أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر اسكيف - الشعر والمتلقي- ملامح أزمة نوعية جديدة -















المزيد.....

الشعر والمتلقي- ملامح أزمة نوعية جديدة -


ياسر اسكيف

الحوار المتمدن-العدد: 968 - 2004 / 9 / 26 - 08:54
المحور: الادب والفن
    


‘قيل لأبي تمّام : لماذا تقول ما لا يفهم . فأجاب : لماذا لا تفهم ما يقال . هي حكاية يعرفها الجميع .
والذي يدركه الجميع أيضاً , دون مقدرة الغالبية على استخلاصه كمعرفة مستقلّة , هو أنّ أزمة العلاقة بين النص والمتلقي قائمة مادامت أدوات الإنتاج وإعادته تنتميان إلى حقلين معرفيين أو جماليين مختلفين .
ومع أن قول أبي تمّام السابق ينتمي إلى حقبة كانت فيها كلا الأدوات تنتمي إلى ذات الحقل أو إلى حقلين متقاربين , فإنّه قد طرح إشكالاً لا يعني الشعريّة ومفاتيحها بقدر ما يعني نوع التجربة في سؤال المحيط . ذلك أن تنوّع التجربة أوجد تنوّعاً في كيفيات الاستقبال وفي تمثيل تأثيرات المحيط وإعادة تصديرها .
ومع الغنى والتنوع في التجربة الإنسانية ( جماعة وفرداً ) نتيجة للنقلات النوعيّة المدينية ( المؤسسات )التي حدثت في تاريخ المجتمع العربي الإسلامي ( الدواوينية – العسكرية – الاقتصادية ) أموياً و( الإضافة الثقافية –العلمية ) عباسياً , مضافاً إلى ذلك اضمحلال الأنا الجمعية في الكثير من التجربة المدوّنة بعد بروز الفاعل الثقافي غير العربي وترسّخه كجزء غير منفصل من النسيج الثقافي الأمر الذي أفسح المجال أمام التجربة الفردية للظهور والتأكد كاختبار وحساسية فرديين محدثة بذلك هامشها الفاصل عن التجربة الجماعية .
صحيح إن ذلك الانفصال كان نسبياً , ولكنّه أكّد أن خطاباً على شيء من الاختلاف قد وجد فعلاً , وإن نوعاً من التشويش قد بدأ بالتأثير على قنوات الاتصال بين الفردي , الذي قد بدأ يتحرر من الكون في التجربة بوحي من الثوابت , والجماعي الذي يخوضها دفاعاً عن تلك الثوابت .
تاريخياً , انطفأت تجربة الخروج تلك , بالتزامن مع انكفاء المجتمع العربي ككل إلى قوقعة السكون بعيداً عن مناخ الإرادة . وإن كان لتلك الروح أي تظاهر أو ظهور فقد كان بذات السياق , أي بالانزواء في قوقعته الخاصّة هو الآخر , وذلك عبر الطقوس الصوفيّة والتجربة الصوفية في الاتصال بالعالم .
السؤال الذي طواه الزمان عاد للظهور وبقوّة منذ خمسينيات القرن الماضي وما زال . وقد نالت الإشكالية التي يطرح بشأنها ذلك السؤال , الكثير من البحث والدراسة والتقصي والتحقيق . ومن جهتنا نرى أن طرح ذلك السؤال بالحدّة والتنافر القطبيين الذي طرح بهما يعود بالدرجة الأولى إلى الأزمة البنيوية والتناقض الداخلي اللذين حكما ولادة الشعر العبي وذلك عند تحوّله إلى مذهب أدبي دعي ( الحداثة ) .
إن الافتراق الأول , والاغتراب المتبادل الذي وقع بين النص والمتلقي كان نتيجة طبيعية ومحصّلة تلقائية , غير أن الافتراق الثاني كان قصدياً ولا ينتمي إلى الطبيعة الشعرية , بل كان خارجياً وقبلياً , نقصد بدقّة أكبر , كان أيديولوجيّاً . فالمجتمع العربي الموصوف بالتخلّف والتبعيّة والتقليدية لا ينتظر منه احتفاءً بنص يعلن انتماءه إلى تاريخ وحساسية أخريين والنص الذي لا يخفي مطلقه المرجعي فنيّاً ومضمونياً يعيب على ذلك المجتمع عدم التفاعل والإقبال .
ولأن طبيعة العلاقة بين القارىء والنص قد اختلفت كثيراً في الوقت الحاضر فهناك الكثير من العوامل الجديدة التي تداخلت وتضافرت لإعادة إنتاج السؤال . حيث أن مفهوم الشعر ذاته بات إشكالاً لا يقلّ أهميّة في طرحه عن إشكال التواصل . وطبيعة التلقي ذاتها تعرّضت إلى انزياح لا تفيد معه المقارنة النسبية وذلك لأسباب بعضها يتعلّق بتعميم مفهوم جديد للشعر يتضمن في بعض معانيه تخلّص الشعر من زوائد كثيرة تفترضها المنبرية كواحدة من خصائصه التي كانت تلازمه, مقابل اكتسابه لخصائص جديدة تخص القراءة وليس الاستماع , وبعضها الآخر يتعلّق بالتعدد السهل الاستقبال لوسائل الاتّصال ( الثقافي – الإعلامي ) وأشكاله , الأمر الذي دفع بالشعر إلى المقاعد الخلفية من مشهد الفعاليّة الثقافية والاجتماعية , كما ضيّق حلقة نقّاده وقرّاءه على السواء , وهذا ما لم يحدث للشعر في يوم من الأيام عبر تاريخه الطويل .
إن إشكالية التواصل في العقدين الأخيرين من القرن الماضي قد انزاحت وبشكل لافت بعيداً عن ثنائية الغموض والوضوح التي كانت تعتبر , إلى وقت قريب , محنة الشعر في اتصاله بمتلقيه , والتي تفصح عن رغبة في التواصل , رغم ما تنطوي عليه من مضمر تقويمي , لتخوض في حقل القيمة والجدارة , بل ليصبح ذلك المضمر هو الأساس عند لحظة الاحتكاك بالنص الشعري , ولتتحول أسئلة البحث عن مساحات التقاطع والاشتراك التي تؤسس لإمكانية إعادة الإنتاج , جزئياً أو كلياً , إلى سؤال وحيد : هل هذا شعر ؟ ! في الوقت الذي صيغ فيه ذات السؤال وفي وقت مضى بالصيغ التالية : ما الذي يرمي إليه النص ؟ ما الأحاسيس التي يكشفها النص ؟ ما المعرفة التي أضافها النص ؟ ....... الخ
وقبل توجيه التهم إلى البنى التقليدية المنصاعة ضمن نسق المعرفة الجمالية المستمرّة علينا سؤال البنى غير التقليدية , أو التي تدّعي ذلك , وحينها سوف نكتشف أنه ذات السؤال . هل هذا شعر ؟
السؤال قد تحوّل إذاً من سؤال يقصد ( العدوى بجو النص ) كما يطرح ( بريخت ) إلى سؤال يخص الجدارة , وانتقل همّ العدوى بجو النص الشعري إلى همّ كتابة ذلك النص .
إن قاريء الشعر لم يعد قارئاً فحسب , بل عاملاً في الحقل الإنتاجي ذاته , وأضحى التلقي إعادة تأهيل لأدوات الإنتاج بما في ذلك الشك في إنتماء تلك الأدوات إلى مجموعة الحفر والتنقيب الجمالية والمعرفيّة المرخّصة والمسموح بها في التجربة الشعرية كما يحدّدها النسق .
وكي نكون أكثر اقترابا ًمن جوهر الإنزياح الذي افترضنا حدوثه , سنلجأ إلى تقسيم لا يخلو من القسرية , لكنّها قسرية نجد فيها حماية من خطر الاستثناء والحذف , حيث سنعتبر القارىء الراهن للشعر واحداً من :
- شاعر مستمر في التجربة الشعرية .
- شاعر مستقيل من جحيم الشعر وهارب من شيطانه .
- شاعر في بداية التجربة الشعرية .
- طموح شعري غير متحقّق .
- شاعر يكتب الشعر ويمارس نقده والتنظير له .
- شاعر استهلكه وعيه النقدي والجمالي فكفّ عن خوض التجربة الشعرية .
- ناقد يتحسس التجاوز والجمال دون عقد نقص أو شعور بالدونية تجاه القدرة على إنتاج النص .
- قاريء حالم يتماهى مع شخص الشاعر حيناً , ومع النص أحياناً , وبتواطؤ حميم بينه وبين ذاته يقول : إنّه الآن كلامي .


الشعر يدور في حلقة مفرغة إذاً . والمتلقي المحايد غائب عن تجربة الاحتكاك مع النص على غير ما هو حاصل في حالة الأشكال الأدبية الأخرى ( مسرح – رواية – قصة قصيرة ,,) حيث نجد القارىء الحيادي , أو القارىء القادم من خارج دائرة الإنتاج هو المتلقي الأكثر حضوراً, وبالتالي فالحكم التقييمي على أنماط الشعر المتجاورة كوحدات من بنية النسق الثقافي السائد , يتولد على الأغلب من نمط العلاقة بين هذه الوحدات , وليس من علاقتها مجتمعة مع وحدات أخرى . وهكذا يتمايز الحكم كمفاضلة مستندة إلى أساس مضمر لا ينتمي إلى حقل الخبرة الجمالية بقدر ما ينتمي إلى حقل التنافس المهني والتشكيك في امتلاك الجدارة والمهارة القادرتين على إنتاج جودة مماثلة .
والأساس الذي عنيناه لا يعترف بالجدارة والمهارة كنتيجة لإختبار حي وراهن , شأن الاعتراف الصادر عن القارىء المتشكّل في التجربة , أي في النّص , والذي يتجلّى اعترافه كتصدّع عاطفي وجرح مفاهيمي أو رعشة متأتية عن صعقة الغرابة ...الخ . بل يأتي ذلك الاعتراف كنتيجة حتميّة لمرور النص أو عدمه على صراط مقاييس محدّدة ومعايير ناظمة هي في الأساس وليدة حقل قيمي يصل في حدّته الى السقف العقائدي وحتى الأيديولوجي . فشعراء ( قصيدة النثر ) يعتبرون ما يكتب من شعر , عمودياً أو مرسلاً , عاجزاً عن خوض تجربته في الراهن كتعبير عن حساسية جديدة . ويعزى السبب إلى أن هذا النمط من الشعر مقيّد بالإيقاع والتفعيل والتقفية وهي صفات تشير إلى الحس الجماعي وتحيل إلى الانضباط والصرامة اللذين يحدان من فضاء المغامرة
في الوقت الذي ينتظر من الحساسية الجديدة أن تكون إحياء للفرد وتعبيراً عن الذات الفردية .
ويذهب شعراء الإيقاع والتفعيل إلى القول بأن ( قصيدة النثر ) ليست سوى ممارسة انقلابية ضد المنطق والممارسة الجمعيين , ممارسة تهدف إلى الانتماء وليس تعزيز الوضعية الفردية , وهي بالتالي ناتجة عن العجز في الكون تميّزاً ضمن الجماعة لا إلى العزل الممارس ضدّها . أي أنها محاولة ما لخلق جماعية مضادّة ( تراجع بهذا الخصوص دراسة فوزي كريم – قصيدة النثر : هل من موسيقا خفية عن الآذان – مجلّة المدى – العدد 14 ص 128 – 141 ) .
إن كلاً من وجهتي النظر السابقتين تستخدم في اتهامها أسباباً لا تتعلق بجوهر التجربة وجوانيتها بل هي أسباب تقع خارج التجربة وتنتمي إلى حقل الثوابت لا المتحركات , كما يفترض في تناول الإبداع .
هكذا نجد الشعر , مرة تلو أخرى , يعيش أزمة جديدة في تواصله مع متلقيه , إنها أزمة من طراز خاص لم يسبق للشعر أن عاشها , حتى في قمّة احتدام الصراع بين قديم وحديث . أزمة تعكس بشكل جلي أثر العوامل الخارجية الطارئة والمستجدّة على نشوئها وإدارتها . من هنا يكون الأمل كبير بالنتائج ونوعيتها في حال الانفراج . ولقد قيل : إشتدي أزمة تنفرجي .



#ياسر_اسكيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعين الوظيفي وأنوثة الطاعة
- يد مليئة بالسياط
- ديوان الشعر العربي الجديد - سورية | من الإيجاز الياباني الى ...
- نسق من الجنود الصينيين
- أنوثة المعصية
- الحداثة والأزمنة الحديثة العربية(حكاية وهم وثمن باهظ
- الأب الضّال والفرد المؤسّس للجماعة الحرّه
- السلطة والتحديث


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ياسر اسكيف - الشعر والمتلقي- ملامح أزمة نوعية جديدة -