أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد صقر - المونودراما ..قراءة في نصوص وعروض مسرحية .















المزيد.....


المونودراما ..قراءة في نصوص وعروض مسرحية .


أحمد صقر

الحوار المتمدن-العدد: 3270 - 2011 / 2 / 7 - 20:35
المحور: الادب والفن
    


أرى من الطبيعى أن أطبق على مسرحيتين من نوع "المونودراما" لأوضح فرضيتى التى أعتقد أنها من الممكن أن تتحقق بعد التحليل. ذلك أن المسرحية الأولى "ثمن الغربة" للمؤلفة "ليلى عبد الباسط" تطرح نموذجا لطالما شغل فكر الإنسان المصرى والحق بكثير من الأسر الشدائد والمصائب، أعنى سفر الأب وتركه لزوجته ولأولاده وما يترتب على ذلك من ضياع وتشوه فى العلاقات الأسريه وقد يصل الامر إلى أن تخسر الأسرة كل شئ ويبقى المال دليلا على خطأ الفكرة التى أعتقدها "محمود" زوج "بدرية" بطلة هذه المونودراما.
رحل الزوج من أجل المال غير أنه لا يستطيع أن يحدد كم من الأموال يريد، وتزداد سنون الغربة وتحتاج الزوجة للزوج ويسأل الابن عن والده وعن شكله ولماذا لا يعود، بل يصل الأمر بالأم (الزوجة) إلى أن تشبه نفسها بالأرض التي اشتاقت إلى رؤيتها فوجدتها:

بدرية: وفى يوم ... وحشتنى ... روحت لها ... لقيتها نشفت وشققت ... أقولك الحق . صعبت عليا قوى ... وحضنتها ... وقعدت أعيط.
ما أنى كمان زيها ... اشتقت للرية ... ويومها بعت لك ... ما ردتيش عليا.

إن المؤلفة تصور مأساة "بدرية" فى هذه المونودراما التى تحمل كثيرا من مقومات العمل المسرحى المتكامل، فلها بداية ووسط ونهاية، وتطرح فكرة إنسانية لطالما ناقشتها الكثير من المسرحيات وتعددت وجهات النظر، غير أن هذه "المونودراما" جمعت كافة جوانب المشكلة من خلال شخصية "بدرية" التى برغم تفردها غالبا بالحوار- إلا فى بعض الأصوت الواردة من الخلفية- إلا أنها جمعت كافة أبعاد المشكلة، خاصة على مستوى الحاجة المادية والمعنوية والنفسية مؤكدة أن انفرادها بالحوار لم يقلل من تحقق المتعة الحسية والفكرية فى عرض وتوصيل الفكرة.
أيضا تمكنت المؤلفة من خلال هذه المونودراما أن تحقق فى بنيتها معظم مقومات التأليف فى النص المسرحى، فالحدث ليس على طول الخط سردا، بل تمكنت من تحقيق البعد المادى المتمثل فى الصورة المسرحية، خاصة فى مشهد "خيال الظل" الذى تحقق على الستارة المعلقة، وأيضا الحوارية الجميلة التى تمثلت فى الديالوج الذى تم فى مخيلة "بدرية" وتحقق أثره للمتلقى فى حوارها مع "محمود" أو "صفية" أو "شيخ الغفر" أو حتى مع ولدها المتفرد لـ"بدرية"، وإن كانت مساحات هذه المداخلات محدودة.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذه "المونودراما" "قدمت لوحة متميزة لطبيعة الصراع تمثلت منذ اللحظة الأولى فى جانبين من جوانب الصراع الذى من الممكن أن نشاهدهما فى المسرحية الكبيرة أقصد:-

أ‌. الصراع النفسى الداخلى.
ب‌. الصراع المادى الخارجى.

تحقق الصراع النفسى الداخلى فى مساحات كبيرة من المسرحية منذ البداية، فمنذ اللحظة الأولى تعلن الطرقات الخفيفة على باب مسكنها أن شيئا سيحدث ولكن لا نعلم ما هو، وإن كنا قد أدركنا فى النهاية أن الموت قادم والخوف الذى يسيطر على "بدرية" من الغريب الذى سيأتى فى جوف الليل سرعان ما يصبح هو الأمل الذى كانت تنتظره والذى تحول فى النهاية إلى واقع كانت تخشى أن يحدث، فقد جاء، أقصد الموت.
غطت مساحات القلق النفسى والخوف من القادم مساحة من أحداث المسرحية كما غطت لحظات تذكر الماضى الجميل القصيرة بما فيه من سعادة وفرح مساحة أيضا من أحداث المسرحية بأن استرجعت بعضها وعاشت بعضها موضحة لنا "بدرية" مساحة الصراع النفسى الداخلى الذى بلور مشكلتها وأزمتها مع غربة زوجها التى دفعت هى ثمنها فى البداية والنهاية.
شكل الصراع المادى الخارجى مساحة من أحداث المسرحية، تمثل فى صد "بدرية" لكل من اقترب منها وطمع فيها وظلت تحارب وإن حدث أن ضعفت فى بعض الأوقات وهو ما ميز هذا الصراع المادى الخارجى، كون أنها إنسانة لها لحظات ضعف، مثل المدرس الذى أمتعها بحواره وكانت فى أشد الحاجة إليه، لكنها منعت عن نفسها الخطيئة، أو زميل زوجها فى الغربة الذى كاد أن يتمكن منها ونجحت فى مقاومته والتخلص منه.
إن الصراع فى الحالتين ليس يسيرا أو أقل مما يحدث فى المسرحية التقليدية، بل جاء شاغلا مساحة كبيرة من أحداث المسرحية، كذلك فإن الحوار الذى صاغت به "المؤلفة" المسرحية جاء متوافقا مع شخصيتها "الفلاحة البسيطة" ومعبرا عن أزمتها، بل أكثر من ذلك فإن استخدامها لبضع الكلمات والجمل جاء معبرا عن فكر "المؤلفة" وعن أفكار كثير من النساء اللائى يعشن نفس المأساة وطارحا أروع تعبير عن هذه القضية التى شغلت الرأى العام كثيرا:-

بدرية: آخر مرة زهقت وقلت له تعال يا محمود محتاجة لك قوى.. كل شئ فىً محتاج لك ... قوى .. كل شئ فى محتاج لك .. قلبى، وجسمى وروحى. ص 69.

يهون عليك ضناك؟ تهون عليك أرضك؟ ص69

حرام عليك ياللى بتخبط .. إنت عايز تفضحنى
أهل البلد يقولوا على إيه؟
عشان جوزها غايب، دايرة على حل شعرها؟ ص70

بكرة دا بتاع ربنا ... مين عارف حايحصل فيه إيه ص73.

بس تصدق بالله . كل إللى بعته وجبته السنين الطويله دى ما يساوى لحظة نقعدها سوا... أشوفك .. وأسمعك ... وألمسك ... وأحسن بيك ... نفسك يدفينى ... وحضنك يكفينى... ووجودك جنبى يشجعنى ويحمينى. ص78.

يا خوفى من بكرة .. إمتى حايجى بكره؟ ص 98.

أيوة ياللى بتخبط .. لازم بعت تلغراف أنه جاى عشان كده البلد كلها صحيت، وفرحت، وجايين يباركولى ص106.

وتنتهى المسرحية بأن تعلم "بدرية" أن زوجها الذى انتظرته أكثر من ثمانى سنوات قد مات وإن الطرق الذى كان على الباب منذ البداية هو طرق أهل البلد الذين حملوا إليها نبأ وفاته فى العراق وإن جثمانه سيصل إلى مطار القاهرة ولابد من السفر إلى المطار لاستلامه.

شخصية بدرية والشخصيات الغائبة

لعبت تقنيات الكتابة المسرحية لهذه "المونودراما" دورا واضحا فى رسم ملامح شخصياتها ذلك أن المؤلفة وإن كانت قد رسمت أمام الجمهور مباشرة ملامح شخصية "بدرية" الزوجة والأم التى تنتمى إلى طبقة اجتماعية متوسطة، أو قل فقيرة، الساعية إلى الحفاظ على زوجها وبيتها، الرافضة لفكرة السفر، ثم تتطور ملامحها، إيجابا وليس سلبا، فتظل محافظة على زوجها وبيتها وابنها، رافضة للمال والملابس والذهب، واصفة نفسها بالأرض الى تشققت وتحتاج إلى الماء وأن ماءها هو زوجها.
وبرغم أبعاد شخصيتها النفسية التى تعكس حجم مأساتها، إلا أنها قوية صامدة لا تضعف لكى تبرر بعد ذلك خطأها، بل ترفض الخطيئة وتحافظ على شرفها وشرف زوجها وبيتها، مجسدة أبعاد وملامح شخصية مسرحية ثرية بتنوع جوانبها وأفعالها وردود أفعالها مما قال من شعورنا بتفردها بالحدث لوجود شخصيات أخرى غائبة جدا لكنها حاضرة فعلا بل ودافعه لتطور الحدث إلى الأمام بشكل قوى، مثل شخصية الزوج الذى عرفنا عنه الكثير حتى كاد يتحرك أمامنا ويتنفس، بل أكثر من ذلك كان هو المعادل الموضوعى الذى أوصل "بدرية" إلى هذه النهاية فقد كان وجوده فاعلا مؤثرا فى الحدث المسرحى مثلما كان الابن الصغير "محمد" فاعلا حين يسأل عن والده، كذلك شيخ الغفر وباقى كل من تحدثت عنهم أسهموا فى الحدث المسرحى ولم نشعر بتفرد "بدرية" بالمسرحية.
قدمت السيدة "مديحة حمدى" مونودراما "ثمن الغربه" عام 1992م بمسرح الطليعة، وقد تمكنت من تحقيق كثير مما تتطلبه المونودراما، مثل تقمصها لعدة حلات نفسية بين السعادة والقلق والخوف والإنتظار والغيرة والحزن، مؤكدة أن عليها إلى جوار تنقلها من حالة إلى أخرى ارتكازها على عدة نقاط هامة احتضنها المنظر المسرحى:-
أ‌. السرير وعلاقتها به فى لحظات تذكر السعادة أو لحظات الحاجة والخوف.
ب‌. صورة زوجها وما يمثله لها من احتياج شديد بعد أن طال سفره ثمانى سنوات.
ت‌. مفرش السرير اللامع ورفضها له لأنه مما ظن الزوج أنه من الملابس والذهب- يمثلون كل ما تتمناه أى امرأه.
ث‌. غوايش الذهب وأنها ستصبح مثل الكلبشات فى يدها.

إن هذه المرتكزات السابقة كانت عوامل مساعدة فى تحقيق رسالة "بدرية" التى تحمل فى مجملها دوال رسالة واحدة مدلولها أن كل ما حققه الزوج من أموال الغربة كان ثمنه غاليا وهو تمزق أوصال هذه الأسرة وموت الأب وضياع الابن.

مونودراما "المنافق" لـ"أمين بكير"

كتب "أمين بكير" عددا من المونودرامات التى جعلته من بين أوائل من كتب فى المنطقة العربية، وأدرك حين كتب أنه سعى "لإسعاد عشاق المسرح من خلال محاولتى- كما يقول- تطوير الشكل والمعنى والمعطى الدرامى لمسرح الممثل الواحد من خلال تسع مسرحيات فى هذا المجال" ونعتقد أن المؤلف يدرك أنه امام شكل مسرحى يسعى من خلال مسرحياته إلى تطويره وتحقيق غايته ومبتغاه.
إن قراءة مسرحية "المنافق" تضعنا أمام مشكلة كثيرا ما تؤرق الناس، بل وتكشف بعض الناس أمام البعض الآخر، وأكثر من ذلك تعرى كثيرا من الناس لدرجة تجعلنا نرفض أن نكون فى مثل هذا الموقف، هنا من خلال المسرحية ينجح "مخلوف خلف الله الخلفاوى" الصعيدى الذى سعى إلى المال وإلى المركز بالزواج من ابنة رجل أعمال ثرى بدافع وبتأييد من والده الذى ظهر عند طلبها وكأنه فى حلم فكيف يتحقق هذا الحلم ويتزوج ابنة من بنات هذا العظيم الثرى، غير أن "مخلوف" يكتشف أنه أخطأ حين تزوج هذه الفتاة التى انبهرت به فى البداية وحين يصبح ثريا يكتشف أنه باع نفسه رخيصا وأن الحياة الجديدة لا تناسبه وأن منزله يستقبل فيه من لا يرغب فى مشاهدتهم وأن عليه أن يقبل، وعندما يعلن رفضه يهدد بالمحكمة ليواجه مصير التزوير وتبديد محتويات شقته أو أن يخضع ويعود ويعتذر لهذا القوى، إلا أنه يرفض ويختار حياته الجديدة فيبتعد عن الناس وتصبح عزلته فقط للكتب، وتنتهى المونودراما بإعلان "مخلوف" أن حماه يستغل الناس ويعيش على حسابهم وهو لن يتراجع حتى لو قطعوا جسده.
تعكس هذه المونودراما قضية الفساد الذى يسيطر على الناس وعلى المجتمع، ويظهر المؤلف أن كثير من المفسدين أعجبتهم هذه الحياة، وطغوا وازداد طغيانهم حتى تاجروا بفقر وأحلام وآمال الناس.
وبرغم أننا أمام مونودراما إلا أن الموضوع والأحداث والطرح يعكس شمولية القضية حتى وإن قدمها "مخلوف" إلا أن موضوع المونودراما لا يفرض على المتلقى النظرة الأحادية فى الطرح.

تبدأ المونودراما بـ"مخلوف" ومشكلته مع حماته وحماه وشكواه من هذه الأسرة ومن هذا النسب والأمر الذى جعله يعانى من كثرة الأفكار ومن الصراع الذى لا يفارقه والخوف الذى تملكه سواء من النجاح أو الفشل، ووسط هذه الأجواء التى تعكس حجم معاناته النفسية ينتقل "مخلوف" إلى حالة شعورية أخرى فيتحدث عن نفسه وعن مظهره الأنيق الذى جعل الناس تطلق عليه "المتألق" ويظل يشرح كيف يرتدى ملابسه وكيف أنه كان يطمع إلى تحقيق ذلك وكيف واجه بنفسه وأعلن أنه نسى عيشة أهله وعاش حياة ليست مناسبة له.
تتداخل أحداث المونودراما فننتقل إلى عيادة الدكتور النفسانى وكيف يقترح عليه الدكتور وسيلة العلاج وهى شرب البيرة ودخان الحشيش ويتعجب هل من الممكن أن يكون هذا اقتراح طبيب لمريض وينتهى المشهد بأن يقنع الطبيب أن على "مخلوف" أن يأخذ حقنة لتهدئته.
قسم "أمين بكير" المونودراما إلى اربعة مشاهد تدور أحداث المشهد الأول فى مكان تحيط به دائرة ديكورية دوارة وكأنها تمثل مصر كلها من القديم إلى اليوم من الآثار والأبنية القديمة وصولا إلى الأطفال العراة وأكوام القمامة وينتهى الأمر بمقعد يجلس عليه، وتنتقل الأحداث فى المشهد الثانى إلى غرفة مكتب وخلف المكتب كرسى يجلس "مخلوف" عليه إلا أنه يتجاوز هذه الآلام الجسدية لينتقل إلى الآلام النفسية فهو يعلن فشله فى الزواج، وإن زوجته أخذت محتويات البيت وتركته وحيدا. يظهر "مخلوف" مدى قوته وأنه لايزال قادر على تحمل مثل هذه الصعاب، ويكشف ما كان بينهما من حياة عاطفية فاشلة ويخشى بعد أن يطلقها ويبحث عن زوجة جديدة يكتشف أنه قد يعانى منها وتستطيع أن تستفرد به، تنتقل الأحداث فى المشهد الثالث إلى مكان يفترض له المؤلف حديقة او مسرح، المهم أن يتبادل الجمهور والممثلين الأماكن أو أن تصبح مقاعد الجمهور على شكل حدوة حصان.
بعد أن يبدأ المشهد الثالث فى البداية معتمدا على التمثيل الصامت ويعلن "خلفاوى" رفضه للحياة الجديدة ولأسلوب زوجته ويطلب من زوجته أن يغادر الضيوف البيت ويفضل أن يطرد هو من هذه الجنة، أما المشهد الرابع والأخير فنشاهد "الخلفاوى" وهو وحده فى عزلته مع كتبه ويستلم إعلان من المحكمة بأنه مزور وأنه بدد عفش الزوجية وعليه أن يعود إلى حماه ليعتذر له إلا أنه يصر ويعلن إصراره على موقفه.
يؤكد "مخلوف" على إشكالية هذه المونودراما وهى "من المنافق" هل هو الذى قبل هذه الزيجة وهذا التنازل عن مبادئه من أجل الثراء والانتقال إلى طبقة الأغنياء ليصبح اسمه "المتأنق"؟ أم أن والده هو المنافق الذى استكثر أن يوافق هذا الثرى على زواج ابنته من ابنه الفقير؟ أم أن الأب سعى إلى المظاهر للاقتراب من الكبار؟
إن استرجاع "مخلوف" لما حدث له قبل أن يشرع فى الزواج من ابنة الوزير السابق ورئيس مجلس إدارة شركة المقاولات ليدل دلالة قاطعة على حلم الوالد بتخطى طبقته على حساب مبادئه.

مخلوف ... خف عنى .... اعمل معروف يا والدى. أنا مش قد الناس دول. أنا فين وهم فين. أنا مين وهم مين لكن أرجع وأقول تانى الله يسامح سموك يا حضرة الوالد المحترم ... فتحت سدرك وربحت بالشعبطة فى حبال إللى فوق ... ابنك ... شبك وخطب وقرى فاتحتى (ساخرا) قال فتحتى قال ... ياخى قول قفلتى .

يستنكر "مخلوف" تطلعات الناس ورغبتهم فى التسلق للصعود إلى طبقات أخرى ولو على حساب كل القيم أو الأعراف، فـ"مخلوف" يؤكد أن والده دفع به إلى هذه الزيجة لكنه لا يعفى نفسه من الضعف الإنسانى بأن وافق لأنه كان يطمع أيضا ليصبح من الأغنياء.
اعتمد المؤلف على مونودرامات تتمتع بأن لها بداية ووسط ونهاية، حقيقى أن طريقة عرض الأحداث أو استدعائها من ذهن "مخلوف" لا تتم بشكل مرتب أو منطقى، ذلك أنه يستعيد صور عندما كان مهندسا مبتدئا وسعى إلى محاكاة الأغنياء فسعى إلى أن يصبح مظهره غير متمشى مع عيشة أهله، وبعضها يخص لحظات إنفاق والده على الزواج من ابنة هذا الوزير السابق الثرى، وصور من سلوك زوجته عندما عندما أعجبت به ووافقت عند الخطبة عليه.

........... سألوها إيه رأيك يا إيناس. (يجسد الحالة) وبرمشة عينيها وحركة رموشها الصناعية لحد ما لمعت عيناها من تأثير الأيلينر إللى راسمه بين عينيها عشان رموشها الحقيقية متنتفة ........ وبينت صف سنان لامع كما الكابلات كل سنة وسنة .... وتوحش... أيوه كانت البنت بتسن سنانها عشان تفترسنى .... وحصل وافترستنى فى الموقف بأدبها الشديد ... قوى وجت جنبى وقالتلى ... مبروك عليك أنا ......

يعكس الصراع فى هذه المونودراما نوعين من الصراع أيضا:-

أ‌. الصراع النفسى الداخلى بين نوازعه وتطلعاته وفشله.
ب‌. الصراع الخارجى بين القيم التى تمثلها طبقته ومن على شاكلته وبين قيم الطبقة الجديدة الثرية.

عند مشاهدة هذه المونودراما أو قراءتها يتضح منذ اللحظة الأولى حجم الصراع النفسى الذى تعيشه هذه الشخصية، فهى رافضة لواقعها وفقرها منذ البداية، ساعية إلى الصعود إلى طبقة أعلى ثم عندما يحدث ذلك يعانى الأمرين، فهو ليس إلا ضيفا بالبيت والشركة وعليه أن يطيع، إلى أن ينهار ويعود إلى نفسه ويرفض هذا الواقع المرير.
أما عن الصراع الخارجى فيمثل فى جانبين، جانب يمثله "مخلوف" ومن هم على شاكلته من أبناء طبقته، وأبناء الطبقة الأكثرية المتعالية السارقة لأرزاق الفقراء ويمثلها الوزير السابق وابنته وأصدقاؤهم، ويحاول المؤلف أن يجعل هذا الصراع المادى يحسم لصالح الطبقة البسيطة الفقيرة، عندما يعلن "مخلوف"، رمز هذه الطبقة، أن ينسلخ عنها ويختار طريق العلم وطريق محبة الخير للفقراء من أهل بلده.


بنيـــة المونودرامـــا

حققت هذه المسرحية بنية درامية وجمالية لم تشعرنا حين نقرأها أنها تفتقد لأى من جوانب الإبداع الدرامية فى المسرحيات الأخرى، حقيقى أن المونولوج والمناجاة والأحاديث الجانبية شكلوا ملمحا واضحا فى جعل الشخصية تنتقل بهذه الأدوات من موقف إلى آخر سواء عن طريق استدعاء الأحداث ككل أو أجزاء من الأحداث الكلية فى أسلوب غلب عليه تمازجها بين العقل والعاطفة فيما يتعلق بسلوكها، وهو ما يتمشى مع طبيعة المونولوج الذى يغلب العاطفة على العقل مع المناجاة التى انتصر فيها العقل على العاطفة.
حقيقى أننا لسنا أمام بناء درامى تقليدى، ذلك أن استخدام تكنيك المشاهد إنما يذكر بتكنيك المسرح الملحمى، كذلك اعتماد تكنيك المكاشفة والمصارحة والاصطدام بالواقع يقربنا من تقنيات الكوميديا السوداء، غير أن شخصية "مخلوف" جعلتنا نقرأ النص ونشاهده ليس من منطلق فردى أحادى إنما غلب على المونودراما روح الجماعية نظرا لشمولية القضية لأعداد كبيرة من الناس وليس اختصاصها بفئة قليلة من الناس.
تخطت البنية الحوارية للنص مشكلة "مخلوف" لتصل إلى العديد من الناس الذين يشبهونه، بل أكثر من ذلك إلى سلوك والد "مخلوف" أو العروس ووالدها، وكلها شخصيات استحضرها "أمين بكير" ولم يشعر بغيابها، إذ كانت فاعلة ومحركة للأحداث، وربما يكون ذلك من بين الأسباب التى جعلتنا نشعر بانفراد "مخلوف" بالحوار الشخصى الذاتى على طول الخط، لأنه حدثنا عن الآخرين.
عكست شخصية "مخلوف" أبعاد للشخصية الدرامية على كافة المستويات الاجتماعية- النفسية والمادية ولم نشعر أننا أمام سيكودراما- "دراما نفسية"، وإن كانت مشاكل "مخلوف" والكثير مثله لم تبتعد عن دائرة الأحداث، إلا أن تكنيك المونودراما لا يعجز عن أن يرتقى إلى غيره من أشكال الكتابة للمسرحيات الأخرى.
مزجت هذه المونودراما بين مستويى الزمان والمكان، فالأزمنة متداخلة بين الماضى والحاضر والمستقبل، وربما يعود الأمر لتداخل الأحداث نظرا لاستدعائها من الزمن الماضى لتجسد حاضرا لتشكل ملامح هذا الموقف بكل ما فيه مستقبلا.
كذلك تداخلت الأمكنة بين المكتب والمنزل والشركة والأجواء العامة التى بدأ بها المشهد الأول لندرك أن تمازج الأمكنة قائم لتمازج الأزمنة ومنهما تتوالد المعانى وتبتعد دلالات الحدث المسترجع ويتفكك، مما يثرى من الخطاب المسرحى ويحقق غاية المونودراما فى تعدد خطابات الآخرين.
وعليه يصل الباحث من خلال ما تقدم إلى رؤية مفادها أن فن المونودراما من الفنون الدرامية التى تهدف إلى دراسة سيكلوجية الشخصية بعد أن تبحر فى أعماق النفس، وبهذا يقترب من السيكودراما.

تتعدد موضوعات الحكى للشخصية المونودرامية مما يعدد من موضوعات المونودراما ولا يحصرها فى نوع واحد.

عند قراءة الأعمال المسرحية التى تنتمى إلى جنس المونودراما نرى أنها لا يمكن أن نقولبها فى قالب واحد، بأن نظن أنها تخضع للمعايير الأرسطية، من حيث البناء، بل أن بناءها قد يصبح أبعد من ذلك، فنجد مسرحيات لـ"برانديللو" وأخرى لـ"بيكت" وثالثة لـ"تشيكوف"، ولا يمكن أن ندعى انتماءهم لاتجاه واحد فى الكتابة.
وأضف إلى ذلك تفتقد المونودراما فى احيان كثيرة إلى الترتيب المنطقى للأحداث، لكنها ليست شبيهة بمسرحيات العبث- ولعل الأمر مرده- كون هذه الأحداث يتم استدعاؤها من الماضى القريب أو البعيد ولا يزال أثرها واضح على اللحظة الحاضرة، وهو ما يجعل المونولوج والمناجاة الفردية، أنسب أشكال الحوار تعبيرا عن مكونات النفس عندها.
على أن الجانب الهام الذى تعكسه المونودراما فى النماذج السابقة يتمثل فى التداخل الزمانى والمكانى للأحداث، وهو ما يعادل مستويات الزمان والمكان، كما يرى السيميولوجيين، بمعنى أن زمن أحداث المونودراما يتدرج على ثلاث مستويات فى الغالب الأعم إلا ما جاء فى مستويين، وأقصد بالأولى مستوى الماضى الحاضر والمستقبل، وأقصد بالتالى الماضى والحاضر فقط.
أما عن مستويات المكان، فتعكس النماذج السابقة تداخل بين أكثر من مكان يحكم تعدد صور الأمكنة التى يستعيدها ذهن الشخصية للأماكن والمناظر التى جرت فيها الأحداث، ولعل ذلك ينتج لنا- كما يرى أصحاب المنهج السيميولوجى الكثير من الدلالات التى تفصح عن العديد من المدلولات.

• تمكنت المؤلفة من خلال مونودراما "ثمن الغربة" أن تحقق فى بنيتها معظم مقومات التأليف فى النص المسرحى، فالحدث ليس على طول الخط سردا، بل تمكنت من تحقيق البعد المادى المتمثل فى الصورة المسرحية.

• استطاعت المؤلفة أن تقدم شخصية مسرحية تنوعت بالثراء فى رسم ملامحها وأفعالها وردود أفعالها مما قلل من شعورنا بتفردها بالحدث، بل تلاقت مع الشخصيات الغائبة ليحققوا منا دفعا للحدث بشكل متميز.

• تميز الصراع فى مونودراما "ثمن الغربة" بأنه جاء شاغلا مساحة كبيرة من أحداث المسرحية ما بين الصراع النفسى والمادى، مما جعله ليس أقل مما يحدث فى المسرحيات التقليدية.

• غلب على الحوار أنه يعكس كثيرا من التوافق بين ملامح شخصية بدرية وبين بيئتها، مما جعل الحوار يعبر بصدق عن أزمتها، بل وجاءت الجمل بكلماتها لتعبر عن أزمة، ليس فقط "بدرية"، بل كل النساء على شاكلتها.

• عكست مونودراما "المنافق" كثير من الملامح الفنية والفكرية أهمها:

1- تمتعت المونودراما بتطور أحداثها فى أسلوب منطقى له بداية ووسط ونهاية، وإن ميزها أيضا بعمومية الحدث وعدم خصوصيته.
2- قدمت المونودراما الصراع على المستويين، النفسى والمادى، أما عن النفسى فقد عكس رفضها لواقعها وسعيها لتخطى هذا الواقع، أما الخارجى فيعلن "المنافق" رمز الطبقة الفقيرة رفضه لهذه الطبقة الجديدة ورغبته فى البقاء مع أهل طبقته بالحب.
3- عكست هذه المونودراما بنية درامية وجمالية لم تشعرنا بفقدان أى من جوانب الإبداع الدرامية فى المسرحية.
4- تخطت البنية الحوارية للنص مشكلة "مخلوف" لتصل إلى العديد من الناس، مما قلل من فكرة التفرد التى يظن البعض أنها من سمات المونودراما.
مع تحيات أ.د أحمد صقر- جامعة الإسكندرية



#أحمد_صقر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسرح التحريضي ( الإثارة- الدعاية ) في أمريكا
- المسرح السياسي في أمريكا
- المسرح أحد وسائل الاتصال الجماهيري وعلاقته بالمجتمع
- القضية الاجتماعية في المسرح المصري (سعد الدين وهبة نموذجا )
- قضايا العولمة الثقافية وموقفنا منها
- العولمة الثقافية
- النقد النسائي (النسوي)
- نظرية العرض المسرحي في المسرح العرائسي للطفل
- تاريخية العولمة والقوي التي دفعت العالم إلي التغيير
- الارشادات المسرحية في مسرحية الزفاف الدامي للكاتب الاسباني ل ...
- البيئة العربية في مسرح لوركا الاسباني
- المسرح بين التجريب والعولمة
- في النقد التطبيقي ..مسرح نصرة المرأة
- سينوجرافيا المسرح ..المرجعية النظرية للعرض المسرحي
- آلية التلقي في المسرح ..دراسة في النقد الأدبي والمسرحي
- المسرح وتحديات العولمة
- الأسرة في المسرح الأمريكي المعاصر


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد صقر - المونودراما ..قراءة في نصوص وعروض مسرحية .