أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهدي بندق - تحولات اٌسكندرية عبر العصور















المزيد.....

تحولات اٌسكندرية عبر العصور


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 2973 - 2010 / 4 / 12 - 19:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تحولات الإسكندرية عبر العصور
من مدينة عالمية إلى معقل للسلفيين والمتطرفين
مهدي بندق

معروف أن الفيلسوف أرسطو هو أول من كشف اللثام عن قواعد المنطق الصوري rules logic Formal أي القواعد التي تحكم القالب الخارجي للعبارة – أيا ً كانت لغتها - بغض النظر عن المحتوى. ولم يكن هذا بالكشف الهين ، بل كان أمرا ً عظيم الشأن حقا ً ، فالقوالب الصحيحة تعد واحدة من وظائف العقل في كل زمان ومكان ، وهي لذلك ضرورية لضبط الفكر الإنساني كي لا يتشتت بين الصواب والخطأ ، ومن ثم صار المنطق الأرسطي – ولفترة طويلة جداً- وعاء صالحاً ُتصب فيه عمليات التفكير البشري بحيث تأتي نتائج هذه العمليات واحدة ً لا يعكر عليها اختلاف أصحابها في الديانات أو العقائد أو الجنس Genderأو الأعراق أو اللغات . وعليه فقد استحق أرسطو لقب المعلم الأول ، اعترافا ً بفضله في توحيد البشر على المستوى العقلي بالأقل .
ولأن الإسكندر الأكبر، فاتح العالم القديم كان تلميذا ً نجيبا ً لأرسطو، فلقد كان " منطقياً " أن يلتقط هذا الخيط الفلسفيّ ليشدده صانعا ً منه حبالاً من ُصلب ، أرادها أن تكون أساسا ً لدولة كونية واحدة يعيش بظلها جميع البشر راضين قانعين . وحين شرع في تنفيذ حلمه بهذه الدولة اختار لها أقدم الحضارات وأعرقها : مصر مقرا ً ، وشيد بها مدينةَ الإسكندرية لتكون عاصمة ً لدولته هذه العالمية المقترحة .
بيد أن مشروع الإسكندر ما لبث حتى أخفق . لماذا ؟ لأن أدواته كانت عسكرية ً تقتل لا سياسيةً تحاور. وفيما بعد سوف يتكرر حلم الإسكندر في كل المشروعات الإمبراطورية التالية له ، والتي برهنت بنفس الطريقة على فشل الإجبار في توحيد الشعوب وإقرار السلام العالمي.
على أن الإسكندرية المدينة ظلت تكافح ثقافيا ً لكي تبقى كما كانت يوم ُولدت رمزا ً للمدينة العالمية Cosmopolitanالتي تفتح ذراعيها لجميع الأجناس والأعراق والأديان والعقائد والمذاهب ، دون إقصاء لأحد . وقد تمثل هذا الكفاح الثقافي في قدرتها الجيبوليتكية على احتواء الفاتحين الإغريق لدرجة أنهم أطلقوا على أنفسهم اسم " السكندريين" بينما كانوا قائمين – في القرن الثاني ق. م -على تشييد مكتبة الإسكندرية العظمى ومجمعها العلمي :"الموسيون" .وثانيا ً بنجاحها في إطلاق حوار الفلسفة مع معطيات الدين المسيحي بجهود السكندري الصعيدي" أفلوطين"( ت 270 م ) مما رفع المستوى الفكري عند المتدينين من ناحية ، ومن أخرى ساعد الفلاسفة على مقاربة الطرائق العاطفية لدى معظم الناس . وفيما بعد أيضا ً سنرى كيف تألق العرب المسلمون في عصورهم الزاهية بحوارهم مع هذه الأفلاطونية المحدثة (التي مزجت بين فلسفات الإغريق الكبرى: المشائية والرواقية والأبيقورية ) وذلك حين شرعوا في إبداعهم لعلم الكلام ، ثم الفلسفة الإسلامية الأنضج.
ولقد كان لحفاظ الإسكندرية على المستوى الرفيع في البحث العلمي بمجالات الفلك والطب بجانب الرياضيات حتى بعد احتلال الرومان لمصر ، أثره فيما تمتعت به من منح حاكمها لقب " نائب الإمبراطور" بالإضافة إلى احتكارها لصناعة الورق بحوض البحر المتوسط، وازدهار صناعاتها الطريفة الأخرى مثل الزجاج والمجوهرات الذهبية والفضية والروائح العطرية وأدوات الزينة فضلا عن صناعة النسيج ، الأمر الذي دفع بأرباب الحرف هذه إلى إنشاء النقابات سابقين بذلك أوربا بنحو 1000 عام !
طور الاضمحلال
بيد أنه ومع انقسام روما إلى إمبراطوريتين غربية وشرقية ( بيزنطية ) واحتدام الصراع الديني بين اليهود والكنيسة ، والصراع السياسي بين الكل وسلطة الاحتلال ؛ كان طبيعياً أن ينكمش النشاط الاقتصادي ومن ثم العلمي للمدينة وأن يستمر هذا الانكماش حتى بعد الفتح الإسلامي لمصر لإصرار الخلفاء والولاة على محاولة نزع الطابع الكوزموبوليتاني عن الإسكندرية لأسباب محض ثيولوجية متوهمة ، وأسباب مذهبية محتدمة مابين العباسيين والفاطميين من القرن التاسع الميلادي والقرن الحادي عشر، علاوة على الجمود الذي حاق بمصر جميعا ً في العصرين المملوكي والعثماني وحتى قدوم الحملة الفرنسية. التي كانت مقاومتها واجبا ً وطنيا ً لا مندوحة عنه .
النهضة من جديد
كانت مقاومة تلك الحملة واجبا ً وطنيا ً لا مندوحة عنه ، ولكن ذلك لم
يمنع المصريين أن يفتحوا عيونهم على ما يجرى في أوربا من تقدم علمي وتقني هائل. ولهذا وبعد سنوات قلائل من خروج الحملة،وحين شيد محمد على الترسانة البحرية بالإسكندرية بجانب توسيع وتحديث مينائها الغربي ؛ ُاعتبر ذلك إيذانا ً باستعادة المدينة العريقة لمكانتها كعروس للبحر المتوسط حيث اجتذبت إليها النابهين من بلدان أوربا ليشكلوا فيها الجاليات المقيمة ، وليجددوا بين سكانها ثقافتهم الأولى : القبول بالآخر المختلف ، ومن هنا نفهم كيف ارتفع معدل الزيادة السكانية السنوي بالإسكندرية إلى21% خلال القرن 19 مقارنة بمعدل الزيادة في مصر كلها وهو 1.75 % ( كتاب غرفة الإسكندرية التجارية 1949) ولهذا لا يستغرب أن تولد صناعة السينما في مدينة الإسكندرية عام 1917 حيث أنتجت أول فيلمين مصريين بإخراج محمد كريم ،أضف لذلك إنشاء جامعة فاروق الأول 1938 ليكتمل بهذا كله ترسيمها عاصمة ثانية للبلاد ومقرا ً صيفيا ً للحكومة في العهد الملكي .

الناصرية والتهميش الثاني
بانبثاقه عن قوى العسكرتاريا أدرك نظام يوليو ألا مناص من اعتماد المركزية المطلقة وسيلة للبقاء ، وعليه فقد لجأ إلى تعطيل الدستور وإلغاء الأحزاب ( عدا الأخوان المسلمين حلفاءه الأُول ) ليقطع الطريق على كل من يسعى لتداول السلطة، مكرسا ً العمل السياسي للموالين له دون غيرهم .
ومرة أخرى تخضع الإسكندرية لمتطلبات السياسة فيتم تهميش دورها الحضاري والثقافي بشعار العروبة ورفض " الأوربة " Europization ويتم إضعافها سياسياً – بطيش من السلطة - بعد أن كشفت محاولةُ الأخوان اغتيالَ ناصر (في ميدان المنشية 1954) عن إستراتيجية حلفاء الأمس باتخاذ الإسكندرية مقرا ً لحكومة ظل ، ومعقلا ً لتفريخ الكوادر، بعيدا ً عن أنظار السلطة المركزية بالقاهرة .. تلك الإستراتيجية التي لم تتغير إلى اليوم بالرغم من تعرض أصحابها للضربات تلو الضربات ، خاصة على يد عبد الناصر الذي أشرف على تصفية رموزهم سياسيا ً بل وجسديا ً .
ولأن التيارات الدينية – بما هي متجذرة في الوجدان الإنساني – تشبه طائر الفينيق الذي ينهض حيا ً بعد كل احتراق ؛ فإن جماعة الأخوان ما لبثت حتى عادت للساحة السياسية حيث خطط الرئيس السادات لتوظيفهم في ضرب الناصريين واليساريين فانتهي مقتولا ً بأيدي جماعة أخوانية منشقة ، وانتهوا هم إلى السجون والمعتقلات مرة أخرى ، وحين أخرجوا منها في أواخر الثمانينات – بعد إعلانهم نبذ العنف – راحوا يطوعون إستراتيجيتهم لتكتيك جديد ذكي يضمنون به إعادة إنتاج الكوادر كل جيل ، ذلك هو الدفع بأبنائهم وأبناء المتعاطفين معهم إلى كليات التربية لا سيما جامعة الإسكندرية ليتخرجوا مدرسين بالمراحل التعليمية المختلفة ، وما من شك في قدرة المدرس على التأثير في النشء . وهكذا دفعة بعد دفعة امتلأت ساحة الجامعات بالشبان ذوي الميول الأخوانية ، بينما راحت الجماعات الأكثر تطرفا ً "تشتل" من المزرعة كيف شاءت . ولما كانت الإسكندرية هي المقر البابوي والمدينة المصرية الأولى في عدد الأقباط ، وفي نفس الوقت هي المدينة التي اختيرت منذ الخمسينات لتكون عاصمة حكومة الظل الأخوانية ؛ فلقد عمدت التيارات الدينية من الطرفين إلى عجم عود بعضها البعض بين الحين والحين : ميكروفونات المساجد تغمز وتلمز وتكفر عباد الصليب ، يقابلها مسرحيات تؤلف وتمثل بالكنائس تطعن في (وتسخر من) رموز الإسلام ، ومقابل " طظ في مصر" لمهدي عاكف نجد من يروج بين الأقباط القول بأن مسلمي مصر عرب مكانهم الطبيعي الحجاز! والنتيجة صدامات يسقط فيها بين الفينة والأخرى قتلى وجرحي ، نفور متصاعد ، واستقطاب متزايد لا يدري أحد على وجه الدقة كيف ينتهي . وبين الطرفين تقف الإسكندرية شاحبة ترتعد ، فلا هي قادرة على ابتعاث طبيعتها الأولى وثقافتها الراقية الرفيعة ، ولا هي راضية بأن تقاد إلى هذا الدرك المؤلم الذي يجبرها على أن تكون معقلا ً للسلفيين والمتطرفين .
ما الحل إذن ؟ الديمقراطية هي الحل ما في ذلك شك . ولكن تلك قصة أخرى .



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التراث الفرعوني هو الأساس التاريخي لأسطورة المهدي المنتظر
- ثورة في مصر أم بعث لأسطورة المخلص ؟
- عن الإسكندرية
- المثقفون بالاسكندرية يتضامنون مع شيخ النقاد العرب د. جابر عص ...
- هل تصبح سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين ؟
- مغامرة الكتابة مع نجيب محفوظ
- المتشددون المسلمون يرقصون على موسيقي العدو و يهددون بحرب صلي ...
- هل يمكن للشعب أن يتنازل - بحريته - عن حريته ؟
- الشعر سفيرا ً فوق العادة
- لماذا يرتعب المتدينون من كلمة الحرية
- متى يعتذر الغرب للشعب المصري
- المرأة العربية في المخيال الجمعي
- مقاربة مصرية لرباعية الإسكندرية
- رواية أن ترى الآن لمنتصر القفاش
- النقد الذاتي قطار المصريين إلي الديمقراطية
- عوليس الحمساوي وارهاب العودة للبيت
- الولاء لمصر ولو كره الفرس المعاصرون
- كل ضد إلى ضده
- مياه الأمن القومي بعد إنفلوانزا الخنازير
- هل يستقيل الكاتب من ديوان العولمة ؟


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهدي بندق - تحولات اٌسكندرية عبر العصور