عبد الكريم البدري
الحوار المتمدن-العدد: 3218 - 2010 / 12 / 17 - 19:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نادرا ما نسمع من ان دولة ما من دول العالم الثالث, قد تبنت نظاما سياسيا ديمقراطيا حقيقيا, كالذي هو قائم عليه النظام الديمقراطي في انكلترة او سويسرة او السويد مثلا.
للإجابة على مثل هذا السؤال أبدا ليست بهذه السهولة, وذلك لجملة عوامل. في مقدمتها ان دول العالم الثالث, بالأساس تعاني من مشكلات اقتصادية, اجتماعية متخلفة, يضاف إليها مشكلات كارتباطها بنظام سياسي يعاني أصلا من مشكلة "المؤسسة", لأن بناء المؤسسات يعتبر الركيزة الأساسية واللازمة لقيام واستمرار مثل هذا النظام. كونها ضرورة لازمةو ملحة و مهمة جدا, حيث تعكس العلاقة ما بين هذه المؤسسات والقوى الاجتماعية التي يضمها المجتمع. و تتوقف قوة هذه المؤسسات على مدى التأييد التي تحصل عليه المنظمات والإجراءات القائمة المتبعة, ودرجة تحررها من النفوذ الواقع عليها من قبل الأشخاص القائمين عليها, بحيث لا يكون أداء هذه المنظمات لوظيفتها مرهونا بوجود أشخاص معيينين على رأسها. حيث النظام – اقتصاديا او اجتماعيا او سياسيا- هو عبارة عن مجموعة ألأدوار التي يقتضي أداؤها ان يكون ثابتا نسبيا من الكفاءة والاستمرارية لفترة طويلة و بطريقة غير مرتبطة بأداء أفراد معيينين. على ان يكون العكس بحيث يكون أداء الأفراد باتجاه الانصياع للقواعد التي تحددها المؤسسات القائمة. (1)
وكحالة مثل العراق, فأن إرساء أسس المؤسسات السياسية في ظروف ما بعد التغيير كان يستلزم مراعاة كافة الاتجاهات والمصالح الاجتماعية والأيديولوجية التي أطلقتها مرحلة الكفاح ما قبل التغيير و سقوط واختفاء السلطة الدكتاتورية, كان أيضا يتطلب التوفيق بين اتجاهات عديدة ومتعارضة قد لايكون من السهل التوفيق بينها. وكان هذا النزاع ظاهرا للعيان في كل خطوة من خطوات بناء المؤسسات الجديدة, بدءا بمؤسسات الشؤون العامة وانتهاءا بالدستور, والقوانين التي تخص الانتخابات ومؤسسات الدولة. وهذا هو الفرق عما حدث في الدول المتقدمة والتي جرى فيها توسيع نطاق النظام السياسي تدريجيا بحيث أمكنه وعلى مراحل استيعاب قطاعات وفئات اجتماعية متزايدة بعد ان تكون المؤسسات القائمة قد استعدت لهذه المرحلة, وبعد ان يكون قد تم تنشئة الفئات الاجتماعية المستوعبة حديثا على احترام المؤسسات والإجراءات المستقرة.
غير ان اتساع القيم الديمقراطية فرض على مجتمعات دول العالم الثالث ان تبدأ مرحلة التأسيس, وقد أتاحت حق الاقتراع العام لكل الناس. وبعد ما تعذر بناء نظام سياسي يرضي كل الأطراف السياسية المشاركة, انفردت فئة واحدة دون غيرها بفرض تصوراتها, وتحولت المشاركة السياسية الفعلية والمقرة قانونا الى ديكور ديمقراطي خالي المحتوى.
وفي العراق تميز بانقسامات طائفية واثنيه عميقة كادت تهدد وحدة المجتمع العراقي برمته. ولم يكن الصراع السياسي يدور فقط حول محتوى وشكل مؤسسات النظام السياسي, وإنما حول شرعية قيام مثل هذه الدولة. و تهددت أكثر من مرة وحدة المجتمع العراقي تحت وطأة المطالب الطائفية و الأثينية وفي بعض ألأحيان اقتربت الى ما يشبه بالحراب ألمناطقي .وهذا بالتأكيد يؤدي الى إضعاف فرص بناء نظام سياسي ديمقراطي. كما ان مثل هذا الصراع قد لايدور حول مطالب وأهداف مادية يمكن التوصل الى حلول ولو وسطية بشأنها, وإنما أيضا حول قيم رمزية ومعنوية يصعب المساومة فيها. فالمشكلات القيمية والأخلاقية-عموما- لايمكن حلها عبر مساومات سياسية التي توفر آلياتها الديمقراطية.
أما الأحزاب والتيارات التي أوكل لها مهام التنشئة السياسية. فأنها غير مؤهلة لأداء هذه المهام, لأن مهمتها انحصرت في إظهار التأييد السياسي للنخبة الحاكمة وضبط او محاولة ضبط حركة الفئات المعارضة لتوجهاتها ومن ثم السيطرة عليها, او تحولت الى جزء من الماكينة السياسية التي إدارتها النخبة الحاكمة كجهاز لتوزيع المكاسب.
ان معظم ألأحزاب والتيارات الماسكة بالسلطة اليوم , هي ذات توجهات إسلامية . وبعبارة أخرى مؤسسة على وفق قواعد ومعايير إسلامية وفق المذهب الجعفري غايتها النهائية تجسيد أهداف الأمة الإسلامية وآمالها. ويتربع في أعلى السلم ما يعرف بولي الفقيه الذي يجمع او يحتكر جميع السلطات . الدولة, القانون, التشريع, السياسة, الفتوى في الأمور الدينية والدنيوية. وهذه السلطات لا يقابلها وجود مؤسسات مدنية اوشعبية تحاسبه او تناقشه ومن ثم تعزله او تبقي عليه. مستندين بذلك وفق تشريع أعده الخميني . وفقا لمجموعة من المحاضرات ألقاها في النجف (2) . ركز فيها على المحاور التالية:
1. الحاجة الى ربط السلطة السياسية بالأهداف الإسلامية.
2. واجب الفقهاء تأسيس الدولة الإسلامية, او حكومة الفقيه.
3. برنامج عمل لتأسيس الدولة الإسلامية .
وتدور هذه المحاور أعلاه حول فكرة ان الأمر الإلهي له سلطان مطلق على جميع الأفراد بما فيها الحكومة الإسلامية. وان الفقهاء أنفسهم هم الحكام الحقيقيون. وان الفقيه العادل من واجبه استعمال المؤسسات الحكومية لتنفيذ الشريعة (شريعة الله) لتأسيس النظام الإسلامي العادل, لأنها هي الحاكم الحقيقي.
كما جاء في كتاب "سوسيولوجيا الإسلام" لشريعتي(3) ان من سمات الحاكم المسلم الذي يتولى مسؤولية الحكومة الإسلامية وفق أسس ألإسلام يجب ان تكون مؤسسة على:
1. التقية
2. الخضوع للأمام
3. الاستشهاد الذي يقوم على مبدأ ان الموت لايختار الشهيد وإنما الشهيد هو الذي يختار الموت عن وعي, لأن الشهادة هي ارفع درجات الكمال ومعنى ذلك ان المسلم الحق هو الشهيد المناضل.
لذلك فهي لا تلتقي مع الأحزاب والتيارات ذات التوجه الوطني والديمقراطي ويعتبرونها دعوات موغلة بالعلمانية حيث تتبنى نظاما وضعيا مستوردا من الغرب (الكافر) . وان الاستعمار هو الذي صنع هذه الأحزاب غرضها تجزئة العالم الآسلامي الى دول وأنظمة متعددة وولاءات مختلفة. وفي حديث للنائب ألأول لحزب الدعوة الإسلامي السيد علي الأديب مع قناة الحرة عراق قال بصراحة: ان الديمقراطية ما هي الا أداة وليست غاية. وفي حديث آخر للدكتور همام حمودي مع السيد سعدون ضمد مقدم برنامج حديث خاص لقناة الحرة عراق أيضا قال ان غايتنا هي تطبيق الشريعة الإسلامية.
وهل بقي لي ما أضيفه .
1- جمال عبد الجواد. العالم الثالث: التركيب الاجتماعي لحركة التحرر الوطني السياسة الدولية مجلد 21 عدد80 نيسان. ص 106 و 107
2- مجموعة محاضرات ألقاها الخميني في النجف ألأشرف في 21 كانون الثاني و8شباط من عام 1970 وصدرت على هيئة كتاب عنوانه" الحكومة الإسلامية" الطبعة الفارسية مترجم إلى اللغة الانكليزية.
3- علي شريعتي. سوسيولوجيا الإسلام"Mizan Berkeley , 1979- On Sociology of Islam.
#عبد_الكريم_البدري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟