أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - فكأنك في -مثل غابة للحيوانات-..بعد 41 عاما موصولة!















المزيد.....

فكأنك في -مثل غابة للحيوانات-..بعد 41 عاما موصولة!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2910 - 2010 / 2 / 7 - 16:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وجد العقيد معمر القذافي مؤخرا (28/1/2010) أن 300 متهم إسلامي نالوا أحكاما بالبراءة أمام محاكم نظامه هم "إرهابيون" في الحقيقة، وتاليا "لا يمكن الإفراج عنهم، مثلنا [في ذلك] مثل الدول الأخرى". وبينما لا يتضح من تغطيات توفرت عن الواقعة أي سند قانوني لاحتفاظ الزعيم الليبي بسجناء برأتهم محاكم لم تشتهر باستقلالها عن السلطة السياسية، فلعل في إرادة التشبه بالدول الأخرى تلمسا لسند أو قاعدة عامة تسوغ هذا المسلك. نحن مثل غيرنا، منضبطون بعرف عالمي يقضي بحبس "الإرهابيين". ويفضل في مثل هذا المقام أن ننسى أن النظام المعني ثابر دوما على عرض نفسه كنموذج عالمي يحتذى، ينفرد عن "الدول الأخرى" بنظامه "الجماهيري" و"نظريته العالمية الثالثة" المضمنة في "الكتاب الأخضر". التمثل بدول العالم الأخرى طيب حين يسوغ احتجاز رعايا لم تجد الأجهزة القضائية التابعة للنظام ما تدينهم به. لكنه مرفوض حين يعني أن نكون مواطنين في بلدنا، "مثلنا مثل الدول الأخرى".
هذا دون قول شيء عن أن "الدول الأخرى" قلما تحتفظ بسجناء برأتهم المحاكم، وأن من تفعل منها كذلك ليست مثالا يقتدى به بحال، وأن للجماهيرية العظمى شقيقات عربيات لا يفتقرن إلى "الأصالة" و"الرسالة الخالدة"، يقضي المبرؤون قضائيا سنوات طوالا في سجونها، ويبقى المحكومون أوقاتا إضافية فوق سنوات أحكام قضت بها عليهم محاكم استثنائية. العبرة البسيطة التي تستخلص من ذلك أن عدالة الزعامة السياسية أسوأ بكثير حتى من عدالة الأجهزة القضائية التابعة لها. أو أن أفسد ما في النظام رأسه، على عكس خرافة رائجة تنسب السوء كله إلى بطانة الحاكم، أو إلى "أفراد فاسدين وشريرين تجدهم في كل دول العالم"، على قول سيف الإسلام القذافي، ولي العهد المنتظر لـ"ملك ملوك أفريقيا"، في كلمة ألقاها في شباط 2009 (استفدت على نطاق واسع هنا من مقالة لرشيد خشانة، نشرها موقع "مبادرة الإصلاح العربي" في 30/1/2010، وعنوانها: "ليبيا البدوقراطية بين التوريث والإصلاح").
في كلمته نفسها كان القذافي الابن أعلن أن "عصر إهانة الليبيين وقمع الأفواه والتخويف والقفز فوق القوانين، كل هذا انتهى ولا مجال للرجوع للوراء"، الأمر الذي لا يبدو أن قرار "ملك الملوك" الاستمرار في اعتقال 300 بريء يصادق عليه. هل يعود ذلك إلى تنازع صلاحيات بين "المنسق العام للقيادات الشعبية" وبين "القائد"، أم بالأحرى تغليبا للمصلحة العليا للنظام الذي يراد تلميع صورة الوريث المحتمل فيه جريا على سنة عربية آخذة بالرسوخ؟ نرجح التقدير الأخير. إذ يبدو حسب خشانة أن "القذافي الأب"يحرص على "متابعة ملف التوريث متابعة دقيقة لإنهاء جميع ترتيبات نقل الحكم قبل رحيله، من دون الابتعاد عن سدة القيادة طالما ظل حيا". وهو بهذه الصفة أعلم بما هو أصلح للنظام، وبالحد الذي يتعين أن تقف عنده "مونودرامات" إصلاحية هو ملهمها ومخرجها، وهو من اختار الممثل الوحيد فيها.
قد تقتضي هذه الدراما الصغيرة هدم مجمع "سجون أبو سليم الرهيب" الذي ارتكبت فيه عام 2006 مذبحة راح ضحيتها 1200 سجين. يراد لذلك على الأرجح أن ييسر طي صفحة الجريمة، مع سهولة توفر سجون بديلة بسمعة أقل فظاعة، ويمكن الاحتفاظ فيها بمن لم يرتكبوا جرما.
لكن ماذا يعني إبقاء أبرياء في الحجز؟ يتعدى الأمر إهانة الجهاز القضائي (يسجل لوزير العدل الليبي احتجاجه على الواقعة) إلى تشويش معنى البراءة القضائية. وبالاقتضاء المنطقي تشويش معنى الجريمة، أي امحاء الحدود بين الأفعال المدانة قضائيا والأفعال المحمودة أو المحايدة قضائيا. والمجرمون وحدهم من يستفيدون من هذا الاختلاط. ذلك أن منتهكي القواعد القانونية يعولون دوما على التلاعب بوضوح المقولات القانونية وتشويش التمييز بين الأفعال، بما يضفي النسبية على انتهاكاتهم أو يخفف من وقع أفعالهم الجرمية، أو حتى يسوغها. وهذا ما قد يتسبب في رفع الحماية القضائية عن الأبرياء بأن ينشر ظلالا من الالتباس حول تصرفاتهم وأفعالهم في غفلة عنهم. وحين يكون كل معارض إسلامي للنظام مجرما، ألا تكون هذه خدمة مجانية للأشد تطرفا وعنفا بين هؤلاء المعارضين؟ وحين نكون سيئين جميعا، أليس في ذلك تسهيلا لأمر الأسوأ بيننا؟ ومن تمييع الحدود بين السيء والأسوأ، ما الذي سيمنع تمييعها بين السيء والأقل سوءا، وبين هذا والجيد؟ هذا باب واسع للاعتباط لا ينتفع منه غير القوي الحصين.
وفي السياق الليبي بالذات ألن يفضي ذلك إلى تعطيل "المراجعات" التي تقوم بها "الجماعة الإسلامية المقاتلة"، والمتجهة نحو مواقف وقراءات أقل تطرفا؟ ألن يتسبب من ثم في توسيع من سماهم "القائد" نفسه"الزنادقة"، وميزهم باتباع بن لادن والظواهري؟
وهل هذا كله مقطوع الصلة عن شكوى القائد الملك من "تدهور فظيع" في "الآداب العامة" في ليبيا، إلى "درجة أن الشارع أصبح مثل غابة للحيوانات"؟ من المحتمل أن تكون هذه شكوى أبوية محافظة من صيغ سلوك مستجدة في المجتمع الليبي. لكن لا يبعد بالفعل أن تنحدر الضوابط الأخلاقية وتعم القسوة والفساد ويشتد ساعد الأنانية وسط ساكنة لا تأثير لها على شروط حياتها، يتمتع القوي فيها بالحصانة، ويعاقب البريء الضعيف، ولا تتاح فيها قدوة أخلاقية أرفع شأنا من هانيبال القذافي الذي عوقبت سويسرا لأنه احتجزته يوما إثر ضرب خادميه. كيف تستقيم آداب الليبيين العامة إن كان كبارهم ينهجون خطا أعوج إلى هذا الحد؟
حيال هذه الوقائع الليبية (توفر مقالة خشانة المشار إليها معلومات جزيلة الفائدة عن تفاصيلها وخلفياتها) يكتشف المرء كم أن بلداننا العربية تشبه بعضها أكثر مما نعتقد ومما هو طيب، وبما يشكك في سداد مسعى الواحد منا لأن يتكلم على الشؤون السياسية لبلده وحده، متجنبا تعميمات عقيمة، وإن تكن آمنة. في واقعنا ذاته يبدو أن ثمة ما يزكي التعميم ويناهض موجبات التعرف المدقق عليه. هل يحتمل أن أصل ذلك غلبة أشد الدوافع بدائية وغريزية في تشكيل هذا الواقع: الجشع والقوة الخام والأنانية الفظة؟ وهل تكون عقائد الفرادة والأصالة والخصوصية المزدهرة في حيزنا من العالم غير حجاب متفاوت الصفاقة لهذه العمومية البدائية المبتذلة؟



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية كسردية صغرى..
- وعي الحاضر وتأهيل الذات (كلماتٌ لمجلة -الحوار- في ذكرى انطلا ...
- التطور بالتذكِّر: -جملكية- أم سلطانية محدثة؟
- أسئلة وردود حول قوانين الأحوال الشخصية
- في نقد النظرة التجزيئية ومنطق الاستبدال الإيديولوجي
- وضع -الدين العام-.. مناقشة في الشأن الديني السياسي العربي
- في الفتوى و-التفاتي- وصناعة التقليد
- الشعبوية إذا تنتحل.. قناع الكونية
- بصدد أزمة الفكرة الديموقراطية في التفكير السياسي العربي
- في نقد السياسوية: -إعلان دمشق- والطريق المسدود
- في شأن ما يطرحه علينا الاستفتاء السويسري من أسئلة أخلاقية وس ...
- -العلمانية الأمية-: في المحصلات المحتملة للفصل بين العلمانية ...
- الدولة السلطانية المحدثة وسيف الحروب الأهلية
- الثقافوية العربية المعاصرة، خصائص منهجية ومحددات أساسية
- من -الخيار الثالث- إلى -وضعية يسارية- جديدة
- الواقع سيئ، اماذا ينبغي أن نكون سيئين؟!
- طوباوياتنا المعاصرة... جامدة متناقضة وغير تحررية
- في اقتران التفكير التسليمي بالعلاقات الولائية، والعكس
- استئناف نقاش غائب في شأن مفهوم الإيديولوجية وإحالاته
- عبيد السلطة وعبيدهم وما إلى ذلك


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - فكأنك في -مثل غابة للحيوانات-..بعد 41 عاما موصولة!