أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أوري أفنيري - مفجرو المساجد















المزيد.....

مفجرو المساجد


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 965 - 2004 / 9 / 23 - 09:18
المحور: القضية الفلسطينية
    


رعب كبير يلاحق هيئة الاستخبارات العامة: أن يغتالوا رئيس حكومة آخر في إسرائيل. هناك من يحلم في اليمين المتطرف، الذي لا يخفي تأييده ليغآل عمير ولأعماله، بمثل هذا العمل. لقد نجح عمير في اغتيال عملية أوسلو، فلم لا ينجح عمير جديد في اغتيال خطة إخلاء المستوطنات في قطاع غزة؟

إلا أن رعبا أكبر من هذا يكتنف هيئة الاستخبارات العامة: أن تقوم مجموعة إرهابية يهودية بتفجير المساجد في الحرم الشريف.

قبل عدة سنوات أقيمت حركة سرية يهودية خططت للقيام بذلك. وقد ألقي القبض عليها قبل تنفيذ مآربها. هناك الآن خطة مشابهة.

تعتقد هيئة الاستخبارات العامة أن مثل هذه الخطة تهدف إلى وضع حد لخطة الانفصال التي يقترحها أريئيل شارون. إن المس بالمسجد الأقصى و/ أو بقبة الصخرة سيشعل العالم العربي والإسلامي برمته. من شأنها أن تحدث انقلابات عميقة، وأن تقضي على أنظمة حكم عربية، ولربما ستؤدي إلى قيام ثورة أصولية متشددة في المنطقة كلها. في مثل هذه الحال لن يفكر شخص ما بإخلاء المستوطنات بعد.

كل هذا صحيح، غير أنه لا يصيب عمق المؤامرة. تفجير المساجد في القدس هو عمل ينحرف بكثير عن أي وضع آني - إنه عمل انقلابي من ناحية الدين اليهودي أيضا. أما من وجهة نظر من يمكن له أن يفعل ذلك، فإن هذا هو المهم.

يتم تقسيم التاريخ اليهودي في إسرائيل إلى ثلاثة "بيوت"، والقصد بكلمة "بيت" هنا هو الهيكل. تقول الرواية بأن الملك سليمان هو الذي أقام الهيكل الأول وقد دمره نبوخذ نصّر، ملك بابل عام 586 قبل الميلاد. لقد أجلي اليهود إلى بابل لحوالي خمسين سنة حتى سمح لهم العودة إلى البلاد وإعادة بناء الهيكل من جديد. في عام 516 قبل الميلاد اكتمل بناء الهيكل الثاني، وقد رممه الملك هيرودوس إلى أن دمره طيطوس عام 70 قبل الميلاد.

الاستيطان العبري الجديد الذي بدأ مع ارتفاع شأن "البيلو" (أبناء إسرائيل هيا بنا معا) عام 1882 اتخذ له تسمية "الهيكل الثالث". عندما دخل موشيه ديان التاريخ في حرب أكتوبر، تحدث عن "خراب الهيكل الثالث". إلا أن هذه التسمية هي تسمية رمزية فقط لأن أي شخص من زعماء الحركة الصهيونية وأي شخص من مقيمي دولة إسرائيل لم يحلم بإعادة بناء الهيكل من جديد.

يكمن السبب في ذلك في الأحداث التي حدثت قبل 1934 سنة. حين حاصر الرومان القدس عشية احتلالها وتدميرها، فهرب منها أحد كبار الحاخامين، وهو الحاخام يوحنان بن زكاي، داخل نعش للموتى، فجاء إلى القائد الروماني وحصل منه على إذن لإقامة مركز ديني في يافنيه، بين يافا وأشدود.

لقد كان ذلك بمثابة انقلاب في الدين اليهودي.

" الهيكل الأول" كان مبنى بائسا للغاية. فخلافا لما تصفه التوراة، لا توجد أي وثيقة تاريخية تشهد على وجود مملكة داوود أو مملكة سليمان. كانت القدس في ذلك الحين بلدة صغيرة ولم تكن يهودا سوى إمارة صغيرة هي أيضا. لقد تبلور الدين اليهودي بالشكل الذي نعرفه في فترة جلاء بابل فقط، وقد عاش ثلثا "اليهود" (كما أصبحوا يسمون منذ ذلك الحين) خارج أرض إسرائيل.

أما "الهيكل الثاني" فقد كان هو أيضا منذ البداية مبنى بائسا كما شهد على ذلك أحد أنبياء تلك الفترة، إلا أنه ومع مرور الزمن أخذ يتطور. قام الملك هيرودوس، وهو بنّاء كبير حاول أن يستحوذ على إعجاب الشعب الذي كان يكرهه، بتوسيع الهيكل وحوله إلى صرح فاخر.

وقد بدأت تتبلور قبل ذلك نخبة من الكهنة الذين سيطروا على الجمهور اليهودي في البلاد. وقد تجسدت سياسيا في حزب "الصدوقيين". وقد واجه هذا الحزب حزب "الفريسيين"، الذي كان يؤيد التفسيرات الأكثر تحررا للكتاب المقدس ووجود العالم الآخر. في خضم هذا النزاع تطور الإبداع الديني وكتبت التوراة. ولأن نخبة الهيكل كانت تسيطر على الجمهور اليهودي في البلاد فقد أصبح الهيكل ذاته يستحوذ على مكانة مركزية في التوراة. كان لتقديم القرابين فيه أهمية كبيرة إلى جانب تنفيذ وصايا كثيرة أخرى متعلقة بهذا المبنى، وهو عرش الله الرمزي.

لقد تمرّد يسوع الناصري، وهو المتمرد اليهودي، ضد الحياة التجارية التي تطورت في الهيكل كما فعل الكثير من الفريسيين. لقد رأت سلالة الحشمونائيم، التي ارتكزت على الكهنة، في الفريسيين أعداء لها وقامت باغتيالهم بالجملة.

لقد تغير كل هذا مع خراب الهيكل، فقد اختفى المبنى واختفت معه طقوس تقديم القرابين، وكذلك النخبة القدسية اختفت أيضا، وخسر الكهنة كل ممتلكاتهم. وها هو الدين اليهودي يبدل اتجاها.

منذ ذلك الحين سيطر الحاخامون، ورثة الفريسيين على الجمهور اليهودي ودينه. قبل خراب " الهيكل الثاني" كان يعيش معظم اليهود خارج البلاد وبعد خراب الهيكل تقلص الاستيطان اليهودي في البلاد أكثر فأكثر. لقد تحولت القدس إلى حلم، وقد أنتجت كل الممتلكات الروحية الكبيرة التابعة لليهودية مثل المشناة والتلمود وكل ما تلاهما، خارج القدس.

الدين اليهودي بعد الخراب كان دينا من القوانين والوصايا. لم يكن متعلقا بمناطق جغرافية أيا كانت. لقد تحولت أرض إسرائيل والقدس إلى رمزين بلا واقع جغرافي. الدين اليهودي لم يجبر المؤمنين على الحج إلى البلاد مرة في حياتهم كما يلزم الدين الإسلامي مؤمنيه بالحج إلى مكة المكرمة.

لم يحاول اليهود، حتى ظهور الصهيونية المعاصرة، في أي مرة من المرات أن يتمركزوا في أرض إسرائيل. نصف مليون من اليهود الذين طردوا عام 1492 من إسبانيا، انتشروا في مختلف أرجاء الإمبراطورية العثمانية الإسلامية، وقلة منهم فقط أتت إلى أرض إسرائيل التي كانت هي أيضا ولاية عثمانية. لقد وقع النداء الذي وجهه نابليون لليهود لإقامة دولة يهودية في البلاد على آذان صماء. مفكرو الصهيونية المعاصرة، قبل مدة طويلة من فترة هرتسل كانوا مسيحيين من الإنجليز والأمريكيين الذين تصرفوا من خلال مصالح دينية مسيحية.

لقد تحولت الديانة اليهودية الأوروبية الأمريكية خلال مئات السنين الأخيرة أكثر فأكثر إلى دين ذي رسالة أخلاقية شمولية. لقد آمن المفكرون اليهود بأن لليهود وظيفة في تعميم القيم الشمولية على كل شعوب العالم وأن هذه هي ماهية الدين اليهودي الحقيقية.

لقد أسست الصهيونية كجزء من الثورة الوطنية في أوروبا، وكرد فعل على طبيعة أوروبا اللا سامية. هي التي اخترعت النظرية القائلة بأن اليهود هم شعب كسائر شعوب أوروبا وأنه يجب على هذا الشعب إقامة دولته على أرض كانت تدعى فلسطين في ذلك الحين. لم يكن مجرد صدفة أن تثير تعاليم هرتسل رد فعل متطرف وصاخب من قبل معظم كبار رجال الدين اليهود في وقتنا المعاصر، بين مؤيدين ومعارضين، أرثوذكسيين ومصلحين على حد سواء.

ولكن حين تحول الاستيطان اليهودي في البلاد إلى دولة، حدث تحول في اليهودية أيضا. إن الارتباط بمنطقة جغرافية وبالأرض غير وجه الدين، كما غير سائر شؤون الحياة. لا نبالغ إن قلنا بأن الدين اليهودي قد مر في البلاد بطفرة أخذت تتزايد بوتيرة كبيرة في العقدين الأخيرين.

لقد تحول ذلك الدين صاحب النظرة الشمولية إلى دين قبيلة. الدين الأخلاقي تحول إلى دين المواقع المقدسة. لقد رأى يشعياهو ليبوفيتش، وهو يهودي متدين من الطراز القديم، في تعاليم المستوطنين دينا وثنيا من عابدي الأصنام.

الطقوس الجديدة الخاصة بالهيكل هي قمة هذه العملية. التحضيرات العملية لتدمير المساجد وإعادة بناء الهيكل، بقرابينه وطقوسه، هي بمثابة مدفن للدين اليهودي في الألفيتين الأخيرتين. هذا انقلاب ديني له حجمه التاريخي.

في حال سيطر هذا التوجه على دولة إسرائيل، أشك في أن يؤدي إلى إعادة بناء الهيكل، بل سيؤدي إلى "خراب الهيكل الثالث". الهيكل الثاني، ووجود الشعب اليهودي في البلاد، انتهوا بسبب قلة من المتطرفين المجانين، الذين يشبهون إلى حد كبير المستوطنين المتطرفين في أيامنا هذه، الذين سيطروا على الاستيطان اليهودي في ذلك الحين وجزوا به في حرب شعواء لا فرصة لها. من الممكن لذلك أن يحدث الآن ثانية.

من الحري بنا أن نفكر في ذلك الآن، عشية يوم الغفران.



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذه إرادة الله!-
- على اللاعنف السلام
- حرب أحادية الجانب تماما
- قحط في تكساس
- ترتيب الفوضى
- الأوليغارخيون أو: البتول التي تدهورت إلى الزنى
- جلد الدب
- الرجل الطيب والسيدة العجوز
- حقا هناك قضاة في هاغ
- العدل، الغاز والدموع
- ذهب الزرزور إلى الغراب…-
- أضرار نفسية غير مرتجعة
- فليشربوا من بحر غزة
- طومي والجدة
- اغتصاب رفح
- بوشارون: العد التنازلي
- المسخ الذي تصدى لصانعه
- فأنونو: السر الدفين
- جلد شارون، وجلد بوش المرقط
- الأرز المر (2) أو: مسيرة الحماقة


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أوري أفنيري - مفجرو المساجد