جريدة الغد
الحوار المتمدن-العدد: 886 - 2004 / 7 / 6 - 04:42
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
كنت جالساً في مقهى المتقاعدين مطرقاً ساهماً مفكراً في امور كثيرة. وليصدقني القارىء العطوف، اني لم اكن افكر في مشكلة الامان، وانقطاع الكهرباء وشحة الماء وعطل التلفون وعدم زيادة رواتب المتقاعدين وفلوس النظّارة الجديدة بدل التي كسرها حفيدي وغيرها من الامور التافهة!!. فمشكلتي أهم بكثير!. كيف يخلف بوش وعده لي شخصياً في أنه سيقوم باحتفالات ضخمة في بغداد في يوم اعادة الاستقلال للعراق، حيث اكد انه سيطلق، “الصعادات التي لم يعرف العراق اصواتها او الوانها او افعالها قبلاً!... وستُفتح موائد بكل الاكلات الاميركية التي يحلم بها الشباب و “الشيّاب”!. واكدّ لي ايضاً أنه سيأتي مع زوجته خصيصاً ليفتتحا الرقص في سفارتهم العتيدة الجديدة!. ومشكلتي ماذا سأقول لابي احمد وهو ينتظر المناسبة لمراقصة “كوندى”... او بالاحرى ماذا سأقول لكوندى والتي هي بالتأكيد قد “إحترقت” شوقاً لانتظارها لهذه المناسبة!. اذ تم انهاء الاحتلال، وحتى قبل الموعد، واُستلمت السيادة، ورأي العالم كله أن الجانب العراقي وقع على “وصل” الاستلام. ولقد قرّب بريمر “الوصل” الى الكاميرات ليقرأوا “تم استلام السيادة كاملة غير منقوصة عداً ونقداً... ولهذا وقعّنا!!”. اي ان المسألة انتهت ولم نعلم بالخبر الاّمن الاذاعات الخارجية وبعد حدوثه.. ولم يكن هناك احد، ولم نرَ صعّادة واحدة، او نأكل هامبركراية ماكدونالد!!. هل بدّل بوش رأيه واعطى الصعّادات لآخرين من اصدقائه في العراق ليستعملوها. اذ لاحظنا مؤخراً الكثير من “الصعّادات القاتلة”، والتي لم يعرفها العراقيون سابقاً، وتهتم فقط بالعراقين وليس بغيرهم!!. كلما تقلّب المسألة في بالك ترى الامر غريباً.. اذ بريمر بعد ما استلم “وصل الامانة” ركض للطائرة قبل ان ينتظر صديقه بونتي لاستلام السفارة، ولم يودع احبائه في مجلس الحكم السابق!. ولما اخبرت ابا آمنة سبب حيرتي، اجابني جواباً اراحني كثيراً، ولكن لم يخلو من “لؤم”! اذ قال: (يظهر انك بلغت من العمر عيتا!)، اذ اراد أن يكون نازك ولا يستعمل “لقد اصابك الخرف”..فعمره أقل منا ويحب أن يذكرنا ذلك دائماً واستمر: (اصبحت تنسى كثيراً! إن بوش وعدك باحتفال مشترك بين 4 تموز الاميركي و 14 تموز العراقي، واقترح 9 تموز!!. لذا انتظر لذلك الوقت).
بدأنا بالنقاش اليومي “هل نضع العربة قبل الحصان، ام الحصان قبلها؟". في هذه الاثناء دخل ابو عدنان ونبيه (زميلنا القديم الذي سافر للخارج ورجع مؤخراً)، وهم يتناقشون بحدة وبنفس الموضوع “العربة والحصان”. اذ إن ابو عدنان كان يؤكد ما نعتقده نحن، وهو للقضاء على الارهاب، علينا اخراج المحتل اولاً. وكان يتكلم عن ثقة اذ الآن يمثل رأي “الاكثرية”!. اما نبيه، ونقولها صراحة يؤيده الكثير وخصوصاً المثقفين فكان عصبياً ومتألماً لانه اصبح مؤخراً مع “الاقلية” حسب الاحصائية الاخيرة التي اعدها الاميركان حول ضرورة خروجهم الآن... وكان يصرخ بأن “الاحصائية مزورة”. اذ أن نبيه يؤكد أن المحتل يجب ان يبقى حتى يُقضي نهائياًُ على الارهاب. هنا توقف ابو عدنان والتف علىّ قائلاً (اعد على الحاضرين قصة زواج نبيه لان عندي تعليق عليها)!.وهنا رأيت نبيه يبتسم ابتسامة خبيثة، تعجبت منها، فالقصة قبل اكثر من اربعين سنة، لم نستطع ان نزوجه في حينه، وهو لحد الان غير متزوج!.
ولقد كان نبيه في ذلك الوقت، ولايزال شخص لطيف وبسيط وعلاقاته البشرية محدودة، ومن يعرفه يوده ويدرك بساطته!!. وبدأت بعرض القصة على الحاضرين (في ذلك الوقت، كنا جميعاً اصدقاء ومتزوجين منذ ان تخرجنا او بعد مجيئنا للعراق مباشرة للذين درسوا في الخارج. اذ في ذلك الزمان كان باستطاعة الشخص الزواج من راتبه، فهو يكفي ايضا للاثاث بالتقسيط. كنا نشطين في كل شئ..في العمل..في العمل الحزبي السري “لمن له علاقة”..في الونسة..والزواج كان فعلاً استقرار لنا. يوم لنا، ويوم لعائلاتنا، وفي يومنا نترك الزوجات في بيت احدنا، ونخرج لمقاهي ابو نؤاس..والتي كانت في ذلك الوقت تقدم مع المشويات البيرة لمن يريدها!. واحيان نذهب للملهى..او نجلس في بيت احدنا للهو والسمر. كان نبيه زميلنا في العمل، واحياناً ياتي للمقهى. نحاول دائماً ان نقنعه بالزواج، وجوابه دائماً وباصرار “الزواج يقيد حريتي!!”. وفي مرة وفي نهاية اجتماع في الدائرة سأله المدير تحبباً “ متى تتجوز؟" واجاب الجواب التقليدي “استاذ الا تعتقد ان الزواج تقيد حرية”. وهنا صرت عصبياً ولم اصبر وتدخلت قائلاً له “نبيه انت تتأخر بعد منتصف الليل” اجاب “كلا!”..وفي كل سؤال من اسئلتي التالية، اجاب “كلا” هل تشرب؟ هل تلعب ورق؟ هل تروح ملهى؟ هل عندك اصدقاء سوء “طبعاً عدانا؟"، هل عندك مكسّرات؟..هنا لم يجب كلا وانما اطرق خجلاً..الجميع تعجب “نبيه عنده مكسّرات”!!. سألته مجدداً هل عندك مكسّرات”..فاجاب “نعم”! وازداد اللغط فاكمل “جاء احد اقاربنا من الموصل وجلب لنا جوز ولوز وفستق وحب!!”. وهنا لم يسعنى الا ان اصيح “لك ديRوم من Rدامي..مدكولي يا حرية الي ستفقدها”!.هنا سأل ابو عدنان نبيه “نبيه انت تسهر بعد منصف الليل؟" ضحكنا جميعا واجاب نبيه “اذا تاخرت للسبعة مساءاً ارجف من الخوف بالشارع”. واستمر بالسؤال “هل تشرب؟". اجاب “تعرف لم اشرب في السابق ولا الآن.وعلى ايه حال لايوجد محل يمكن الذهاب اليه”. “انت تروح ملهى او حتى سينما؟" اجاب ضاحكاً “لاتوجد مثل هذه الامور في هذه الايام..في كل الاحوال الدنيا كلها معزلة الساعة الرابعة عصراً!”. وسأله “هل تذهب لمقهى على ابي نؤاس”؟، ضحك وقال “ليش اRو Rهوة مفتوحة على ابو نؤاس. هو حتى الشارع كله مغلوق!”. “انت بالليل تنام والباب مفتوحة؟". ضحك عالياً ولكن بتألم”انت تعرف باب الحديقة عليها قفلان، والباب الداخلي خمسة أقفال، ويوجد كلب بالحديقة.. والسيارة فيها جهاز تنبيه وسرقوها!!”. ثم سأله: “نبيه انت تشعر بالامان؟". وهنا اصابنا العجب اذ جوابه كان “نعم”.. وعندما سأله “كيف والحوادث حولك؟"، اجاب رأساً “لايوجد لي اولاد ولا احفاد اخاف عليهم من الاختطاف.. ولذا اشعر بالامان.. وعندما رجعت العراق عرفت الحكمة في عدم زواجي!!”.
هنا توقف ابو عدنان كأن ماء بارد سُكب على رأسه فلقد افحمه!!. التفت الي وقال “طيّر نشعتي، اذ اردت أن اقول له.. لك ديRوم من Rدامي مدكولي يا امان ستفقده اذ خرج الاميركان”.
“متقاعد” يدّور الستر والامان!.
#جريدة_الغد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟