أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الرزاق عيد - من المنقبات إلى -القبيسيات-: كره الذكورة بلا رجولة ! حكاية الخوري الذي أسلم والعلمانية الأسدية (الطرطوفية) 2















المزيد.....

من المنقبات إلى -القبيسيات-: كره الذكورة بلا رجولة ! حكاية الخوري الذي أسلم والعلمانية الأسدية (الطرطوفية) 2


عبد الرزاق عيد

الحوار المتمدن-العدد: 3097 - 2010 / 8 / 17 - 08:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بعد أن تعرضنا في القسم السابق من المقال للوظيفة الأولى لاستهداف المنقبات، وحددناها بأنها وظيفة تهدف للتسويق الخارجي، يقدّم فيها عصبة الغلمان المافيوية الشبيحة (الأسدية) أنفسهم بوصفهم مستهدفين بالإرهاب الأصولي، وأنهم يخوضون معركة العالم ضد الإرهاب والسلفية لتجفيف ينابيعها الثقافية في صورة محاربة ظاهرة النقاب التي تنشغل به أوربا مؤخرا، وذلك مع تصاعد اهتمام منظمات المجتمع المدني الغربية بمسألة استمرار قمع النظام المافيوي للحريات وحقوق الإنسان في سوريا، فكانت هذه المناورة الاستعراضية أمام العالم الذي لا يزال النظام يخادعه بأنه تقدمي وشعبه السوري رجعي بل وجاهل حسب رأي رئيسه الوريث القاصر، وأن معارضته أصولية سلفية معادية للغرب والمدنية، باسم إستعلان العلمانية بوصفها بعدا فكريا وسياسيا لفكر حزب البعث الذي لم يأت في كل تاريخ ممارساته السياسية على ذكر العلمانية مثله في ذلك مثل الحزب الشيوعي(الدياليكتيكي) بفروعه المتعددة، أوالحركة القومية الناصرية بما فيها تيارها اليساري الأكثر راديكالية (جمال الأتاسي)، حيث بقيت العلمانية في حدود (الفذلكات النظرية ) لبعض المثقفين اليساريين في سوريا، في حين ظل الحراك اليساري والقومي الحزبي يتسم بطابع محافظ عموما، إذ يمكن القول: إنه لا يوجد -على سبيل المثال- امرأة من الوسط الناصري لا تتحجب إن لم نقل أن هناك (منقبات)....!

وعلى هذا يمكن الحديث عن تشكل ايديولوجيا سلطوية (عدمية) لا تؤمن بأية فكرة أو مبدأ أو عقيدة دينية كانت أم علمانية، فهي والأمر ذلك ليست سوى (عدمانية) تقوم على الإيمان بالطاغوت، وهو طاغوت (المال)، وهي ايديولوجيا تستند إلى حامل اجتماعي هو خلاصة تحلل الفئات الوسطى إلى قوى ما أسميناه ونسميه تحالف (الرعاع من الأصول الريفية، والحثالات من أوساط مدينية)، هذه القوى ستشكل شريحة الأغنياء (المحدثي النعمة)، الذين تحركهم ثقافة الغرائز التي لا تشبع بسبب جوعها المرضي القديم المزمن العميق بلا قاع، ولذا فهم يعيشون مسارا حياتيا يتشكل من قطبي الحركة ما بين (المطبخ والكنيف) وفق تعبير الكوكبي، وهؤلاء هم الذين يتسيدون زمنهم، وهم حسب الملاحظة السوسيولوجية الثاقبة للكواكبي الكبير:" أسفلهم طباعا وخصالا أعلاهم وظيفة ورتبة". أو في صيغة ابن عربي (رقي الأمكنة) الذي يستدعي (تدني المكانة)، وفق ما كنا قد أطلقنا عليه (كل من يرتقي وظيفيا في سوريا الأسد فاعلم أنه وغد) عبر استعارة المعنى من الكاتب الأمريكي سنكلير لويس، و يكفي للتأكد من ذلك ليس النظر إلى أوغاد المخابرات فحسب، بل إلى أوغاد القضاء كمثل من حاكموا هيثم المالح ومهند الحسني اليوم، ومن حاكموا رجالات سوريا الفضلاء في إعلان دمشق بالأمس..

هذه الحضيضية الحسية الغرائزية رصدها الشاعر السوفيتي يوفتشنكو في صيغة أ ن مشكلة الاتحاد السوفييتي في زمن الانهيار الكبير مع هؤلاء الذين يفترض أنهم علمانيون، ليست مشكلة الإلحاد الديني بل هو (الإلحاد الأخلاقي) ، هذا الوصف هو أعلى تعبير عن الخلاصة الثقافية والأخلاقية التي تمخضت عنها تجربة البعث مع منطلقاته الفكرية والنظرية في صيغة شخصنتها اللاحقة بـ "الأسدية الطاغوتية" التي لا تؤمن بشيء إلا على قاعدة انهياره العدميةـ حيث العلمانية لا يتبقى منها في الضمير الأسدي ومدرسته الغرائزية ، إلا (الإلحاد الأخلاقي والعدمانية ) الذي يتصرف بكل الأفكار والعقائد والإيدولوجيات ومنظومات القيم فيما يخدم مثل حياته الأعلى ما بين (المطبخ والكنيف)، حيث تتشيأ منظومات الثقافة والقيم حول وثنية تجعل من كل منجزات الفكر الإنساني (تابو) في خدمة تشييء وثنية (الطوطم)، ولهذا فإن المجتمع في مواجهة هكذا (عدمانية) لا يجد ملاذا إلا في مقدساته المتراكمة في ضميره، فالرد الوحيد شعبيا على حيزات ثقافة (الكابريه)، هو اللجوء إلى ملاذ فضاءات (الجامع) ورموزه الدينية : الطقوسية والتراثية الثقافية والوجدانية، بعد أن طرد المجتمع من ساحة السياسة(الوطن)، أي من ساحة صناعة المشترك الوطني إلى زواريب ودهاليزالاحتماء الطائفي (الوشائجي التعاضدي الأهلي)، وما تستعيده من رمزيات أهلية منكفئة على ذاتها في صيغة استعادة موروث العادات والتقاليد بعد أن طردت من ساحة الوطن (والحلم الوطني) إلى حضن (الحارة) وقيم "باب الحارة" التي تستعاد بنوستالجية موجعة وحارقة في تطلعها إلى عالم الرجولة القيمية الوطنية بعد أن انحلت إلى عالم الذكورة العضوية العصبية والطائفية الأقلوية، حيث الانتقال من فضاءات الحرية والتفتح والانفتاح على الآخر الوطني، إلى دهاليز التخفي والتواري الباطني الذي يتحول بدوره من ثقافة طائفة إلى ثقافة أمة مغلوبة على أمرها بقوة الغلبة والاستيلاء...

ثقافة تبدأ بإخفاء الرأي ووأد العلنية الطبيعية التلقائية وصولا لإخفاء الرأس بل وإخفاء الوجه في عالم تهدمت فيه قيم الرجولة بمساحتها الوطنية الشاسعة، مختزلة إلى عالم الذكورة الغريزية المنطوية على مكبوتاتها الباطنية التي ستكون ظاهرة (القبيسيات) تعبيرا مكثفا عن أزمة سقوط الرجولة الوطنية لصالح المرجلة الذكورية الأمنية والتشبيحية، في صورة كراهية المرأة للرجل...لكن الرجل الذي تلاشى في الزمن الأسدي –(زمن المرجلة الأمنية بلا رجولة وطنية)، نقول : تلاشى إلى مستوى وظيفته الغريزية الذكورية (مباضعة وتناسل وتشبيح) للحفاظ على مملكة الطوطم الأسدي ..!!!

وعلى هذا فإننا سنتناول الوظيفة الثانية، وهي الوظيفة الموجهة للداخل، حيث سنتعرض فيها لدلالة النقاب في فلسفة (القبيسيات)، والطرطوفية الأسدية في صيغة الخوري الذي أسلم، التي لا تمل الأسدية من إعادة تمثيلها يوميا على مسرح الواقع السوري منذ أربعة عقود وصولا في تناسخها وصولا إلى الوريث القاصر اليوم الذي يتحذلق يوميا في إعادة إنتاجها بما فيها تأهيل ابنه الطفل ليكون خطيب جمعة ، لكن هذه التكيفّات الوظيفية مع كل العقائد في خدمة (القائد) تتم بفظاظة بدائية، هي دون خفة دم الخوري الظريف ...!!!

إذن إن التوظيف الثاني لهمروجة النظام عن (العلمانية/ العدمانية) في نقل المنقبات من قطاع التعليم،إنما هي للاستهلاك الداخلي، كجائزة ترضية لبعض النخب التي تراهن على الحداثة والعلمانية بغض النظر عن الديموقراطية والحريات ومسائل حقوق الإنسان... وهذا قطاع واسع في سوريا يعتبر أن الديموقراطية مجلبة للأصولية، ولهذا لابد من الالتفاف حول النظام الذي يفترض أنه –حسب البعض- إن لم يكن علمانيا فهو أقرب الى العلمانية حتى ولو كانت علمانية باطنية.... وبهذا المعنى فإنهم يعطون زادا يبرر ويشرعن تأييدهم للنظام الفاشي، وهذه النخب معظمها تتحدر من الأوساط الأقليات الدينية (المسيحية)، والطائفية (العلويون بالدرجة الأولى)، بالإضافة الى دور الموروث الثقافي اليساري الشيوعي (المسفيت) ومعظمه داخل جبهة النظام، الذي لا يزال ينظر الى الستالينية (العلمانية) كمثل ثوري أعلى، وهذه الشرائح والعينات تنطلق من فلسفة تحويل الضرورة الى إرادة حرة، فما دام النظام على هذه الدرجة من الإطباق على مخانق المجتمع، فالأولى عدم معارضته بل الأولى البحث عن هدف مشترك (العلمانية) معه، حيث ضرورة القهر التسلطية تتحول الى ما يبدو إرادة طوعية لدى بعض هذه النخب التي تعتقد أنها تخوض معركة مستقبلية بوقوفها مع فاشية النظام باسم تجنب الأصولية المزعومة ..

فيهتفون لانتصارات وهمية زائفة وكاذبة ضد مستضعفات بلادهم، هن ضحايا الاستبداد المركب: استبداد الحاكم الطاغية، واستبداد ثقافة الموروث الذكوري الذي تقشر من كل معاني الرجولة في الزمن الأسدي، ليتبدى عن ذكورية عضوية رخوية تأباها الأنوثة، بوصف الأنوثة معادل الخصب والعطاء والنماء للطبيعة، وحيث " كل ما لا يؤنث لا يعوّل عليه" وفق تعبير ابن عربي، ولعل في ذلك مدخلا لفهم ظاهرة القبيسيات وثقافة "رفض الرجل"، حيث الرفض بهذا السياق ليس بسبب (رجولته البطركية الذكورية) التقليدية التسلطية، كما هو سائد لدى الحركات النسوية في الغرب في مناهضة النزعة الذكورية، بل بسبب (نزع الرجولة/الإخصاء ) التي أسس عليها النظام الشمولي فلسفة هيمنته (الأسدية) لتعميم ثقافة الطاعة "نعم الى الأبد " ، فبدأ عملية الإخصاء الشامل للمجتمع بادئا بحزبه (حزب البعث ) الذي تحول ما بعد فتنة الثمانينات، وهي فترة انبعاث ظاهرة "القبيسيات "، إلى حزب (النعم حتى في تشهدّه)، وكذلك الأحزاب الملحقة به بما يسمى بالجبهة ..حيث التهميش والتهشيم والتبئيس و(التفئير ) ... فكيف يمكن للمرأة-والحالة كذلك- أن تتفتح كيانتها العضوية الأنثوية الطبيعية وهي ترى الرجولة تتحلل من كل معاني السمو والنبل والشهامة والشجاعة، لتتكشف عن ذكورة تناسلية لحفظ البقاء: بقاء الزحف والالتصاق بالأرض والتذلل والتملق والرياء والكذب، وأية أنوثة هي (رمز خصب الطبيعة ) يمكن أن تشدها ذكورة تناسلية بلا رجولة قيمية ..!؟

من هذا المنظور يمكننا قراءة دلالة التحولات النسوية : على مستوى الموقف من مسألة الحجاب والنقاب والسفور بوصفها مسائل سوسيو-سيكولوجية –ثقافية، وليس مسائل فقهية لجدل الفتاوى العقيم الذي لا ينتهي، وليس هي مسائل دينية: حيث الدين والإلهيات أسمى من سرديات شؤون الناس اليومية في معاشهم وفي مأكلهم أو ملبسهم ...

إذن من هذا المنظور حاولنا أن نطل على هذه النثريات اليومية للمسائل النسوية السورية، وعليه فإن ظاهرة القبيسيات والمنقبات والمحجبات إنما هن ظاهرة طبيعية ومتسقة مع منطق جدل الطبيعة والحياة التي أنتجها لوياثان الرعب الأسدي في سوريا، حيث لم تخلف سوى مسوخ على شكل رجال (رفاق ) يرون من موقع مسوخيتهم أن الرجال :أشباه رجال.

فمن المفهوم –عرفت القبيسية أم لم تعرف دوافعها – أن تأنف انوثتها من ذكور هم بين عجول ومسوخ تخلوا عن رجولتهم طوعا أم كرها .

ولعل هذا ما يفسر لنا أن يكون شيخ كالدكتور رمضان البوطي (عراب) الفقه (القبيسي) رمزا لمثل هذه الذكورة النموذجية، وذلك عندما يستخزي أمام حاكم (طوطم لوياثاني) يسعى لتطويع أمة من الخصيان لعبادته... حيث يبشر البوطي الطاغية الأسد بأن ابنه باسل في الجنة وفق إلهاماته الربانية في مناماته وأحلامه ...

أليس من المشروع إنسانيا للمرأة عندما تهبط الرجولة الى هذا الحد من الذكورة العارية من رجولتها أن تكف أنوثتها عن عن التفتح الطبيعي نحو ما يفترض أنه قطبها الطبيعي الآخر بوصفه معادلا ثقافيا لفعل الثقافة في الطبيعة(المرأة)، حيث العلوم الطبيعية الجنسانية تضع هذين القطبين في صيغة تناقض جدلي منتج (المرأة/ الطبيعة -الرجل / الثقافة) من حيث فاعلية الثقافة في الطبيعة، هل يستغرب على المرأة في سوريا -تجاه هذه الحضيضية- إذا انتهجت الطريقة القبيسية كرافضة وعازفة وآنفة عن ذكورة منتهكة الرجولة، حيث يغدو مفهوما- أمام حالة انحسار الرجولة المنتزعة فاشيا- أمر الابتعاد والحجاب والنقاب دفاعا عن الطبيعة الحرة في المرأة، بوصفها ظاهرة سوسيولوجية –بسيكولوجية تكشف عن فلسفة الأعماق لدى المرأة السورية التي لم تعد تجد رجولة قيمية تعادل أنوثتها الطبيعية، باعتبار المرأة معادلا وظيفيا للطبيعة البكر، والرجل معادلا للثقافة كفعل إخصاب وتخصيب لطبيعة حرة، حيث انحلال الرجولة كفعل ثقافي الى ذكورة بالمعنى الأدائي سيؤدي إلى لفظ الطبيعة لرجولة لم يبق من فعلها الثقافي سوى استجابتها الذكورية الغريزية، فلن تنتج عندها سوى القحط والجفاف والموات .

لا أعرف لماذا كلما تمت مقاربة ظاهرة الأسدية في شتى وجوهها وتجلياتها السياسية والثقافية بحكاية الخوري الذي أسلم التي أنتجتها السرديات الحكائية المحلية من جهة، وتذكرني-من جهة أخرى- بمنظومة القيم الطرطوفية التي نمذجها موليير في القرن السابع عشر في ظل الديكتاتور الفرنسي الأكبر لويس الرابع عشر .

حيث طرطوفية (موليير) غدت نموذج لشخصية النفاق الديني والاحتيال التمظهري: حيث إظهار الورع والتقوى في خدمة الأغراض الدنيوية، أو ما كنا قد أطلقنا عليه صيغة "قداسة المدنس" كصفة ملازمة لأية ايديولوجيا وثوقية وظيفية دينية كانت أم أرضية، وذلك من خلال إضفاء شرعية المقدس المتعالي على المدنس الأرضي اليومي، وذلك من خلال التلاعب بالوظيفة الروحية والأخلاقية للدين بوصفه ممارسة تتصل بعالم الباطن والأسرار الفردية والجماعية للكائن لتحويلها وظيفيا الى ممارسة في عالم الظاهر تستولي عليه باسم تعالي وطهرانية المقدس لإخفاء دوافع المدنس، وهذا التوظيف الذي يسمى في لغة السياسة (الديماغوجيا)، أتى من حقل المجال الدلالي التداولي للاهوتيات الدينية الى حقل تداول السياسويات الايديولوجية بما فيها الدنيوية.

الطرطوفية لا تكمن أهميتها النموذجية في صياغة أخلاق التقوى الزائفة، بل تكمن بالمآلات التي تنتجها على شكل "عدمية أخلاقية" دفعت بالشخصية المسرحية الثانية (أراغون) الذي كان أول المخدوعين بتقوى (طرطوف)، لأن يسقط عنده الإيمان بالخير وعدم جدوى (التقوى) ذاتها، عندما وجد أن هؤلاء أدعياء الفضيلة ينطوون على حدود لانهائية لأخلاق (الوغد) .

تلك هي صورة التحولات التي شهدتها سوريا بعد الانقلاب على (الوطنية الدستورية) ومجئ مشعوذي شعارات (التقوى الثورية) الذين خدعوا الناس الفقراء بأنهم ممثلو العدالة الاجتماعية التي ينبغي أن يقدم الناس ثمنها بالتنازل عن حرياتهم الفردية وكراماتهم الإنسانية، فإذا هم عندما ينقشع الوهم، بلا عدالة اجتماعية ولا حرية فردية ولا كرامة إنسانية...

فكان على المجتمع أن يعيش صدمة (أراغون) في الشك بكل معنى القيم ... حيث يصل للحظة بأن لا يثير دهشته أن يعتبر طرطوف البعثي نفسه بأنه (قائد الدولة والمجتمع)، حتى يأتي الطرطوف الأسدي ليمارس دوره (كمالك للدولة والمجتمع)، وهو يتلقف كل القيم فيحولها الى مسرح وطقوس وشعائر ليصوغ (ايديولوجيته المهرجانية)، إذ سيلبس لكل ايديولوجيا لبوسها ويحاكم أصحابها الأصليين بأنهم خائنون لها، فهو وطني على الوطنيين وهو اشتراكي على الاشتراكيين وهو إسلامي على الاسلاميين، وهو اليوم يسوق نفسه كعلماني على العلمانيين... بعد أن سوق الوريث الصغير القاصر نفسه بأنه حامل راية الإصلاح على كل رأس كل الإصلاحيين ..وهو بهذا المعنى لن يكون سوى نصاب النصابين ومحتال المحتالين إذ يدفع الأمة إلى أزمة ضمير (أراغون) المخدوع الكبير بطرطوف، بعد أن فقدت القيم بالنسبة له معنى قيمتها وقيميتها أمام الانبعاث الطرطوفي المخيف:عندما قدمت الأسدية نفسها كممثلة لكل الفضائل :الوطنية والقومية والحرية والاشتراكية ،بما قاد الأمة إلى أشد أنواع كارثيات إضعاف شعورها الوطني والقومي ووهن عزيمتها الروحية والأخلاقية ...

هذه الطرطوفية أنتج المخيال السردي الحكائي الشعبي معادلها الساخر في حكايته عن الخوري الذي أصبح شيخا، حيث سنختتم مقالنا بهذه الحكاية الطريفة التي تكثف مغزى الدلالة (الأسدية ) في علاقتها بالأفكار والمواقف والممارسات.

تقول الحكاية : ضاق الناس بإحدى القرى المسيحية من مظالم الخوري الطرطوفي ومفاسده التي كان يغلفها بالشرعية اللاهوتية، فيجبر الناس على الصمت، مما اضطر أهل القرية أن يكتبوا رسالة يشكون خوري قريتهم الى المطرانية العليا، لكن أحدا لم يسمع لهم شكواهم، وعندما يئسوا من إنصافهم قرروا الالتحاق بالإسلام ليتحرروا من الورع الكاذب للخوري بالتحرر من سلطته ذاته، فقرروا ذات صباح أن يذهبوا الى مفتي المسلمين ليعلنوا له أنهم قد شاهدوا جميعا حلما جماعيا، تتشخص فيه صورة النبي محمد (ص)، وهو يدعوهم إلى الإسلام فقرروا الاستجابة ....

فرح المفتي بحلمهم هذا وقبل شهادة إيمانهم بالدين الإسلامي، فعاد أهل القرية غانمين بحريتهم وخلاصهم من الخوري الذي كان ككل حكام الورع الكاذب يتجسس عليهم ويلاحقهم، فاستدرك أمره وذهب إلى المفتي مدعيا بأنه شاهد الحلم ذاته لأهل قريته، وأنه قرر أن يستجيب لداعي الإسلام فاغتبط المفتي قائلا: كنا نبحث عن شيخ للقرية التي أسلمت... وها قد أرسلك الله نعمة لأهل قريتك بأن عيناك شيخا عليها ...وهكذا تستمر حكاية الخوري الأسدي (الطرطوفي) مع الوطنية والقومية والاشتراكية، ومن ثم اليوم مع العلمانية ..!!!



#عبد_الرزاق_عيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية الخوري الذي أسلم والعلمانية الأسدية (الطرطوفية): إبعاد ...
- لماذا بقيت ديكتاتورية اللوياثان (الأسدي)؟ رغم نفاذ صلاحيتها ...
- الأسدية : سوريا -غنيمة حرب- - فيسك يجرم غازي كنعان المنشق لت ...
- حول تقرير -سنوات الخوف- في سوريا ! روبرت فيسك والاستثمار في ...
- مع تقرير (سنوات الخوف ) في سوريا !
- مناشدة للرئيس ساركوزي التدخل من أجل وصول (لعبة) آيات أحمد إل ...
- الأسدية :نفي النفي باتجاه نفاية النفايات !!
- عوائق الديموقرطية : من الديكتاتورية (الناصرية) النزيهة إلى ا ...
- مفارقة الدعوة إلى الحرية الفلسطينية من على منابر عاصمة ثقافة ...
- هل سكت الجابري عن -العلمانية- بعد أن تحولت إلى رداء طائفي لل ...
- الراحل الجابري: بين مشروع تجسير الحداثة للإسلاميين / والغزو ...
- ثمة علمانيات بلا ديموقراطية ...لكن ليس ثمة ديموقراطية واحدة ...
- هل حزب الله فرع إيراني للولي الفقيه -- التشيع الإيراني ضد ال ...
- -الأسدية- والعيش على - زبل - التناقضات - من دستورية العظم إل ...
- من المقاطعة السلبية إلى -القطيعة الإرادية- ضد الطغيان الأسدي ...
- احتقار الطغاة على طريق العصيان المدني ...!!!في الدفاع عن (ال ...
- متى تصبح الديموقراطية أولا ؟ سؤال في إمكانية تحرير الأوطان د ...
- ليت جنبلاط ظل أمينا للحظة (التخلي)...!!؟ (التخلي) يقتضي من ج ...
- هل إسقاط النظام الأسدي (إسرائيليا) هو كسر للحلقة الأضعف في ا ...
- هل قرر (عنترة ) العربي توكيل (شيبوب ) الإيراني بإزالة إسرائي ...


المزيد.....




- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الرزاق عيد - من المنقبات إلى -القبيسيات-: كره الذكورة بلا رجولة ! حكاية الخوري الذي أسلم والعلمانية الأسدية (الطرطوفية) 2