أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - صبحي حديدي - جدران محاكم التفتيش














المزيد.....

جدران محاكم التفتيش


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 991 - 2004 / 10 / 19 - 09:02
المحور: القضية الفلسطينية
    


إنها، من جديد، أمثولة إبريق الزيت الذي بلا قعر ولا قرار: أن تتجاسر أو لا تتجاسر على نقد إسرائيل، في قلب الديمقراطيات الغربية التي تُعلي رايات حقّ النقد وحرّية التعبير. حكاية عتيقة مقيمة، جديدة قديمة، قد نفلح في ردّ بداياتها إلى أصول العداء للسامية (الثقافة الأوروبية بامتياز تامّ، وشبه حصري)، ولكن هيهات لنا أن نقف على سقفها الأعلى أو حدودها أو معاييرها، ما دام أحد لا يري لها نهاية.
دعوا جانباً قرار الرئيس الأمريكي جورج بوش مخالفة تقديرات وزارة الخارجية الأمريكية ذاتها، والمضيّ ــ سريعاً وفي ما يشبه اللهاث ــ إلى توقيع قانون يلزم الوزارة برصد وإحصاء الأعمال المعادية للسامية في العالم، وإعداد تقارير حول مواقف الدول منها. "هذه الأمّة ستكون يقظة، وسنعمل بطريقة لا تتمكن فيها الأفكار المعادية للسامية من إيجاد وطن لها في العالم المعاصر"، قال بوش من منبر لقاء انتخابي وعينه، غنيّ عن القول، شاخصة صوب يهود فلوريدا ونيويورك تحديداً.
دعوا جانباً أمريكا هذه، التي اعتدنا على مآثرها في ملفّ كهذا، ولنذهب إلى بلد أعرق في مسائل حقوق الإنسان وحرّيات التعبير. إلى فرنسا، التي توشك جمهرة من وسائل إعلامها وهيئاتها السياسية والنقابية على إحالة أحد كبار صحافييها إلى ما يشبه محاكم التفتيش، لأنه تجاسر وأطلق على الدولة العبرية ما يليق بها وينطبق عليها تماماً: دولة عنصرية! وألان مينارغ ليس جديداً على المهنة، وليس من هواة إثارة المعارك ضدّ طواحين الهواء. إنه اليوم نائب المدير العامّ لـ "إذاعة فرنسا الدولية"، والمراسل المخضرم الذي خدم طويلاً في العاصمة اللبنانية بيروت، وصاحب عدد من المؤلفات النوعية الممّيزة في ميدان التحقيق الصحافي وأسرار الشرق الأوسط، والحرب الأهلية اللبنانية بصفة خاصة.
ومينارغ أصدر قبل أيام كتابه "جدار شارون"، بعد أن سافر إلى فلسطين المحتلة ورصد الحقائق كما هي على الأرض. وأواخر الشهر الماضي كان ضيف القناة الإخبارية الفرنسية LCI، وكان يتحاور مع أحد المستمعين المتدخلين، حين ارتكب "الجريمة" الأولي. قال الرجل، بالحرف: "أنت تقول إنّ إسرائيل دولة ديمقراطية، فاسمح لي أن أن أقول بسرعة بالغة إنها أيضاً دولة عنصرية. إذا أخذتَ القوانين الأساسية، فإنّ المواطنين الإسرائيليين هم الذين يحملون الجنسية، لكنّ الجنسية موزّعة حسب الديانة. وحقّ العودة لا ينطبق إلا على اليهود. وما هو أساس الصهيونية؟ إنه تأسيس دولة لليهود"...
وبالطبع، قامت الدنيا على الفور، ولم تقعد بعد...
ولأنّ الرجل ليس من الهواة كما أسلفنا، فإنّه طرق المسمار إلى النهاية كما يقول المثل الفرنسي، وتابع التشديد على مواقفه في مناسبتين تاليتين، أمام "مركز الصحافة الأجنبية"، وفي حوار مع راديو "كورتوازي"... حيث ارتكب "الجريمة" الثانية. تجاسر مينارغ على وضع الزعم الصهيوني الشائع شبه المقدّس (أنّ فلسطين التاريخية كانت مهد الشعب اليهودي) موضع المساءلة، وذكّر بأنّ اليهود انحازوا على الدوام إلى مبدأ فصل أنفسهم عن "غير الأطــهار"، وشيّدوا الجدران العازلة في هذا السبيل، كما ذكّر أنّ انعزال اليهود في أحياء خاصة بهم، مبدأ الغيتو ، كان في الأساس فكرة يهودية ونفّذها اليهود أنفسهم في البدء...
ومضي مينارغ أبعد. قال إنّ الصهيونية استعمار، وأنّ اليهود ذهبوا إلى فلسطين تماماً كما ذهب الفرنسيون إلى أفريقيا، واستعاد التعاون، والتواطــــؤ، بين القـــادة الصهاينة ورجالات النازية، وناشد فرنسا الخالدة أن تُعلي صوتها وتمارس الضغط على إسرائيل، مقتدية بالجنرال ديغول، وأوحي، أخيراً، بتطبيق عقوبات إقتصادية على إسرائيل، إسوة بدولة جنوب أفريقيا في عهود الأبارتيد...
"فرنسا الخالدة" هذه ردّت، بادىء ذي بدء، بلسان هيئات نقابية سارعت إلى اعتبار أقوال مينارغ "غير مقبولة"، ولا تساعد في خلق أجواء كفيلة بالتوصّل إلى حلّ سلمي للنزاع. كذلك، وفي خطوة مدهشة حقاً، حاولت تلك الهيئات التنصّل من تصريحات الرجل، والتشديد على أنها آراء شخصية لا تلزم الجهات الإعلامية التي يرتبط بها... وكأنه زعم النطق باسم كلّ وأيّ صحافية وصحافي في فرنسا. ثمّ ردّت "فرنسا الخالدة"، الرسمية هذه المرّة، بلسان الناطق باسم وزارة الخارجية، هرفيه لادسو، الذي سار في الركب ذاته واعتبر التصريحات غير مقبولة. الأرجح أنه تناسى، والطامة الكبرى أن لا يكون قد تذكّر أو ذكّره أحد، أنّ موقف مينارغ من الجدار الفصل هو ذاته ـ وبحذافير تامة متطابقة ـ موقف محكمة العدل الدولية.
كأنّ السادة لم يتعلّموا أيّ درس ذي معني من الحوادث التي تكرّرت في فرنسا مؤخراً تحت تسمية العداء للسامية، وتبيّن أنها مسرحيات من صنع أيد يهودية. وكأنّ الحرّيات كافة في واد، ونقد إسرائيل ـ أياً كان وكيفما جاء ـ في وادٍ آخر... محرّم، مسيّج بالأسلاك الشائكة، مزروع بالألغام، ولا يفضي إلا إلى محاكم التفتيش.



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أيّ سوق نصرف وعيد إياد علاوي ودموع برهم صالح؟
- دريدا والزرقاوي
- التعديل الوزاري في سورية: مَن سيرمي رامي مخلوف بباقة زهور؟
- أشواق المستهام
- توني بلير الأحدث: صوت سيّده أكثر فأكثر
- ما الذي يمنع سيّد العالم من اعتلاء العالم
- طبيب -طاسة الرعبة-
- واشنطن ودمشق: الضجيج الذي قد ينذر بالعاصفة
- العمل الفني الأعظم
- -الخطر الأخضر- الذي عوّض الغرب عن -الخطر الأحمر-
- طرزانات أمريكا
- من دمشق إلى بيروت: تمديد الرئاسة أم تقزيم الوجود السوري؟
- طبقات الشعراء
- بيريس وحزب العمل : زالت المصطلحات وبقيت الانتهازية العتيقة
- حكمة الوقواق
- بعد نصف قرن على المصطلح: ما الذي يتبقى من كتلة عدم الإنحياز؟
- نوستالجيا الأبيض والأسود
- فرنسيس فوكوياما وتفكك اليمين الأمريكي المعاصر
- إقليم دارفور بين -لعبة الأمم- و-بورنوغرافيا الكوارث-
- محمد القيسي أم الإسمنت؟


المزيد.....




- السعودية.. 28 شخصا بالعناية المركزة بعد تسمم غذائي والسلطات ...
- مصادر توضح لـCNN ما يبحثه الوفد المصري في إسرائيل بشأن وقف إ ...
- صحيفة: بلينكن يزور إسرائيل لمناقشة اتفاق الرهائن وهجوم رفح
- بخطوات بسيطة.. كيف تحسن صحة قلبك؟
- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - صبحي حديدي - جدران محاكم التفتيش