أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق أبو شومر - مرض الأنيميا الثقافية














المزيد.....

مرض الأنيميا الثقافية


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 2947 - 2010 / 3 / 17 - 22:26
المحور: كتابات ساخرة
    


نفخ شدقيه وأسبل عينيه وهو يقول:
البرغماتية والدغماتية ركيزتان ثقافيتان في عالم اليوم، وردد بعد المصطلحين السابقين بيتين من الشعر يحفظهما، ثم أخذ يتابع بعينيه وقع المصطلحات الأجنبية والشعر على وجوه الجالسين من البسطاء !
قال أحدهم معظما:
مثقف !
كان (المثقف) يختار لباسه ورباط عنقه بعناية، وهو لا يخرج أبدا بدون رباط العنق، فهو يحسُّ بأنه بدون رباط العنق صيفا وشتاء، يشبه من يمشي عاريا ، يقف أمام المرآة قبل أن يخرج للناس مدة طويلة.
كان دائما يصطاد المتحدثين ويُصحح لهم الأرقام التي يذكرونها في أحاديثهم ، فإن قالوا إن عدد سكان دولة من الدول سبعة عشر مليونا ،فإنه يقول :
الرقم الصحيح هو سبعة عشر مليونا وسبعمائة وخمسون !
وكان مواظبا على أن يعارض كل الأقوال، حتى يتميز عن الجالسين، وكان قادرا على نحت المسوغات، وكان يحفظ قصصا تصلح للجلسات، وهو يتجنب المجالس التي يرتادها بعض المثقفين الواعين.
وبالطبع فإن أرقامه وتحليلاته لم تكن صحيحة غير أنه كان متأكدا بأن أحدا من الجالسين لا يملك الرقم الصحيح.
وكان دائما يستمتع بأعين المُعجبين البسطاء وهو يسمع صفته:
"مثقف"
ذات يومٍ قال أحد الجالسين:
إن في الهند أكثر من مائتي ديانة !
فصحح المثقفُ الرقم كعادته وقال:
إنها مائتان وثمانون ديانة فابتسم المثقف وسأله عن المصدر فقال باضطراب :
في كتاب ضخم منذ سنوات!!
شخصية هذا (المثقف) تدعو للتساؤل :
هل الثقافة هي المحفوظات من الأرقام والحكم والشعارات ؟ أم أنها القدرة على السفسطة والمناكفة والإقناع؟ أم أنها عملية تسلية وإمتاع ؟
الثقافة أكثر من ذلك، فقد اشتُقت الكلمة من ثقَّف الرمح أي هَذَّبه وسواه ليصبح صالحا للإصابة.
فالثقافة مجموعة من عمليات الإعداد والتنقية والتعقيم والتناسل، باستخدام أدوات ومعدات ثقافية عديدة أبرزها الاطلاع واستخراج الألماس الفكري ومتابعة تطور الأفكار والقدرة على إعادة صقلها، وهي بمثابة محراث للنفوس والعقول ، تقوم بتمهيد النفوس والعقول ، وجعلها صالحة لزراعة نباتاتٍ جديدة، من فصيلة جديدة ، قادرة على النمو في البيئات المختلفة بدون أن تحتاج إلى أدوية ومبيدات، والثقافة عدو لدود للتلقين والمحفوظات العقيمة التي لا تتوالد وتتكاثر وتتجدد وتتعدد.
وقد قرن العلماء بين الثقافة والأدب فجعلوا المثقف أديبا والأديب مثقفا، ذلك لأن إنتاج السلالة الأدبية هو أحد أشهى الثمار الثقافية.
وكان القدماء يعرفون الأدب:
" الأخذ من كل شيء بطرف "
ومن أخطائنا الشائعة أننا نقرن الثقافة بالمحفوظات فقط.
فقد ولّى عصرُ المحفوظات بعد أن أصبح في جيب كل فرد فينا مخازن محفوظات في أشكال وأنماط عديدة، اسطوانات وفلاشات ورقائق، وتحولت هواتفنا النقالة وحواسيبنا إلى موسوعة من المحفوظات .
إن الثقافة في الألفية الثالثة تعني القدرة على استيعاب المعالم الحضارية المتنوعة، والكفاءة في مواكبتها وتحديها في مختلف المجالات والأنشطة، فلم يعد المثقفون هم القادرون على الإتيان ببيت من الشعر يناسب مقامات الحديث، ولم يعد المثقف هو المُبرز في المطارحات الشعرية ، أو في فقه اللغة ونحوها وصرفها، بل صارت الثقافة تعني التلاقُح بين العقول وتوليد سلالات فكرية وعقلية جديدة ، ولا يتم هذا التلاقح إلا بالامتزاج والتواصل بين مختلف الأفكار والثقافات .
كما أن الفرد يظلُّ جاهلا بنفسه إذا لم يقارنها بغيرها ، وأفضل الطرق هي أن يسافر الإنسان ويمتزج بأقوام أخرى .
تحضرني أبيات ممتعة قالها شاعرٌ مغمور قلّ من يعرفه وهو، ابن ماكولا
غير أن هذه الأبيات نفسها تُنسب للإمام الشافعي ... تقول الأبيات :
ما في المُقام لذي عقلٍ وذي أدب
من راحة فدعِ الأوطان واغتربِ
سافر تجد عِوَضا عمن تفارقه
وانصب فإن لذيذ العيش في النَّصبِ
إني رأيتُ وقوف الماء يُفسده
إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطـب
والشمس لو وقفت في الأفق دائبة
لملها الناسُ من عُجم ومن عـــرب
والأُسْدُ لولا فراق الغاب ما افترست
والرمح لولا فراق القوس لم يصب
والتبر كالترب مُلقىً في معادنــه
والعود في أرضه نوعٌ من الحطـب
فإن تغرَّب هذا عزَّ مطلبـه
وإن تغرب ذاك عزَّ كالذهبِ
ويمكن الاستدلال بسهولة على الدول التي لا تعيرُ الثقافة أي اهتمام ، وكذلك الدول التي تعتبر الثقافة عدوا لدودا تُجهز ضدها الجيوش والعيون ، ويمكن معرفتها بصفات خاصة أبرزها ، عودة الشعوب في تلك الدول إلى قبليتها الأولى، تعصبا وعنصرية ، وحشو عقول أبنائها بما يكرهون من محفوظات، حتى يملوا متابعة الثقافات، ويجعلوا التعليم مرادفا فقط للحصول على الوظائف، وكذا فإن الثقافة والقمع والظلم نقيضان لا يتوافقان، ففي الأنظمة الديكتاتورية، تتولى طائفة من سدنة الحكم بصياغة قوالب وأخلاط من الهرطقات المحفوظة، ينسبونها للثقافة، ويقيسون الثقافة بها .
ولا يزال السفر من الأوطان التي تعاني من ضمور في خلايا ثقافتها هو أبرز الوسائل لتصحيح المفاهيم المُضللة، وهو أيضا جرعة أساسية من جرعات التطعيم ضد الجهالات.
فالسفر هو العلاج الوحيد لإعادة التوازن النفسي والعقلي لكل مريض مصاب بالأنيميا الثقافية.



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جناية الفن الرخيص على أبنائنا
- من فقه إذلال النساء
- خليل التفكجي والأحزمة الاستيطانية الناسفة
- الكذب اكبر مصادر الدخل في العالم
- البخل العربي
- فايروسات الخفافيش في الإنترنت
- فقط في غزة
- رعب الرقم 25
- لماذا سمي معبر رفح فيلادلفي ؟
- تخريفولوجيا
- مملكة الحواجز والجدران
- عرب أثمن الساعات وأرخص الأوقات
- من غرائب الأخبار في إسرائيل
- أسرار قوة الحكومات العربية !
- مسابقة البلع الكبرى
- الكوشير الإسلامي
- بشير وعاموس رواية فريدة
- رياضة داحس والغبراء
- من تجربتي مع صحافة الإنترنت
- عملاء خمسة نجوم


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق أبو شومر - مرض الأنيميا الثقافية