أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أوري أفنيري - حرب أحادية الجانب تماما















المزيد.....

حرب أحادية الجانب تماما


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 936 - 2004 / 8 / 25 - 12:29
المحور: القضية الفلسطينية
    


"من جهتي، فليضربوا عن الطعام حتى الموت!" هذا ما قاله تساحي هنغبي كرد فعل على إضراب السجناء الفلسطينيين عن الطعام، ليضيف وزير الأمن الداخلي بذلك مقولة مأثورة أخرى للثروة اللغوية الخاصة بالنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.

لقد اشتهر تساحي هنغبي لأول مرة، إذ كان ناشطا يمينيا متطرفا في أوساط الطلاب الجامعيين. وقد تم توثيقه ذات مرة وهو يلاحق طلابا جامعيين عرب، ويلوّح، هو وزملاؤه، بالسلاسل الحديدية. لقد نشرت صورة له آنذاك وهو يقوم بذلك، ولم تكن هذه الصورة لتخجل طلابا جامعيين ألمان أو بولونيين في الثلاثينيات. غير أنه في ذلك الوقت كان اليهود هم الملاحَقون، أما في هذه المرة فهم الملاحِقون.

في هذه الأثناء حدث لنغبي ما يحدث للكثير من الشباب الراديكاليين فقد تحول إلى وصولي مطلق العنان. لقد عين وزيرا وبدأ يلبس البدل الأنيقة في الأيام الحارة أيضا، واتخذ لنفسه مشية ذات أهمية تميز الوزراء. إنه يؤيد أيضا ترّهات الانفصال الصادرة عن أريئيل شارون، وذلك رغم غضب أمه غؤولا كوهن، وهي امرأة يمينية متشددة لم تبدل جلدها.

غير أن تساحي هنغبي يظل تساحي هنغبي رغم البدلة والصورة الرسمية، وتشهد على ذلك أقواله اللا إنسانية فيما يتعلق بإضراب السجناء عن الطعام، وهو المسئول عن سلامتهم. لا يقتصر نصيبه على الكلمات فقط: فقد أشعل هذه النار المفوّض الجديد لمصلحة السجون الذي عينه هنغبي، إذ بدأ فور توليه منصبه بالإساءة إلى ظروف سجن الفلسطينيين.

ليس حري بنا أن نولي أهمية خاصة لشخصية السيد الوزير. من الأهم أن نتطرق إلى الإضراب نفسه.

مصدر هذا الإضراب هو وضع من اختراع إسرائيلي: الحرب أحادية الجانب.

يعلن جنرالات الجيش الإسرائيلي مرارا وتكرارا أننا في حالة حرب. وحالة الحرب هي التي تمنحهم التخويل بتنفيذ عمليات مثل "التصفيات الموجهة"، التي لا تعتبر في أية حال أخرى سوى أعمال قتل. يتم القتل في الحرب دون محاكمة. وبوجه عام تبرر المس بالمواطنين وهدم البيوت واقتلاع الأشجار وسائر ممارسات الاحتلال التي تحولت إلى عمليات يومية، تبررها كلها حالة الحرب هذه. وكما يقال "الحرب هي الحرب".

إلا أن هذه الحرب هي حرب مميزة، لأنها تمنح حق المقاتلين لطرف واحد فقط. لا توجد لدى الطرف الآخر حربا ولا مقاتلين لديهم، ولا حقوق للمقاتلين. فلا يوجد لدى الطرف الآخر سوى مجرمين وإرهابيين وقتلة، باختصار "مخربين".

لماذا يا ترى؟

لقد كان التمييز ذات مرة بسيطا للغاية: من كان يلبس الزي العسكري كان مقاتلا ومن لم يكن يلبسه كان مجرما. يسمح لجنود الجيش المحتل بإعدام المواطنين المحليين الذين أطلقوا النار عليهم فورا. غير أنه في أواسط القرن العشرين تغير هذا الوضع، فقد أجمع العالم على أن أفراد التنظيمات السرية الفرنسية والعصابات الروسية واليوغوسلافية وأشباهها هم مقاتلون كأي مقاتلين آخرين، ولذلك يجب منحهم الحماية الدولية التي يحظى بها المقاتلون. وفقا لذلك تم تعديل قوانين الحرب والمعاهدات الدولية.

إذا ما هو الفرق بين الجنود والإرهابيين؟ آهه، يقول المحتلون، الفرق شاسع. الجنود يقاتلون الجنود أما الإرهابيون فيلحقون الأذى بالمواطنين الأبرياء.

أصحيح هذا؟ ألم يكن ذلك الطيار الذي ألقى بالقنبلة الذرية على هيروشيما وقتل عشرات آلاف الأبرياء، جنديا أو أنه كان مجرد مجرم إرهابي؟ وكيف ننظر إلى الطيارين الذين دمروا مدنا كاملة مثل هامبورغ وديرزدن في وقت انعدم فيه وجود أي حاجة عسكرية لذلك؟ لقد كان الهدف المعلن هو كسر الروح المعنوية لمواطني ألمانيا وحثهم على الاستسلام. هل كان قادة أسلحة الجو التابعة لبريطانيا والولايات المتحدة إرهابيين (كما ادعى النازيون في ذلك الحين وهم الذين وضعوا مصطلح "طياري الإرهاب")؟

ما الفرق بين الطيار الأمريكي الذي يلقي قنبلة على سوق في بغداد وبين الإرهابي العراقي الذي يدس عبوة ناسفة في السوق ذاته؟ هل هو حقيقة كون الطيار يلبس زيا عسكريا؟ أو أنه يلقي بالقنبلة عن بعد ولا يرى الأولاد الذين يقتلهم؟

لا أقول ذلك بالطبع لتبرير قتل المواطنين. إنني أعارض ذلك بشدة، بغض النظر عن المنفذين، أكانوا جنودا أو أفراد تنظيم سري، طيارين من الجو أو إرهابيين على الأرض. فالنظرة إليهم واحدة.

يعتبر الجنود الذين يقعوا في أسر العدو أسرى حرب، يتمتعون بحقوق ينص عليها القانون الدولي، وهناك منظمة دولية خاصة – الصليب الأحمر – تراقب ذلك. لا يحتجز الأسرى بهدف معاقبتهم بل لكي يمنع عنهم الاستمرار في القتال، ويتم إطلاق سراحهم مع حلول السلام.

في العديد من الأماكن تتم محاكمة أفراد التنظيمات السرية الذين يقعون في الأسر وكأنهم مجرمين. فهم لا يتمتعون بحقوق أسرى الحرب فحسب، بل إن ظروف سجنهم في إسرائيل أسوأ بكثير من الظروف اللا إنسانية التي يعاني منها السجناء على خلفية جنائية من مواطني الدولة. لقد تعلم الأمريكيون منا ذلك وقد أنشأ الرئيس جورج بوش معسكرا للمحاربين الأفغان في غاونطانامو، حيث تنتزع منهم هناك كل الحقوق الإنسانية عامة، بما فيها حقوق أسرى الحرب وحقوق السجناء على خلفية جنائية.

في ذلك الوقت، حين تصدى أفراد الحركة السرية العبرية للسطة البريطانية في إسرائيل، طالبنا بمنح أسرانا حقوق أسرى الحرب. البريطانيون لم يلبوا هذا الطلب ولكنهم تصرفوا تجاههم عادة وكأنهم أسرى. وكان يمكن لأسرى الحركة السرية حتى التعلم في الجامعات بالمراسلة، وقد أنهى كثيرون منهم دراستهم في مجال القانون والمهن الأخرى خلال فترة أسرهم.

إحدى هؤلاء الأسرى في تلك الفترة كانت غؤولا كوهن، والدة تساحي هنغبي. من المشوق أن نعلم ماذا كانت ستقول هي وزملاؤها في منظمة ليحي، لو أعلن قائد الشرطة البريطانية أنه لا يأبه لموتهم في السجن. كانوا سوف يغتالونه بالتأكيد. ولكن لحسن حظها تصرف البريطانيون بشكل آخر. لقد أحضروها لتلقي العلاج الطبي في المستشفى (وقد هربت من هناك بمساعدة عرب من قرية أبو غوش).

لقد تصرف البريطانيون تجاه أفراد الحركة السرية الأيرلندية بشكل مختلف. حين أعلن هؤلاء عن إضراب عن الطعام، تركتهم مارغريت تاتشر عرضة للموت. كل العالم رأى ذلك واقشعر له. لقد زادت هذه الفضيحة من النظرة إلى تاتشر كامرأة غير إنسانية، إضافة إلى تعاملها مع العمال والمحتاجين.

يمكن للتعامل الإنساني مع السجناء "الأمنيين" أن يجدي نفعا من ناحية أخرى أيضا. مثل هؤلاء السجناء سابقا، يتقلدون الآن مناصب هامة في الضفة والقطاع. أشخاص مكثوا في السجن الإسرائيلي 10، 15 وحتى 20 سنة تحولوا إلى زعماء سياسيين ووزراء ورؤساء بلديات في السلطة الفلسطينية. إنهم يتكلمون العبرية بطلاقة ويعرفون إسرائيل جيدا. معظمهم تابع للمعسكر الفلسطيني المعتدل الذي يتطلع إلى التعايش في دولتين جارتين. إنهم في طليعة من يطالبون بالديمقراطية والإصلاحات في السلطة الفلسطينية. لقد أسهم التعامل العادل معهم في فترة سجنهم في ذلك.

إلا أنني أعتقد أن الأهم هو ألا تظهر إسرائيل في صورة تساحي هنغبي وزمرته. يهمني جدا ألا يموت السجناء – الفلسطينيون أو الإسرائيليون – جوعا في السجن الإسرائيلي. يهمني جدا أن يمكث السجناء – الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء – في السجن الإسرائيلي بظروف إنسانية.

لو كان تساحي هنغبي في السجن، لكنت سأطالب بذلك من أجله أيضا.



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قحط في تكساس
- ترتيب الفوضى
- الأوليغارخيون أو: البتول التي تدهورت إلى الزنى
- جلد الدب
- الرجل الطيب والسيدة العجوز
- حقا هناك قضاة في هاغ
- العدل، الغاز والدموع
- ذهب الزرزور إلى الغراب…-
- أضرار نفسية غير مرتجعة
- فليشربوا من بحر غزة
- طومي والجدة
- اغتصاب رفح
- بوشارون: العد التنازلي
- المسخ الذي تصدى لصانعه
- فأنونو: السر الدفين
- جلد شارون، وجلد بوش المرقط
- الأرز المر (2) أو: مسيرة الحماقة
- رسالة إلى عرفات
- ثلاثة جنرالات وقديس واحد
- كل الاحترام، يا أصدقائي


المزيد.....




- رأي.. فريد زكريا يكتب: كيف ظهرت الفوضى بالجامعات الأمريكية ف ...
- السعودية.. أمطار غزيرة سيول تقطع الشوارع وتجرف المركبات (فيد ...
- الوزير في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس يخضع لعملية جراحي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ضابطين وإصابة اثنين آخرين في كمين ...
- شماتة بحلفاء كييف؟ روسيا تقيم معرضًا لمعدات عسكرية غربية است ...
- مع اشتداد حملة مقاطعة إسرائيل.. كنتاكي تغلق 108 فروع في مالي ...
- الأعاصير في أوكلاهوما تخلف دمارًا واسعًا وقتيلين وتحذيرات من ...
- محتجون ضد حرب غزة يعطلون عمل جامعة في باريس والشرطة تتدخل
- طلاب تونس يساندون دعم طلاب العالم لغزة
- طلاب غزة يتضامنون مع نظرائهم الأمريكيين


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أوري أفنيري - حرب أحادية الجانب تماما