نوري السعيد وقصر الرحاب، بل ان دوائر الدولة ومؤسساتها ومؤسسات القطاع الخاص باشرت في دوامها الرسمي في اليوم الثاني من الثورة، كذلك فتحت الاسواق والمحلات ابوابها، ووزعت الحلوى والعصائرعلى الناس من قبل اصحاب المحلات مجانا بمناسبة الثورة المجيدة، لم تسجل في مراكز الشرطة اية جريمة من أي نوع طوال شهر كامل من بعد الثورة. هكذا تجلت وطنية ووعي الشعب العراقي بأجلى صوره في ذلك الوقت. اصدر مجلس الوزراء قرارا بالعفو العام عن السجناء والمعتقلين والمبعدين السياسين كان اغلبيتهم ان لم يكن كلهم من الشيوعيين (حاول عبد السلام عارف عرقلة تنفيذ هذا القرار بصفته نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية الا انه لم يستطع عرقلة تنفيذه) كان من بين من اطلق سراحه اخي محمد الذي سجن عام 1955 لمدة عامين قضاهما في سجن بعقوبة الانفرادي مع وضعه تحت مراقبة الشرطة لمدة عام واحد، فعند قيام الثورة كان يقضي مدة المراقبة في اهوار الجبايش. عقدت اللجنة المركزية للحزب اجتماعا في شهر ايلول من ذلك العام حضره الاعضاء الذين اطلق سراحهم من السجن والابعاد اضافة للاعضاء الذين كانوا طلقاء، كالرفاق عزيز محمد وزكي خيري وبهاء الدين نوري وعبد السلام الناصري وكريم احمد وعبد الهادي هاشم الاعظمي (الذي خان الحزب بعد انقلاب شباط 1963 وسوف يأتي ذكر ذلك في اقسام مقبلة من هذا الكراس) صدرت عدة قرارات عن الاجتماع الا ان ما يهمني شخصيا هو القرار الذي منح الحزب بموجبه شرف العضوية لكافة المرشحين قبل الثورة، كنت انا من بينهم، حيث تأخر منحي العضوية لسنتين بسبب العمر كما اسلفت ذلك وكذلك بسبب الانقطاعات التي حدثت مع التنظيم للظروف التي شرحتها في مكان اخر من هذا الكراس.
بدايات الصراع
بعد مضي حوالي شهر على قيام الثورة، نظمت القوى القومية وفي مقدمتها البعثيون مظاهرة حشدوا لها كل قواهم في بغداد وجلبوا اعدادا من مناصريهم من المدن القريبة من العاصمة، قدر عددهم بين 2500 الى 3000 شخص اخترقوا شارع الرشيد وتوجهوا الى وزارة الدفاع لانها كانت مقرا لقادة الثورة ومجلس الوزراء، وهم يرفعون لافتات ويرددون شعارات تدعو الى الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة التي كانت قائمة انذاك بين مصر وسوريا، كذلك كانوا يرفعون صور جمال عبد الناصر، كان هذا العمل اول خروج عن اهداف جبهة الاتحاد الوطني التي لم تكن من بين اهدافها عند تغيير النظام اقامة وحدة فورية مع العربية المتحدة بل كانت الاهداف تدعو الى اقامة علاقات اخوية مع الدول العربية بصورة عامة والعربية المتحدة بصورة خاصة، وامام شرفة وزارة الدفاع المطلة على الشارع العام ظهر عبد السلام محمد عارف الرجل الثاني قي النظام الجديد، وخطب خطابا مليئا بالتخبطات والكلمات غير اللائقة والتي تدعو الى الضحك، شارك صيحات المتظاهرين نعم وحدة وحدة بقيادة رائد القومية العربية جمال عبد الناصر! الحقيقة ان التظاهرة المذكورة وخطاب عبد السلام كان استفزازا لمشاعر الغالبية العظمى من الشعب العراقي وقواه الوطنية والديموقراطية، كذلك استفز عبد الكريم قاسم وعدد من قادة الجيش والوزراء. بدأ عبد السلام بجولات في المدن العراقية يلقي فيها خطبا تتضمن عبارات ما انزل الله بها من سلطان فمثلا في خطاباته كان يردد عبارات (لا جلالات ولا فخامات ولا معالي بعد اليوم انما جمهورية الاهية خاكية سماوية) وما الى ذلك من كلمات اخذ الناس يسخرون منها ويتندرون بها، حتى عندما زار الجمهورية العربية المتحدة على رأس وفد وزاري بعد الثورة بأيام قليلة تحدث في الاجتماع المشترك مع القيادة المصرية باحاديث ، نقلها بعض الوزراء الى الزعيم عبد الكريم قاسم، تلك الاحاديث التي تضايق منها حتى عبد الناصر والجانب المصري الذي حضر ذلك الاجتماع، كانت خطابات عبد السلام عارف واحاديثه تدل على تدن في المستوى الثقافي والسياسي، مما حدا بعدد من الوزراء والقادة العسكريين بالتحدث الى الزعيم بضرورة ايقاف عبد السلام عند حده، الا ان الزعيم اطلق له العنان بذكاء لكي يعريه امام الشعب العراقي والعربي ليسهل ازاحته من منصبه، وهذا ما حدث فعلا ففي بداية تشرين الاول من ذلك العام صدر قرارا باعفاء عبد السلام من جميع مناصبه وتعينه سفيرا للعراق في المانيا الاتحادية وسفر الى المانيا فور صدور القرار، لم يحدث أي رد فعل شعبي ضد القرار المذكور حتى من قبل القوى القومية والبعثيين.
نعود الى موضوع التظاهرات والتظاهرات المضادة، فبعد تظاهرة البعثين والقوميين تلك رد الحزب الشيوعي بتظاهرة قدرت بعشرة الاف متظاهر، رفعت فيها شعارات واطلقت هتافات تدعو الى الاتحاد الفيدرالي والصداقة السوفيتية! كرد على شعارات وهتافات البعثيين، خرج الزعيم عبد الكريم قاسم من على شرفة وزارة الدفاع وخطب في المتظاهرين خطابا متزنا وبعبارات تليق بالقائد السياسي، وقد كرر خلال خطابه عبارة الجمهورية العراقية الخالدة لعدة مرات، كانت معناها انه لايؤيد اذابة العراق في أي كيان عربي اوغير عربي، وكان هذا ردا منه على تظاهرة القوى القومية.
لا ادري الاسباب التي ادت الى انجرار الحزب الشيوعي للقيام بتلك التظاهرة والتي رفعت فيها شعارات الاتحاد الفيدرالي والصداقة السوفيتية وذلك الرعب والهلع الذي اصابه من شعارات البعثيين والقوميين، كأنما ستحدث الوحدة غدا وسيحكم العراق من قبل نظام عبد الناصر الديكتاتوري العسكري الخانق للحريات الديموقراطية، بينما شعارات الوحدة الفورية لم تجد لها صدى لدى الغالبية العظمى من الشعب العراقي ناهيكم عن عبد الكريم قاسم وحتى لدى عدد من القوى القومية ووزراء قوميين كحزب الاستقلال، اضافة لبقية القوى الديموقراطية كالحزب الوطني الديموقراطي الذي كان له نفوذ واسع في اوساط الطبقة الوسطى وعدد كبير من المثقفين، كل هؤلاء لم يكونوا يؤيدون الوحدة الفورية، اما الصداقة السوفيتية فلم تكن تحتاج الى تلك الشعارات لان حكومة الثورة انفتحت عمليا منذ ايامها الاول على الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية السابقة ، واقامت معها العلاقات الدبلوماسية، ووقعت معها عشرات الاتفاقيات الاقتصادية، كذلك اتفاقيات لتسليح الجيش العراقي باسلحة سوفيتية، اذن لم يكن هناك من داع لتلك الشعارات التي حملها الحزب الشيوعي وحده، كان الحزب الوطني الديموقراطي وقائده الراحل كامل الجادرجي من اكثر القوى السياسية صراحة واتزانا في طروحاته، حيث كان سواء في تصريحات الجادرجي او عبر المقالات التي كانت تكتب في جريدته صوت الاهالي التي عاودت الصدور بعد الثورة، تعبر عن المرحلة بدقة ونضج سياسي اذ كان الحزب وجريدته يؤكدان على ضرورة انهاء الفترة الانتقالية بسرعة وعودة الجيش الى ثكناته بعد ان ادى واجبه الوطني بشرف واجراء انتخابات برلمانية حرة، والبرلمان المنتخب من قبل الشعب هو الذي يقرر نوع علاقات العراق بدول العالم ومنها العربية المتحدة، لماذا لم ينتهج الحزب الشيوعي نفس النهج ويؤكد على ضرورة انهاء فترة الانتقال واطلاق الحريات الديمقراطية واجراء انتخابات حرة، بدلا من الشعارات آنفة الذكر التي رفعها؟ لو اتخذ الحزب ذلك النهج في سياسته كان سيستقطب القوى الوطنية والديموقراطية وجماهير واسعة من الشعب العراقي الشغوفة بالحرية التي حرمها منها النظام الملكي السعيدي لعقود من الزمن،الم يكن هذا خطأ ستراتيجيا في سياسة الحزب؟ اليس من حقنا بعد نصف قرن مضى على تلك الاحداث، ان نقيم تلك السياسة وغيرها التي اسهمت في جر البلاد الى مآسى وكوارث، والى ما نحن عليه الان؟
بعد ازاحة عبد السلام عارف عن السلطة، بدأت تزداد الاشاعات التي كانت تطلق بقرب قيام مؤامرات ضد الجمهرية ، فكانت مصدر معظم تلك الاشاعات القوى الرجعية والقومية، وفعلا انجر الحزب وراء تلك الاشاعات،اذ كنا نبلغ على الاقل في الاسبوع مرة او مرتين بانذار صادر من الحزب، وتعليمات من قيادته بأن ننتشر في الشوارع والمحلات، ونقوم بخفارات ليلية، كنا ننفذ تلك التعليمات بدون أي تردد او مناقشة، والشيء الذي يدعو الى الضحك، عند قيامنا بواجبات الخفارة الليلية كنا عزلا لا نحمل أي نوع من الاسلحة حتى الجارحة البسيطة منها، لو حدثت بالفعل مؤامرة وانزل المتآمرون القطعات العسكرية والدبابات والاسلحة الثقيلة والخفيفة كما حدث في مؤامرة وانقلاب 8 شباط الاسود، اتساءل الان كيف كان لنا ان نتصدى للمؤامرة، هل بصدورنا العارية؟ هكذا نجحت قوى الردة في اشغال الجهاز التنظيمي واعضاء الحزب الشيوعي وحتى ارهاقهم جسميا ونفسيا عن طريق بث تلك الاشاعات، وهذه ايضا كانت من اخطاء الحزب.
اول اغتيال سياسي بعد الثورة
في خريف عام 1958 سجل او جريمة قتل لاسباب سياسية، حيث قام الشقي المجرم صدام حسين التكريتي، باغتيال الشخصية الديموقراطية رئيس بلدية تكريت المرحوم الحاج سعدون حمودي (اعتقد انه كان شيوعيا اذ نعاه الحزب في بيان بعبارة المناضل الشيوعي الرفيق) نفذ صدام حسين جريمته بتحريض من خاله خيرالله طلفاح، هرب بعد اقترافه تلك الجريمة الى بغداد، وقد القي القبض عليه في بغداد، حيث كان مختبئا في دار خاله الثاني عبد اللطيف طلفاح، وقدم الى المجلس العرفي العسكري وافرجت عنه المحكمة بذريعة عدم توفر الادلة الثبوتية، لكن الحقيقة ان رئيس المحكمة العقيد شمس الدين عبد الله كان من العناصر الرجعية الحاقدة وان المدعي العسكري العام الملازم راغب فخري كان بعثيا، فكان من الطبيعي الافراج عن القاتل، هكذا سجل صدام اول جريمة قتل لاسباب سياسية بعد ثورة تموز، مفتتحا بتلك الجريمة سلسلة الاغتيالات والقتل على الهوية السياسية.
بعد استقالة الوزراء القوميين من حكومة عبد الكريم قاسم في بداية عام 1959 ، حدث انفراج في وضع الحريات الديموقراطية حيث منح الحزب الشيوعي اجازة اصدار جريدته المركزية، اتحاد الشعب وصدرت بالفعل في كانون الثاني من العام نفسه، كذلك نشطت الهيئات التحضيرية لنقابات العمال والجمعيات الفلاحية والمنظمات المهنية في عملها ، علما ان تلك الهيئات التحضيرية تشكلت بعد الثورة مباشرة الا انها لم تمنح اجازات لاجراء انتخاباتها، بسبب نفوذ الوزراء القوميين وعلى رأسهم عبد السلام عارف على السلطة، اذ ان تلك الهيئات التحضيرية كان يقودها الشيوعيون او اصدقاؤهم من الديموقراطيين، الا ان الشيء الذي لا استطيع تفسيره لحد الان هو، لماذا لم يعقد الحزب مؤتمرا له والظروف كانت مواتية لعقد المؤتمر، حيث كان عقد المؤتمر ضروريا جدا ذلك لرسم ستراتيجية جديدة لعمل الحزب تتواءم مع المرحلة السياسية الجديدة في العراق ،ولاشراك المنظمات والقواعد الحزبية في رسم سياسة الحزب واسهامهم في انتخاب قيادة جديدة للحزب، الم يكن هذا اهمالا على الاقل من قيادة الحزب؟
بالرغم من انفراط عقد جبهة الاتحاد الوطني واستقالة الوزراء القوميين من الحكومة وحدوث احتكاكات هنا وهناك بين الشيوعيين من جهة والبعثيين وبقية القوى القومية من جهة اخرى، الا انني كنت اشاهد زيارات يقوم بها ممثلو احزاب الجبهة بعضهم لبعض، وكانت معضم لقاءاتهم تتم في مقر مطبعة الاهالي التي كنت اعمل فيها كما سبق لي القول، علما ان جريدة صوت الاهالي لم تكن تطبع بنفس المطبعة التي انتقلت من مكانها القديم في مقر الحزب الوطني الديموقراطي الكائن في محلة الميدان قرب وزارة الدفاع والاعدادية المركزية، الى مكانها الجديد في محلة المربعة الكائنة في شارع الرشيد خلف سينما الزوراء. كانت صوت الاهالي تطبع في مطبعة الشعب لصاحبها يحيى قاسم صاحب جريدة الشعب التي اغلقت بسبب كونها كانت من ابواق حكومة نوري السعيد، كانت مكائن الطبع لتلك المطبعة من النوع الحديث. اعود الى مسألة لقاءات القوى السياسية، اذ انني كنت اشاهد تردد الاستاذ جلال الطالباني الذي كان شابا وسيما رشيقا طالبا في المرحلة النهائية من كلية الحقوق التي فصل منها ايام النظام الملكي ، كان يحضر تلك اللقاءات ممثلا للحزب الديموقراطي الكردستاني، كذلك شاهدت تردد الشهيد حمزة سلمان عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي على مقر المطبعة وشاهدت ايضا المحامي اسعد الفريح ممثل حزب البعث والمحامي زكي جميل حافظ ممثل حزب الاستقلال يترددان على المقر حيث لم تكن هناك لحد ذلك الوقت مقرات رسمية للاحزاب، كان يستقبل هؤلاء المرحوم محمد السعدون والمرحوم المحامي عبدالله عباس كممثلين عن الحزب الوطني الديموقراطي، اذن كانت مازالت حتى ذلك الحين الخيوط لم تنقطع بين تلك القوى، يبدو ان مركز استقطاب تلك القوى كان الحزب الوطني الديموقراطي والدليل على ذلك اجراء كل تلك اللقاءات في مقره المؤقت.
بدأت النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني تعقد مؤتمراتها، بالنسبة لنا في نقابة عمال المطابع، عقد المؤتمر الاول للنقابة في نيسان من عام 1959 وقد عقد المؤتمر على قاعة معهد الفنون الجميلة الذي كان يقع مقابل البلاط الملكي السابق، انتخب مندوبو المؤتمر هيئة ادارية مكونة من تسعة اعضاء، وانتخب اعضاء الهيئة الادارية المناضل النقابي عبد القادر العياش رئيسا للنقابة، كان عدد الشيوعيين المنتظمين في الحزب من اعضاء الهيئة الادارية المنتخبة ثلاثة فقط اما الستة الاخرين فكانوا من الوجوه العمالية المعروفة، وقد فشل عدد من المرشحين من اعضاء الحزب للفوز بعضوية الهيئة الادارية لانهم لم يكونوا معروفين من معظم مندوبي المؤتمر، وكان هذا دليل قاطع على نزاهة تلك الانتخابات، لا كما يحلو للبعض ان يصور الامر كأنما الشيوعيين استولوا بالقوة او التزوير على نقابات العمال، انتخب المؤتمر ايضا مكتبا للمراقبة مكونا من 13 عضوا حسب النظام الداخلي للنقابة انذاك، نلت اعلى الاصوات الا اننا انتخبنا شخصية نقابية قديمة وهو السيد طه محمد صالح رئيسا للمكتب لكونه اكبرنا سنا وكان اول نقيب لعمال المطابع عام 1945 وهو ايضا لم يكن شيوعيا بل كان نقابيا ديموقراطيا، وانتخبني الاعضاء نائبا لرئيس المكتب، حيث كنت اصغر قيادي في نقابات العمال سنا في تلك الفترة حيث كان عمري انذاك 19 عاما.
القشة التي قصمت ظهر البعير
بدأ الحزب الشيوعي باقامة مهرجانات كل اسبوع او اسبوعين، لا اتذكربالضبط في الوية العراق المختلفة (المحافظات) تحت يافطة، مهرجانات السلام فلم يحدث ما يعكر صفو الامن في أي من الالوية التي اقيم فيه المهرجان، جاء دور مدينة الموصل، حيث تقرر اقامة المهرجان يوم 8 آذار 1959 . كان لمدينة الموصل وضع سياسي واجتماعي خاص، كانت السمة الغالبة عن المدينة انها مدينة محافظة، تتمتع بها القوى القومية والدينية (جماعة الاخوان المسلمين) بنفوذ قوي كما ان معظم بيوتات المدينة ورؤساء عشائرها كانوا من اعوان النظام البائد، كآل الياور، وبيوت كشمولة والعمري وغيرهم. نظم هؤلاء وفدا لمقابلة الزعيم عبد الكريم قاسم لمحاولة اقناعه بمنع اقامة المهرجان في الموصل، يبدو ان الزعيم لم يكترث لتحذيراتهم، بل يقال انه شجع على اقامة المهرجان في وقته، لاسباب غير معروفة لحد الان، اصدر الحزب تعميما بضرورة المشاركة النشطة في المهرجان الذي سيقام في الموصل، وخصصت الحكومة قطارا لنقل الوفود الشعبية للمشاركة في المهرجان مجانا، كنت من الذين توجهت مع الاف من المواطنين من بغداد والمدن القريبة منها الى المحطة العالمية، حيث استقلينا القطار وتحرك بنا نحو الموصل عصر يوم 7 آذار ووصلنا الى الموصل صباح اليوم الثاني، الثامن من آذار، وجدنا حشودا على جانبي الطريق من اهالي الموصل والقصبات والقرى القريبة منها تحيينا ونحن نرد هتافا واحدا ( اهل الموصل يا كرام احنا انصار السلام) كان المستقبلون يجيبوننا اهلا اهلا بالوفود لا اتذكر بقية الهتاف، توجهت الحشود الى ملعب الادارة المحلية، القى الشخصية الديموقراطية البارزة المحامي الشهيد كامل قزانجي كلمة انصار السلام التي اكد فيها على ضرورة التلاحم بين ابناء الشعب العراقي بمختلف اطيافه، ولم تتضمن الكلمة اية عبارة استفزازية فيها نيل لاية جهة سياسية او دينية او قومية، بعد القاء بضعة كلمات اخرى، عدنا الى المحطة لكن في الطريق اليها اخذ بعض الاشخاص برمي الحجارة علينا واسماعنا كلمات فيها شتم وسب الا انه لم يرد احد منا عليهم، وكانت التوجيهات التي استلمناها من الحزب على الا نرد عن أي استفزاز، بعد وصولنا الى المحطة سمعنا اصوات اطلاقات نارية وشاهدنا ادخنة تتصاعد من هنا وهناك وبدأ جو من التوتر يسود المدينة، عدنا الى بغداد ووصلناها مساءا، في صبيحة 9 آذار، اخذت اذاعة بتث من الموصل تعلن قيام (ثورة) بقيادة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف امر حامية الموصل، واذيع البيان رقم واحد وفيه ان اتفاقا قد تم بينه وبين العميد الركن ناظم الطبقجلي قائد الفرقة الثانية باعلان الثورة، للاطاحة بحكومة قاسم، وبدأت الاذاعة تبث الاغاني القومية وغيرها، بعد ذلك صدر بيان من الزعيم عبد الكريم قاسم بصفته القائد العام للقوات المسلحة موجها الى حامية الموصل العسكرية ضباطا ومراتب وجنودا يدعوهم فيها الى سحق المؤامرة التي قام بها نفر من الخونة ضد الجمهورية كذلك توجه الزعيم بندائه الى اهالي الموصل الشرفاء بمساندة الجيش وسحق المتأمرين! واحيل عبد الوهاب الشواف وناظم الطبقجلي وعدد اخر من الضباط على التقاعد وعين العقيد حسن عبود آمرا لحامية الموصل وكان عبود ديموقراطيا انضم للحزب الشيوعي لا ادري بالضبط قبل تلك الاحداث او بعدها، كلف الزعيم النقيب الطيار خالد سارة المعروف بكفاءته ودقته بقصف مقر الشواف وعدم المساس باية منطقة اخرى، بالفعل توجه سارة بطائرته الى الموصل ووجه صاروخا بدقة متناهية الى الغرفة التي كان فيها الشواف فاصابه اصابة بليغة (يقال بعد الضربة قتل على يد جنود الحامية) هكذا تم القضاء على تمرد الشواف ، الا ان حالة من الفوضى سادت مدينة الموصل بعد النداء الذي وجهه الزعيم الى الاهالي بضرورة سحق المؤامرة حيث فهم خطأ من قبل البعض، وبالاخص بعد ان عرف الشيوعيون وانصار الزعيم ان المتأمرين اعدموا الشخصية الديموقراطية كامل قزانجي بدون سبب اذ ان الشهيد قزانجي كان انسانا مسالما ووطنيا عراقيا اصيلا ، وكان قد ابعد الى تركيا بعد اكمال مدة سجنه واسقطت الجنسية العراقية عنه ايام النظام الملكي، وعاد الى الوطن بعد الثورة، كما ان المتأمرين قتلوا المقدم عبدالله الشاوي آمر كتيبة الهندسة لعدم موافقته بالاشتراك في تمردهم، وعلمنا بعذ فترة ان المتأمرين كانوا قد فخخوا سكة القطار واكتشفت كتيبة الهندسة التفخيخ بقيادة الشهيد الشاوي، ولو تم نسف السكة لوقعت كارثة تذهب ضحيتها مئات الركاب من المشاركين في المهرجان، كما تبين ان المتأمرين قد قتلوا عددا من المراتب والجنود الذين رفضوا تنفيذ اوامرهم، واستشهدت الشابة غنية ابنة الشيوعي محمد لطيف وشقيقة المناضلة رهبية محمد لطيف، برصاص المتأمرين، هكذا بدأت الاحداث، حيث كان البادئ بعمليات القتل هم المتأمرون. بعد فشل التمرد اكتشفت السلطات اكداسا من الاسلحة والرمانات اليدوية ارسلت هدية الى الشعب العراقي من اشقائه في الجمهورية العربية المتحدة عن طريق الاقليم الشمالي (سوريا)! وان امولا كثيرة قد وزعت، وان الاذاعة التي كان يبث منها المتمردون بياناتهم زودتهم بها الجمهورية الشقيقة، التي ارادت ابتلاع العراق طمعا في بلحه ونفطه، ومن ثم هرب قسم من المتأمرين الى سوريا ليستمروا في تأمرهم على ثورة تموز ومنجزاتها (ما اشبه اليوم بالبارحة!).ان مساهمة الجمهورية العربية المتحدة في دعم المتأمرين كان جليا وواضحا وضوح الشمس، فقبل وقوع التمرد بايام قام جمال عبد الناصر بزيارة لاقليمه الشمالي (سوريا) وبعد قمع التمرد وفشله في تحقيق اهدافه ليشمل العراق كله، بدأ عبد الناصر بالقأء خطب هستيرية بشكل يومي واحيانا من حلب القريبة من الموصل، كانت خطاباته تنم عن مستوى لا يليق بزعيم سياسي ورئيس دولة ، اذ انه كان يكرر اكثر من مرة في خطاباته ( قاسم العراق والشيوعيين العملاء) ، و كان يستعمل كلمات تتضمن شتما وسبا بحق الزعيم عبد الكريم قاسم وبالاسم، والشيوعيين والقوى الديموقراطية التي كان يسميها( الشعوبية)، الا ان عبد الكريم قاسم ترفع عن الرد عليه ولم يذكره بالاسم حتى استشهاده، شتان بين، المستوى الخلقي للرجلين، بعد فشل التمرد ،مكث عبد الناصر اكثر من ثلاثة اسابيع هناك املا منه في ان ينجح اعوانه في اسقاط حكومة ثورة تموز ومنجزاتها الكثيرة، كان يحلم ان يكون بسمارك العرب، وكان ينعت الشيوعيين بالعملاء! لمن لاندري؟ اذا كان يقصد للاتحاد السوفيتي السابق، فهو بهذا كان اكبر ناكر للجميل، حيث ان السوفيت قد وقعوا معه اتفاقية بناء السد العالي، وكسروا الحصار الاقتصادي عن بلده بعد تأميمه لقناة السويس، وقدموا له السلاح المتطور بشكل شبه مجاني، بينما لم يثبت التاريخ في أي من صفحاته ان السوفيت قد قدموا روبلا واحدا للحزب الشيوعي العراقي. ان الدماء التي اريقت على اديم المدن العراقية في تلك الفترة وحتى انقلاب شباط الاسود كان من صنع ذلك الدعي بالعروبة والتحرر، كيف يكون كذلك وهو الذي قمع اضراب عمال شبرا الخيمة بالنار والحديد واعدم القائد العمالي خميس ورفاقه بسبب قيامهم باضراب سلمي لاستحصال حقوقهم من مستغليهم، عام 1954، ان عبد الناصر هو الذي زج في السجون المصرية خيرة المناضلين الشيوعيين والديموقراطيين والتقدميين وقادة نقابيين وادباء ومثقفين مصريين، واستشهد على يد جلاديه المناضل الشيوعي البارز شهدي عطية الشافعي السكرتير العام للحزب الشيوعي المصري، كما استشهد في سجون اقليمه السوري القائد الشيوعي اللبناني الكبيرفرج الله الحلو على يد عملائه السوريين وباشراف من المباحث المصرية، هو عبدالناصر لاغيره لم يبخل في تأمره على بلد من البلدان العربية وتدخل بشكل سافر في شؤونها، واخيرا انتهى نهاية مخزية بعد ان الحق هو واصدقاؤه البعثيون الفاشست في سوريا، اكبر هزيمة بالامة العربية في حزيران 1967 حين تمددت اسرائيل الى بقية الاراضي الفلسطينية وقضمت اراض عربية في مصر وسوريا ولبنان، يدفع الشعب الفلسطيني والشعوب العربية ثمنها الى الان، فاي قائد لحركة التحرر العربية كان هذا الديكتاتور، كما يحلو لبعض القومجية العرب تسميته لحد الان؟ لقد دونت تلك الاحداث في كراسي هذا ليطلع عليه من لم يطلع من اجيالنا الجديدة على حقيقة جمال عبد الناصر المتأمر على شعبنا والذي اسهم بالتعاون الوثيق مع الامبريالية العالمية لاغتيال ثورة تموز الوطنية وقادتها.
بعد قمع تمرد الشواف، اخذت الاخبار تتوارد من الموصل، وهي تنقل خبر تشكيل محكمة شعبية برئاسة احد اعضاء اللجنة المحلية للحزب الشيوعي في الموصل، اصدرت احكاما بالاعدام على بعض الاشخاص الذين ساهموا في التمرد، وعلقت بعض الجثث على اعمدة الكهرباء، وأخذت قوى الردة تروج لاخبار عن قتل مئات المواطنين في الموصل على يد تلك المحكمة وبولغ كثيرا في اعداد الضحايا، للتشهير بالحزب الشيوعي وتأليب اهالي الموصل والحكومة ضدهم.
تقييم موضوعي لما حدث
والان وبعد مضي قرابة نصف قرن على تلك الاحداث، اما لنا ان نقوم بتقييم موضوعي لما حدث، لتكون الاجيال الجديدة من بنات وابناء الشعب العراقي بالاخص الشيوعيين منهم على بينة لما حدث ، على لسان من عايش تلك الحقبة من تاريخ العراق السياسي، وكان مناضلا في صفوف الحزب ولا زال يعتبر نفسه صديقا للحزب، دون محاباة لاحد بل من اجل اظهار الحقيقة فقط وخصوصا وان صاحبها، قد ترك التنظيم منذ سنوات خلت، الا ان ذلك لا يمنعه من اجتهاد نقدي لما حدث، ربما كان على صواب او خطأ في تناول هذه القضية او تلك.
هل كان من الضروري الاصرار على اقامة ذلك المهرجان في الموصل، وعدم الالتفات الى الوضع الخاص بالمدينة؟ اقولها لا، كان على الحزب ان لا يصر على اقامة ذلك المهرجان، لان ما حدث في الموصل قصمت ظهرالبعير، وقطعت شعرة معاوية بين الحزب الشيوعي وبقية قوى جبهة الاتحاد الوطني، وحولت الصراع من صراع سياسي الى صراع دموي عنيف، بالرغم من انني أأكد ان من بدأ بعمليات القتل والاغتيال هم القوى القومية والبعثيين بصورة خاصة واعداء ثورة تموز، كان بالامكان محاصرتها والحيلولة دون توسعها. واسيلت انهار من الدماء، ذهبت ضحيتها الوف من ابناء الشعب العراقي، وقد دفع الشيوعيون ثمنا باهضا من التضحيات، وتعرضوا الى حملات انتقامية من القتل والتهجير والاعتقالات اضعافا مضاعفة من ضحايا قوى التأمر والتمرد.ان تلك الاحداث باعدت كثيرا بين الحزب والقوى السياسية حتى الديموقراطية منها. انني على ثقة تامة ان المحكمة التي تشكلت في الموصل وهي محكمة غير قانونية لم تشكل بأمرمن قيادة الحزب ولا بعلمها، لانني كنت عضوا في الحزب في ذلك الوقت ولم نستلم ابدا اية توجيهات مركزية بممارسة العنف والقتل والسحل، بل بالعكس كان الحزب يوصينا ان لا ننجر الى معارك جانبية مع القوى السياسية الاخرى، الا ان الخطأ في الموضوع ان الحزب لم يتخذ اجراءا ضد من قام بتلك الاعمال، فكان من الواجب اتخاذ عقوبة حزبية ضد هؤلاء الاشخاص الذين اساءوا الى سمعة الحزب ومكانته، بالرغم من ان الحزب ارسل الرفيق الشهيد حمزة سلمان الى الموصل في حينه لوقف استمرار تلك الممارسات، وانتقد بشدة في الاجتماع الموسع للجنة المركزية الذي عقد في ايلول من عام 1959 كل اعمال القتل والسحل والعنف، لكن ذلك الانتقاد جاء متأخرا، وحتى بعد النقد الذاتي للحزب لم يتخذ اجراءا عقابيا بحق من اسهم في ارتكابها وهذا كان خطأ كبيرا من الحزب.
المد الثوري
بعد فشل تمرد الشواف- طبقجلي، انكفأت القوى القومية وقوى الردة، وساد في البلاد جوثوري حماسي، اخذ الاف المواطنيين يطلبون الانضمام الى الحزب الشيوعي، وتوسعت قاعدة الحزب بشكل كبير جدا، حتى ان الحزب عانى من قلة الكوادر، اذ ان عدد اعضاء الحزب عند قيام الثورة لم يتجاوز الالف عضو (هذا ماجاء في مذكرات عدد من قادة الحزب انذاك) لكن لو قورن ذلك العدد بمنتسبي بقية اطراف الجبهة، حزب البعث على الاخص لانه كان الحزب الثاني بعد الحزب الشيوعي يمارس نشاطه سريا، لوجدنا ان الحزب الشيوعي كان يفوق اعداد حزب البعث باربعة اضعاف تقريبا، كذلك بعدد منظماته المنتشرة في سائر ارجاء البلاد ( ان اعداد اعضاء البعث تكلم عنها عدد من القياديين السابقين للحزب في مذكراتهم ايضا لم تتجاوز 300 عضو في سائر انحاء البلاد) وكانت جريدة الحزب المركزية توزع بخمسة وعشرين الف نسخة علما ان نفوس العراق انذاك لم يتجاوز السبعة ملايين نسمة، الا ان توسع الحزب الشيوعي بذلك الشكل الكبير جاء على حساب النوعية، حيث ان عددا من الانتهازيين والنفعيين وطلاب المصالح الشخصية، قد انضموا الى الحزب ضنا منهم بان الحزب على وشك تسلم السلطة، وسيستفيدون كونهم اعضاءا في الحزب، ولم يخلوا من الذين توافدوا للانضمام الى الحزب عدد من المندسين لغرض التخريب، حيث كنا نشاهد في الفعاليات الجماهيرية التي يقوم بها الحزب، يردد البعض شعارات لم تكن من ضمن الشعارات التي تم تبليغنا بها، فمثلا يظهر عدد من الاشخاص من داخل المظاهرة وهم يحملون حبالا ويرددون (ما كو مؤامرة تصير والحبال موجودة) لكن قيادات تلك الفعاليات لم تتخذ اجراءا سريعا لوقف مثل تلك الممارسات بالرغم من علمهم انها غير مدرجة ضمن شعارات وهتافات الحزب المبلغين بها رسميا لم اجد لحد الان تفسيرا لذلك الامر.
بعد ذلك التوسع الافقي في تنظيمات الحزب اخذ الحزب كما اسلفت يعاني من مشكلة توفير الكادر، اصبح عدد اعضاء الخلايا بين عشرة الى خمسة عشر عضوا او مرشحا، وسلمت الكثير من الخلايا لاعضاء منحت لهم العضوية حتى قبل انقضاء الفترة المحددة في النظام الداخلي للحزب وهي ستة اشهر، كان هؤلاء الرفاق يفتقرون الى الخبرة التنظيمية والثقافة السياسية والنظرية، وتحمل العبأ الاكبر في قيادة الخلايا الحزبية الرفاق القدماء، حيث كنت شخصيا اقود ثلاثة خلايا من الاعضاء، ناهيكم عن اني كما ذكرت في مكان اخر، كنت نائبا لرئيس مكتب المراقبة لنقابة عمال المطابع واشتغل في مطبعة الاهالي لاعالة عائلتي وادرس في المساء في ثانوية التفيض الاهلية، اضافة الى ما سبق، كنت احيانا في ساعات متأخرة من الليل اذهب الى مطبعة فريد التي كانت تطبع فيها جريدة وادبيات الحزب، حيث كانت تقع في شارع الشيخ عمر قريبا من الدار التي كنا نسكنها في محلة فرج الله، لاساعد العاملين في اداء بعض الاعمال وكان ذلك العمل تطوعيا ولم تكن تجري باستمرار بل حسب الوقت المتاح، تعرفت في المطبعة على الرفاق زكي خيري وعبد الرحيم شريف والكاتب المبدع عبد الجبار وهبي (ابو سعيد) والشاب الانيق المثقف عدنان البراك، كنت قبل ذلك اسمع باسمائهم فقط الا انه بعد ترددي على المطبعة، تعرفت على شخوصهم، كانوا رفاقا رائعين يرسلون بعض العمال الى (مطعم باجة الحاتي ) القريب من المطبعة ويجلبون قدرا كبيرا من الباجة نفترش الارض جميعا، العمال والقادة نأكل الباجة معا، وكان الطعام يمتزج بالنكات الشعبية والروح المرحة التي كان يطلقها الشهيد ابو سعيد. اعتقد انني ومعي كثير من الرفاق المخلصين، كنا نؤدي تلك الواجبات بجد وحيوية وطاقات اتعجب الان من توفرها عندنا في تلك الفترة، كيف كنا نحن شباب الحزب وحتى كهوله نمتلك تلك الطاقات الهائلة للتوفيق والجمع بين كل تلك المهمات، ان تلك الطاقات كان مصدرها ايماننا الكبير بالمبادئ التي كنا نناضل من اجلها بنكران ذات، لا طمعا في منصب حكومي او مصلحة تجارية، بل من اجل شعبنا العراقي الذي كان ولا زال يستحق تلك التضحيات (لا كما يحدث اليوم وكما حدث ايام الديكتاتورية السوداء).

اول ايار ومظاهرة المليون عراقي
منذ اواسط شهر نيسان من عام 1959 بدأ الحزب بالتهيئة لاقامة احتفالات كبيرة، بمناسبة عيد اول ايار عيد العمال العالمي، ولاول مرة في تاريخ العراق، بعد ان اعلنت الحكومة يوم الاول من ايارعطلة رسمية، اخذت وفود عمالية عالمية من مختلف ارجاء العالم بالتوافد الى العراق، بالاخص من الدول الاشتراكية السابقة وكذلك من دول اوربا الغربية وبلدان اسيوية اخرى، لحضور احتفالات عمال العراق بهذا العيد العمالي العالمي.
مع صباح الاول من ايار بدأت الحشود العمالية والشعبية بالتجمع في ساحة التحرير ورافديها شارع السعدون والجمهورية، كذلك تحشدت جماهير اخرى في الجهة المقابلة لساحة التحرير التي تسمى ساحة الطيران وروافدها الثلاثة، شوارع الشيخ عمر والنضال والشارع الذي يؤدي الى مدينة الثورة، كانت تلك الحشود تتوزع على شكل كراديس، فكل نقابة او جمعية مهنية او اتحاد معين منتظم في كردوس يحمل شعارات ملونة وبالونات وسيارات زينت بشكل جميل، وان مجاميع من الاطفال والشباب كانوا يرتدون ملابس فلكلورية لمختلف اطياف الشعب العراقي، من العرب والكرد والتركمان وكلدو اشور والارمن، يؤدون الدبكات الشعبية كل حسب تقاليده، واطلقت عشرات الحمامات في السماء، كرمز للسلام، في الحقيقة كان المنظر جميلا ورائعا جدا لم يشهد له العراق مثيلا وكانت مدار اعجاب الوفود الاجنبية، كانت التظاهرة منظمة بشكل جيد، ما ان اعلنت دقات الساعة الثامنة من صباح ذلك اليوم الجميل حتى بدأت التظاهرة بالانطلاق باتجاه شارع الرشبد متجهة الى باب المعظم، كان يتقدم التظاهرة عدد من قادة الحزب الشيوعي واتحاد نقابات العمال، ما ان وصلت التظاهرة الى منطقة السيد سلطان علي حتى بدأت شعارات وهتافات تشق عنان السماء من حناجرمئات الالوف من المتظاهرين وهي تردد (عاش زعيمي عبد الكريمي حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي) اخذت الجماهير تردد هذا الهتاف لحين وصولها الى باب وزارة الدفاع ، ورفعت صور لينين وفهد في المظاهرة ايضا! كان الزعيم عبد الكريم قاسم يظهر على شرفة وزارة الدفاع ليحي الجماهير، استمرت التظاهرة من صباح اليوم الاول من ايار ولم تنته الا صبيحة اليوم الثاني، لذلك كان على حق من قدر الاعداد المشاركة في تلك المسيرة بمليون شخص.
احدث طرح الهتاف المذكورفي الشارع دويا هائلا في مختلف الاوساط السياسية، فاحدث ذعرا وفزعا في اوساط البرجوازية الوطنية التي كانت تقود السلطة انذاك كذلك ازعج الزعيم، لانه كان نمط تفكيره برجوازيا بالرغم من انحداره من وسط شعبي بسيط.
اتعجب مما قرأت في مذكرات بعض قادة الحزب في تلك الفترة، الذين ينكرون طرح الحزب ذلك الهتاف والشعار في الشارع، وانهم تفاجأوا بطرح ذلك الشعار، وان عددا من هؤلاء الرفاق يذكر في احاديثه ومذكراته بأن الرفيق الشهيد محمد حسين ابو العيس عضو المكتب السياسي للحزب الذي كان مسؤولا عن قيادة المظاهرة اتصل بالرفيق الشهيد سلام عادل الذي كان متواجدا في مكتب محام شيوعي يقع في منطقة السيد سلطان علي يسأله هل ان طرح الشعار هو بقرار من الحزب، يدعي هذا البعض بأن الرفيق ابو ايمان انكرذلك! ان هذا الامر يتنافي مع ما كان الحزب قد طرح شعار اشراك الحزب الشيوعي في الحكومة قبل مظاهرة ايار باكثر من اسبوعين على صفحات جريدة الحزب المركزية، واطلق حملة تثقيفية شعبية في المحلات العامة والتجمعات الشعبية من مقاه وغيرها، يقوم فيها عدد من الرفاق بالقاء كلمة عن اهمية اشراك الحزب في السلطة، كما ان نقل ذلك الكلام عن لسان الرفيق سلام عادل، لم تثبت صحته بدليل ان الحزب استمر في حملته الاعلامية للترويج لمطلب اشراكه في السلطة الى ما بعد تظاهرة ايار، لم تتوقف الحملة الا في نهاية حزيران من ذلك العام عندما ارسلت قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي الرفيق الشهيد جورج تلو عضو المكتب السياسي للحزب الذي كان يتعالج في احدى مستشفباتها الى بغداد، ينقل نصيحة الحزب الشيوعي السوفيتي بالتوقف عن طرح شعار المشاركة في الحكومة، عند ذاك توقفت الحملة لكن (بعد خراب البصرة كما يقال).
ان طرح الشعار المذكور، كان برأيي خاطئا في تلك الفترة الزمنية، حتى انها كانت تتقاطع مع ما كنا نتداوله في الادبيات الماركسية التي كانت تقول، ان تنامي النفوذ السياسي للطبقة العاملة وحزبها الطليعي يثير حفيظة وفزع البرجوازية، بينما كان العراق في مرحلة بناء الدولة الوطنية الديموقراطية بقيادة البرجوازية الوطنية أي ان المرحلة كانت مرحلتها، وما قيمة اشراك الحزب في الحكومة بوزير او وزيرين مقابل ان الحزب كان عمليا مسيطرا على الشارع ويقود مئات المنظمات الديموقراطية والنقابات العمالية، الا انه لم يربح معركة الاشتراك في الحكومة فحسب بل بدأ يخسر مواقعه في الشارع وفي المنظمات الجماهيرية كما سيأتي ذكره لاحقا.

التراجع الى الوراء
في بداية حزيران من نفس العام، عقد الاتحاد العام لنقابات العمال مؤتمره الاول على قاعة سينما الخيام، كان المؤتمر برعاية الزعيم عبد الكريم قاسم كما اعلن في حينه، القى الزعيم خطابا حيا فيه الحاضرين وقال انني اتشرف ان اكون ابنا لعامل نجار، وكانت كلمته معبرة حقا، الا ان بعض الهتافات التي اطلقها بعض المندوبين والتي لم تكن لها علاقة بالمناسبة استفزت الزعيم وانهى خطابه بسرعة وخرج منزعجا غاضبا. اختتم المؤتمر اعماله بانتخاب لجنة تنفيذية للاتحاد مكونا من ثلاثة عشر عضوا، كانوا على التوالي، صادق جعفر الفلاحي ، علي شكر، طالب عبد الجبار، ارا خجادور، حسين علوان، عبد القادر العياش، كليبان صالح، محمد غضبان، عباللطيف بسيم، طه فائق، حكمت كوتاني، هادي علوان وكاظم الدجيلي، ثم اجتمعت اللجنة التنفيذية وانتخبت، المناضل النقابي الفقيد صادق الفلاحي رئيسا للاتحاد والمناضل النقابي العريق الفقيد علي شكر نائبا للرئيس والمناضل النقابي الشهيد طالب عبد الجبار سكرتيرا عاما، وتوزعت بقية المسؤوليات على الاعضاء الباقين في الاتحاد. لم ينقض الا بضعة اسابيع حتى حدث تغيير في قيادة الاتحاد، اذ انتخب علي شكر رئيسا وحسين علوان نائبا للرئيس وارا خجادور سكرتيرا عاما، لم يعرف في حينه سببا معقولا لذلك التغيير المفاجئ الا ان لغطا كان يدور في اوساط النقابيين ان التغيير جاء لاسترضاء الزعيم لانه زعلان!
يجدر الاشارة هنا ان جريدة الحزب المركزية، كانت تنشرفي تلك الفترة، برقيات من قادة عسكريين موجهة الى الزعيم، يستنكرون فيها المؤامرات على جمهوريتنا الديموقراطية الخالدة ويختتمون برقياتهم بعبارة الى الامام نحو وطن حر وشعب سعيد، والمعروف ان هذا شعارهو شعار الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه لحد الان، ومن السخرية بمكان، بالرغم من انني اتذكر بعضا من تلك البرقيات الا انني تمكنت قبل فترة قصيرة من الحصول على مجلد لجريدة اتحاد الشعب التي كانت تصدر في تلك الفترة، وجدت من بين اسماء مرسلي برقيات الى الامام من اجل وطن حر وشعب سعيد برقية مذيلة باسم المتأمر المجرم المقبور رشيد مصلح التكريتي صاحب بيان 13 شباط المشؤوم والذي شغل منصب الحاكم العسكري العام بعد الانقلاب الاسود. كما قرأت بعضا من نشاطات الحزب في الاعداد المارة ذكرها ومن جملتها قوافل من جنود وضباط يقومون بزيارة المدن والقطعات العسكرية وبرققتهم عدد من كوادر الحزب يلقون خطبا في تلك التجمعات، من بينهم حمدي ايوب العاني في الوسط والجنوب وعدنان جلميران في الموصل وغيرهما، وكانت تلك النشاطات تنشر بشكل بارز مع ذكر الاسماء في جريدة اتحاد الشعب، اذن كم كان الحزب واهما في توجهاته وسياسته في ذلك الحين؟
ثم بدأ العد التنازلي للزعيم في الابتعاد عن الطريق الديموقراطي، حيث فاجأ الجماهير والقوى السياسية في خطاب له بأنه لن يسمح بعد الان للاحزاب بممارسة نشاطاتها، بذريعة عدم سن قانون للاحزاب، اصدر الحزب الوطني الديموقراطي الذي كان يقوده انذاك نائب رئيس الحزب المرحوم محمد حديد، بسبب غياب رئيس الحزب الراحل كامل الجادرجي ، حيث كان يعالج في احدى مستشفيات الاتحاد السوفيتي بسبب مرض القلب الذي اصيب به بعد سجنه، كان المرحوم محمد حديد مقربا جدا من الزعيم حيث كان يشغل منصب وزيرالمالية، عند ذاك اصدر الحزب الوطني الديموقراطي، بيانا يعلن فيه تجميد نشاطه لحين صدور قانون لتنظيم الاحزاب، كان ذلك القرار قد اتخذ دون اخذ رأي وموافقة رئيس الحزب، الذي لم يحض ذلك القرار برضائه لكون القرار يتنافي مع النظام الديموقراطي الذي يسعى الحزب لترسيخه في العراق، وجاء القرار، تشجيعا للنهج الفردي للزعيم عبد الكريم، ومن ذلك الوقت بدأ التباعد بين رئيس الحزب الوطني الديموقراطي وبين نائبه محمد حديد، بسبب ذلك الخلاف وربما لاسباب اخرى اجهلها، سيأتي تفاصيل ما وصل الخلاف بين الرجلين والنهجين في صفحات قادمة من هذا الكراس.
كان رد فعل الحزب الشيوعي على خطاب قاسم وعلى القرارالخاطئ للحزب الوطني الديموقراطي بتجميد نشاطه، انفعاليا، حيث شجع الحزب عددا من قياديي الصف الثاني في الحزب الوطني الديموقراطي والذين لم يكن لهم تأثير على سائر منظمات الحزب الوطني الديموقراطي واعضائه، شجعهم باصدار بيان يستنكرون فيه قرار قيادة حزبهم بتجميد نشاطه ويعلنون انهم سيواصلون العمل كالسابق ولا يلتزمون بقرارالسيد محمد حديد وزملائه، كان من ابرز الموقعين على البيان الراحلين، المحامي ناجي يوسف، والدكتور احمد الجلبي، والدكتور عبدالله البستاني، والمحامي عبد المجيد الونداوي، والمحامي الشاعر علي جليل الوردي، وحسين العاملي ، والشخصية الفلاحية نايف حسن الحسون (ابو طارق) احد كوادر الحزب الوطني الديموقراطي حاليا امد الله في عمره، ومن جهة اخرى شجع الحزب الشيوعي عددا من اعضاء قيادة الحزب الديموقراطي الكردستاني على اصدار بيان مماثل مما دعا المرحوم مصطفى البرزاني الى فصلهم من الحزب وهم الراحلين، المحامي حمزة عبدالله، صالح الحيدري وخسرو توفيق ونجاد احمد عزيز، واعضاء اخرون ابقاهم الملا في الحزب بعد تقديم اعتذارهم، وسحبهم لتواقيعهم، لم يكتفس الحزب الشيوعي بهذا الامر بل عقد جبهة وطنية مع تلك الشخصيات انتحلوا اسماء احزابهم، واذيع بيان الجبهة من اذاعة بغداد الذي كان مديرها في ذلك الوقت الشخصية الديموقراطية المرحوم المقدم الركن سليم الفخري، مما اثار حفيظة الزعيم واصدر امرا بعزل الفخري من مسؤوليته كمدير للاذاعة، انتهت تلك الجبهة وتلاشت بنفس السرعة التي عقدت فيها، وكان هذا خطا اخر من اخطاء الحزب الشيوعي، رغم ان قرار عبد الكريم قاسم كان قرارا منافيا للاعراف والقيم الديموقراطية، لكن كان يجب ان يعالج بشكل مرن ، وليس بانفعال وتشنج، حيث ان الحزب الشيوعي فسر قرار الزعيم بانه مؤامرة عليه ، بالفعل كان ذلك القرار محاولة من الزعيم والمحيطين به لتقليم اظافر الحزب الشيوعي، وجاء بتحريض من الاوساط المتنفذة في الحكم من البرجوازية الوطنية التي نصحت عبد الكريم قاسم بانتهاج سياسة التوازن بين القوى القومية والشيوعيين (اضرب باليد اليمنى البعثيين والقوميين وباليد اليسرى الشيوعيين واليساريين عموما)، لكن عمليا بدأ التوازن يختل لصالح قوى الردة، حيث استمرالزعيم في نهجه الخاطئ بمحاربة الشيوعيين والقوى الديموقراطية، حتى وصل الامر به باصدار قرارات احالة ضباط كبار من الشيوعيين والديموقراطيين على التقاعد، واذيعت اولى القرارات من دار الاذعة، وكان على رأس المحالين على التقاعد الضابط الديموقراطي الزعيم الركن داود سلمان الجنابي قائد الفرقة الثانية مع خمسة ضباط اخرين، والمصيبة انه كلما كان يبعد ضباطا شيوعيون وتقدميون وحتى ضباط من انصاره يحل محلهم ضباطا رجعيون ومتأمرون، وهم الذين اطاحوا به في انقلاب شباط الاسود



#فاضل_عباس_البدراوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات سياسية - عشت احداثا وكنت شاهدا عليها - الحلقة الثالثة
- ذكريات سياسية - عشت أحداثا وكنت شاهدا عليها - الحلقة الثانية
- ذكريات سياسية - عشت احداثا وكنت شاهدا عليها - الحلقة الاولى
- عام مر على استشهاد كامل شياع، والقتلة مجهولون!!
- نظرة عن قرب على نتائج انتخابات مجالس المحافظات


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاضل عباس البدراوي - ذكريات سياسية-عشت احداثا وكنت شاهدا عليها-الحلقة الرابعة