أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد مهدي - هوليود .. وعالم ما بعد الموت















المزيد.....


هوليود .. وعالم ما بعد الموت


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 3153 - 2010 / 10 / 13 - 09:43
المحور: الادب والفن
    


تمثل صناعة السينما في هوليود وعاءً كبيراً يستوعب ثقافة الفكر الغربي , ويمثل تطور افكار افلامها مستوىً معيناً من تطور الافكار في المجتمع الثقافي الامريكي والغربي بصورة عامة , بل حتى السياسة العامة للحكومة الأمريكية لها تأثير كبير على الكثير من أفكارها , وبالتالي فهي أيضاً تمثل انعكاساً للعقل السياسي الأمريكي .
و على الرغم تنوع مستويات هذه الافلام , إلا إنه قد تتميز بعضها بسيناريوهات غنية بتنوع المرجعيات والخلفيات الثقافية والابستمولوجية للكتاب ، ومثلها طبعاً يحظى بمتابعة خاصة من قبل نقاد و متابعين بنفس المستوى , وعبر هذه الدورة الجدلية في بناء ونقد و " تلقي " هذه الافكار يرتسم تطور افكار وسيناريوهات هذه القصص على مدى العقود الماضية , و في موضوع اليوم سنناقش ونستعرض مسالة نظرة السينما الهوليودية للمعتقد الاجتماعي القديم - الحاضر بوجود الحياة بعد الموت وبقاء الروح كمنظومة إدراكية عقلية حتى بعد موت الجسد , وهذه الرؤية , وعبر ثلاثة ِ عقود ٍ مضت لابد وان تكون قد مرت بتطورات و " تلاقحات " لا تخلو من جذور ٍ علمية فلسفية حسب خلفية الكتاب والمخرجين الثقافية , بل وحتى الممثلين , والتي ادت بدورها إلى تبلور فكرة جديدة في الوعي الاجتماعي الغربي عن حياة ما بعد الموت , والمفارقة أنها هذه المرة .. بالعلامة الهوليودية !

هوليود الإمكانية التقنية – الثقافية المتفوقـــة

يمكن أن نميز اتجاه عام في هذه السينما يجاري المسار العام للنظريات العلمية والتفكير العقلاني الذي ينكر وجود عالم بعد الموت ، لكن ، ولفرط هذا الإلتزام من قبل دوائر الانتاج السينمائية هناك بمعطيات " انتاج المعرفة والعلوم " العالمية , إذ تعتبر من نفسها القمة والامثولة , وهي بالفعل كذلك ، لما يتوافر لديها من قدرات مالية وتقنية وفكرية ، فإن هوليود دخلت في متاهة جديدة حول جدلية " والوعي و الإدراك " التي يخوض بها المفكرون والفلاسفة في ميادين العلوم , وانتهى بها الحال إلى بروز " موجة " لتوجهٍ فكريٍ جديد لبعض من الافلام التي تتناول موضوعة العقل بعمق ٍ كبير لم يناقشه الفن العالمي على طول تاريخه من قبل بهذا المستوى من الموضوعية ..
وبما ان مسالة الوعي والذاكرة البشرية والعقل عموما ً لم يصل الفكر الإنساني فيها إلى حلول واجوبة شافية ، لذا ، كان من الطبيعي ان تلجا " هوليوود " إلى اللاهوت أو الميتافيزيا للإجابة على تساؤلات عدة تطرحها السينما ، ما افسح المجال لبروز رؤية فلسفية جديدة تتمازج فيها العلوم مع اللاهوت ..!!
لا غرابة أذن أن ثمة اتجاه ٍ معين يرسي لـــ" مفاهيمية " علمية – لاهوتية بدأت تترسخ في عقول صناعة الفن الهوليودي عن عالم ٍ " آخر " بعد موت الجسد تعيشه الذات بإدراك ووعي نناقشها في موضوع هذا اليوم عبر الإجابة على الاسئلة التاليــة :

• ما هي المقدمات والبدايات الاولى التي ادخلت هوليود في هذا الفضاء " الحساس " من الفن ؟
• ما هي اهم الافلام التي تناولت هذا الموضوع كقضية محورية لفكرة الفيلم ؟
• إلى اي مدى يمكن تقييم نضج الفكرة الهوليودية لبناء عقيدة في هذا الخصوص ؟
• هل هذا يعني أن الفن الهوليودي العملاق بدا بتشكيل " دين ٍ " جديد يتداخل فيه الفن ُ مع العلم ؟
• ما هو استشرافنا المستقبلي حول تطور هذه الافكار ؟ وإلى اي مدى قد يصل ؟

الإرهاصات الاولية لفكرة بعد الموت الهوليودية
افلام الوعــي Consciousness Films
وهي الافلام التي ناقشت موضوع الوعي ومشاهد ورؤى الاحلام , ولعل الافلام التي تناولت تجارب الاقتراب من الموت بما يعرف في ميدان الطب Near death experience والتي ظهرت اواخر القرن الماضي كانت المنطلق لهذا التيار , خصوصاً وإن الكثير من مشاهير العالم ومنهم نجوم هوليود انفسهم كانوا يحكون عن تجاربهم في الاقتراب من النقطة الفاصلة بين الموت والحياة اثناء إجراء العمليات الجراحية , وهذا ما شكل اهم دعائم هذه الافكار في افلام عديدة تناولت نفس الافكار و تحديدا ً السيناريوهات التي حاولت الإجابة عن السؤآل الآتي ضمن " دائرة الفكر الهوليوودية " المتنامية المتطورة :
مالذي يحدث في " الوعي " عند الدقائق الاولى من توقف القلب عن النبض وانقطاع التنفس ؟
فاستناداً على خبرات من عاشوا هذه التجربة ( الاقتراب من الموت ) نجد السيناريوهات تناقش المسالة عبر تجارب حقيقية واقعة فعلا ً ويرويها اكثر الاطباء عن مرضى توقفت نبضات قلوبهم وانقطعت انفاسهم لدقائق قبل ان تعود للفعالية مرة أخرى ...

خلاصة هذا الافلام تطرح الاستنتاج الآتي :
إن دخول الوعي في غيبوبة وتحول الإدراك الدماغي إلى " وعي حالم " خلال هذه الدقائق بلا دماء تتدفق في الشرايين ولا اوكسجين ينساب عبر حويصلات التنفس الرئوية يجعله يتراجع في حقول الذاكرة الشخصية للإنسان صاحب الحالة – التجربة , فتبدأ احداث يوم ٍ سبق فايام اسبق ... وتُظهر مشاهدها اشخاصا يقومون بإرادتهم بتجربة توصلهم لهذا المستوى من فقدان الوعي الحسي والموت ( المؤقت ) عبر حقن لعقاقير طبية معروفة , لتكون الدقائق والثوان المعدودة قبل الموت النهائي الذي لا رجعة عنه منتهية بتذكر أولى ذكريات الطفولة , اي بدايات الوعي الاول في مساحات الذاكرة المنسية التي لا يذكرها الخاضع للتجربة في حياته العادية مطلقا .
وهكذا , تتلاحق المشاهد التي تضع في النهاية بين يدي المشاهد فكرة مفادها أن :
ما نراه ونتصوره سكونا وموتاً في الدماغ والقلب هو في الحقيقة نشاط ويقظة لبيانات Dataتتجسد في حلم أو واقع افتراضي خاص ، هذه البيانات مطمورة ومنسية في الذاكرة تمثل ذكريات مسموعة ومرئية وملموسة وحتى ذاكرة روائح شمية وذاكرة انطباعية ( اي حالة الشخص إذا كان فرحاً أو حزيناً في ذلك الحين )...
مثل هكذا فيلم على العموم يضع المشاهد في صورة " اللحظات الاخيرة لحياة الخلايا الدماغية " ، وجذور الفكرة هي علمية وقريبة جدا ً من الواقع الحقيقي , ولهذا السبب فهي تترك النهاية مفتوحة للمشاهد ليخمن مالذي سيحدث بعد ذلك ؟
أي لو عبر الوعي " خط الحياة Life Line " وحدث موت فعلي للدماغ ... هل ينطفئ الوعي ويذوب الشعور الذاتي للإنسان كما يطفأ المصباح الكهربائي فيذوي الإدراك الذاتي بصورة ٍ تامة بعد أن ينطمر جسمه في التراب ام إن فاعلية ونشاط الذكريات والإدراك تبقى كوقائع في عالم ٍ آخر وابعاد أخرى كما تخبرنا الديانات .. ؟
هوليوود تغصُ بافلامٍ لا بأس بها تتميز بمقدار معقول من الرصانة العلمية والواقعية وإن شابتها الفنطازيا ضمن إطار الخيال العلمي في محاولاتها لتفسير : ( ماذا بعد الموت ؟ ) ..
فهي بصورة عامة , عدا حالات نادرة , تلتزم بعدم تخطي آفاق المعرفة وعدم الخوص في مسالة وجود العالم الآخر , عالم ما بعد الموت او ما يسمى بعالم البرزخ في الدين الإسلامي ، لكن مع ذلك , وكما ذكرنا في البداية فإن عدم الإجابة عن السؤال الخالد " ماذا بعد الموت " وباستمرار خلال سنوات في افلام هوليوود إنما يفسح المجال لتداخل اللاهوت مع النيوربيولوجيا ( علم الاعصاب الحيوي ) كخلفية افكار الافلام المتتابعة التي يطرحها الكتاب والمنتجون بصورة عفوية تلقائية ظاهراً , لكنها كنتاج فكري في حقيقة الامر إنما تخضع لتقلبات وجدل ومناقشة ضمن دائرة " فكر " جمعي عام يمكننا ان نسميها :
منظومة الفكر الهوليوودي !

الوعي و الموت في هوليوود

فيلم ( افتح عينيك - open your eyes ) للكاتب اليخاندرو امنبر ، وهو منتج بنسختين , اسبانية قديمة بحدود العام 1997 , والنسخة الأحدث هوليودية باسم " Vanilla Sky " من اخراج كاميرون كرو ( 2002 ) والتي قام ببطولتها توم كروز , بنيلوبي كروز & كاميرون دياز , ويمكننا ان نقول إن هذا الفيلم ومنذ إنتاجه بالنسخة الأقدم كان يحمل فكرة التمهيد الأولى ضمن دائرة الفكر الهوليودي لسلسلة أفلام الماتركس أو المصفوفة Matrix Theالتي ظهرت بعد ذلك بسيناريو وأفكار يتداخل فيها اللاهوت المسيحي مع العلم , حيث تتمحور فكرة " افتح عينيك " حول العيش في واقع افتراضي virtual reality ( أساس وجوهر فكرة سلسلة أفلام الماتركس Matrix Theفيما بعد ) ، فعندما يتشوه وجه البطل ( توم كروز ) ويفقد الامل في تجميله بعد حادث سيارة يلجأ لشركة تجميد تجمد جسده بالكامل عدا " الدماغ " الذي يبقى في نشاطه وعملياته البيولوجية .. !


شركة التجميد هذه تؤمل زبائنها الذين يعانون من تشوهات او اضرار جسدية مستعصية أن التجميد لمدة 100 – 200 عام كفيل بتطور العلوم إلى حد يفسح اصلاح هذه الاضرار والتشوهات بعد فك التجميد الذي ينتهي به الفيلم في صوت الممرضة وهي تخاطب توم كروز الذي جمد أكثر من مئة سنة بعد أن يخرج من الحافظة وترفع العصابة الطبية عن وجهه و عينيه :
Open your eyes...
مع ذلك , فإن الفكرة المحورية في الفيلم ليست التجميد وإنما " الواقع الافتراضي " حيث يبقى الدماغ في حالة نشاط حيوي طيلة مدة التجميد وتقوم الشركة " بخلق " واقع افتراضي يعيشه بطل الفيلم , هذا الواقع هو " حلم Dream " طويل الامد اختياري الاحداث من قبل " الشركة " ، فيعيش البطل مدركاً لواقع ٍ افتراضي لا يُصدق بانه خيالي , إذ أن تقنيات معالجة الدماغ التي يقوم بها المختصون في هذه الشركة تتحكم في بيانات الذاكرة فتحذف منها وتضيف إليها ما تشاء , تحذف اهم احداث سيئة وقعت للشخص في حياته بما فيها حادث السيارة وتشوه وجهه وفشله في قصة الحب مع كاميرون دياز ، وتضيف إليها احداثاً افتراضية غير حقيقية تجعل البطل يعيشها وكانها واقعه مثل قصة الحب الناجحة مع دياز وسلامة وجهه من التشوهات ..
كل هذا يجري ضمن واقع افتراضي ، فيما الواقع الحقيقي يتمثل في حقيقة وجود البطل في حافظة مجمدة في الشركة ..!
يمكننا هنا أن نلاحظ اولى إرهاصات سلسة افلام الماتركس ( كتابة واخراج الاخوة واكاوسكي ) ، الواقع الافتراضي الذي يتوهم الناس بانه حقيقي ، حيث تحتجز الآلات الذكية الواعية كل البشر تقريبا ً في حافظات اشبه ما تكون بالبطاريات تجعل البشر اجمعين " يعيشون " في حلم جماعي ، واقع افتراضي جمعي collectional Virtual reality , واقع غير حقيقي , لكنه مصمم حسبما يتمناه بني البشر , ووفق المنطق الفرويدي حولهم : " حيوانات ساعية للمتعة Pleasure seeking animals " ...
نلاحظ في هذه الافلام ( الماتركس Matrix The & افتح عينيك Open your eyes) الاشتراك بـ " نتيجة " تمثل فكرة ميتافيزيقية عن الوعي البشري وهي :
لا يمكن التلاعب لفترة طويلة بالوعي البشري عن طريق آلة أو برنامج حاسوبي متداخل مع الدماغ , سرعان ما يكتشف الوعي إن هذا الواقع الافتراضي مزيفٌ ولو بعد حين , يحدث هذا مع ( توم كروز ) في " افتح عينيك " و مع ( نيو ) في اول اجزاء الماتركس ... !
السبب في وجود هذه " البديهية " لدى كتاب هوليوود هو النهايات المفتوحة بلا اجوبة في دائرة الجدل حول الذاكرة والعقل البشري في ميادين العلوم العصبية والفيزياء كذلك شيوع ورواج خبرة الاقتراب من الموت بين الممثلين والمشاهير الهوليوديين انفسهم مثل (الفس برسلي) و(شارون ستون) على سبيل المثال لا الحصر , ما يجعل اللاهوت بديلاً عن العلم في توقع " خارقية " العقل البشري وخلفيته الروحية التي تنذر الفرد ( الخاضع دماغه لتجربة الواقع الافتراضي ) ولو بعد مدة بان ما يعيشه هو عالم غير حقيقي كما يحدث مع توم كروز في الفيلم الاول حيث تبدأ " مشاهد " غير واضحة في مخيلته تُظهر له بانه تعرض إلى حادث .. أو إن حبيبته التي معه في الفراش ليست " هي " .. مع إنه لا يزال مدركا ضمن الواقع الافتراضي ..!
كذلك الحال بالنسبة إلى " نيو " في الماتركس الذي يكتشف بطريقة ما إن عالمه غير واقعي وهناك بعض الاخطاء في بياناته التحليلية التي يجريها عبر الحاسوب .. !
خلاصة القول التي قدمتها هذه الافلام ، إن هناك خلفية ما ورائية للعقل ، جانب آخر من الوجود يتجاوز البنية العصبية المادية – البرمجية للدماغ لا يمكن التحايل عليها طويلاً , ما يفسح المجال لافكار اخرى وافلام اخرى في ان تظهر في هوليوود لتعلن بداية اولية للدخول إلى عالم ما بعد الموت .. أو ما نسميه في الفكر الإسلامي ( عالم البرزخ ) ..

الفكــر الهوليوودي وبداية الدخول إلى " البرزخ "

يمكننا أن نعتبر فيلم ( الحاسة السادسة Sixth sense , 1999 ) اخراج نايت شيملاين , بطولة بروس ويلز & هالي اوسمنت, هو اول عمل متكامل وعميق في مناقشة قضية " الارواح " التي تبقى بعد الموت لمدة تطوف في عالمنا الواقعي بصورة انتقائية تختار منه احداثا ً معينة ولا تعيش فيه مثلنا الاحياء بالكامل ، بالطبع ليس هذا بالفيلم الوحيد الذي تناول الموضوع بل هناك العديد من الافلام التي شكلت جميعها سلسلة فكرية حية في هوليود تتوجت في فيلم الحاسة السادسة والذي رشح للاوسكار , إذ كان بحق النقاط الاخيرة فوق الحروف في الإجابة على تساؤلات الوعي " العقلاني " عبر هوليوود : ماذا بعد الموت .. ؟
في حقيقة الامر , السيناريو والحوار في الفيلم يختار ببراعة شخصية الطبيب النفسي Malcolm Crowe ( بروس ويلز ) والطفل غريب الاطوار ... الذي يتميز بقدرته على رؤية بعض الاموات الذين تبقى ارواحهم معلقة في هذا العالم وليس جميعهم , والنهاية الغريبة للفيلم تظهر بان الدكتور " مالكولم " نفسه كان ميتاً دون ان يشعر بذلك , والطفل هو الذي نبهه بانه ميت يعيش في واقع الاحياء فيرى ويعيش بعضاً من تفاصيل حياتهم .. وليست كلها , فيما الاحياء لا يرونه ولا يشعرون به .. عدا هذا الطفل غريب الاطوار لكون الاخير يتميز بقابلية تمييز الاموات " المعلقين " في واقعنا الدنيوي ..!!
لعل النتيجة الاهم من هذا الفيلم تتوافق مع " افتح عينيك " و " الماتركس " في كون واقعنا الدنيوي ربما يكون واقعاً افتراضياً اصلاً .. لكننا نشعر به حقيقي لكون سبعة مليارات فرد على الكوكب الارضي يعيشون احداثه " المصممة " والمختارة بدقة من قبل منظومة سيطرة كونية ما ورائية تتمثل في " افتح عينيك " بالبرنامج الذي وضعته شركة التجميد الذي بنى العالم الافتراضي لتوم كروز ، وكذلك في الماتركس ايضا ببرنامج من صنع الآلات حيث ينقل وعي البشر اجمعين للحياة في عالم افتراضي ...

مالذي يمنع المتلقي ان يتسائل إذن :
لما لا نكون نحن البشر نحيا الآن في واقع مماثل , عالم افتراضي يعيشه الجميع كبرنامج يسيطر عليه " عقل " ما ورائي خارج حدود الطبيعة على اعتبار إن الطبيعة كلها مجرد برنامج والإدراك العقلي متحسس للعالم الافتراضي الجمعي الذي يخلقه هذا البرنامج ... ؟؟
بكل تاكيد توجد خلفية علمية لهذه الرؤية , الطبيعة برنامج والعقل البشري قارئ لبيانات هذا البرنامج التي نفهمها حسياً على إنها " الطبيعة " التي نعرفها ، وتحديداً افكار تيار جديد من علماء الفيزياء الذين يعتقدون بــ"رقمية " الوجود وعلى رأسهم " ستيفن وولفرام " .. الذي تتجسد نظريته عن كون الطبيعة اساساً بيانات برمجية رقمية في حاسوب كوني عملاق في فيلم الماتركس بصورة كلية تامة .. !
" فالناس نيام – إذا ماتوا انتبهوا " , وفكرة أن يكون الموت مجرد " فصل " من فصول مسرحية حياة الفرد ضمن هذا البرنامج الذي يتحول إلى عرض مرحلة جديدة " للعقل " وواقع افتراضي آخر هي نتاج جدليات الافلام الهوليودية التي ذكرناها ..

فالدكتور مالكولم في فيلم الحاسة السادسة " يتذكر " في النهاية إنه اطلق رصاصة على بطنه بعد ان شعر بذنب ٍ كبير نتيجة اخفاقه في علاج احد مرضاه , اي اقتنع بفكرة إن " العرض " الاولي لحياته انتهى في العالم الافتراضي الدنيوي و قد آن الأوان كي ينتقل إلى " العرض " الآخر من جانب حياته ..


فيلم باسنجرز " الركــاب Passengers "

لعل هذا الفيلم المنتج خلال فترة ٍ أحدث ( 2008 ) للكاتب رونيه كرستنسن واخراج رودريكو كارسيا , هو امتداد لفكرة الفيلم السابق , فباحثة اجتماعية ( الممثلة آن هيثوي )تركب في طائرة ثم تتحطم الطائرة فتدخل في مرحلة " ما بعد الواقع الافتراضي الدنيوي " , اي ما بعد المــــوت دون ان تدرك بانها ميتة ..!
أي هو يتناول فكرة ما بعد الموت منذ البداية , لكن ، الفيلم عموما ً يتوخى الحذر من العبور إلى الواقع الثاني ( ما بعد الموت ) وإنما يكتفي بعرض وقائع " الوعي " لدى البعض من ركاب الطائرة الاموات الذين لم يتقبلوا فكرة إنهم ميتون مثل الدكتور مالكولوم في " الحاسة السادسة " , فهؤلاء الركاب وبضمنهم الباحثة الاجتماعية لا يتقبلون فكرة الانتقال إلى مرحلة جديدة من الإدراك " ما بعد جسدي " , بعد الموت , فيعيشون الاحداث كما لو انهم لا يزالون على قيد الحياة , مثل حلم النائم ولكن بتداخل فعلي مع عالم الاحياء الحقيقي ..
اي يمكنهم رؤية بعض من الاحداث التي تحدث في العالم الدنيوي بعد موتهم ... وتستمر المشاهد حتى يتقبل كل واحد من هؤلاء فكرة موته وأن وعيه و إدراكه اصبحا جزءاً من فضاء افتراضي " اوسع " ..
فهم يشاهدون الناس في العالم الاول لكن الناس لا يشاهدونهم او يحسون بهم إلا عبر مشاعر غير قوية عندما يقبلون على النوم كما حدث في توديع دكتور مالكولم لزوجته وهو ميت عندما كانت في نعاس مقبلة على النوم ..

هوليود والمستقبل

الامكانية الضخمة التي يتمتع بها الانتاج الفني الهوليودي تضعه في محل مركز الوعي الاجتماعي البشري بعمومه في شرق الارض وغربها , ومثلما للاقتصاد سلطة و للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة اللتين تتمتع بها الولايات المتحدة الامريكية كذلك فإن لهوليود دوراً مهما ً في ترويج دعاية القوة الامريكية , فهي تحتل مكان المركز في تشكل الوعي الجمعي البشري بسبب قابليتها على التاثير والتغلغل في عقول الناس بإرادتهم او رغما ً عنها .. !
مع ذلك , ورغم ما تضطلع به من دور ترويجي للإمبراطورية " الديمقراطية " الامريكية , إلا إنها وبما تمتلكه من قدرة مادية وخبرة متراكمة لها التاثير الابرز في تحويل " العلم " إلى " فن " ممتع محرك للخيال , اي هي تقوم بدور " تيسير المعرفة " وتحويلها إلى منتج سائغ وممتع ..
ولهذا السبب , وعبر ما قدمناه من عرض في هذا المقال , فإن لهوليود الفضل الكبير في تيسير تلقي غالبية البشر في عالمنا الواسع لنظريات " جافة " في الفيزياء والنيوروبيولوجيا ما كان لاغلبنا القدرة على هضمها او أخذ فكرة عامة عنها لولا هوليود ، ما هو مستقبل هوليود ..؟؟
باعتقادي الشخصي , هوليود بمثابة الخيال في " مخ " المجتمع البشري ككل ٍ موحد , وحتى لو زالت الامبراطورية العسكرية " الديمقراطية " الامريكية من الوجود , فاعتقد ان هوليود ستبقى في القمة ولن يصل لمستواها الفني مكان ٌ آخر في العالم ، وربما سيكون له دورٌ اكبر في تثقيف البشرية عبر سبكها للعلم والفن واللاهوت والتاريخ في قوالب ملونة ٍ متنوعة تعيد إنتاج الفنون والعلوم والتاريخ في وعينــا .. ! خصوصاً في موضوع مقالنا هذا تحديداً .. عالم ما بعد الموت ..



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصين و حضارة - التسويق - الجديدة
- الكِتابة والمسؤولية : مراجعات في ثقافة الإنترنت ( 1 )
- العِلموية والإسلام (5)
- العِلموية والإسلام (4)
- العِلموية والإسلام (3)
- العِلموية والإسلام (2)
- العِلموية والإسلام (1)
- العراق : هرم الحضارات والتأريخ في الذكرى التسعين لثورة العشر ...
- لكتاب - اليسار - في الحوار المتمدن مع التقدير
- تكنولوجيا التخاطر Telepathy technology
- السحر السياسي الأسود
- حادثة اسطول الحرية و الدور التركي - الأطلسي - في المنطقة
- رجل ٌ .. وإيمانٌ عظيم
- سياسة بريطانيا و أميركا : تراكمات أخطاء حررت المارد الشيعي م ...
- مورفين ٌ .. و ابتسامة
- سقوطُ بغداد : مدرسة ُ الحرب الجديدة وكلمة ٌ أخرى سيقولها الت ...
- لماذا نعتقد ؟ .. الإيديولوجيا من منظور عصبي
- العقل والدين Mind And Religin
- العقل ُ : آلة ُ بناء ِ الحضارة
- الوعي والزمن


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد مهدي - هوليود .. وعالم ما بعد الموت