أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامح سعيد عبود - الدولة جهاز القمع الاجتماعى















المزيد.....

الدولة جهاز القمع الاجتماعى


سامح سعيد عبود

الحوار المتمدن-العدد: 3168 - 2010 / 10 / 28 - 10:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يقهر البشر بعضهم البعض إما بالعنف أو تلبية الاحتياج أو التضليل، وعبر العشرات من العلاقات الاجتماعية المختلفة العائلية والإنتاجية وغيرها يتجلى القهر كعلامة مميزة لتلك العلاقات، وعبر عشرات المؤسسات من الأسرة إلى المدرسة إلى المصنع تتم ممارسة القهر كوظيفة جوهرية لتلك المؤسسات، إلا أن الدولة تتميز كمؤسسة بكونها الجهاز الشامل للقهر الذى يعلو كل مؤسسات القهر الأخرى، ذلك لأنها بحكم تعريفها هى المؤسسة التى تحتكر وحدها الحق فى ممارسة العنف المسلح بواسطة قوات الجيش والشرطة، ومن ثم فأنها تتصدى بالطبع لكل من يحاول أن ينازعها هذا الحق سواء من الأفراد أو الجماعات التى تشملهم بقهرها، أو الدول الأخرى لو حاولت أن تشاركها أو تمنعها من قهر مواطنيها ورعاياها، والدولة تلبى احتياجات ضرورية للمجتمع الذى تتسلط على أفراده وجماعاته وطبقاته، وهى منع الصراعات بين أفراد المجتمع وجماعته وطبقاته.
عندما كانت السيطرة على وسائل العنف أو المعرفة تضمن السيطرة على فائض الإنتاج الاجتماعى، كان شكل ممارسة السلطة فى الدولة يميل دائما للاستبداد والديكتاتورية الصريحة كما فى كل المجتمعات الإقطاعية والخراجية ما قبل الرأسمالية، فضلا عن المجتمعات البيروقراطية الحديثة المعروفة بالاشتراكية، ذلك أن من كانوا يسيطرون على وسائل العنف من العسكريين والنبلاء الإقطاعيين أو وسائل المعرفة من رجال الدين والبيروقراطيين وساسة الدولة، كانوا يستولون فى نفس الوقت على الفائض من الإنتاج بالعنف أو بالتضليل، أى أنهم كانوا يستولون على الإنتاج الفائض بحكم هذه السيطرة العسكرية أو بحكم المعرفة الدينية أو الإدارية أو السياسية، وليس بحكم ملكيتهم الخاصة لوسائل الإنتاج.
عندما كان تملك وسائل الإنتاج يضمن السيطرة فى نفس الوقت على وسائل كل من العنف و المعرفة كما فى المجتمعات الرأسمالية و العبودية، كان شكل ممارسة السلطة فى الدولة يتم عبر أشكال متفاوتة الدرجة من الديمقراطية السياسية المحصورة فعلا فيما بين ملاك العبيد قديما والرأسماليين حديثا، و التى كان يحرمها ملاك العبيد صراحة على العبيد كما كان فى المدن اليونانية و روما قديما، أو يمنعها الرأسماليون الآن عمليا، و إن لم يكن نظريا بالطبع على البروليتاريا فى عصرنا الحديث، كما فى كل الديمقراطيات البرجوازية، و ديمقراطية ملاك العبيد قديما أو ديمقراطية الرأسماليين حديثا، هى فى المحل الأول الطريقة المثلى لحسم التنافس فيما بين ملاك العبيد أو بين الرأسماليين على السلطة والثروة، بدلا من استخدامهم العنف المسلح والمؤامرات والانقلابات وسائر ما يمارسه الإقطاعيين و رجال الدين والعسكريين والبيروقراطيين وساسة الدولة من صراعات فيما بينهم حسما لنفس التنافس على السلطة والثروة.
احتكار وسائل العنف واستخدامها، و الحق فى تشريع القوانين و إجبار أفراد المجتمع على طاعتها هى وظائف الدولة الأساسية، و الدولة هى جهاز القمع الذى عرفته المجتمعات البشرية منذ أن عرفت الانقسام إلى طبقات، ذلك أن الطبقات الحاكمة احتاجت هذا الجهاز ليدافع عن مصالحها ضد الطبقات المحكومة، و بالرغم من أن الدولة الحديثة تدعى أنها تدافع عن مصالح المجتمع ككل، وأنها تمثل تلك المصلحة العامة التى تخص كل مواطنيها، إلا أن هذا لم يكن أبدا سوى ادعاء زائف و محض دجل، فإذا كانت الدولة فى النهاية هى السلطات العامة التشريعية والتنفيذية والقضائية للمجتمع، فهى تعبر عن مصالح من يسيطرون على مصادر السلطة المادية الثروة والعنف والمعرفة، أما المحرومين من مصادر السلطة المادية فلا دولة لهم تمثل مصالحهم. والمسألة لا تحتاج لبرهنة عميقة، فمن يملكون الثروة قادرين على شراء إرادة الذين يسنون تلك القوانين التى تلبى مصالحهم، و شراء منفذى تلك القوانين فى مواجهة المجردين من الثروة، لينفذوها وفقا لمصالحهم، والعسكريين قادرين بما يسيطروا عليه من وسائل عنف على إجبار جهاز الدولة كله وسائر المواطنين على تلبية رغباتهم فى مواجهة العزل من السلاح، و بالطبع فإن المسألة ليست بتلك البساطة، فقد تجلت هذه الحقيقة فى العديد من الأشكال المعقدة للدولة، إذ أحيانا يكون لوسائل العنف الأولوية فى توفير الشرعية للسلطة، وأحيانا يكون للثروة اليد الأعلى فى ممارسة السلطة باعتبارها قادرة على شراء هؤلاء العسكريين أنفسهم، وأحيانا قد يكون ادعاء المعرفة هو أساس السلطة كما فى الدول الدينية أو البيروقراطية، إلا أنه بالرغم من هذا التنوع فى أشكال العلاقات بين السلطات فى الدولة، والتنوع فى العلاقات بين الدولة والطبقات الاجتماعية المختلفة، فأنه لا دولة للمحرومين من مصادر السلطة المادية، و لا دولة للبروليتاريا باعتبارها تجسيد هذا الحرمان من مصادر السلطة المادية، فالدولة لابد وأن تؤسس على أساس مصادر مادية لا تملكها البروليتاريا بحكم التعريف.
الدولة فى المجتمعات الإقطاعية والبيروقراطية، كانت دولة أشخاص لا دولة مؤسسات، فالحكام يحصلون على السلطة دون أى إرادة من المحكومين، و بوسائل شتى منها الحرب أو الغزو أو الوراثة أو انقلابات القصور والمؤامرات، ولم يتورع هؤلاء الحكام عن ارتكاب شتى الجرائم ضد منافسيهم على السلطة بما فى ذلك القتل والخيانة، و من ثم كانت العلاقة بين حكام الدولة والمحكومين هى علاقة التبعية الشخصية للحكام، و كانت الدولة توسع حدودها بالغزو والضم والإلحاق وضم سكان البلاد المفتوحة إلى رعايا الحاكم، وفرض الجزية والمكوس والخراج عليهم، ولم يكن لهؤلاء أى حقوق إزاء الدولة، وفى الحقيقة فإن الحماية العسكرية لحدود الدولة، و أمنها الداخلى كانت لحماية ممتلكات الحكام من المنافسين الأجانب والمحليين على السلطة لا غير، و ضمان تدفق الفائض الاجتماعى لخزائنهم بضمان أمن الرعايا ليخلقوا المزيد من الثروات ليسهل على الحكام نهبها، وأما القضاء فهو المنفذ لشرائعهم وقوانينهم التى تحمى فى المقام الأول مصالحهم فى الاستقرار السياسى والاجتماعى و الاقتصادى، وبرغم خضوع كل المحكومين والرعايا للحاكم، إلا أن الدولة كانت تميز عنصريا بين الرعايا الأصليين للدولة وعشيرتها الحاكمة، وبين رعايا البلاد المفتوحة والعشائر والقبائل المهزومة، كآلية لتفكيك هؤلاء الرعايا.
أن الدولة فى المجتمعات العبودية لم تتجاوز حدود المهام السيادية غالبا، تاركة الإنتاج والخدمات ليدبرها الرعايا بمعرفتهم على أن تحصل هى منهم التزاماتهم النقدية والعينية. وذلك على عكس المجتمعات البيروقراطية، كما يتضح لنا أن هناك تشابه بين المجتمعين العبودى والرأسمالى حيث يوجد لدى كل منهما انفصال شكلى بين الدولة و بين من يسيطرون على مصادر السلطة المادية، إلا انه فى المجتمعات الإقطاعية والبيروقراطية، فهناك اندماج كامل بين الدولة وبين من يسيطرون على مصادر السلطة المادية، إلا أن الدولة فى المجتمعات الإقطاعية الآسيوية تجاوزت المهام السيادية إلى أداء مهام إنتاجية وخدمية استلزمت مركزيتها واستبداديتها بناء على تدخلها فى الإنتاج والخدمات.
تقوم المجتمعات الإقطاعية بشكل عام سواء فى شكلها الأوروبي أو الأسيوي - على انقسام المجتمع إلى طبقة حاكمة وسائدة من النبلاء، الذين لا تعرف لهم من مهنة سوى الحرب، فهى سبب وجودهم ومبرره، والمتحالفين مع رجال الدين، الذين يبررون خضوع المحكومين لهم، وتصبح أحد أهم مهامهم ضمان هذا الخضوع، وكلتا الطبقتين تعلوان طبقات المنتجين من فلاحين وحرفيين ورعاة، و هم صانعو الثروة المادية لهذا المجتمع، إلا أنهم خاضعين بالرغم من ذلك لأوضاع العبودية الكاملة أو شبه العبودية أو التبعية التامة للطبقة الحاكمة، والمنفصلة تماما عمن تحكمهم. وتتلخص علاقة الإنتاج فى هذه المجتمعات فى انتزاع الطبقة الحاكمة للفائض الاجتماعى من المنتجين فى شكل ريع عينى ونقدى، أو خراج، أو جزية، وفى شكل واجبات وخدمات يؤديها المنتجون للسادة فى شكل السخرة.. وكل هذا فى مقابل أن توفر لهم الطبقة الحاكمة "فرديا أو جماعيا" بما تملكه من قوة عسكرية الحماية من النبلاء الآخرين.. تلك الحماية المفروضة بالغزو والحرب، بين أقسام الطبقة أو منافسيها الأجانب على السلطة، تلك الحروب بكل ما تعنيه من قتل ونهب وخراب واغتصاب واسترقاق للمهزوم.. هى مصدر سلطة هؤلاء ومبرر تميزهم.. والمدهش أن هؤلاء (البلطجية) النبلاء - على تنويعاتهم المختلفة- شكلوا كل الأرستقراطيات والسلالات الحاكمة، المقدسة وغير المقدسة، طوال التاريخ البشرى المكتوب ما قبل انتصار الرأسمالية النهائى فى العصر الحديث، والذين ظلوا يتيهون فخرا واستعلاءا بهذا الوضع المشروع قانونا، والمقبول أخلاقيا، لمجرد أن هذا الوضع فرضته الضرورة الاجتماعية فى تلك العصور.. حتى انقلبت أوضاعهم بفقدانهم ضرورتهم الاجتماعية، فنزعت شرعيتهم قوانين أخرى، وأصبحوا فى موضع الازدراء الاجتماعى. وبمقارنة هؤلاء مع "البلطجية" من غير النبلاء، من الخارجين عن القانون والشرعية، والذين يمارسون نفس الفعل المادى، أى فرض الحماية على منتجى الثروة، بما يملكونه من أسلحة وقوة جسمانية، مقابل إتاوات وخدمات.. فإننا لن نجد فرقا واقعيا، برغم الفرق الشاسع فى الوضع الاجتماعى بين النبلاء وغير النبلاء من "البلطجية"، من حيث إن الآخرين مؤثمون قانونا، ومستهجنون أخلاقيا، حيث أن وضعهم غير مقبول من السلطة الاجتماعية، التى يشكل هؤلاء تهديدا لمبرر وجودها ذاته. وهكذا نجد أن القانون يضع قسما من نفس النوعية من المجرمين حسنى الحظ لكونهم المنتصرين فحسب فى حرب الصراع على السلطة، فى أعلى السلم الاجتماعى، فى حين يضع القسم الثانى من نفس النوعية سيئة الحظ فى أسفل السلم الاجتماعى واضعا على رقابهم سيف القسم الأول، الذى يستمتع وحده بأسمى آيات التقدير والتمجيد، فى حين تلحق بالآخر لعنات التحقير والتنكيل. وهكذا نعرف أن كلا من القانون والأخلاق فى الواقع الاجتماعى لا يخضعان ولا يعبران عن المثل العليا الإنسانية المجردة، التى لم يعرفها التاريخ البشرى المكتوب، إلا على صفحات الكتب، وفى عقول الحالمين بعالم الحق والخير والجمال، وإنما يعبران ويخضعان للضرورة الاجتماعية.
فى بداية نشوء الديمقراطية البرجوازية فى غرب أوربا والأمريكتين، كانت حقوق الاقتراع العام و الانتخاب والترشيح للمجالس النيابية مقصورة على الملاك و رجال الدين والعسكريين، باعتبارهم أصحاب المصالح الحقيقية فى الأمة التى تمثلها الدولة، إلا أنه مع النصف الثانى للقرن التاسع عشر بدأت البروليتاريا فى الكثير من البلدان تحصل على تلك الحقوق القانونية تدريجيا، اما عن طبيعة تلك الحقوق الإنسانية فى ظل الرأسمالية الليبرالية فيمكن فهم حدودها لو أخذنا أحد مبادئها مثلا وليكن أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون، وأن جميع المواطنين لهم الحق على قدم المساواة فى اللجوء للقضاء، فلنرى إذن ماذا يحدث واقعيا لو نشب نزاع بين مواطنين غير متساوين فى قدراتهم الواقعية، مالية كانت أو أدبية، بالطبع لهم الحق فى اللجوء للقضاء، إلا أن الطرف الأقوى هو الأقدر بما له من قدرات أن يستأجر أكفأ المحامين، وأن يرشو القضاء لو استطاع، أو أن يؤثر عليه بما له من قدرات أو نفوذ، وربما عجز الطرف الأضعف عن الدفاع عن نفسه، وعن تكليف محامى كفء لشرح دعواه، و إقناع القضاء بها.
تعطى الليبرالية البرجوازية جميع المواطنين حق الترشيح للمناصب العامة على قدم المساواة، ولكن المواطن الأكثر قدرة مالية هو وحده القادر على الاستمتاع بهذا الحق عمليا، وهو وحده القادر على تمويل حملته الانتخابية، والمرشح المعبر سياسيا عن الأكثر قدرة مالية هو القادر على جذبهم لتمويل حملته الانتخابية، ومن ثم فأنه يجد نفسه ملزما بالتعبير عن مصالحهم، وهو بناء على ذلك صاحب الفرصة الأكبر فى النجاح فى الانتخابات.
الديمقراطية البرجوازية فى الحقيقة ما هى سوى مجرد إعطاء الأغلبية الحق فى أن تذهب بشكل دورى لتختار من بين السياسيين الذين يمثلون الطبقات الحاكمة من سيمارس عليهم السلطة و باسمهم، فى تمثيلية لا تنطلى إلا على السذج ، فمن يملكون أى من مصادر السلطة، هم وحدهم القادرين واقعيا على الفوز فى الترشيح للمجالس التمثيلية الذى يكتفى المحرومون منها واقعيا بمجرد حقهم القانونى والشكلى فى الترشيح لعضويتها، فليس لهم سوى اختيار أى من هؤلاء المرشحين سوف يمثلهم لعدة سنوات، معتمدين فى اختيارهم على مدى تأثرهم بالدعاية الانتخابية التى تملك وسائلها النخب الحاكمة والمالكة التى يمثلها هؤلاء المرشحين .
الديمقراطية البرجوازية شكلية كذلك لأن النخب السياسية سواء فى الحكم أو فى المعارضة تحتكر وحدها دون الجماهير الناخبة كل وسائل التأثير على عقول تلك الجماهير، والمحجوب عنها المعرفة والمعلومات الضرورية، والخاضعة لعملية تشكيل للعقل وتوجيهه إلى ما تريده هذه النخب، التى تتنافس فيما بينها فى لعبة كراسى موسيقية، لتبادل مقاعد الحكم و المعارضة، فبطاقة الاقتراع بين أيدى شعب أهمل تثقيفه عمدا، وتتسلط عليه أدوات غسل العقل وتعليبه، و صناعة الوعى وتشكيله، ليست سوى حيلة ماكرة لإنتاج وتجديد إنتاج أرستقراطيات حاكمة مقنعة بالتمثيل الشعبى الكاذب، مهمتها أن تحافظ على مصالح ملاك الثروة.
نخلص من كل هذا إلى شكلية المساواة القانونية و شكلية هذه الديمقراطية طالما ظلت البنية الاجتماعية الرأسمالية هى السائدة، والتى تفرغ هذه الديمقراطية و الحقوق الإنسانية من مضمونها. ومن ثم فالمثل الأعلى للديمقراطية لن يوجد إلا فى إطار بنية اجتماعية مختلفة تتيح حرية ومساواة حقيقية للبشر فى إطار علاقاتهم الاجتماعية المختلفة.
تكررت كثيرا سيناريوهات القمع الدموى عبر تاريخ الصراع بين الطبقة العاملة، وبين الرأسماليين والحكومات التى تعبر عنهم، فسيناريو المحلة 2008 قريب جدا لما حدث فى شيكاغو 1881، من تخريب عمدى من قبل عملاء الأمن فى مواجهة إضراب عمالى، وإعدام قادة العمال الذين ثبتت براءتهم، و نحتفل بذكرى مذبحتهم فى أول مايو من كل عام كعيد عالمى للعمال، وهو قريب إلى حد كبير لما حدث فى سان بطرسبرج فى روسيا يوم 9 يناير 1905، حيث توجه العمال إلى حيث يقيم القيصر، وهم يرتدون ملابس العيد ويحملون الصلبان والأيقونات ملتمسين من القيصر انقاذهم من المجاعة، ففتحت عليهم قوات القيصر النيران، وهو ما أدى لانفجار ثورة 1905 ضد القيصرية، والتحول النوعى فى وعى الطبقة العاملة الروسية الذى انتهى إلى ثورتى 1917 .
فى مصر عرف العمال القمع المفرط أيضا، سواء على يد حكومة الوفد بقيادة سعد زغلول، أو إعدام قادة العمال بعد اتهامهم بالتخريب، على يد حركة الجيش فى كفر الدوار أغسطس 1952، وهو نقل حرفى لنفس سيناريو شيكاغو، والاقتحام المسلح لمصانع الشوربجى للنسيج فى الخمسينات، والاقتحام الدموى لمصنع الحديد والصلب عام 1991 فى مواجهة اعتصام سلمى، إلا أن أشكال القمع تلك لم تصل بالعمال المصريين لما وصل إليه العمال الروس من كفر بالقيصر الذي كانوا يؤمنون أنه ظل الله على الأرض، حيث ظل معظم العمال المصريين موالين لحكومات وحزب الوفد قبل 52، وموالين بحماس للدولة الناصرية بعد 52.
القمع الدموى فى كل هذه الحالات عالميا ومحليا، ليس مجرد نتيجة انحرافات فردية لساسة وعسكريين و رجال أمن دمويين، بل هو تصرف طبيعى لبشر يعرفون جيدا أنهم فى صراع مصيرى مع من يهدد وجودهم ومصالحهم، ربما ليس بنفس مستوى ادراك من هم على الطرف الآخر من الصراع أى العمال، و لا نقصد طبعا الجنود البسطاء الذين ينفذون الأوامر بل من يوظفون القادة الذين يصدرون الأوامر.
هذا القمع هو الوسيلة الأولى فى ترويض العمال، إلا أن ممارسته بالشكل الدموى قد تتوقف أحيانا فى ظل ظروف معينة طالما ظلت تكلفة قبول بعض المطالب العمالية أقل من تكلفة قمعهم الدموى، إلا أنه عند ظهور أى بادرة تهديد للنظام الرأسمالى من العمال، فإن أكثر النظم التزاما بحقوق الإنسان لن تتردد فى ممارسة القمع الدموى ضد العمال، طالما تجاوزت مطالب العمال ما يمكن للرأسماليين وحكوماتهم القبول به، وبناء على تلك المعادلات شهدت سنوات القرن العشرين قبولا من الرأسماليين وحكوماتهم بأشكال النضال الاقتصادى للعمال حتى تم الاعتراف بالإضراب وتكوين النقابات باعتبارها حقوقا إنسانية، بعد أن كانت أعمال مؤثمة قانونيا حتى نهايات القرن التاسع عشر، وتحقيق الطبقة العاملة خصوصا فى العالم المتقدم الكثير من المكاسب السياسية والاقتصادية طوال ما يعرف بربع القرن المجيد الذى تلى الحرب العالمية الثانية.
التطورات التى حدثت فى العالم بدءا من سبعينات القرن العشرين، أشعلت حنين الرأسماليين للرأسمالية فى عهدها الأول، حيث حرية مطلقة فى الاستثمار والتجارة، و استغلال مفرط لعمال بلا نقابات ولا حقوق إنسانية، بل ودفع هؤلاء العمال حتى لقبول العمل الجبرى، و الإذعان التام لشروط الرأسماليين فى العمل، ولما كان يصعب تحقيق أحلام هؤلاء الرأسماليين تماما فى عالم الشمال الصناعى المتقدم، فإنهم يحلمون بتحقيقها فى عالم الجنوب المتخلف المتعطش إلى استثماراتهم، وهذا ما تساعد عليه الحكومات، و يقع ضحاياه عمال ليسوا كزملائهم عمال الشمال الأكثر تنظيما ووعيا وحقوقا.



#سامح_سعيد_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعاون بين التنمية والتحرر
- البرجوازية الموحدة تفكك البروليتاريا
- حقيقة الاستغلال الرأسمالى
- اقتصاديات الحرب الرأسمالية
- رأسماليات الاقتصاد الرمزى والخدمى
- القنانة فى عالم اليوم
- خرافة الطبقة الوسطى
- البيروقراطية الفاسدة والمدمرة
- قوة الرأسمالية فى مواجهة أزماتها
- طبيعة الأزمات الاقتصادية ودوريتها
- محطات فى تطور الرأسمالية
- أزمة فيض الإنتاج وصمود الرأسمالية
- النظام العالمي والإمبراطورية الغامضة
- التبعية وأوهام التحرر منها
- تنمية اقتصادية لصالح من
- معوقات العمل الجماعى العام
- الأناركية والدارونية
- استبيان رأى عن اللاسلطوية
- المول وثقافة الاستهلاك
- ‎‎تقدم علمى تأخر فكرى (9) السببية بين العقل الخرافى والعقل ا ...


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب في نيويورك
- الاتحاد الأوروبي يعاقب برشلونة بسبب تصرفات -عنصرية- من جماهي ...
- الهند وانتخابات المليار: مودي يعزز مكانه بدعمه المطلق للقومي ...
- حداد وطني في كينيا إثر مقتل قائد جيش البلاد في حادث تحطم مرو ...
- جهود لا تنضب من أجل مساعدة أوكرانيا داخل حلف الأطلسي
- تأهل ليفركوزن وأتالانتا وروما ومارسيليا لنصف نهائي يوروبا لي ...
- الولايات المتحدة تفرض قيودا على تنقل وزير الخارجية الإيراني ...
- محتال يشتري بيتزا للجنود الإسرائيليين ويجمع تبرعات مالية بنص ...
- نيبينزيا: باستخدامها للفيتو واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه ...
- نتنياهو لكبار مسؤولي الموساد والشاباك: الخلاف الداخلي يجب يخ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامح سعيد عبود - الدولة جهاز القمع الاجتماعى