أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - عشية الموجة الثانية من تسونامي الازمة: اوروبا لا تدار بالدولار!















المزيد.....

عشية الموجة الثانية من تسونامي الازمة: اوروبا لا تدار بالدولار!


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 3009 - 2010 / 5 / 19 - 18:15
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


في 9 ايار 2009 الجاري جرى في الساحة الحمراء في موسكو الاحتفال التقليدي بيوم النصر على النازية. وقد شاركت في الاحتفال وحدات رمزية من مختلف الاسلحة الروسية، ومن الجمهوريات السوفياتية السابقة، ومن الدول الحليفة (اميركا، بريطانيا، فرنسا وبولونيا). وظهرت في الاستعراض بعض الاسلحة الروسية الحديثة جدا. وعلى المنصة، الى جانب بوتين، كانت تجلس انجيلا ميركيل كممثلة لالمانيا الجديدة... الاوروبية.
وبهذا الاستعراض القوي، الجامع، والمعبر، اراد الكرملين التذكير بشدة بالحرب العالمية الثانية ولا سيما نهايتها، وان يرسل رسالة شديدة الى الغرب (المعادي لـ"السوفيات"، المخاصم لروسيا) مفادها:
ـ عبثية سياسة التوسع الاطلسي نحو الشرق، والعودة الى تقاليد الحرب الباردة، وخصوصا الصيغة الاميركية لـ"الحرب الباردة" الجديدة ضد روسيا.
ـ ان روسيا (مؤسسة الاتحاد السوفياتي السابق، وركيزته، ووريثته) كانت هي "القوة العظمى" الرئيسية التي انتصرت على "العدو المشترك" في الحرب العالمية الثانية، وستبقى هي "القوة العظمى" الرئيسية التي ستنتصر ضد اي عدو كان في اي حرب محتملة قادمة.
ـ ان اوروبا الكبرى (اي بما فيها روسيا) هي شيء كثير! وان اوروبا الصغرى (اي بلا روسيا) هي لا شيء!
وفي وقت كانت فيه جماجم الستراتيجيين الاميركيين في البنتاغون والبيت الابيض ترتج تحت ضربات ارجل المنتصرين في الساحة الحمراء بموسكو، كانت جماجم الاقتصاديين والسياسيين في الاتحاد الاوروبي تحك بعضها بعضا وتعرق بحثا عن مخرج من الازمة المالية والاقتصادية التي وصلت مقدمات موجتها التسونامية الثانية الى اوروبا، بعد موجتها الاولى في اميركا.
وقد نشرت اليوم الاسبوعية الالمانية "شبيغل" مقابلة مع رئيس البنك المركزي الاوروبي جان ـ كلد تريشيه، جاء فيها ان الاقتصاد الاوروبي لا يزال يعاني اعمق ازمة يمر بها منذ الحرب العالمية الثانية، بل ومنذ الحرب العالمية الاولى. وانه منذ بداية الازمة المالية في سنة 2008 "ونحن نعيش ولا زلنا نعيش اوقاتا دراماتيكية".
وفي المقابلة ذاتها اجرى تريشيه مقارنة بين التوتر القائم حول ازمة المدفوعات في منطقة اليورو، وبين الانهيار الذي حدث سنة 2008 في بنك التوظيفات الاميركي "ليمان براذرز"، قائلا "ان الاسواق لم تعد تعمل".
ويلاحظ السيد تريشيه انه ليس من شك ان الاقتصاد (وهو يعني بالاخص الاقتصاد الاوروبي، ما عدا الروسي) "يمر بأسوأ وضع مر به منذ الحرب العالمية الثانية، وربما ومنذ الحرب العالمية الاولى". وفي هذا الصدد فإن وكالة الصحافة الفرنسية تذكـّر انه في 6 و 7 ايار (اي بالتحديد قبل ان يطرح الاتحاد الاوروبي برنامجا انقاذيا بقيمة 750 مليار يورو لدعم منطقة اليورو، حتى لا يسمح للازمة اليونانية ان "تصيب بعدواها" البلدان الاخرى ذات الاوضاع الصعبة)، في هذا الوقت بالذات تعرضت البورصات العالمية الى خسائر فادحة.
ان البرتغال واسبانيا هما مهددتان ايضا ان يصيبهما ما اصاب اليونان (ثم تكر المسبحة بعدهما، بلدا بلدا او اكثر) فعجز الميزانية في كل من البلدين بلغ مقادير مخيفة، وقد اتخذت الحكومتان اجراءات خاصة، لاجل تجنب السيناريو اليوناني. ولكن عدم الاستقرار اصاب ايضا العملة الاوروبية الموحدة. وقد تخلت بريطانيا بشكل قاطع عن فكرة الانضمام الى منطقة اليورو. وقد ضعفت الثقة باليورو بشكل عام. ويرى بعض الاقتصاديين، امثال محلل البورصة المشهور نورييل روبيني، ان اليورو لن يستطيع البقاء على قيد الحياة.
ودون ان ندعي لانفسنا اننا خبراء في البورصة اي خبراء في فنون اللصوصية المالية كهذا النورييل روبيني او علماء في "الماركسية في خدمة الرأسمالية والامبريالية والصهيونية" (كفؤاد النمري ويعقوب ابراهامي)، ففي رأينا المتواضع ان جر الاقتصاد الاوروبي الى ساحة البورصات العالمية، هو اشبه شيء بجر صاحب مال محكوم بالاعدام، جره الى ساحة الاعدام لجلده وانتزاع اقرار منه اين يخبئ ماله والاستيلاء على المال، ثم اعدامه. والترجمة العملية لان تدخل اوروبا (الصغرى، اي منطقة اليورو) في ساحة المقامرات والمغامرات البورصوية، ومن موقع المأزوم، هو ان تبدأ التوظيفات تتوجه من جديد نحو الدولار، مما يؤدي الى ارتفاع الاخير (على حساب اليورو) بشكل مصطنع تديره الاحتكارات ومافيات البورصة في خلال الاسابيع او الاشهر القادمة، بعد ان كان قد انخفض الى ادنى حد ممكن حيال اليورو، فيعود الدولار الى "ابتلاع" المدخرات (والاصدارات الجديدة) الاوروبية بألوف مليارات الدولارات ولوضع الاسواق المالية والاقتصاد الاوروبي بمجمله، من جديد، تحت رحمة الهيمنة الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية.
واذا ظلت الجماهير العمالية والكادحة في اوروبا مخدرة بفضل القيادات النقابية و"الاشتراكية" و"الشيوعية" و"اليسارية" الانتهازية، ولم يتم تفجير الاوضاع بشكل ثوري، ومهاجمة البورصات وتحطيمها (على الاقل) واعتقال لصوص البورصة وتقييدهم بالسلاسل في الاقبية، واجبارهم على التنازل عن ممتلكاتهم لصالح الخزينة العامة، والاستيلاء على المصانع والمعامل والمرافق العامة واعلانها ملكية جمهورية للعاملين فيها وتطبيق مبدأ التسيير الذاتي الاجتماعي عليها؛ واذا ظلت "الحلول" تدور في نطاق العلاجات المالية ـ العملوية، فإننا نسمح لانفسنا بأن نعيد رسم مجريات السيناريو الجاري تطبيقه كما يلي:
ـ ان السيد تريشيه، رئيس البنك المركزي الاوروبي، هو محق تماما بالمقارنة بين وضع الاقتصاد الاوروبي حاليا، وبين الوضع في اميركا في 2008، حينما انفجرت الازمة المالية ـ الاقتصادية اولا في بنك "ليمان براذرز". فحينذاك (برأينا) كانت الاحتكارات المالية وكبار اللاعبين بالبورصة قد جمعوا من المضاربات السابقة في اميركا واوروبا ومختلف البلدان كميات كبرى من الدولارات كان قد تم سحبها من التداول واكتنازها لصالح الرفع النسبي لسعر اليورو؛ ولدى انهيار بنك "ليمان براذرز" واندلاع الازمة المالية، انقض الاحتكاريون كالنسور أكلة الجثث على الدولارات البنكنوت والاسهم والسندات وغيرها من الاوراق المالية الدولارية الرخيصة وانتهبوها نهبا. واخذ المبخرون للرأسمالية يشيعون ان الازمة انما تقوي الرأسمالية، لانها تزيح من الطريق المقاولين "الضعفاء" والسوق الرأسمالية لا تحتمل وجود الضعفاء، وامثالها من فذلكات أكلة لحوم البشر. وهكذا نهب لاعبو البورصة الاحتكاريون الكبار جميع المدخرات الاجنبية وعلى رأسها المدخرات البترو ـ دولارية العربية والاسلامية التي تقدر بألوف مليارات الدولارات؛ كما نهبوا من اصحاب الادخارات الصغار والمتوسطين الاميركيين ما لا يقل عن 750 مليار دولار. وكخادم امين للاحتكارات، ولتهدئة المجتمع الاميركي، قام الرئيس اوباما بتعويض هذا المبلغ، تحت شعار مساعدة المتضررين من الازمة، وكانت المبالغ تصرف ليس فقط لما يسمى "البنوك المتضررة"، بل وكانت لجان حكومية مختصة تدفع الودائع البنكية وغيرها من المدخرات التي طارت في البورصة، تدفعها لاصحابها مباشرة "مع تحيات فخامة الرئيس". وبذلك حقق الاحتكاريون لاعبو البورصة اصابة ثلاثة عصافير بحجر واحد: اولا "باعوا" كميات هائلة من اليورو مرتفع السعر، محققين ارباحا هائلة؛ وثانيا، دفعوا هذه الكميات من اليورو الى الاسواق الاوروبية لزعزعتها تمهيدا لضرباتهم التالية فيها؛ وثالثا ـ "اشتروا" كميات هائلة من الدولارات البنكنوت والاوراق المالية الدولارية الرخيصة، التي سيبدأون الان استخدامها في ضربتهم الكبرى التالية في اوروبا.
والان ومهما كانت قوة البنك المركزي الاوروبي، فإنه ليس اقوى من الاحتكاريين لاعبي البورصة الانغلو ساكسون واليهود، الذين سيشرعون في الانقضاض على الاقتصادات الاوروبية بلدا بلدا، وسيبدأون في بيع الدولارات باعلى من السعر الذي اشتروها به، وفي شراء وتكديس اليورو باسعار سائرة نحو الهبوط. وعدا الارباح الهائلة التي سيجنيها المضاربون، على حساب الشعب الاميركي والشعوب الاوروبية وشعوب العالم، فإنهم ـ اي الاحتكاريين ـ ستتكدس لديهم كميات هائلة من الدولار ومن اليورو، التي سبق واشتروها كلها باسعار رخيصة اثناء موجة تسونامي الازمة، الاولى في اميركا، والثانية في اوروبا، وسيبدأون الاستعداد لتحضير ضرباتهم التالية في موجات التسونامي القادمة في اسيا وافريقيا، للهيمنة الكاملة على الخامات، وعلى مصائر ومقدرات شعوب العالم قاطبة.
وفي تقديرنا الخاص ان اي سيناريو "مالي ـ عملوي" لمعالجة الازمة في اوروبا، سيكون مؤاتيا فقط للدولار الاميركي واحتكارات اللاعبين بالبورصات العالمية، وهو يكشف مدى هشاشة "العلاجات المالية العملوية" التي قد تنحدر اليها المؤسسات الاوروبية كالبنك المركزي الاوروبي خاصة والاتحاد الاوروبي عامة. وهي "علاجات" تجعل اوروبا الموحدة تأخذ حالة انتظار مميت، وتقف مكتوفة الايدي، ولا تتدخل لاتخاذ تدابير اقتصادية ـ ستراتيجية حازمة لوقف الازمة، وردها على اعقابها.
ان انهيار البورصات العالمية وتعرضها لخسائر فادحة انما يعود، في احد اسبابه الجوهرية، الى الغموض والبلبلة في اسواق النفط والغاز بسبب السياسة العدوانية الاميركية في الشرق الاوسط، من جهة، وبسبب الضغوط التي تمارسها اميركا على بلدان مثل اوكرانيا وبلغاريا وتركيا لعرقلة مد انابيب الغاز والنفط الروسي او القادم عبر روسيا الى اوروبا الوسطى والجنوبية والغربية. وبهذه السياسة تهدف اميركا الى وضع اوروبا تحت رحمة كارتيلات النفط والغاز الاميركية، التي تسعى الى احتكار هاتين المادتين الاساسيتين وتحويلهما الى "سلعة نادرة" تباع بالقطارة، وبشروط ستراتيجية وسياسية واقتصادية ومالية قاسية.
وعلى هذا الصعيد تجب الاشارة انه بعد ازمة الغاز بين روسيا واوكرانيا في كانون الثاني 2008، طرح الرئيس الروسي ان يشترك الاتحاد الاوروبي وروسيا والدول التي يمر النفط والغاز في اراضيها بحل مسائل الطاقة (الهامة والمصيرية لكل الامم) على قاعدة "شركاء لا فرقاء". فلماذا لا يلتقط الاتحاد الاوروبي القفاز، ويدخل في شراكة حقيقية مع روسيا وايران لاستيراد النفط والغاز منهما وعبرهما الى كل اوروبا. وبدلا من طباعة اصدارات جديدة من اليورو بنكنوت او السندات او الاوراق المالية الجديدة ودفعها الى بالوعات البورصة التي يعلم البنك المركزي الاوروبي انها توصل فقط الى جيوب لصوص البورصة الانغلو ساكسون واليهود، ـ بدلا من ذلك، لماذا لا يتفق الاتحاد الاوروبي وروسيا وايران على فك ارتباط سعر النفط والغاز بالدولار، والشروع في تسعير النفط والغاز باليورو وفتح حسابات دولة كبرى بين البائعين والشارين، لدفع قسم من اثمان النفط والغاز بالعملة الاوروبية الموحدة، والقسم الآخر لشراء السلع الصناعية والاستهلاكية الاوروبية، بما في ذلك من الدول المأزومة كاليونان والبرتغال واسبانيا، وبدلا من ان تقبض هذه الدول "مساعدات" من البنك المركزي، تقبض اثمان بضائعها المباعة وتعزز اقتصادها الانتاجي الفعلي؟؟
ولكن عوضا عن ذلك فإننا رأينا كيف ان بلغاريا التي كانت قد وقعت مع روسيا في كانون الثاني 2008 اتفاقية مد انبوب الغاز المسمى "السيل الجنوبي" من روسيا الى صربيا واليونان ومنهما الى اوروبا الوسطى والجنوبية، تعود فتمتنع عن تنفيذ الاتفاق؛ وكيف ان تركيا ، التي كان رئيس وزرائها قد اعلن الموافقة على توقيع الاتفاق بهذا الشأن مع روسيا، عادت فتراجعت واجلت التوقيع على الاتفاق ايضا، دون ان ينبس الاتحاد الاوروبي بكلمة، اعتراضا على تعريض الامن الطاقوي لشعوبه الى الخطر، وذلك فقط كي تحصل صوفيا وانقرة على رضا العراب الاميركي. وبدلا من ان يقوم السياسيون البهلوانيون الاوروبيون بتلهية الناس بامكانية اقامة دعوى من قبل السيدة المحترمة بريجيت باردو على بلغاريا لاساءتها معاملة بعض الدببة في جبال البلقان؛ وتلهيتهم بقضية من الدرجة العاشرة او العشرين او المائة بعد الالف من الاهمية مثل قضية ارتداء امرأة طيب رجب اردوغان الحجاب في البرلمان التركي، وهي قضية تختص بالذوق والايمان الشخصي لاردوغان وزوجته، بدلا من ذلك، لماذا لا يطلب الاتحاد الاوروبي من بلغاريا وتركيا حل مسألة مرور انابيب الغاز في اراضيهما، وهي قضية تهم كل شعوب اوروبا والعالم، ولا تتعارض مع حقوق الشعبين البلغاري والتركي بل على العكس.
ولا يحتاج المرء الى ثقافة وذكاء فؤاد النمري حتى يكتشف ان "الدلع" البلغاري والتركي في التعامل مع روسيا بخصوص قضايا مصيرية كقضية الطاقة، وسكوت الاتحاد الاوروبي عن هذا "الدلع"، انما يعود الى تقاليد "الحرب الباردة"، التي سبق لونستون تشرشل ان دشنها في خطاب شهير له في الولايات المتحدة سنة 1946 اطلق فيه تسمية "الستار الحديدي" على الاتحاد السوفياتي السابق واعلن عن الاسف لعدم استمرار الحرب من قبل الحلفاء لاحتلال الاتحاد السوفياتي بعد سقوط النازية.
ولكن تشرشل كان قد نسي في تلك اللحظة انه قبل اشهر من خطابه ذاك، اي في 9 ايار 1945، اي يوم النصر على الهتلرية كانت قد انكشفت حقائق تاريخية لا يجوز ولا يمكن نسيانها، ومن هذه الحقائق:
ـ انه لولا روسيا لكانت لندن تحولت الى كومة رماد، ولكانت كل بريطانيا قد حرثت بالقنابل وتحولت الى مزرعة بطاطا؛
ـ وانه لولا روسيا لتحولت كل اوروبا الى مقبرة جماعية لشعوبها المهزومة بفضل النظام الرأسمالي العفن الذي انتج النازية، واخيرا الى حوش خلفي لالمانيا؛
ـ وان الروس قاتلوا بشراسة ونكران ذات وقدموا 30 مليون قتيل من خيرة شبابهم ونسائهم ورجالهم كي يصلوا الى برلين؛ وانه تم تأخير الاحتفال بالنصر يومين او ثلاثة في ايار 1945 كان خلالها الجيش الاحمر قد تجاوز برلين بمئات الكيلومترات، وذلك لاعطاء الوقت للانكليز والفرنسيين كي يصلوا الى برلين على الموتورسيكلات وغيرها للمشاركة في احتفال النصر، اما الاميركان فلم يكن لديهم الوقت الكافي لذلك فارسلوا بضع مئات من جنودهم المدللين نزلوا في برلين بالباراشوتات الزاهية بالوان علمهم المدمى بدماء الهنود الحمر.
ـ ان روسيا ظهرت في الحرب العالمية الثانية بوصفها "الحارس الكفؤ" لاوروبا، ولولا التمييز الذي ادخلته الحرب الباردة، فإن روسيا يحق لها مطالبة اوروبا، كل اوروبا، بتعويضات حرب تبلغ الوف مليارات اليوروات.
اخذا بالاعتبار هذه الحقائق، واستنادا الى اقتصاداتها المتقدمة وامتلاكها زمام التكنولوجيا المتطورة، فإن اوروبا قادرة على اتخاذ تدابير ستراتيجية، اقتصادية ومافوق ـ اقتصادية مثل:
ـ1ـ التخلي عن تراث "الحرب الباردة" والتعامل مع روسيا بوصفها بلدا اوروبيا اساسيا، والمساهمة في تقديم المساعدة التكنولوجية لتطوير مشروع ميدفيدييف لتجديد وتحديث القوات المسلحة الروسية من الان الى سنة 2020، وعقد معاهدة عدم اعتداء وصداقة وامن متبادل، اوروبية عامة، تحل محل الحلف الاطلسي الحالي.
ـ2ـ التعامل مع مسألة النفط والغاز ليس على قاعدة المزاحمة وليس على القاعدة السوقية (بائع ـ شار) كما هو مطبق الى الان، بل على قاعدة "المشاركة" ذات المنفعة المتبادلة؛ وفي مثل هذه الحالة يمكن الافادة الى اقصى حد من دور روسيا (وتركيا من بعدها والى جانبها) بوصفهما تمثلان جسرا اوراسيا رئيسيا، يمكن ان يضطلع بدور نقل الطاقة من الشرق الاسيوي كله باسعار متهاودة، مقابل نقل البضائع الصناعية الاوروبية الضرورية الى الشرق باسعار متهاودة ايضا.
ـ3ـ ولاجل انجاح مثل هذه الستراتيجية المفيدة لجميع الاطراف، ان تعمد اوروبا لانتهاج سياسة مستقلة عن السياسة العدوانية الاميركية المؤيدة لاسرائيل، وان تضغط على اسرائيل واميركا لوقف العدوان على البلدان العربية والاسلامية، مما يشجع على نجاح سياسة التعاون بين الشعوب، انطلاقا من التعاون الاسيوي ـ الاوروبي.
ـ4ـ الزام بلغاريا فورا بتنفيذ مشروع مد انبوب الغاز المسمى "السيل الجنوبي"، وكذلك مشروع النفط الروسي المار عبر البحر الاسود وبلغاريا الى اليونان.
ـ5ـ "تشجيع" تركيا على توقيع وتنفيذ مشاريع نقل النفط والغاز من روسيا وايران والبلدان الشرقية الاخرى، عبر اراضيها ومياهها، الى اوروبا، بالتعاون مع روسيا.
ـ6ـ مراجعة قواعد التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي مع الصين، على قاعدة تطوير التعاون الاسيوي ـ الاوروبي، و"تشجيع" الصين على التخلي عن سياسة اللعب على الحبلين بين روسيا واوروبا وايران والبلدان العربية والاسلامية، من جهة، وبين اميركا من جهة ثانية.
ـ7ـ اتخاذ القرار "الثوري" بادخال الروبل في سلة العملات الدولية وشراء كميات كبرى منه، وادخاله في البورصات الاوروبية خصوصا في منطقة اليورو، لتشجيع وتوسيع السياحة بالاتجاهين بين البلدان الاوروبية وروسيا، وتشجيع ومضاعفة شراء السلع الاستهلاكية الخفيفة، ومن ثم تشجيع التعاون المالي والاقتصادي بمختلف اشكاله بين منطقة اليورو ومنطقة الروبل، وهو ما يحمي اليورو من مزالق خيار التبادل المالي وحيد الاتجاه مع الدولار.
ـ8ـ ويبقى الاساس في الوحدة الكبرى لاوروبا، هو اتخاذ القرار الذي يتعلق به مصير الوضع الاقتصادي والسياسي والامني العالمي برمته، وهو قرار اتفاق الاتحاد الاوروبي وروسيا على الانتقال من نظام تسعير النفط والغاز بالدولار، الى اتفاق التسعير باليورو، ووضع معادلة تبادل مكفولة دوليا بين اليورو والروبل، كخطوة حاسمة نحو توحيد الطاقات الروسية الهائلة مع الاقتصاد الاوروبي المتطور، الامر الذي يضع سدا منيعا بوجه اي تسونامي ازموي رأسمالي يتأتى من الاقتصاد الاميركي الامبريالي ـ الصهيوني المريض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محام اصغر للشيطان الاكبر!!
- قيرغيزستان: -ثورة الزنبق- الموالية لاميركا تسقط ايضا
- -حرب الافيون- الاميركية ضد روسيا
- الجيش الاميركي -حرس وطني- خاص لمزارع الخشخاش ومستودعات الافي ...
- اميركا تكشف تماما عن وجهها كدولة مافيا وتضاعف انتاج الخشخاش ...
- عشية الانهيار التام للنظام الاقتصادي العالمي
- الامبريالية الاميركية تخطئ الحساب!
- الصعود الى الهاوية: أميركا... دولة مافيا!
- التحول الدمقراطي: حملة صليبية غربية جديدة لاجل عثمنة البلقان
- بلغاريا قبل وبعد -الانقلاب الدمقراطي- في 10 تشرين الثاني 198 ...
- شعب الله المختار والتحول المافياوي لتركيبة الدولة الاميركية
- الدولار وشعب الله المختار:التغطية التوراتية للدولار
- كابوس الدولار
- العنف الامبريالي الصهيوني أعلى مراتب الحيوانية
- حزب الله... والأزمة الوجودية للكيان الطائفي اللبناني!
- افغانستان في الجيوبوليتيكا الدولية لاميركا
- الجيوبوليتيكا تؤخر تشكيل الوزارة اللبنانية
- الجرائم ضد الانسانية والسقوط الاخلاقي لمؤسسات -العدالة الدول ...
- رئيس الموساد السابق داني ياطوم مفوض سام غير رسمي في بلغاريا
- اليهود الروس بين النقيضين: الصهيونية والشيوعية


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - عشية الموجة الثانية من تسونامي الازمة: اوروبا لا تدار بالدولار!