أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب إبراهيم - غربة














المزيد.....

غربة


طالب إبراهيم
(Taleb Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 3222 - 2010 / 12 / 21 - 19:41
المحور: الادب والفن
    


ـ تأخّرت كثيراً ..!؟ قالت له.
فتحتْ يدين أثقلتهما سنين الغربة.
عانقها ، قبلها في خدّها، وانسحب بسرعة لئلا تخزها رائحته القذرة..
فهو يعرف ، وهي تعرف أين كان..!!
ـ تأخّرت كثيراً !؟ كرّرت ومسحتْ دموعها التي سقطتْ رغماً عنها.
ـ ليس أنا.. هم أخروني!! وعضّ على شفته السّفلى.
أعلنت أن الحمام جاهز .
كان يتمنى لو يستطيع أن يبكي بدموع لكنّه لا يقدر .
خلع حذاءه ووضعه بجوار حذائها ، خلع "جرابه" ورماه في كيس الزّبالة.
مازال يتذكر تفاصيل المنزل، أدق التفاصيل.
على مدار سني اعتقاله، لم تغير مكان شيءٍ في المنزل ، حتى يبقى كما هو في ذاكرته، وأخبرته ذلك مراراً ، حين كانت تزوره خلف القضبان..
أعطته منشفةً، ومنامةً كانتا له سابقاً …
ـ سابقاً أي منذ سنين بعيدة – وثياباً داخلية هذه المرّة كانت جديدةً.
مدّ يده، وأخرج "شحاطة" مطّاطيّة، من نفس المكان الذي كان يخرجها منه منذ سنين بعيدة..
كانت تراقبه، وهي تتكئ على مفصل الباب ، وقد امتصت الصّدمة، فتوقفت عن هطل الدّموع.
في الحمام كان نادماً، لأنه لم يستخدم حمّام السّوق، فيوفّر بضع دقائق، ويوفر عليها شم رائحته السّيئة...بعد انتهاء سجنه الطويل أحضره السجانة إلى فرع الامن الذي اعتقله..لينتظر هناك الفرج ..
في المطبخ كانت تسخّن طنجرة فيها أكلته المفضّلة، هي تعرف أنه مازال يحبّها. هكذا كان يقول لها خلال زياراتها له خلف الشّبك…
وضعت الطنجرة وسط الطّاولة التي اعتادا أن يتناولا طعامهما عليها، وصحنين ، وملعقة في كل صحن.
ارتدى منامته القديمة في الحمام، وعرف أنه نحف كثيراً ، ثم خرج نظيفاً ..
بحث عنها في صمت ذاك المنزل، ووجدها ، تنتظره كعادتها.
جلسا على كرسيين متقابلين.
كانت تراقبه، وهو يحاول أن يخرج من غربته.
رفع بصره ، فوجدها هناك، تبحث فيه، سألها:
ـ كيف حالك؟!
كانت قد نسيت دموعها، فذكّرها بها من جديد… بكتْ, عانق كفيه تحت الطّاولة، كان يلوم نفسه، ثمّ مرّت دموعها.
رفعت غطاء الطّنجرة ، فخرج البخار، صبّت في صحنه، وصبّت في صحنها، ناولته رغيفاً ، وقبل أن تُباشر، رفعتْ رأسها ، ونظرتْ إليه، كان ذابلاً، وكان جميلاً رغم ذبوله..
فقالت مبتسمة:
- كيف حالك؟!
هزَّ رأسه، وعندما حاول أن يتكلّم ، أوقفته غصّة مدفونة في حنجرته، منعت صوته من الخروج.
هي أكلت أولاً . كانت تأكل ببطء وبهدوء على غير عادتها.
فقال في نفسه " ربما فقدت أضراسها مثلي"!!
رفعتْ رأسها ، ونظرت إليه كان يأكل ببطء وهدوء على غير عادته، فقالت في نفسها " لعلّه فقد أسنانه مثلي" !!
وابتسمت. رفع رأسه فوجدها تراقبه، وتبتسم، فابتسم مُطبقاً شفتيه حتى لا ترى شيئاً ..
لم يكمل صحنه، ولم ينه رغيفه، فاستغربت ثم عرفت ، لماذا نحف كثيراً؟!
لم يشأ أن يقول لها ، أنه يعاني من "قرحة نازفة" فستعرف لاحقاً.
وهي بدورها لم تنه صحنها ، فقد قالت في نفسها " آكل فيما بعد"
غسل يديه ، تناول منشفة نظيفة، وكان يتمنى لو ينشف بمنشفتها، لكنه لم يقل ذلك، غسلتْ وتنشّفت بمنشفتها، شربا الشّاي، ودخّنا بصمت، هي مضت تسّرح الذّكريات،وصخب الأيّام الأولى لزواجهما، وهو سأل نفسه:
"أين هي الآن"؟!
ولمّا التقت نظراتهما، ابتسما..
قالتْ له: تأخّرت.. فانطفأت ابتسامته.
رنّ جرس البيت، فلم يقم أحدٌ منهما ليفتح ، ونسياه يرنُّ .
ثمّ مرّت رحلة عمرٍ كاملة بدون كلام، خطوةٌ تقرع خطوة، ظهرت في عينيه حقيقة ما حصل،
كيف هرب من الاعتقال ..؟!
كيف أطلقوا النار عليه..؟!
كيف عذبوه..؟!
كيف حاكموه..؟!
كيف أمضى كل هذه السنين..وكيف بقي حيّا رغم انف الحياة..؟!
بُوغتَ، وكأنّه الآن فقط عرف.
قال: نعم.. لقد تأخرّت كثيراً.
نفضت يدها، هزّتها لتطرد ظلالاً، أرقتها، وكأنّها لم تسمعه.
قالت: تأخّرت كثيراً ..!!
دخلا غرفة النوم. تردّد في خلع ملابسه أولاً، وتردّدت هي أيضاً ، وعرف كل منهما تردّد الآخر، ولمّا همّ ليخلع هو أولاً، وجدها - وفي نفس اللحظة-
تخلع، فتوقّف ليجدها - وفي نفس اللحظة – تتوقّف. ولمّا نزلا إلى السّرير، لم ينزلا معاً ، فكلُّ واحد استند على طرف السّرير ليستطيع النّزول بأقلّ الخسائر، وكان كل واحد يراقب الآخر.
شعره خفيف ، شعرها كثيفٌ تقطعه الخطوط البيضاء.
وجهه أبيض بلا شمس، وجهها شمس بلا لون.
رقبته تؤلمه، رقبتها غطتها بخصل شعرها، لكنها لم تستطع أن تُخفي كل تجاعيدها.
صدره ضيّقٌ، صدرها متهدّلٌ، بطنه رقيق، بطنها مرتخ.
ساقاه نحيفان بركبتين بارزتين، ساقاها سمينتان، تورّمتْ أوردتهما.
استلقت. استلقى. بدأ هو . ابتسمتْ ، ثمّ ضحكتْ, وسطها الحزين أفقده حماسه بسرعة,صمت , صمتَتْ
فشل في تحقيق انتصاب، وفشلت في تحقيق رطوبة حارّة.
مدّت يدها، وعصرتْ عضوه الرّخو، وضحكت، مدّ يده ورسم خطّاً فوق المثلث الشّاحب وضحك. قبّلها، ثم شعر أنه يريد أن ينام، اتكأ على كتفها.
غطّته، غطّاها، ناما.. ناما ونامت بينهما رائحة شيبٍ مفاجئة، وعمر بسنين باهته مختصرة…!!



#طالب_إبراهيم (هاشتاغ)       Taleb_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حب غير شرعي
- إشارات الثورة..النحوية
- موقف..!!
- لماذا يقتل الصحفيون في كردستان العراق..؟!
- سحب الحرب الأوسطية وشحوب ساعة الصفر
- استعصاء في عدرا
- زيارة خاصة
- مقاربة بين قتل وطني ونجاة مهاجرة
- ليست طلقة وليست في الهدف
- طريق الوطن ..قد يبدأ بانتخابات..
- طرنيب وعشق
- مظلومة يا ناس
- الجريدة
- التغيّر الوردي -من الخيال السياسي-
- ذات العلامة
- نور العين
- أبو علي كاسر
- بقعة حارة
- قصاصة
- غش هديّة


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طالب إبراهيم - غربة