أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدر الدين شنن - في فكر وسياسة المعارضة 4- 4















المزيد.....


في فكر وسياسة المعارضة 4- 4


بدر الدين شنن

الحوار المتمدن-العدد: 3242 - 2011 / 1 / 10 - 19:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


للحصول على قدر لابأس به ، من خلفيات مرحلة ( 2000 - 2001 ) لابد من أن تؤخذ بعين الاعتبار المستجدات التي وقعت في العام ( 2000 ) ، التي تبدو متباعدة مستقلة شكلاً ، لكنها متقاربة متداخلة فعلاً .
* في الشهر الأولى من عام ( 2000 )، في عهد الرئيس الرئيس الأسد " الأب " ، اتخذ " التجمع الوطني الديمقراطي " المعارض قراره بالانتقال إلى العلنية .
* السبت في العاشر من حزيران عام ( 2000 ) ، كان آخر أيام الرئيس الراحل " حافظ الأسد " . ففي صباح ذاك السبت ، أثناء محادثة هاتفية مع الرئيس اللبناني السابق " إميل لحود " ، توقف قلب الرئيس عن دقات الحياة . وكانت آخر كلماته مع الرئيس لحود ، التي ا ستبطنت ما أعده لإستدامة نظامه من بعده ، " قدرنا أن نبني لأولادنا مستقبلاً يطمئنون إليه ، وواجبنا أن " نورثـهــــم " أفضل مما ورثنا "
* بعد قليل من وفاة الرئيس " الأب " بدأت إجراءات التوريث ، بعقد جلسة خاصة لمجلس الشعب تم فيها تعديل المادة ( 83 ) من الدستور ، تمهيداً لترشيح ابن الرئيس لرئاسة الجمهورية .
* في ( 11 حزيران 2000 ) أصدر نائب الرئيس الأول عبد الحليم خدام مرسومين . الأول ، ترقية بشار إلى رتبة فريق . والثاني ، تعيين الفريق بشار قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة .
* في ( 10 تموز 2000 ) انتخب " استفتاءً " الفريق بشار الأسد رئيساً للجمهورية . وقد تضمن خطاب القسم أمام مجلس الشعب ، ملامح على صعيد احترام الآخر ، ورغبة في تجاوز أخطاء ونواقص في الماضي ، والقيام بالاصلاح ، ثم اتبع ذلك بالافراج عن ( 600 ) سجين سياسي ، وأغلاق سجن المزة .
* في أواخر عام ( 2000 ) تم انتخاب جورج بوش الابن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية ، وتولى مع طاقمه من المحافظين الجدد ، قيادة الامبريالية الأميركية ، حاملاً مع طاقمه العنصري الدموي مشروع احتلال العراق وخريطة امبراطورية ، للهيمنة على العالم ، وبخاصة على ثروات وأسواق ومحاور جيوـ سياسية ا سترتيجية يأخذ فيها احتلال العراق ، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط أهمية مفتاحية .
* وقبل أن ينتهي عام ( 2000 ) حققت المقاومة اللبنانية انتصارها ، بإجبار القوات الإسرائيلية على الانسحاب من جنوب لبنان دون قيد أو شرط .

* * *

كل المستجدات والوقائع الواردة آنفاً وتداعياتها ، في العشر سنوات المتوالية السابقة ، لعبت دور اً تصاعدي الخطورة بالنسبة لشعوب المنطقة . وعلى أهميتها ، منفردة أو مجتمعة ، فإن هذا المقال لايروم غير إضاءة الإضافات الجديدة ، التي طرأت جراء ذلك على سوريا كدولة ، وعلى السياسة فيها ، وعلى فكر وسياسة المعارضة ، في أجواء الانتقال إلى العلنية ، وفي مناخ توريث الرئاسة واستنساخ الاستبداد ، ومن ثم دخول اللاعب الأميركي الشرق الأوسط ، بشكله العسكري المدمر والسياسي الفظ ، والمخابراتي المنفلت من عقاله ، جالباً معه على دباباته وطائراته وصواريخه خريطة جديدة للشرق الأوسط ، وعولمة مشبوهة ، وديمقراطية مزيفة .

قبل دخول اللاعب الأميركي المشهد الشرق أوسطي بشكله الجديد ، بدأ الداخل السوري يتفاعل مع مرحلة العهد الرئاسي الجديد . حيث ا ستهل النظام " الجديد ـ القديم " عهده بالتسويق لما سمي بالاصلاح ، وكأن هذا الاصلاح سيتحقق فعلاً كما هو الوعد الرئاسي في خطاب القسم . وبدأت المعارضة تطرح وجهة نظرها في الاصلاح ، مخرجة إياه من إطار التجريد إلى مركز التحديد . ونادت بالاصلاح السياسي أولاً . في محاولة مزدوجة ، تحقق فيها انتقالها إلى العلنية ، وتطرح برنامجها للتغيير . وتطورت التجاذبات بين خطابي النظام والمعارضة ، حول الاصلاح . المعارضة تتوسع في مفهوم ودائرة الاصلاح ، بحيث يشمل التعديل الدستوري ، وإخراج سوريا من تحت حالة الطواريء والأحكام العرفية ، والنظام يحجم الاصلاح ويحصره بالصعيد الاقتصادي .. ومن ثم بالصعيد الإداري . واستمر هذا التجاذب طيلة عمر ما سمي بربيع دمشق القصير ، الذي بدأ بعد خطاب القسم في ( 17 / 7 / 2000 ) وانتهى في منتصف شباط عام ( 2001 ) ، والذي كان غنياً بالمبادرات الحيوية . ففي أيلول ( 2000 ) أصدر ( 99 ) مثقفاً بياناً طالبوا فيه برفع حالة الطواريء والأحطام العرفية وإطلاق الحريا ت الديمقراطية والإفراج عن المعتقلين السياسيين . وفي عام ( 2001 ) أصدرت مجموعة من المحامين بياناً طالبت فيه بمراجعة دستورية شاملة ، وبإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية وإطلاق الحريات العامة . وأصدر عدد من الكتاب والمثقفين وثيقة لجان المجتمع المدني تحت عنوان " توافقات وطنية عامة " . وأصدر الأخوان المسلمون " ميثاق الشرف الوطني تبنوا فيه معظم ماجاء في بيانات المثقفين ودعوا إلى العمل السلمي تحت سقف التعددية السياسية . وانتشرت ظاهرة المنتديات . وكان أشهرها " منتدى الحوار الديمقراطي و" منتدى الأتاسي . وقد ا ستخدمت منابرالمنتديات من قبل نشطاء من مختلف ألوان الطيف المعارض ، لطرح عناوين ومضامين الاصلاح المطلوب . ربما كانت النبرة المستخدمة من قبل البعض عالية نسبياً ، لكن ما طرح من آراء لم يخرج عن المضمار الديمقراطي .

وقد كان رد رموز النظام على أنشطة المنتديات قاسياً وحازماً . وزير الإعلام محمد عمران يصرح " دعاة المجتمع المدني استعمار جديد " . نائب الرئيس عبد الحليم خدام يقول " لن نسمح بجزأرة سوريا .. لن نسمح بتحويل سوريا إلى جزائر ويوغسلافيا أخرى " وزير الدفاع مصطفى طلاس يعلن " إننا أصحاب حق ولن نقبل أن ينتزع أحد منا السلطة لأنها تنبع من فوهة بندقية ونحن أصحابها . لقد قمنا بحركات عسكرية متعددة ودفعنا دماءنا من أجل السلطة " . وشارك بشار الأسد بالحملة ، ووجه انتقادات حادة للبيانات السياسية الصادرة عن المعارضة .

وإذا تجاوزنا التفاصيل في هذا السياق أيضاً ، يمكن اختصار ظاهرة ربيع دمشق ، التي جاءت على الطريقة التشيكية ، أنها كانت تعبير عن كبت قهري مزمن مشروع ، وإنها كانت ، في معظمها ، مجموعة أنشطة حيوية قامت بها نخب ثقافية وحقوقية وسياسية ، تحملت مسؤولية وآلام التمسك بالاصلاح ، وجعله أساس لتجسيد تغيير " ديمقراطي " في البلاد . لكنها اصطدمت بنفاق الوعد الاصلاحي ، وباستعصاء التلاقي على الحل " الديمقراطي " مع الطرف الآخر " النظام " ، الذي عبر عنه العماد طلاس بمنتهى الدقة والحسم " لن نقبل أن ينتزع أحد منا السلطة لأنها تنبع من فوهة بندقية ونحن أصحابها " والذي يرى أن الحرية السياسية تتعارض مع مشروعه تحويل الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق الليبرالي ، والمخطط له أن يستحوز أهل الحكم على أهم المفاصل فيه وعلى عوائده وفوائه . وانحكمت " ظاهرة ربيع دمشق " بعمر قصير ، لم يحدد القمع وحده نهايته ، وإنما عدم تحول الفعل النخبوي والهم النخبوي إلى فعل جماهيري وهم جماهيري .

* * *

الهجوم الذي وقع في ( 11 أيلول 2001 ) على أبراج نيويورك ، حوله بوش والمحافظون الجدد إلى حدث عالمي .. إلى ذريعة ، لتنفيذ مخططاتهم للهيمنة الامبراطورية على العالم ، وأعلن الحرب الكونية على الإرهاب وسيلة قذرة لتحقيق ذلك .
وكان الهجوم الأميركي العسكري على أفغانستان بداية لتدفق الجحيم الأميركي بمكوناته العسكرية التدميرية الهائلة ، وبمخططاته السياسية المخابراتية ، التي تحمل عناوين العولمة وحقوق الإنسان والديمقراطية المزيفة ، لإعادة تقسيم البلاد العربية والشرق أوسطية عامة ، لتوفير مقومات الهيمنة الأميركية ـ الصهيونية على هذه البلدان .

وقد اتضح هذا الجحيم أكثر ، عندما غزا الأميركيون العراق بذرائع كاذبة . ورغم أن ما جرى في العراق كان غزواً بكل المقاييس السياسية والدولية والأخلاقية ، فإن ما طرحه المحافظون الجدد بقيادة بوش من فضاءات العولمة وحقوق الإنسان والديمقراطية المزيفة ، قد أخذت به معظم قوى المعارضة السورية ، وراهنت عليه ، لعله يسهم في إجراء تغيير " ديمقراطي " في البلاد ، متجاوزة ، أن الغزو الأميركي الاميريالي ، قد أضاف إلى مهامها الديمقراطية بعداً وطنياً واضحاً بامتياز ، وكان ينبغي أن تضعه في مقدمة أولوياتها في صراعها مع النظام .

وانتشرت العولمة البوشية في أوساط نخبوية سياسية وثقافية ، وكأنها الحل الأمثل لمعالجة كل أزمات ومآسي العالم . وجرى تحديد مع أو ضد العولمة معياراً لمستوى التقدم أو التخلف في الوعي والثقافة والسياسة . بيد أنه من الناحية الموضوعية ، أضعف الانبهار بالعولمة والدور الأميركي التبشيري المخادع للديمقراطية وحقوق الإنسان ، أضعف المعارضة عموماً ، وأحال الالتفاف السياسي الجماهيري لصالح النظام ، الذي كان مكره أخاك لابطل ، في تجنب الوقوع في الانبهار واستحقاقاته ، التي من بديهياتها في كلا الوجهين فقدانه فرصة استدامته .
ثم جاءت تداعيات لبنان الناتجة عن عملية إكراه النظام على الانسحاب من لبنان ، واغتيال " رفيق الحريري " ، وحرب تموز 2006 ، لتبرز أخطاء أخرى للمعارضة السورية . فمن منطلق حشد التحالفات ضد النظام ، اصطفت مع القوى اللبنانية المتعاملة مع أميركا والدول الغربية لاسقاط النظام ، التي يتزعمها سمير جعجع وأمين الجميل وسعد الحريري ووليد جنبلاط ، ثم اصطفت مع هذه القوى ضد المقاومة اللبنانية المتحالفة مع النظام السوري لاعتبارات مصيرية ، التي خاضت قتالاً باسلاً مشرفاً ضد القوات الإسرائيلية وأجبرتها على وقف القتال والانسحاب ، ما اعتبر انتصاراً عربياً ولبنانياً في آن ، وقد أضعفت هذه الاصطفافات المعارضة أيضاً ، وحولت المياه الشعبية إلى طواحين النظام .

* * *

الأكثر التفاتاً في فكر وسياسة المعارضة ، هو القبول بأطروحات العولمة الأميركية والدولية السرابية ، على خلفية أن النظام الرأسمالي قد حقق انتصاره الأبدي الحاسم ، دون قراءة موضوعية لمآلات هذا الانتصار على بنائه وتناقضاته ودورات أزماته ، ودون قراءة منعكساته على الدول والشعوب في القارات المهمشة . وقد تجلى بعض ذلك بتخلي قوى عن مرجعياتها الاشتراكية والانتقال إلى مواقع الليبرالية ، بل إن المعارضة بالمجمل ، عدا استثناءات ماركسية الهوية ، قد قبلت أيضاً بذلك ، ما أدى إلى تقليص مسافة الخصومة بين المعارضة والنظام ، وأبعد المسافة بينها وبين غالبية المجتمع السوري المؤلفة من الطبقات الشعبية الواسعة . كما تجلى أيضاً بنفخ دور الخارج في معادلة داخل / خارج من أجل تقوية المعارضة ، وإلى وقوع عدد من رموز المعارضة في منزلقات مكشوفة على أعتاب البيت الأبيض ومنظمات دولية مشبوهة ، والانخداع بملفات التحقيق الدولي في اغتيال الحريري والرهان عليها كرافعة لعملية التغيير .

وعند العودة إلى حقيقة الخلفيات الاجتماعية لمعظم قوى المعارضة " التقليدية " نجد التفسير لهذه السياسات ، ونجد أن هذه الخلفيات هي التي تدفع بطبيعتها في الاتجاهات التي سارت عليها الأمور ، ومنها، أنها في الجوهر غير متعارضة مع توجهات العولمة الأساسية ، لاسيما من حيث أنها ، حسب الطروحات النظرية ، توفر سبل الاتصال الثقافي والسياسي ومستلزمات ازدهار السوق الاقتصادية الليبرالية العابرة للحدود والقارات . وعلى ذلك كان من السهل ، أن تقطع المعارضة مسافة ملموسة باتجاه الخارج الدولي ، وأن تقطع نصف المسافة باتجاه الداخل " النظام " ، لكنها بذلك تنسف كل المسافة بينها وبين الطبقات الشعبية ، ما يجعلها على المستوى الاقتصادي الاجتماعي أقرب إلى النظام من الملايين والملايين التي تكابد الأزمات المعيشية والفقروالقهر ، وقد تجلى ذلك بوضوح بتعليق الأخوان المسلمين معارضتهم للنظام ، وبالتوافق الزمني لانعقاد مؤتمر إعلان دمشق مع الضغوط القضائية الدولية المحتملة على النظام ، وفي بنيته العضوية وفي مقرراته وبياناته ومآلاته .

* * *

منذ السبعينات ، بدأ النظام الجديد يتخذ إجراءات تحويل الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق الليبرالي . وبدأت عملية تراجع الدولة عن دوررها الاقتصادي المسؤول عن القطاع العام الانتاجي والخدمي ، وتكريس هذا القطاع ومشاريع الدولة لإثراء الطبقة الحاكمة واستيلاد برجوازية جديدة سلطوية تهيمن على الاقتصاد والسوق . وقد كان ذلك يجري ضمن خطة خلق قاعدة اجتماعية اقتصادية للنظام ـ لتقويته وتدعيم استدامته . وخلال أعوام السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ، أنجز الدكتور " محمد العمادي " المشرف الرئيس على هذا التحويل ، أنجز هذه النقلة النوعية الاقتصادية الاجتماعية . بحيث نشأت أعمدة برجوازية قوية من أهل الحكم استحوزت على قدر كبير من الهيمنة على السوق .
وفي هذا الصدد لاحاجة لذكر أسماء وأرقام ثراء هذه الأعمدة ، إذ بدون عناء يمكن التأكيد على أن أغنى أغنياء البلاد هم من يتربعون في قمة السلطة والحزب وحلفائهم .
وعندما حلت الثمانينات في القرن الماضي ، كان القطاع العام قد ’فرغ من محتواه ودوره وقدراته ، و’وضع برسم التصفية ، و’رفع دور القطاع الخاص إلى مستوى صارفيه يكلف الدولة لتقديم التسهيلات القانونية والإدارية والسياسية لبلوغ أعمدة البرجوازية الكبرى ، ومعظمها من أهل الحكم ، أهدافها وتحقيق مصالحها . وكانت القفزة النوعية في هذا الصدد ، التبني الرسمي العلني لاقتصاد السوق الليبرالي والجري وراء إرضاء البنك الدولي ومنظمة التجارةالدولية ، ما شكل قطيعة تامة مع أهداف الحزب الحاكم التي أعلنها عند استيلائه على السلطة ، وألقى البلاد بشكل حاسم في أتون الرأسمالية وقوانينها وتداعياتها المؤلمة شعبياً .
الغاية من عرض هذه الملامح الأساسية للتطور الاقتصادي الاجتماعي في البلاد ، هي للدلالة على أن خلفيات معارضة النظام في الستينات والسبعينات قد انتهت ، وحلت محها خلفيات تعبرعن استحقاقات ومتغيرات مطابقة للتحول الاقتصادي الاجتماعي الذي حدث خلال الأربعين عاماً الماضية ، فعبارة المشاركة في السلطة وتداول السلطة تعني ، إن لم يكن الداعون لها يحملون نفس الرغبة بهذا التحول ، هي مشاركة غير مقدسة مع نظام حول البلاد إلى مجال للنهب المزدوج ، البيروقراطي الإداري الفاسد من ناحية ، والنهب البرجوازي الجشع من ناحية أخرى .
بمعنى أن بضاعة المعارضة " التقليدية " لم يعد لها مكان في السوق ، إلاّ إذا اختارت أن تكون معارضة ليبرالية مطابقة لاستحقاقات اقتصاد السوق الليبرالي ، وأن تتموضع رسمياً ضمن الإطار العام للنظام ، لتحصل على حصة تافهة في لعبة يديرها نظام غير ليبرالي ، حيث يكون ثمن الاستمرار المادي لهكذا معارضة يقتطع دون رحمة من المصالح المادية لمن تمثلهم ومن الكرامة .

بكلام آخر ، إذا كان برنامج المعارضة " التقليدية " الاقتصادي الاجتماعي يتماثل مع الخطوط العامة لبرنامج النظام ، فإن جوهر الخصومة مع النظام يكمن في الغالب ، في حرمان مكوناتها وحرمان من تعبر عنهم أو تريد أن تعبر عنهم ، طبقياً ، من المشاركة في الأصعدة الاقتصادية الرابحة ، التي يهيمن عليها اهل الحكم وشركائهم . وفي حال إصرارها على هذا المضمون لمعارضتها فإنها تصطف طبقياً بلا لبس مع النظام ، أي ما يجعل حراكها المعارض غير هادف لاستبدال بنى النظام الاقتصادية ببنى أخرى مغايرة ، ما معناه أن ما ترمي إليه ليس أكثر من تشذيب النظام من شوائبه الطوارئية والعرفية ، وتقليم أظافره القمعية ، لتحصل على المشاركة بالسلطة أو التوصل إلى صيغة للعبة تداول السلطة ، بشكل يؤمن توزيع فائض القيمة العام بين جميع مالكي الرأسمال ووسائل الإنتاج دون استثناء .

وبذا فإن هناك فراغاً في المشهد المعارض الجاد من أجل نظام بديل مغاير . إذ أن تغيير النظام من حيث هو تعبير عن النظام الرأسمالي لايتحقق بجلب نمط رأسمالي آخر أو بسلطة خادمة للرأسمالية . فكل الأنماط الرأسمالية ، الاستبدادية ، و" الديمقراطية " تقوم على الاستغلال وسرقة القسم الأعظم من فائض القيمة . الاختلاف بينها هو حول نسبة القسمة بين القطاعات التي تشكل اقتصاد السوق . وكل الأنماط الرأسمالية تضطهد وتستغل وتفقر الطبقات غير المالكة وتهمشها باستمرار ، والبديل لنمط الانتاج الرأسمالي هو نمط الانتاج الاشتراكي ، الذي تنتفي فيه كل أشكال الاستغلال والاضطهاد ، وهو النمط الذي تزدهر فيه الحرية الحقيقية والديمقراطية .. عبر العدالة في فرص العمل ، وربط الأجر بالإنتاج ، وبالأسعار ، والخدمات الاجتماعية ، والإنفاق المعيشي الذي يكفل الكفاية والعدالة .

وما يؤكد على هذه الطروحات ، أن أزمة الرأسمالية المتفاقمة منذ سنوات ، قد زعزعت الثقة بالليبرالية الاقتصادية وبالنظام الرأسمالي ، وأجبرت جهابذة الاقتصاد في البلدان الرأسمالية الكبرى على العودة ، ولو نسبياً ، إلى دور الدولة في توجيه الاقتصاد ، لكنه توجيه معاكس . إذ انصب في خدمة ودعم الشركات والبنوك الكبرى المتعثرة ، وأحال فواتير دفع ثمن حل الأزمة إلى أجور ومدخرات الفقراء . لكن ذلك لاينفي ، بل يؤكد ، صحة أن تقوم الدولة بدور موجه للاقتصاد لصالح التنمية الاقتصادية الاجتماعية الشعبية . مايعني أنه ، بصيغة أخرى ، لامن حيث الرغبة ولا من حيث الواقع الموضوعي ومتطلبات المستقبل ، يمكن لمعارضة تحمل برنامجاً اقتصادياً ليبرالياً ، أن تكون معارضة ناجحة بمواجهة نظام اقتصاده ليبرالي ، وسياسته قمعية تجاه الآخر ، وعقيدته السلطوية هي التي صاغها العماد طلاس .

المجال المفتوح أمام معارضة حقيقية لها مستقبل ، هي معارضة تضم كل القوى ، التي تمثل اللحظة التاريخية واستحقاقاتها .. تمثل الغالبية العظمى في المجتمع ، من العمال ، والفلاحين ، وفقراء المدن ، والعاطلين عن العمل ، وكافة الذين لايعيشون إلاّ على الأجور والرواتب ، والشرائح الثقافية
، التي تحمل في ضمائرها توقاً صادقاً للحرية ، وكرهاً ثابتاً للاستغلال ، وحباً شفافاً للعدالة الاجتماعية ، وذلك ضمن إطار حزب اشتراكي عمالي ديمقراطي ، يحدد على ضوء النظرية الماركسية والبراهين العلمية سمت نضاله في الحاضر والمستقبل .. إن مثل هذه المعارضة تستطيع أن تستقطب الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقة في التغيير وتحركها .. وتستطيع أن تححق برنامجها ..

لن نذهب إلى أميركا اللاتينية لنأتي بالأمثلة .. بل نكتفي بمثال الحراك الشعبي المتواصل في مصر والمغرب .. وبالانتفاضات الجماهيرية الشجاعة في تونس والجزائر



#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في فكر وسياسة المعارضة 3- 4
- في فكر وسياسة المعارضة 2 - 4
- في فكر وسياسة المعارضة 1 - 4
- أهميةالحوار المتمدن فضائياً
- فضائح ويكيليكس - الخلاقة -
- نحن والغرب والحداثة
- مجزرة نداء الشيطان
- الانحدار من خط الفقر إلى خط الجوع
- ليس غير اليسار الاشتراكي
- وسام لامع على صدر - الحوار المتمدن -
- ملوك اقصاد السوق يزحفون نحو السلطة
- - صحافة قطاع خاص - في نظام أحادي ..
- الطبقة العاملة والحزب والنقابات ( 2 - 2 )
- الطبقة العاملة والحزب والنقابات ( 1 - 2 )
- العمال واللقمة المغمسة بالفقر والقهر
- حول اليسار وعودة اليسار
- الانتقال من معارضة تقليدية إلى معارضة ثورية ديمقراطية
- التجاوز والرهان الصعب
- آمنة والأقفال السبعة
- من أجل غزة ومابعد غزة


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بدر الدين شنن - في فكر وسياسة المعارضة 4- 4