جريدة الغد
الحوار المتمدن-العدد: 863 - 2004 / 6 / 13 - 08:30
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
على الرغم من محاولات النظام المقبور ومساعي الممحتلين لمحو الذاكرة الوطنية العراقية وشعرائها الاماجد، لا نظن أن عراقياً تفوت عليه كلمة “الطلا” دون ان تثير شجوناً قديمة جديدة، ومتجددة. فالدعوة التي وجهها كل من رئيس الوزراء ووزير الخارجية المعيّنين الى مجلس الأمن الدولي لبقاء قوى الاحتلال مرابطة في العراق، قد هيجت بعضاً من تلك الشجون.
فهي دعوة تأتي في وقت أصرت وتصرّ فيه ثلاث دول كبرى على احترام سيادة العراق كاملة غير منقوصة، وعلى ضرورة تحديد جدول زمني لا يتجاوز نهاية السنة القادمة لانسحاب القوى الأجنبية من العراق، فكان أقل ما يتطلب من مسؤولين عراقيين ان يلتزموا بما يريده الشعب العراقي، وان لا يكونوا أمريكين اكثر من الامريكين.
والحقيقة أن هذه المواقف على مجانبتها للرأي العام العراقي، فهي تدل على قصر نظر المراهنين على الحصان الامريكي، بعد ما تبين فشل المشروع الامريكي لتحويل العراق الى قاعدة للتوسع الامريكي في آسيا وظهرت هذه الحقيقة للبسطاء من الناس في العالم ولا نقول لخبراء السياسة الخارجية الامريكية. ومع ذلك هذا ما نريد ان نعرض له عسى ان يصحو من شرب الطلا تخيلاً وان يتذكرمن لم يقربه تعففاً، عسى ان تنفع الذكرى.
الحقيقة ان أكثر الخبراء في السياسة الخارجية والشؤون الدولية ومعلقي الصحافة العالمية يعتبرون هزيمة الاحتلال الامريكي للعراق حقيقة واقعة لا تقتضي تبيان، فقد كتب مايكل ليند، وهو عضو بارز في مؤسسة نيو أمريكا، ورئيس مشروع (امريكان ستراتيجي) مقالاً بعنوان (كيف فقدت قوة عظمى مكانتها)، قال فيه:
“قد يبرهن ربيع عام 2004 كونه نقطة انعطاف ليس في التاريخ الامريكي فحسب ولكن في التاريخ العالمي ايضا. فحتى وقت قريب كان بإمكان معارضي بوش الأمل بأن حرب العراق ستكون لحظة سيئة الحظ لكنها قليلة الأهمية في فترة طويلة من الهيمنة الامريكية السخية. والآن وقد تهشمت سمعة امريكا بالسخاء والقوة التي لا تقهر، فإن الولايات المتحدة ستٌكره على الاكتفاء بدور متواضع جداً في العالم دون توقعات الليبرالين الجدد والمحافظين الجدد. وبغض النظر فاز بوش في الانتخابات او فشل فقد امست تركته واضحة للعيان”. (فاينانشال تايمس، 31/5/04)
أن هذا الكلام من خبير كبير لا يأتي جزافاً، بل هو تأكيد على ان ما جرى ويجري في العراق انعطاف سيشمل العالم كله في وقت تتطلع اوربا الموحدة للتحالف مع الصين وروسيا وفي وقت استعادت الدولة الروسية بعض هيبتها وتعافى اقتصادها نسبياً. لذلك جاء بوش وذيله بين رجليه ليستعطي الرضا الروحي من البابا والسياسي من باريس، عسى ان يحسن صورته الانتخابية والتواطؤ ضد العراق. هذا ما يؤكده مقال آخر نشرته الجريدة المذكورة في(3/6) بعنوان (الولايات المتحدة تفكّر بما لا يصح التفكير به). ويقول المقال ان “ما لا يصح التفكير به” هو برأي الرئيس جورج بوش “عواقب هزيمة امريكية”. ويقول المقال هذا لم يمنع بعض اعضاء الادارة الامريكية من التكهن بما يمكن ان يجري، بينما يعلن حالياً آخرون من دعاة الحرب المتفوهين في واشنطن ان الخيبة قد حلت. ويقول احد هؤلاء الدعاة وهو البروفيسور فؤاد عجمي الذي تصوروا سيكون العراق مناراً للديمقراطية في عموم المنطقة وان تلك المهمة قد فشلت، فيقول في مقال له في نيو يورك تايمس في الاسبوع الماضي حتى لو سلم العراق كاملاً فإن “الأحلام قد ماتت”، وقال: “لنواجه الحقيقة، إن العراق لن يكون قدوة تقدمها امريكا للعالم العربي الاسلامي”.معترفاً بتوقعاته الخاطئة.
ويقول خبير آخر (سيمون سيرفاتي) في مركز الدراسات الستراتيجية كلفته الادارة الامريكية كتابة مطالعة لعواقب هزيمة في العراق على اوربا والعلاقات عبر الاطلسي قال فيها: “كثير من اوربا قد يرى الآن أن افتراقاً ستراتيجياً لاوربا عن الولايات المتحدة كجواب معقول لصدام ثقافي لا ضرورة له ضد عالم اسلامي يوحّده على الدوام الاستخدام المخطوء للقوة الامريكية وتشويه القيم الغربية” مضيفاً ان روسيا والصين قد يٌتصوران كشركاء ستراتيجين عالمين بدلاء، في حين قد تتجه كل من فرنسا والمانيا لقيادة “اتحاد وثيق لدول رائدة كحصن ضد استخدام مفترض وغير مسؤول للقوة الامريكية”. وفي هذا المشروع قد تتطلع روسيا بقيادة بوتين لاستعادة امبراطورية روسية مجددة تشاد حول تحالف جديد مع اوكرانية وروسيا البيضاء وكازاخستان.
ويرى خبير ثالث ان عملية الافتراق على الاقل عن ادارة الرئيس بوش، قد بدأت بالفعل. ويقول مسؤول امريكي ان فضيحة الاعتداءات الشنيعة ضد السجناء العراقين في سجن ابو غريب وعلاقة بوش الحميمة مع شارون قد ساهمت في خلق “جملة من الاشياء العسيرة”.
ويقول المقال ايضاً ان الولايات المتحدة قد وضعت خطة للطوارئ تتضمن إجلاء بعض الشخصيات المدنية من بغداد في حالة فقدان السيطرة على اعمال العنف.
ومما “لا يصح التفكير به” برأي بوش ما اعلنه في خطاب له في 13 نيسان، حيث قال: “كل صديق لامريكا والعراق سيكشفون ويزج بهم في السجون ويقتلون بينما تقوم طغمة طاغية. وسيحتفل كل عدو لأمريكا والعالم، معلين ضعفنا وفسادنا، مستخدمين ذلك النصر لتجنيد جيل جديد من القتلة”.
هكذا تظهر صورة الهزيمة المرة التي تتراءى لاقطاب الاحتلال. نعم ان المشروع الامريكي قد هزم، لكن هذا لا يعني بعد اكتمال شروط التحرر من الاحتلال ولا يعني نهاية الاخطار التي تواجه الوطن.
ذلك ان الجهود المفتتة التي تقوم بها القوى الوطنية لا يمكن لها تحقيق جلاء قوى الاحتلال اذا بقيت هذه الجهود الباسلة متشرذمة، كل على حدة. فدون قيام جبهة اتحاد وطني وحكومة اتحاد وطني سيجد المحتلون الفرص لبقائهم تحت مختلف الصور والواجهات.
ولكن وحدة وطنية تضم جميع التيارات الوطنية في العراق تقوم على اسس عملية بعيدة عن الطائقية والعنصرية تضمن حقوق متساوية للجميع تتيح لشعبنا الجريح اجتياز فترة الانتقال بسلام ونظام شطر بناء مجتمع الديمقراطية والعدالة والاستقلال الوطني.
#جريدة_الغد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟