أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - قيس قره داغي - بشير مشير والبشيريستية في بغداد















المزيد.....



بشير مشير والبشيريستية في بغداد


قيس قره داغي

الحوار المتمدن-العدد: 3141 - 2010 / 10 / 1 - 14:35
المحور: سيرة ذاتية
    



فيلسوف ، شاعر ، زعيم ، مشير في الجيش العثماني، خياط وأستاذ نابغه مريدوه ينتشرون في عموم كوردستان ومنهم الرئيس العراقي جلال طالباني ، قسمهم الى درجات يحظى البروفيسور المعروف جمال نبز بصفة الخليفة والمعتمد الأول ويليه المبشرين السبعة ويدعي البروفيسور عزالدين مصطفى رسول أنه أحدهم غير أن الآخرين يزعمون أن بشيرا قد قرر ذات مرة أخراجه من السبعة وأعطائه مرتبة أدني لعصيانه من المبدأ البشيري وخلقه المشاكل للزعيم ، من تلامذته مجموعة من ألمع الفلاسفة والكتاب والمؤرخين والأدباء الكورد نذكر منهم ودون ترتيب المؤرخ والوزير أمين زكي بگ والوزير ،العلامة توفيق وهبي بگ والنائب المشهور أمين الرواندوزي والشاعر أسيري والأديب الكبير علاء الدين سجادي صاحب المؤلفات العديدة ومنها تاريخ الأدب الكوردي والمؤوخ حسين حزني موكرياني وفيما بعد شقيقه گيوي موكرياني والمؤرخ ملا جميل روژبياني والشاعر العملاق هژار مهابادي والشهيد الدكتور عبدالرحمن قاسملو الذي كان أستاذا في جامعة بغداد لفترة والشاعر والحقوقي كامل ژير وأحمد هردي والشاعر المجدد عبدالله گوران وحتى پيره ميرد أيضا وقد أوصى أن يدفن بجنبه ولم تتحقق وصيته كما سنأتي على ذلك لاحقا وكذلك الشخصية الفذة معروف جياووك مؤوسس نادي الارتقاء الكوردي ورئيس المحامين المدافعين عن الشقي الكوردي الثائر أبراهيم عبدگه والاديب والسياسي رفيق حلمي زعيم حزب هيوا _ الامل في 1939 و الدكتورين الأخوين أحسان وكمال فؤاد والأخير يحتفظ بمجموعة من الوثائق المهمة باستاذه، وطائفة أخرى من الأٍسماء اللامعة الذين كانوا نجوما متلألئة في سماء الأدب والسياسة ولا يمكن بأي حال أن نجمعهم بقائمة مستقلة واحدة .
للأستاذ مجموعة من المؤلفات المنوعة التي لا تجتمع في باب علمي واحد ومجموعة من القصائد التي تحمل إنتمائات شعرية من مختلف المدارس الشعرية وبعضها تعد من الروائع نشرت في الجرائد والمجلات الكوردية المختلفة في العشرينات والثلاثينات والأربعينيات وحتى الخمسينيات وبداية الستينيات وحسب الدكتور كمال فؤاد يقول أن الاستاذ أذا سأل عن صفته فكان يقول أنا ( فيلسوف وشاعر عند الإيجاب ) .
على ضوء ما سبق يحق لنا وللقارئ أن يقول من هو هذا الاستاذ والفيلسوف والشاعر عند الحاجة وهو في نفس الوقت خياط مشهور في بغداد كان يحلو له أن يسمي نفسه بصاحب المقص الذهبي !؟
أحتار حتى أقرب مريدي الأستاذ أن يردوا على بعض الأسئلة الجادة عن حياة هذا الرجل وخصوصا ما يتعلق بولادته أو نشأته حتى ظهوره على حين غرة كشخصية فاقت شهرته بغداد وكوردستان بل كتب عنه كتاب أجانب في برلين وباريس ولندن على صفحات الجرائد والمجلات الصادرة في أوروبا ، قبل أيام حمل بريدي رزمة كتب من الاستاذ البروفيسور جمال نبز وفي طي أحد الكتب خصني مشكورا بهدية رائعة وهي عبارة عن قرص ألكتروني مسجل عليه فلم وثائقي فريد من نوعه عن الأستاذ بشير مشير أشترك فيه مجموعة من المريدين الذين لا زالوا على قيد الحياة أدام الله بقائهم وفي الأسطر الباقية سوف نشير إليه فقط بكلمة الأستاذ الذي كان يفضله على باقي الألقاب التي منحوه أياه مريده وبعض المرات كان يضفي علی نفسه صفة من الصفاة على شخصيته .
بما أن أكثر مريدي الاستاذ من السليمانية فيجمعون على أنه من مدينة السليمانية وذلك من فرط حبهم له ، ولكن لهجته والمفردات التي نسمعها منهم تفيد على أن الرجل ربما نشأ في المنطقة المحصورة بين كركوك واربيل في بداية حياته أو أية منطقة أخرى من أعمال لواء أربيل، واكثر الظن أنه من مواليد السنوات المحصورة ما بين ( 1800 – 1888 ) ، فيشاع عنه أنه لم يشكف شيئا عن نشأته الأولی سوى بعض الأدعاءات التي كانت من بناة أفكار الأستاذ، مثلا أدعائه بأنه تخرج من كلية الأركان الحربية في أستانبول وكان يحمل رتبة مشير إبان الحرب العالمية الأولى ، أو أنه كان يعمل ربما مهندسا في في مشروع سكك الحديد المشهور ( بغداد – برلين ) وكان يتقن اللغة الألمانية ولكنه نسى تلك اللغة فيما بعد كما كان يزعم ، ولكن أخيرا تكشف بعض خيوط السيرة نتيجة لهفوات منه وأن كان يتصف بقلة الكلام ولم يكن رجلا ثرثارا كما يتصور البعض الذي لم يزامله ولم يزامنه فمثلا أنه ذات مرة كان يحكي عن نضاله من أجل الكورد قبل الحرب العالمية الأولى وكيف كان يعمل بجد من أجل بناء الدولة الكوردية لمجموعة من المريدين في محله وبينهم المدرس ( البروفيسور ( لاحقا ) معروف خزندار وقد قال الأستاذ من ضمن ما قال أنه ذهب من طهران الى أسطنبول على ظهر باخرة فقاطعه المسكين خزندار لمرات عديدة قائلا :
أستاذ لا يوجد بحر بين طهران وأسطنبول فكيف سافرت بباخرة !؟
وكان الاستاذ يهمل الاجابة لحين الانتهاء من حديثه وعند الانتهاء وبخه قائلا :
- أنت حضرتك مدرس ودارس فلماذا لا تفتهم !، ألا تدري أني أتحدث عن أكثر من خمسين سنة خلت ولا أتحدث عن المنطقة الآن ، أخرج ولا تعود الى المحل بعد الآن !
وهكذا خسر خزندار أهم محفل كوردي ( السفارة الكوردية في عاصمة الرشيد كما كان يسميه الاستاذ ) ولم يشارك أقرانه في تلك المساجلات والنقاشات والتي كانت تجري في ذلك النادي السياسي والأدبي طيلة حياته .
ومن الهفوات الأخرى التي تفيد هذه السيرة أنه كان متعلقا برجل من أصدقائه يقابله بحمية كلما قابله وأسمه حسن حلمي وفي أحد المرات كان الملا مصطفى صفوة والد البروفيسور عزالدين حاضرا عند لقائهما فسأل الاستاذ :
- أستاذ ربما علاقاتكما نابعة من حبكما للشعر والأدب ؟
فيرد عليه الاستاذ :
- لا ملا أفندي ، أضافة الى ذلك كان حسن حلمي زميلا لي في الدراسة !
وبعدئذ يقول الملا صفوت لنجله :
- عزالدين لقد حليت لغزا طالما حاولتم حله فلم تفلحوا أنتم !!
- كيف !؟
تبين لي المستوى الدراسي الحقيقي للأستاذ ، حيث أني أعرف حسن حلمي وهو من حينا في السليمانية وأن كان يكبرني بسنوات ، فقد كان الرجل شرطيا في العهد العثماني وقد فتحت دورة خاصة لمدة أشهر لتعليم مبادئ القرآءة والكتابة لهؤلاء والناجح من الدورة کان يرتقى درجة اعلی فيصبح من الضبطية ( الكورد يسمونها زه فتيه ) ما يعادله اليوم ( شرطي أول) وبما أن الاستاذ كان زميلا له في الدراسة فأنه لا بد وأن كان معه في تلك الدورة لان حسن حلمي لم يدخل المدرسة سوى إشتراكه في تلك الدورة .

الاستاذ خياطا:

كان الاستاذ يملك محل للخياطة في شارع الحيدرخانة في محل قريب من سوق السراي ببغداد ، وله من الصناع مجموعة من أمهر الخياطين اليهود في بغداد من بينهم المشهور عاصم فليح المؤوسس الفعلي للشيوعية في العراق قبل أن يعلن عن الحزب الشيوعي العراقي بنحو سنتين ، وعليّة القوم وحتى العائلة المالكة في العراق كانوا يفضلون هؤلاء الخياطين على بقية الخياطين في العراق ، ولكن هؤلاء أرتقوا وأصبحت لهم محلاتهم الخاصة في بغداد فيما بعد وثم هجّر اليهود منهم الى أسرائيل في عام 1949 و1951 فلم يعد الاستاذ ذلك الخياط المشهور الذي يتهافت علية القوم على محله رغم الاعلانات الكثيرة له في الصحف وحتى في الكتب والمجلات الصادرة في ذلك الزمان فحول محله الى محل لبيع الكتب الكوردية والصحف بأنواعها ، وحتى أعلاناته في الجرائد كانت أعلانات غريبة وفريدة فمثلا كان يكتب ( الخياط بشير المشير ، خياط عسكري وملكي ، صاحب المقص الذهبي ومؤلف كتاب ديوان المصباح ودليل طلاب الحق ( سيپاره ي حه قپه رستي ) وسعره ست آنات وله تحت الطبع كتاب عجيب وغريب وهكذا كان العنوان يشير الى أنه خياط غير ان التفاصيل تشير الى انه مؤلف وكاتب وأستاذ، وحتى محله في الحيدرخانه كان من ضمن ممتلكات أسرة الچادرجي المعروفة وكان الاستاذ من دون البقية معفيّا من بدل الأيجار ويذكر لنا د. عزالدين طريفة بهذا الصدد حيث يقول أن أسرة الچادرجي وأن كانوا من رواد اليسار العراقي في العهد الملكي فقد كانت لهم نزعة أرستقراطية غريبة ونقلا عن نصير أبن المرحوم كامل الچادرجي يقول أن ابيه طيلة حياته كان يستقبل ضيوفه في الديوان دون أن يقوم بأستقبالهم وتوديعهم حسب العادات الشائعة في المجتمع العراقي وحدث لمرتين فقط أن قام كامل بالتعني للذهاب الى باب المنزل لأستقبال احد ضيوفه وفي المرتين كان الضيف هو الشيخ محمود الحفيد ، المرة الاولى عند نفيه من قبل الانگليز الى جزيرة نائية في المحيط الهندي وثم عند عودته من المنفى ثانية ( وقد زار كامل الچادرجي البارزاني أيضا عندما كان مقيما في فندق الفردوس وقذ نقله الى مقر البارزاني الصحفي المعروف حافظ قاضي بسيارته الشخصية وقد دون القاضي المعلومة في مذكراته في الصفحات 86 و87 و88 ) ، رغم هذا يضيف الدكتور عزالدين أن رؤوف الچادرجي عميد تلك الأسرة عند نزوله الى شارع الرشيد كان يأتي لمحل الاستاذ يصافحه من دون الناس ويمضي وهذا سر آخر من أسرار هذه الشخصية العجيبة التي نحن بصددها .
يقول الدكتور جمال نبز وهو أقرب الناس من قلب الأستاذ أن مكتبة الاستاذ لم تكن كبقية المكتبات لا في العراق ولا في أي مكان آخر في العالم ، فالمكتبات في كل مكان عادة تتعامل مع المؤلفين ودور النشر على أساس الربح والمصلحة المشتركة بين الناشر وصاحب المكتبة ولكن الاستاذ يعتبر كل ما يصله من كتب ومجلات وصحف ملكا له ولا يجوز أعطاء أصحابها (عانة واحدة) وكان الجميع يفقه الاستاذ وبالتالي لم يحاسبوه لا في أول الشهر ولا في آخر الشهر وطبعا هذه الصفة من الاستاذ لا تعني بأي شكل من الأشكال بانه رجل طماع ومستغل أو أي شئ آخر ، لا بل كان كريم الطبع ويده ممدودة للآخر ولكنه كان يعتبر تصرفه هذا هو الصحيح ولا يمكن مناقشته أبدا، غير أن گيوي موكرياني وهو أديب وصاحب مطبعة في أربيل لم يكن يعرف طبيعة الأستاذ وإن كان الاستاذ قد زامل شقيق گيو الأكبر المؤرخ حسين حزني موكرياني لسنوات عديدة حيث كان الأخير يصدر مجلة زاري كرمانجي في عشرينات القرن المنصرم وكان هو التالي بشيري الهوى ، فحدث أن گيوا قد بعث لشهور عديدة مطبوعاته الى بغداد وكان يوصي بإيداعها لدى الاستاذ وقد زار بغداد وكان في طريقه الى محل الاستاذ لكي يتحاسبوا حول مبيعات الكتب ويأخذ كل ذي حق منهما حقه وقبل وصوله لمحل الاستاذ صادف وأن ألتقاه جمال نبز وعرف منه قصد زيارته للأستاذ فنصحه كثيرا أن لا يفتح الموضوع مع الاستاذ فكان كلما ينصحه يزيد گيو دهشة ويلح لماذالا أحاسبه !؟ ، الحساب والمحاسبة حق ولا بد منه ، على أيّ حال يذهب الى الاستاذ وما أن يفاتحه حول الموضوع حتى تثار ثائرة الاستاذ :
- حقا أنك رجل عجيب الأطوار يا گيو ، بدلا أن تشكرني على بيعي لكتبك تأتيني وتطلب المال مني ، لأول مرة أشاهد رجل مثلك ، فيفهم الرجل طبيعة الرجل تماما ويقفل عائدا الى أربيل وهو يحمل شارة البشيرستية من يومه الى مماته وكان كلما يطبع كتابا في مطبعته يرسل حصة الاستاذ الكاملة مع رسالة شكر دون أن ينتظر منه حسابا ولا هم يحزنون .

خطب الأستاذ تثير أعجاب الناس :

شارك الاستاذ في الكثير من المناسبات وكانت خطبه مثار أعجاب الحضور ، مرة دعي الأستاذ الى مناسبة في نادي الأرتقاء الكوردي ورئيسه الشخصية المعروفة معروف جياووك وكان على الأستاذ أن يلقي كلمة في تلك المناسبة ، فما كان عليه الا وأن يفاتح تلميذه جمال نبز الأقرب الى فكره ونظرته الى السياسة والفكر أن يكتب له الكلمة دون أن يعطيه حتى الخطوط الاساسية للكلمة وكالعادة ودون نقاش وتردد وما شابه يذعن التلميذ لأمر الاستاذ ويكتب له كلمة في غاية الأتقان ، في يوم المناسبة يقول الاستاذ للتلميذ أذهب وقل لهم أن الاستاذ يعاني من ألم في يده ويعتذر عن تقديم الكلمة وعلي تقديم الكلمة إنابة فيفعل نبز ما قاله الأستاذ ، ومن يدير المناسبة كان المطرب والمسرحي الفنان رفيق چالاك فيطنب في وصف الاستاذ عندما يحين دوره وهو أيضا بشيري الهوى ويتقدم نبز فيلقي الكلمة وسط تصفيق الحاضرين وما أن ينهي من إلقاء الكلمة حتی يعود ليجلس بجنب الاستاذ فيلتفت إليه الاستاذ وهو لم يزل مذهولا بإعجاب الناس لصدى كلمته الرنانة فيسأل نبز :
- ها ، ما رأيك بكلمتي في المناسبة !؟
- أحسنت أستاذ ، سلمت يدك وعاش يراعك .
- شكرا .. أن قلمي قوي حقا !
وهنالك قصص أخرى بطلها الأستاذ ومنفذها نبز ، فيقول الدكتور كمال فؤاد ویؤيده الدكتور عزالدين على أن شخصية كوردية من بغداد كان عقيد متقاعد وأسمه محمد علي كان يحتفظ بمخطوطات لشعراء كورد وكان حاضرا في محل الاستاذ وكان يقول بأنه أعطى ديوان الشاعر الفلاني للشخص الفلاني فطبع ديوانه وما أن يسمع الاستاذ بهذه الكنوز حتى يقول :
( ئه مين ) ، وأنا ؟
فيفهم الشخص الأشارة ويقول حسنا سأعطيك ديوان الشاعر حاجي قادر كويي وبأمكانك تدقيقه وتحقيقه وكتابة مقدمة له وثم طبعه .
فيأتي بالمخطوط ويسلمه للأستاذ وما على الاستاذ الا ويأمر جمال نبز بكتابة مقدمة للديوان ويصادف أن يكون گيوي موكرياني حاضرا في المجلس . فينكب نبز على كتابة المقدمة وبين حين وحين يأتيه الأستاذ قائلا له :
أريد أن تكون المقدمة قوية ومعبرة لأن ( ذاتا ) قوة المؤلف تكمن في قوة المقدمة !
ولكن يشاء القدر أن لا يرى ذلك المجهود النور ويبدو أن گيو موكرياني الذي علم بالمشروع سارع بالعودة الى أربيل وحصل على نسخة أخرى من ديوان الشاعر وطبعه في مطبعته التي ورثها من شقيقه حسين حزني موكرياني ( وهي نفس المطبعة التي جلبها حزني من الشام الى رواندوز وتم نقلها أخيرا الى أربيل وكانت الحروف بدائية حفرها حزني بنفسه وهو شخص عديد المواهب حقا ) وما أن علم الأستاذ بأمر أنتشار الديوان في السوق حتى ثارت ثائرته وأنصب معاتبا موكرياني وقال :
أنه علم بأمر كتابي حتى سبقني في طبع الديوان ، ولكن صحبه سهلوا من هول المصیبة وقالوا له :
- يا أستاذ كتابك لا يشبه كتابه فكتابك أقوى وفيه مقدمة غير ان كتاب گيو بلا مقدمة ، تريث حتى تباع نسخ موكرياني وأطبع كتابك بعده ، ولكن الاستاذ لم يقتنع بالامر ویودع كتابه في صندوق العجائب الذي كان يحفظ فيه كل أسراره ولم يطلع عليه أحدا سواه وحتى قال لورثته أن لا يفتحه أحدا بعد موته الا عندما يحضر جمال نبز المقيم في المانيا بنفسه ويفتحه .

الاستاذ يتحدى الحكم الملكي ويقف بوجه سعيد قزاز :

من لا يعرف وزير داخلية العراق سعيد قزاز !؟
أنه أحد أصلب وزراء الداخلية في العراق وأصرمهم ، فقد كان صلبا حتى في لحظة أعدامه، وعندما نُطقَ بحكم الإعدام بحقه من قبل محكمة العقيد فاضل عباس المهداوي ( محكمة الشعب ) قال كلمته المشهور ( لي الشرف أن أتعلق عالیا ويبقى تحتي أناس لا يستحقون الحياة ) ، ومعلوم كما أسلفنا أن الاستاذ بشير لا يحسب لكائن من يكون حسابا ، وهو يمضي على كل ما يكتب بأسمه ويرمي ( أمضائه كما كان يقول ) على كل ما يكتب له دون حساب عواقب الأمور ، وقد تم نشر الكثير من المقالات التي تهاجم الحكومة بجرأة باسمه الصریح ، هذا ما أزعج الحكومة ودعى سعيد قزاز أن يأتي ذات مساء بنفسه الى محل خياطة الأستاذ ، فيقول الاستاذ جمال نبز وقد كان حاضرا ويحكي بصفته شاهد عيان لما جرى حرفيا في تلك الأمسية:
كانت الساعة تشير الى حدود العاشرة وكنا قد بقينا كلانا ، الأستاذ وأنا في محله ونحن على وشك أن نقفل المحل والأنصراف ( پايدوست ) وأذا بسيارة شوفليه سوداء تركن قرب المحل وشاهدت سعيد بيگ قزاز وزير داخلية العراق يرافقه السائق فقط ، نزل وبدون مقدمات توجه الى الأستاذ ويبدو أن سابق معرفة يربطهما :
( أوسطة بشير ما هذا الذي تنشره ضد الحكومة ، قل لي من يكتب لك هذه الترهات !؟ ) .
وأنا أراقب الوضع عن كثب ( والكلام للأستاذ نبز ) رأيت الأستاذ وقد تلبدت أساريره وبدأت شفتاه ترتجف من حدة العصبية فرد على سعيد بيگ وانا أعرف ما الذي أثاره ، حتما كلمتان من سعيد قزاز ، أما الأول فهي كلمة ( أوسطة ) وهي من الخطوط الحمراء لدى الأستاذ فهو الأستاذ والفيلسوف صاحب المؤلفات القيمة ويشار إليه بالبنان فكيف به وهو يسمع كلمة ( أوسطة ) والثانية طبيعة سؤال البيگ بصيغة ( من يكتب لك !؟) ، فرد عليه الأستاذ بحدة :
- ما هذا الذي تقوله يا سعيد بيگ ؟
ألا تخجل ، أنا قلمي قوي ولا أحدا يكتب لي ، وثم أنا أكتب ضد الحكومة لأنها قوّادة ، فلتتخلى الحكومة من القوادة كي لا أكتب ضدها بقلمي القوي ، ألا سألت نفسك يا سعيد بيگ ، لماذا لا أكتب ضدك وأكتب ضد الحكومة !؟
فما كان من الوزير الا أن يهدأ لأنه جابه من هو أصلب عودا منه فمد يده الى جيبه وأخرج عملة ورقية وأشترى شيئا من السكائر مع فرشاة أسنان من الأستاذ وهو يردد :
- طيب .. طيب ، أستاذ أكتب ما تشاء ضد الحكومة ولا تكتب ضدي .
فأخذ الاستاذ منه ثمن السكائر دون أن يعطيه الباقي طبعا وهو يقول :
لا سعيد بيگ .. كيف أكتب ضدك ، أنا قلمي قوي.
وأنتهى كل شئ بين الحكومة والأستاذ .

صراع على الأستاذ بين الحزب الشيوعي والپارتي :

كان الصراع والحرب الباردة على أشدها بين القوميين والحزب الديمقراطي الكوردستاني من جهة والحزب الشيوعي العراقي من جهة أخرى ، ولكن تحت مظلة الأستاذ تتحول الحرب الباردة الى نقاشات هادئة وتبادل الود والأبتسامة البريئة ، فقد كان هنالك كما مر نادي الأرتقاء الكوردي وكانت النية متجهة الى أنتخاب هيئة أدارية جديدة للنادي وكانت كفة الشيوعيين أعلى لأن أكثر أعضاء النادي كانوا من الكورد الفيلية والغالبية من الفيلية كانوا ضمن اليسار العراقي كما يقول الدكتور كمال فؤاد في الفلم الوثائقي الذي بين يدي الآن ولهذا كان القوميين الكورد يحاولون بشتى الوسائل تأخير عملية الأنتخاب لئلا يفوز الشيوعيين بمجلس الأدارة ويتحول النادي الى مؤوسسة عراقية عامة كباقي المؤسسات ولا يكون في خدمة الكورد مثلما كان سابقا ، وقد كان محل الاستاذ هو المحل الذي يجري فيه كل النقاشات والجدل حول ذلك الموضوع فيقترحون الأقتراح بعد الأقتراح دون التوصل الى نتيجة مرضية ، وذات مرة طَلِبْ من الأستاذ أن يدلي بدلوه بالموضوع ، فقال :
- أنتم لا تملكون الحل ، فأن أقتراحي هو أن يتسنم المستقلين مجلس إدارة النادي .
- كيف ؟ وهل لديك أسماء تستحق ملئ المناصب ؟ سأل الحاضرون ،
- نعم ..
- من هم يا استاذ ؟
أولا ، إبراهيم أحمد ( وكان سكرتيرا للحزب الديمقراطي الكوردستاني آنئذ )
فقال الحاضرون ، نعم فهو مستقل حقا !! والثاني :
الثاني .. هو ذاك الأصلع ( ذكروني باسمه ) أبن الشيخ نوري وكان يقصد بهاء الدين نوري الذي كان عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي !
أما الثالث ، سأل الحاضرون ؟
الثالث ( ئه مين ) أنا. وأبوكم الله يرحمه.
على أي حال هكذا كان الاستاذ يأتي بأقتراحاته دون أن يعارضه أحدا .
في عهد الجمهورية زرع البعض من المترددين على محله شيئا في ذاكرته وهو أن وزارة جديدة سوف تنبثق وأنك يا أستاذ ستكون ضمن التشكيلة ، فبقى الاستاذ ولمدة شهر و شغله الشاغل أخبار الوزارة ومن هم هم زملائه الوزراء يا ترى ، الى أن أعلنت الوزارة فتفاجأ بعدم ورود أٍسمه في التشكيلة ، فجن جنونه ولم يجرأ أحدا أن يقترب من المحل لفترة خوفا من ردود الفعل ، فأستغل الاستاذ عزالدين مصطفى رسول الفرصة وذهب خلسة الى المحل وبعد مقدمة قصيرة قال له :
- أستاذ ألا تدري من هو العائق أما عدم توزيرك !؟
- من ؟
- ابراهيم أحمد !
- كيف ؟
- نعم .. بعدما علم أنك ستصبح وزيرا في التشكيلة الجديدة سارع الى الملا مصطفى ( الذي كان آنئذ ضيف للزعيم يقيم في قصر نوري السعيد في الصالحية ) وقال له لماذا توافق على جعل بشير مشير وزيرا وهو ليس منتمي الى الحزب فقل للزعيم أن يعين عوني يوسف وزيرا ( كان ضمن قيادة الپارتي ) فكلم البارزاني الزعيم تلفونيا وحل عوني يوسف بدلا منك في الوزارة، يبدوا أن الجو كان ملائما للأيقاع بالصداقة بين الپارتي والاستاذ فبدأ الفتور وكان الاستاذ المعتمد الأول للجرائد والمطبوعات الكوردية في عموم بغداد ، ومن ضمن الجرائد التي كانت تصدر آنئذ جريدة خبات لسان حال الحزب الديمقراطي الكوردستاني ويشرف عليها الاستاذ جلال طالباني بأعتباره عضوا في المكتب السياسي مسؤولا عن الأعلام المركزي ، فلاحظ أن جريدة خبات ومنذ فترة ترسل برزمة كبيرة الى محل الاستاذ وتعاد الرزمة كما أرسلت دون أن تصرف منها حتى نسخة واحدة ، ففطن أنه لابد في الأمر مكيدة ما ، فذهب الطالباني بنفسه الى الأستاذ وسأل عن سر مرتجعات الجريدة دون أن تفتح الرزمة فرد الأستاذ :
- ليس الأمر بيدي ، الناس لا يريدون قرآءة جريدتكم !؟
- كيف ولماذا كانت تصرف قبل أسبوع ولا ترجع لنا ولا نسخة !؟
- يبدوا أن نظرة الناس تغيرت أزائكم !!
- كيف ، أنا لا أفهم هذا الأنقلاب المفاجئ من الناس ؟
نعم ، أنتم وقفتم أمام أستيزاري وعينتم عوني يوسف بدلا مني ، ولهذا ترككم الناس ، ألا تعرفون أني كبير الكورد في بغداد ؟
- طيب ، أليس عزالدين مصطفى رسول هو من نقل لك هذا الكلام ؟
- نعم .
- طيب أنا لا أقول شيئا ، ولكن أن مكرم الطالباني وهو من جماعة عزالدين في الحزب الشيوعي تعين مديرا عاما لمصلحة التبوغ وهم بصدد تعيين أناس لهم خبرة في التبغ براتب قدره ستون دينارا ( كان مبلغا هائلا في ذلك الزمن ) أذهب مع عزالدين الى مكرم ، فأذا عينوك فاحصا للتبغ فمعناه أن إدعائه صحيح وإننا وقفنا عائقا أمام أستيزارك يا أستاذنا .
عند مجيئ الاستاذ عزالدين الى المحل وهو لا يدري بالتطورات الجديدة سأله الأستاذ :
- هل تعرف مكرم طالباني ؟
- نعم أعرفه .
- وأنا أيضا أعرفه سبق وأن تعارفنا في منزل جياووك بيگ ، قم معي لنذهب الى بيتهم .
- لماذا ؟
- لا تسأل ، عليك المجئ معي وهناك تفهم القصد من الزيارة، وكان الأستاذ يعلم بأمر تعيين فاحصي التبغ مسبقا وكان يقول لزائريه في تلك الأيام وبدون مناسبة ، يا جماعة تعرفون أني خبير في أمور التبغ أيضا بالاضافة الى مزاياي الأخرى ,المهم ذهبا الى دار الاستاذ مكرم وعادا فاضي اليدين من تعيين الأستاذ ما دعى الأستاذ الى إخراج الدكتور من صفوة السبعة المبشرين وتعيين جلال طالباني أو الملا جميل روژبياني محله . ويذكر أن الأستاذ قد رشح نفسه لمرتين كي يصبح عضوا في مجلس النواب ففي المرة الأولى كان عام 1928 رشح نفسه وقدم برنامجا يعتبره شهود عيان من أفضل ما قدم من برامج عمل من قبل المرشحين ولكنه لم ينجح لأن المقاعد كانت معدة سلفا للناس الذين تم تعيين ( أنتخابهم ) من الجهات العليا ، أما في المرة الثانية لم يقدم برنامجا بل أقتصرت دعايته على عبارة غريبة عن العبارات التي تكتب عادة في مثل هذه المناسبات فقد نشر ( أيها الناس ، أنكم أنتخبتم أناسا فأصبحوا ممثلين لكم في المجلس النيابي، لكنهم لم يعملوا شيئا من أجلكم، والآن أطلب منكم أنا تنتخبوني لكي لا أعمل من أجلكم شيئا كالآخرين ) وفي هذه المرة أيضا لم يكن له نصيب في أن يكون في البرلمان لنفس السبب السابق ولا لأي سبب آخر .

الأٍستاذ يرد على عباس خلعتبري على صفحات خبات:

في تلك الأيام تشكلت وزارة جديدة في إيران وعين عباس خلعتبري وزيرا لخارجيتها وفي مؤتمر صحفي سٌأل عن المسألة الكوردية فرد أننا لانعر ف إن كانت هنالك مسألة كوردية في إيران ، فالكورد جزء من الفرس والشعب الأيراني شعب واحد ، ما أثار حنق المثقفين الكورد والقوى السياسية ومن ضمنها الپارتي وكان آنئذ حزبا مجازا في العراق ودرءا لعدم تأزيم العلاقة مع إيران لم يكن بأمكان مسؤول رسمي في الپارتي أن يكتب شيئا مباشرا حول تصريح خلعتبري ، فذهب جلال طالباني الى محل الأستاذ وأختلى به جانبا وحدثه عن خطورة تصريح وزير خارجية إيران ضد الكورد وأقترح أن يكتب الأستاذ ردا عليه ، فوافق الأستاذ كعادته وقال سأكتب وأمضي، وكان هذا كافيا لكي يعود طالباني الى مكتبه ويكتب ردا مطولا على تصريح عباس خلعتبري ويذيله بأمضاء الاستاذ بشير مشير ، فخرجت جريدة خبات في اليوم التالي بمانشيت كبير غطى الصفحة الأولى بعنوان ( الفيلسوف بشير مشير يرد على تصريحات عباس خلعتبري !) وقد نفذت الجريدة على آخرها في الأسواق وتلاقفتها الأيدي بشوق وقد ضرب بذلك الطالباني مجموعة من العصافير بحجر واحد وهي :
أولا – الإيقاع بين الأستاذ وعزالدين مصطفى رسول .
ثانيا – إعادة المياه الى مجاريها بين الأستاذ والبارتي .
ثالثا – نيل درجة التبشير في البشيرستية .
رابعا – الرد على وزير خارجية إيران دون إثارة غبار التأزيم بين العراق وإيران .
وربما ثمة عصافير أخرى سقطت من جراء الشظايا المتطايرة أذا تفحصنا الموضوع جيدا ، ولا أدري هل ثمة رباط بين هذه المسألة ومسألة التأديب الذي ناله ( أحدهم ) على يد ولدي الأستاذ شامل وكامل عندما لحقا به بعد أن أجرى لقاءا مع البارزاني الذي كان في ذلك الحين يقيم في قصر نوري السعيد في الصالحية وأفهم الأستاذ بشير أنه سأل البارزاني أسئلة حرجة فبعث بوليديه وأشبعا الصحفي المسكين ضربا مبرحا !؟ ، ومادمنا ذكرنا شاملا وكاملا فأن الاستاذ نبز يقول فيهما أنهما من البشيرستية الحقة وقد كانا نسختين طبق الأصل من الأستاذ ، فيذكر طريفة بهذا الصدد حيث أن نبز صاحب الأستاذ الى منزلهم فوجد الدار خالية من أم شامل ، فسأله وأين أم شامل يا أستاذ ، فقال ، (لقد أعطيناها الجواب) ، فكرر سؤاله مرة أخرى فقال في رده نفس العبارة فلم يفهم نبز فحوى الجواب المبهم ما دعى الأستاذ أن يقول له ، ألا تدري ، أنها ( طلعت عربية ، ولذلك أعطيناها الجواب!) وقد كانت أم شامل رفيقة حيته منذ عقود طويلة من الزمن، يلتفت نبز الى شامل ويسأله ، أين أمك يا شامل !؟
والله أستاذ جمال صحيح ، أمي طلعت عربية وطلّعناها من البيت ، فهل يجوز أن نلفي أمرأة عربية في بيتنا !؟
ولكن بعد فترة قصيرة عادت المرحومة أم شامل الى الدار رغم كونها عربية أيضا .

عزالدين مصطفى رسول سبب توتر العلاقة بين الأتحاد السوفيتي والصين !

شاء أن يذهب عزالدين الى الاتحاد السوفيتي للدراسة ونيل شهادة الدكتوراه في الأدب الكوردي وكانت العلاقات بين الأتحاد السوفيتي والصين الشعبية متوترة وقد كانت شأنها شأن المسائل السياسية الأخرى حديث الساعة في محل الأستاذ بين المتنورين الكورد وكل يقدم تحليلا وأسبابا لتلك العلاقات المتأزمة ، والاستاذ وكدأبه لا يتدخل في الحديث ، بل يستمع ويراقب الشارع ويرد على السائلين على عنوان كتاب يطلبونه فأن لم يكن الكتاب موجودا فيبيع للمشتري نسخة من كتابه المشهور ( سيپه ره ي حه قپه رستي ) أذا يقول للمشتري أذا قرأت هذا الكتاب ستجد معلومات وافية عما تبحث عنه ، فأنه كتاب عجيب كتب بقلم بشير مشير القوي . وبعد أخذ ورد بين المتجادلين يتوجه نحوه كامل ژير بسؤال عن سبب توتر العلاقات فيرد الأستاذ بكل بساطة ، أتريدون أن تكون علاقات الأتحاد السوفيتي بباقي الدول جيدة وعزالدين موجود في موسكو؟ ، فالسبب هو عزالدين ، وكأنه كان يتذكر عزالدين الغائب عن نظره ويتذكر دوره في تأزيم علاقاته بالپارتي ، وبالمناسبة يقال عن الأستاذ أنه كان يتذكر مريديه وهم يبتعدون عنه واحدا بعد الآخر ، فعزالدين في موسكو وقد سبقه كمال فؤاد الى برلين ولحقه أقرب الناس إليه جمال نبز الى ألمانيا أيضا والآخرين أيضا أبتعدوا بعد أنقلاب شباط 1963 ما أتخمه حزنا فبدات أيامه تمر ثقيلة ومملة بعدما تعوّد على صحبة أناس من خيرة مثقفي كوردستان وهم يتبادلون الود المقرون بالنكتة والشعر والتأليف الذي أخذ الأستاذ منه نصيب الأسد فأصبح يعيش على أنقاض ذكريات الماضي ورسائل الأصدقاء من دول العالم ، يقرأها ويودعها في صندوق العجائب وثم يأمر بكتابة الردود مذيلا بأمضائه ولقبه ( والد صغيركم وكبيركم الفيلسوف بشير مشير) .

(كاژیک ) أول حزب قومي يولد من رحم محل الأٍستاذ:

كاژيك هو الأحرف الأولى ل ( كومه له ي ژيانه وه ي كورد ) جمعية أحياء الكورد ، وهو حزب قومي تشكل من مجموعة من متنوري ذلك الزمن وجلهم من مريدي الاستاذ والمترددين على محفله بعد أن شعروا أن أن اليسار في كوردستان قد أستشرى وأستفحل أمره وكاد الشعور القومي الكوردي أن يذهب قربانا لهذا التوجه الذي بات مودة العصر ، وطبعا كانت الأجتماعات التمهيدية تجري في محل الأستاذ وبوجوده لأنه كان متناغما مع مثل ذلك الطرح حتى النخاع ومتشبعا في أبعاده بالفطرة ، وللتأريخ فأن أقطاب هذا الفكر كانوا كل من ( جمال نبز، د. أحسان فؤاد ، كامل ژير ، فريدون علي أمين ، عبدالله جوهر ، أحمد هردي وآخرين) وكانت المساعي جارية على قدم وساق بين بغداد والسليمانية الى أن عانق أول بيان تأسيسي من الجمعية أعين الناس وقد جوبهت من طرف اليسار بالقذف والنقد وأطلاق صفة الشوفينية على تلك الجمعية ولأسباب ذاتية وموضوعية عديدة لا مجال للأسهاب فيها الآن، لم يكتب للجمعية النجاح الشامل ولكن بقت الأفكار تغزو القلوب والجماجم رويدا رويدا ولا زال الكثير من الناس يدعون بوصل ب( كاژيك ) لأنهم يجدون فكر الكاژيك قريب منهم ويعدونه طريقا لخلاص الكورد من هيمنة المحتلين وجبروتهم وقهرهم للأمة الكوردية ولكن الپارتي كحزب قومي قد سبق كاژيك بعشرة سنوات من جهة ودخول المؤوسس مصطفى بارزاني الى العراق وكوردستان عام 1959 من جهة أخرى جعل القوميين الكورد يلتمون حول البارتي ، فقبل عودة البارزاني من الأتحاد السوفيتي كان الپارتي حزبا هامشيا قياسا بالحزب الشيوعي لا يتعدى عدد أعضائه عدة آلاف والكلام موثق ولكن بعد دخوله وما لهذه الشخصية من كاريزما زاد أعضاء البارتي بأضعاف مضاعفة حتى أصبح يزاحم الحزب الشيوعي في البداية ويتغلب عليه لاحقا وثم يجعله حزبا صغيرا ويتمسك بمؤسسه البارزاني كقائد للپارتيین والشيوعيين في آن واحد إبان ثورة أيلول وخصوصا عندما ضاقت الحيل بالشيوعيين بعد أنقلاب شباط الأسود وتعرض أعضائه الى الملاحقة والأضطهاد والسجن أسوة بالأحزاب السياسية الأخرى وحتى ( كاژيك )أيضا أستمال الى الامر الواقع وأنتشرت أعضائه في الثورة وكان منهم أمراء للتشكيلات الكبيرة ومنهم فتاح آغا آمر هيز خبات وآخرين ، أي بمعنى آخر أن عامل الزمن والضروف الموضوعية لم تكن مع نمو ( كاژيك ) كما ينبغي وأقتصر نشاطه وأعضائه في مدينة السليمانية فقط وكان من الأجدر لمؤوسسيه أن يحسبوا أن لكوردستان مدن كثيرة ورقعة أكبر بكثير من التقوقع في مدينة السليمانية ، على أية حال ، هذا الأمر ليس موضوع بحثنا بقدر ما وجدنا من الضروري الاشارة الى دور محل الاستاذ بشير مشير كنادي ثقافي وسياسي وفكري من الطراز الأول في تشكيل الأحزاب والجمعيات وتأثيره على مجريات الأمور في الساحة السياسية والثقافية في كوردستان .

الاستاذ بعد أنقلاب شباط :

لم تعد أجواء بغداد بعد أنقلاب شباط الأسود تلك الأجواء البيضاء التي تحتضن الألوان كافة وهي كانت منذ القدم توصف بمدينة الأثنيات المختلفة ، فسكانها الأصليين لا يعيرون أهتماما بأصولهم الأثنية ويعيشون بوئام وسلام مع بعض وفيهم الكوردي والعربي والتركي والشركسي والعبري والفارسي وحتى الهندي والباكستاني ولكل هذه الأثنيات بصمات واضحة وقدمت لتأريخ بغداد أسماءا وشخصيات تحمل في جعبها مختلف الفنون ومن الآداب مختلف الصنوف ، غير أن الأنقلاب الشوفيني كان إنقلابا على كل تلك الألوان التي تحتفظ بها الفسيفساء البغدادي الأصيل ، فجاء الأنقلاب وجلب معه تلك الغيمة السوداء التي لبدت سماء تلك المدينة الجميلة وحتى منتدى البشيريستية في محل الأستاذ فقد بريقه وغابت عنه الوجوه التي تملئ المكان مرحا وحيوية ، فأصبحت مائدة المشير بشير لا تحوي سوى الرسائل التي تأتيه من خُلّانه المنتشرين في أرجاء العالم ، الرسائل التي تمر عبر مراقبة الشرطة السرية قبل أن تسلم الى أصحابها ، رسائل تحمل مضامينها الشوق الى الأستاذ غير أنها جلبت في نفس الوقت شكوك اللسلطة الجديدة التي ملأت سجون العراق بنزلاء من كل حدب وصوب ، من كل حزب وجمعية ، أنه زمن ما يسمى الحرس القومي السئ الصيت ، فأقتيد الأستاذ ذو المقص الذهبي الضائع وصاحب القلم القوي الخافت وكبير الكورد في عاصمة الرشيد وعميد السفارة البشيرستية الى سجون النظام الدموي دون أدنى رعاية لشيخوخته وروحه المرحة فيستجيبوه ملقين عليه أسئلتهم التافهة :
- قل لنا ما سر هذه الرسائل التي تأتيك من دول العالم المختلفة وبعضها بلغات أجنبية ؟
- أنا فيلسوف وشاعر عند الحاجة ؟
- وأين شهادتك ؟
- انا خريج كلية الأركان في أستانبول ولكنكم خربتم البلد ولا أدري أين وضعت شهادتي .
يودع الرجل في السجن وفي شهر آب الذي ( يشلع المسمار من الباب ) حسب المثل العراقي الدارج ، وفي ظهيرة أحد الأيام يعطش فيطلب من السجان الماء ، فيعطونه ماءا ساخنا فيقول: ألا يوجد لديكم ماء بارد ؟فيركلونه بأقدامهم حتى يقع على الأرض مغشيا ويُطلق سبيله على أثره ، يعود الرجل الذي تعود في حياته أن يعيش مدللا لا يُرفضْ له طلب ، كسيرا وحزينا فتلتم أفراد أسرته حوله ويطيبون خاطره ولكنه يعلم ان أيامه في الحياة باتت معدودة فيوصيهم أن يدفنوه في رابية (مامه ياره ) بجوار ضريح بيره ميرد الشاعر ، غير أن أبناء أسرته يقولون ، كيف نأخذك الى السليمانية في هذا الضرف المشحون وثم كيف لنا أن نزور قبرك في مدينة السليمانية ونحن في بغداد ، فيصرّ الرجل على طلبه ويقول : يأست العيش بين هؤلاء ، أنقلوا جثتي الى السليمانية وكفى ، فأنا لا أطيق العيش بين هؤلاء يوما واحد .
بعد أيام قليلة يودع الرجل دنياه التي منحته الغربة فمنحها الجد والهزل وكتب وقصائد وذكريات جميلة ولكن وصيته لا تأخذ مجراه مع الأسف ويدفن في مقبرة الشيخ معروف ببغداد ويكتت على شاهده ( هذا قبر الفيلسوف بشير مشير الذي أنتقل الى جوار ربه في عام 1963 ) وينتهي بذلك فصل من حياة شعب وأجواء محفل وأريحيات رجل بشوش عرف بدمث أخلاقه وحبه للناس ببدلته الأنيقة وشاربه الأشبه بشوارب ادولف هتلر والفريق بكر صدقي الذي كان الأستاذ يدعي بأنه خطط لأنقلابه في محله ومناظر تخفي عيناه .
وبقى أن نقول أن حياة الأستاذ بحاجة الى المزيد من التقصي والتحليل فلم يخطئ الشهيد عبدالرحمن قاسملو عندما كان يقول ( لا أعتقد أن يكون هنالك شبيها لبشير مشير في أية أمة أخرى ) وعليه لو فكر السينمائيين الكورد أن يستبطوا من حياة البشير فلما سينمائيا لكان واحدا من الأفلام الناجحة حتى خارج كوردستان ومع ذلك نحن نثمن جهود دار آراس لأنتاجه الفلم الوثائقي الذي تحدثت عنه حيث أشرف عليه الأعلامي سيروان رحيم وطاقم يشرف على الكاميرا والصوت والمونتاج والتقطيع .
وبقى أن نبدي أستغرابنا من أمر آخر وهو لماذا لا نجد تمثالا للرجل في حديقة عامة في كوردستان وما أكثر الحدائق والمتنزهات والحمد لله في كوردستان ، ولا يحمل شارع من شوارع كوردستان في أية مدينة كوردية (لأنه لم يفرق بين مدن ومناطق كوردستان أبدا)أسم الأستاذ وتلميذه هو رئيس جمهورية العراق ؟ ومن بين مئات الجرائد والمجلات الصادرة في كوردستان ( اكثر من نصفها مضيعة للمال والوقت) لا تحمل إحداها أسم بشير أو مشير أو كلمة الأستاذ حتى مجردا من أسمه ؟
ألم يكن الأستاذ يحمل كوردستان في قلبه أينما حل وأقام !؟



#قيس_قره_داغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدونة الثلج والنار
- بدل رفو .. حمال أوجه الثقافة
- نمنمات عربية من شعر قباد جلي زاده الكوردية
- لك السلام يا شمام شوقي ، شلت يد الارهاب
- الفن الكوردي في مدينة الفن ( دارمشتات ) الألمانية
- جولة مع الكتاب الجديد لحكيم نديم الداوودي
- طريق دولة المالكي الى مجالس المحافظات
- نوزاد هادي حجر بناء في قلعة أربيل
- وريا قره داغي علم كوردي في الامم المتحدة
- من النهر الى المحيط
- مواد الدستور العراقي حية لا تموت يا عباس البياتي
- رحلة البحث عن هوية الكورد الفيلية ( 6 )
- كركوك وما وراء كركوك
- رحلة البحث عن هوية الكورد الفيلية ( الحلقة الخامسة )
- سد كفري سيعيد الحياة الى مدينة تحتضر
- رحلة البحث عن هوية الكورد الفيلية (( 4 ))
- رحلة البحث عن هوية الكورد الفيلية 3
- رحلة البحث عن هوية الكورد الفيلية
- رحلة التحري عن هوية الكورد الفيلية
- الفقاعة التركية التاسعة بعد العشرين


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - قيس قره داغي - بشير مشير والبشيريستية في بغداد