أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - أحلام كبيرة- الحلقة الرابعة














المزيد.....

أحلام كبيرة- الحلقة الرابعة


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 3015 - 2010 / 5 / 26 - 11:30
المحور: الادب والفن
    


اختفت منى من الجامعة ومن الباص ومن كل الأماكن. اختفت دون عودة, وتركتني معلقا الى صورها الكثيرة التي ظلت تجري في مخيلتي اياما وليالي طويلة وتثير في نفسي غما واكتئابا. ذهبت واخذت معها قلبي وانفاسي. وانطفأ الحلم في داخلي وذاب. وامتدّ الى صدري يأس داكن. وثقلت علي الوحدة وطوّقتني الوحشة.
كانت هذه تجربة قاسية لي, وظلت ذكراها تلاحقني لسنوات. وصورة منى تتردد في ذهني دون انقطاع. ولكن الحياة تسير حتى لو لم تسايرنا احلامنا.
انقضت اعوام.
تخرجت من الجامعة وبدأت العمل في المحاماة. كنت اعيش ايامي بين العمل والبيت, اكبت آلامي التي تركها في نفسي حلمي المحطّم, ولم تزل آثاره منحوتة في اعماقي رغم مرور السنين.
ثم ظهرت وفاء في حياتي. واستيقظت في نفسي احلام جديدة, عذبة, كنور يشقّ ظلمة أيامي ويطلقني من كهف أحزاني.
كانت وفاء مختلفة جدا عن منى. امرأة ناضجة, تقارب الثلاثين, جدية, رزينة, متيقظة. هيئتها بسيطة لا تشد الناظر كثيرا. جسمها ممتلئ بعض الشيء ومتوسط الطول, ولها عينان فاحمتان ذات بريق يوحي بالذكاء, وفم دقيق وحازم. انفها مدور وصغير, وفوق رأسها يستوي شعر بني طويل, تربطه دوما وراء عنقها.
كانت وفاء صحفية تعمل لإحدى المجلات التي تعنى بشؤون المرأة. وكانت تغطي لمجلتها قضية من القضايا التي كنت مكلّفا بها, وهي قضية فتاة شابة, تدعى عبير, تعرّضت للإغتصاب من قبل احد اقربائها وكانت تملك من الجرأة التي دفعتها لترفع دعوى عليه لنيل جزائه. التقيت بوفاء لأول مرة حين جاءت الى مكتبي لتحاورني حول القضية, وكانت تحضر الجلسات في المحكمة وتواكب المستجدات حول القضية. وكانت تطالبني بالسماح لها بمحاورة عبير حول الحادثة الشنيعة التي تعرّضت لها وما تسبّبت لها من جرح والم كي تكون عبرة لغيرها من الفتيات الكثيرات اللاتي يتعرّضن للإغتصاب كل عام. ولكني كنت ارفض لها ذلك الى حين انتهاء القضية. ولكن وفاء, كغيرها من الصحفيات المبتدئات, كانت متلهفة وعازمة على السبق في كشف تفاصيل القضية, خاصة بأن هوية المتهم كانت ما تزال ممنوعة عن النشر.
وذات يوم, بعد انتهاء جلسة المحكمة, جاءت اليّ وسألت بكل جدية: "سيد عمر, هل تعلم ان كانت موكّلتك هي الضحية الوحيدة للمتهم؟"
لم أرد. ولم تنتظر وفاء جوابي. ولكن سؤالها دفعني لأفكر لأول مرة بامكانية وجود فتيات اخريات ضحايا لاغتصاب المتهم. فتيات من نفس العائلة. ومنذ تلك اللحظة, قررت التوجّه الى ذلك الخط للنيل من المجرم. فإن شهدت فتاة اخرى بتعرضها للإغتصاب من قبل المتهم فذلك سيعزّز الإدعاء لدرجة كبيرة. وحين سألت موكّلتي عبير ان كانت على علم بمثل هذا الأمر, اتّخذ وجهها هيئة غامضة وقالت: "لا ادري."
بقيت اياما أفكّر في الأمر. لقد رفضت عبير, لسبب ما, الإعتراف بوجود ضحايا غيرها للمتهم. ترى, هل كانت تكذب؟ لقد كنت واثقا في نفسي بأنها كانت تكذب في هذا الأمر. ولكن, لماذا؟
وبعد طول حيرتي قرّرت التوجّه الى وفاء. اتّصلت بها الى العمل فردّت علي: "آلو؟"
"مرحبا, وفاء. انا عمر."
"اهلا عمر. كيف حالك؟"
"في الحقيقة, أردت ان أسألك شيئا."
"أهو شيء يخص قضية الإغتصاب؟"
"هو كذلك. هل تظنين أن هناك فتيات اخريات غير موكلتي قد تعرّض لهن المتهم؟؟"
"ألم تتحقق من الأمر؟"
"لقد سألت عبير فقالت انها لا تعلم. ولكني أحسّ انها تكذب."
"اذن؟"
"أريدك ان تتحدّثي اليها. انت امرأة وسيسهل عليها الحديث معك أكثر مني."
ضحكت وفاء لكلامي. "أهذا اطراء أم اهانة للمرأة؟؟" سألت.
قلت ساخرا: "انت الخبيرة في هذه الأمور, أليس كذلك؟!"
"حسنا. سأعتبره اطراءا وسأفعل كما تريد, ولكن... انت تعلم ان لدي شرط."
"شرط؟ اي شرط؟"
"اريد ان اكتب عنها في مجلتي."
ترددت قليلا.
فسألت باصرار: "فماذا قلت؟"
"حسنا. لك ذلك. ولكن, انت تعلمين حدودك."
"أعلم جيدا. لا تكن قلقا. سأكتب عن الحادث وعن الضحية فقط, ولا شيء عن المتهم."
بعد عدة ايام التقت وفاء بعبير لمحاورتها ولم اكن اعلم بما دار بينهما من حديث في ذلك اللقاء, وقبل ان أتحدّث الى وفاء وجدت تقريرا في مجلتها قد نشر عن القضية. وقد ذكرت وفاء في تقريرها عن المتهّم انه من اقرباء الضحية وابن عائلة مرموقة ومعروفة. فأثار ذلك غضبي الشديد واتهمتها بعدم الإلتزام بالحدود التي اتفقنا عليها والإساءة لموكّلتي. ولكن وفاء كانت مصرة على رأيها ان ما كتبته هو شيء بسيط يكاد لا يذكر ولا يكشف شيئا عن هوية المتهم ولا يسيئ لعبير بشيء. الا اني بقيت غاضبا ونادما بسماحي لها بإجراء ذلك اللقاء.
ولم تمض سوى ساعات حتى تلقّيت اتصالا غريبا في مكتبي!


يتبع...



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحلام كبيرة- الحلقة الثالثة
- أحلام كبيرة- الحلقة الثانية
- أحلام كبيرة- الحلقة الأولى
- المقهى 2 - قصة قصيرة
- المقهى 1 - قصة قصيرة
- الرجل الآخر- قصة قصيرة
- لن أعود - قصة قصيرة


المزيد.....




- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - أحلام كبيرة- الحلقة الرابعة