أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حسين حامد حسين - 8 /8 / 1988ليلة رعب الفرح














المزيد.....

8 /8 / 1988ليلة رعب الفرح


حسين حامد حسين

الحوار المتمدن-العدد: 3090 - 2010 / 8 / 10 - 08:30
المحور: حقوق الانسان
    


كنت انذاك تدريسيا في جامعة الموصل . وفي ذلك المساء المشبع كغيره بالوحدة والهموم والضجر ، كنت متواجدا في شقتي اقلب قناتي التلفزيون الوحيدتين باحثا عن شيئ يطيح بسأمي . وكانت في نفسي امنية هي ان لا اضطر لغلق التلفاز من أجل تحاشي أذى نفسي من خلال رؤية صدام وسلوكه الشاذ . وفجأة راح المذيع يعلن عن وقف اطلاق النار بين العراق وايران للحرب المتوحشة التي دامت لثمان سنوات .

اجتاحني حالا رعبا حماسيا واستولت على جسدي رعدة محمومة وأنا احاول جاهدا استيعاب الخبر المستحيل .
" هل معقولا ... لاجيش شعبي بعد اليوم ؟" خطر على بالي بعضا مما عانيته ، "وانهم سوف لن يفرضوا علي المشاركة في قاطع جديد ويقومون بزجي ضد ارادتي وبالتهديد وللمرة الرابعة ؟ ...كانت المرة الاولى بعد اطلاق سراحي وكانت من اجل وجوب اثبات الولاء للمقبور . والثانية كانت مع قاطع جامعة الموصل ، والثالثة مع قواطع الطلبة ... " يا لظلم الذين يريدون للبعث المقبور ان يعود ثانية . وويل لهم مما عملت أيديهم مع الشعب .

وجدت نفسي أترك الشقة وأخرج الى الشارع فهالني ان أرى كل شيئ قد حدث بسرعة . وجدت نفسي وبشكل عفوي بين الآلاف من الناس الذين غصت بهم الشوارع في احتفالات تلقائية طغت عليها سعادة مشدوهة . ورحت أرقب الجماهير تلتحم مع بعضها البعض وأرى المشاعر تتصالح بغرابة لم أشهد لها مثيل . وبدا الفرح كنوع من جنون مخيف من خلال مضامين السلوك المشدوه المستبد .

كل شيء يحدث بسرعة . وبشكل غريزي ، كنت ارى الناس تتعانق مع بعضها بعفوية وجذل وكأنهم يحاولون ان يقدموا لبعضهم البعض أسفهم وما يملكونه من محبة نسوها لبعضهم البعض ولزمن طويل . كنت اسمع صرخات من ألم ، وهتافات تتخللها ارتجاجات جسدية راقصة مريرة كما لو انهم كانوا براكين من ألم اندلع توا . كل ما يملكونه في تلك اللحظات هوالفرح ، فكان نوعا من جنون وهلع يبدوا واضحا من خلال مضامين السلوك المشدوه . أهو عذاب هذا الذي أراه بينهم؟ أم هي المشاعر النبيلة كلها تضامنت من اجل ان تعلن وفائها لبعضها البعض بعد هجر طويل؟

وكانت هناك أشياء اخرى أيضا . أشياءا لا أفهمها . كانت تبدوا اكثر التصاقا في اعماق الروح ، فكانت تدفع الناس إلى التصرف بهول وغرابة . أهي عذابات الخوف والاضطهاد والكبت الذي سطى على كل الاحلام والامال وحياة العراقيين وقد انتهت في ذلك اليوم كأسوأ الكوابيس التي أرقتهم ؟

ظلت عيناي تصدمها مشاهد وظواهر غريبة في خضم الفرح الجماهيري الغريب ، فكنت في تلك اللحظات مشدوها ومرتبكا ان لا يكون ما أراه مجرد حدث سعيد عابر ، من بين ما تحتضنه بعض أحلامنا الليلية كهدايا استثنائية عطوفة على الاسى المزمن فينا . ومن خلال الهلع الواضح في مضامين السلوك اللاارادي ، استمر السرور الهستيري متدافعا من أمامي وخلفي ومحررا عواطفا بدائية لالام سجينة كانت تتدفق كنزف شريان ذبيح . فكان البعض يصرخ بألم وسعادة مدماة كسعادة من افرج عنه في لحظات الاعدام . بينما بدا البعض الاخر ممن بحت أصواتهم ، يحملون قمصانهم فوق الهامات كأعلان تضامني مع المهرجان وان ظلت أصواتهم المخنوقة يشوبها لهاث وحشرجات .

كنت أرى الاجساد امامي تحاول الرقص ، ولكنه كان رقصا يخلوا من كل مرح . كان لا يعدوا عن حركات اعتباطية متشنجة شبه مشلولة لأجساد ظلت تحاول جاهدة للابقاء على قواها التي كانت تصطرع مع هول الحدث ، فتبدوا وكانها تتشبث بفرحتها من خلال حركات تبعث على الضحك والبكاء معا .
وأستمرت الجماهير الفائرة في حبورها الشقي وهي تطلق عواطفها البدائية ، حتى أنسى ذلك الحدث اتزان حتى المسنين من الكبار من نساء ورجال . حيث طوحت الاحزان والمظلوميات المكبوتة بذلك الخفر الجليل فيهم والذي ظننت ان لن يزعزعه شيئا أقل من فرحة ذلك اليوم الخالد .

فما الذي كان يحدث ؟ أهو عذاب لا يكف في التدخل حتى في أدق خصوصياتنا بعد ان ظل يقتات على اعماقنا لاربعين عام ؟ أربعون عاما مرعبة وبشعة من عذابات الخوف الذي سطى على كل احلام وامال وحياة العراقيين ؟ أهو جنون الوجع للاماني حينما تتحقق؟ هل ما أراه سعادة ام خوفا؟ أم مجرد هتافات وارتجاجات جسدية مفعمة بالاسى كصعقات كهربائية مريرة نقلت الكثيرين من شعبي الى المقابر من قبل نظام الطاغية المقبور؟

واليوم ، وانا اتمعن بخيبات الامال على وجوه أهلي واحبتي من العراقيين ، اتسائل مع نفسي : متى يفهم هؤلاء السياسيون ان الشعب العراقي هو الكنز الحقيقي والضمانة الوحيدة لمن يريد من سياسيينا ان يبني وطنيته وانسانيته على الحق واليقين ويخلد في القلوب الى الابد ؟ ولماذا يا ترى لا يريد البعض للعراقيين أن يفرحوا حتى وان كان فرحا هستيرا كفرح يوم اندحار المقبور ونظامه؟
[email protected]



#حسين_حامد_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيد القمني : طروحات نيرة كالضحى ... تشجبها العمائم واللحى
- كتاب وكتابات مضللة...
- ألعقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي
- لكي لا ننسى مصائب الامس....
- الاخ سيد القمني ومقاله القيم ...
- السلطات الكويتية وحجز الطائرة العراقية...
- المعوقات والتحديات التي تواجهها الحركة العمالية والنقابية في ...
- ظواهر مخيفة في أوساط الاسرة العراقية تنتظر الحلول
- ألسياسيون وطموحاتهم العمياء ... (ألحلقة الثانية)
- السياسيون وطموحاتهم العمياء...
- من كتاب -راحلون وذكريات-
- النظام السعودي (جمجمة العرب) ... الى اين؟
- مخاوف مشروعة لما يلوح في الافق السيا سي
- فشل القوى اليسارية من تحقيق نتائج ايجابية في الانتخابات ... ...
- تحية للعراق ...حبيبي
- تعقيباً على مقال الدكتور عبد الخالق حسين -الكذب ديدن البعث -
- رسالة وتصريح لاحق ...
- ألحوار المتمدن ...بين النظرية والتطبيق
- زيارة - بايدن - الاخيرة...ألعبر والدلالات
- (خالف تعرف) ... في رحاب أنا وأزواجى الأربعة لنادين البدير .. ...


المزيد.....




- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - حسين حامد حسين - 8 /8 / 1988ليلة رعب الفرح