أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سليم يونس الزريعي - الأنفاق : بين الذريعة والنقمة















المزيد.....


الأنفاق : بين الذريعة والنقمة


سليم يونس الزريعي

الحوار المتمدن-العدد: 2906 - 2010 / 2 / 3 - 19:02
المحور: القضية الفلسطينية
    


طفا على السطح بشكل غير مسبوق موضوع الأنفاق التي تنتشر على الحدود الفلسطينية المصرية لتصل ما بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية ؛ متجاوزة حدود سايكس ـ بيكو حتى ولو من تحت الأرض ؛ وبصرف النظر عن الهدف الذي تنشأ من أجلة ؛ قانونيته من عدمها أو حتى إنسانيته ؛ إلا أن هناك من يحاول الاختباء خلف هذه االلافتة الإنسانية " الحصار " ؛ في ضخ ديماغوجي يساهم في التغطية على إهدار كرامة الإنسان جراء ظاهرة الأنفاق .
ولعله من نافل القول التذكير أن موضوع الأنفاق يعود إلى ثمانينات القرن الماضي ؛ أثناء الوجود العسكري الصهيوني وقطعان مستوطنيه في القطاع ؛ حيث كانت الأنفاق تشكل أحد النوافد المهمة لفصائل الثورة الفلسطينية من أجل تأمين حاجاتها من السلاح ومستلزمات القتال وحركة الأشخاص المطلوبين للكيان الصهيوني على خلفية كفاحية ؛ رغم أن المعابر الرسمية كانت حينها مفتوحة ولكنها حتى عام 2005 ؛ وحتى توقيع اتفاق المعابر بيد سلطة الاحتلال كليا .
ذلك الاتفاق الذي سمح بأن تتولى السلطة تسيير عمل معبر رفح الحدودي بين القطاع ومصر لدخول وخروج الأشخاص فقط بحضور أوروبي ؛ ورقابة غير مباشرة من الكيان الصهيوني ؛ فيما تم الاتفاق أن تمر البضائع وكل حاجات القطاع من المعابر الخمسة الأخرى استيرادا وتصديرا ؛ إضافة إلى المعبر الذي يربط حركة الأفراد بين الضفة والقطاع من خلال معبر إيرز ؛ وعبر فلسطين المحتلة عام 1948؛ إلا أن كل ذلك توقف تماما بعد سيطرة حماس على القطاع وطرد السلطة منه .
الأمر الذي أنهى مفعول اتفاق المعابر بحكم أن السلطة الجديدة في غزة غير ذات صفة قانونية ؛ في الوقت الذي كانت تراهن على أن تحل محل السلطة السابقة في إدارة معبر رفح ؛ وليكون هو المعبر الوحيد و البديل عن كل المعابر الأخرى ؛ على الأقل فيما يتعلق بمرور الأفراد والحركة التجارية للقطاع الخاص ولنشاط حكومة حماس في غزة ؛ في حين أن احتياجات القطاع التي تتبع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ؛ والتي تغطى أكثر من 70% من سكان القطاع ؛ يمكن أن تستمر في المرور من المعابر الأخرى .
ولأن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر كما قدرت حماس ؛ وجد سكان القطاع أنفسهم في هذا السجن الكبير ؛ الذي أنتجه سوء التقدير والمراهقة السياسية ؛ التي تفتقر إلى القراءة الموضوعية لمفردات الصراع ؛ وفي علاقة الأسباب بالنتائج في ظل المشهد المحلي والإقليمي في اللحظة ؛ لأنه كان من خطل القراءة تصور أن يقوم الكيان الصهيوني بتمكين حماس من هذه المزية ؛ أي إحكام قبضتها على القطاع ؛ فكان الرد الأول على سيطرة حماس على المعبر ؛ هو مغادرة الفريق الأوروبي ؛ الذي يشكل ضمانة لاستمرار فتح المعبر للأفراد في الاتجاهين بعد مغادرة فريق السلطة التي تم طردها كليا من القطاع .
ولم يكن مسموحا به من قبل كل الأطراف التي كانت تدير المعبر أن تحل حماس بقوة الأمر الواقع محل السلطة ؛ وكسب الاعتراف الأوروبي والمصري بنتائج سيطرة حماس على القطاع ؛ وهو الأمر الذي لم يكن متوقعا على القل من الجانب المصري إلا أن الأمور سارت بعكس ما خططت له حماس ؛ فكان أن تم قفل المعبر رسميا ؛ إلا للحالات الإنسانية ومن قبل الجانب المصري ؛ هنا كان لابد للسلطة القائمة في غزة من البحث عن بدائل للمعابر التي أقفلت تماما في وجهها ؛ والتي كان من نتيجتها أن ذهب سكان القطاع ضحية هذا النزوع الذاتي من قبل حماس نحو السيطرة بمفردها على القطاع بحثا عن إقامة نموذجها الثيوقراطي والذي لا يقبل الشراكة مع أحد لأن بنية هذا النموذج تفرض ذلك .
هنا حضرت الأنفاق لتشكل بديلا ليس عن معبر رفح ولكن عن كل المعابر التي كانت تربط القطاع بالخارج وبالضفة الغربية ؛ على الأقل فيما يتعلق بحرية حركة السلطة القائمة في القطاع منذ منتصف عام 2007 .
ليبدأ على ضوء ذلك فصل جديد من عملية الخنق المنهجي من قبل الكيان الصهيوني للقطاع ؛ محملة سكان غزة جريرة ما أقدمت عليه حماس ؛ عبر الحصار الشامل أمام حركة الأفراد والبضائع من المعابر المختلفة ؛ وأقفل معبر إيرز الذي كان يتم العمل به بالتنسيق بين السلطة الوطنية ( فتح ) والكيان الصهيوني لتسهيل الانتقال بين القطاع والضفة ؛ بعد أن انتقلت السلطة إلى رام الله عقب طردها من غزة .
وإذا ما تركنا الجانب الصهيوني جانبا ؛ باعتباره عدوا لا تهمة مصلحة الشعب الفلسطيني ؛ فإنه من جانب آخر لم يكن في الوارد أن تسهل السلطة ( فتح ) لحماس نتائج انقلابها ؛ فكان العقاب الجماعي لسكان غزة من جميع الأطراف بمن فيهم سلطة رام وسلطة غزة في لعبة عض أصابع بين السلطتين بشكل أساسي بحثا عمن يصرخ أولا ؛ فيما الضحية هو الشعب .
هنا بُدئ باستدعاء تجربة الأنفاق مجددا ولكن هذه المرة من أجل أهداف أخرى غير تلك التي أقيمت من أجلها ابتداء ؛ ذلك أن سكان غزة كانوا قد بدأوا حفر الأنفاق في أوائل الثمانينات لتهريب سلع من مصر، واستغلتها الفصائل الفلسطينية المسلحة حين ذاك لجلب أسلحة في التسعينات للتصدي للاحتلال الإسرائيلي وإرساء قاعدة قوتها.
ومع أن الكيان الصهيوني في السنوات السابقة على الانسحاب من غزة في عام 2005 قد فجر عشرات الأنفاق ؛ إلا أنه لم يستطع القضاء عليها كليا، وبعد أن كان يهرب القائمون على الانفاق بنادق هجومية ومسدسات وذخائر ومواد متفجرة وقاذفات قنابل ووسائل قتالية أخرى. أصبحت ممرا لسلع أخرى كالسجائر والمخدرات والذهب وقطع السيارات والأشخاص وحتى الفياجرا عبر هذه الانفاق ؛ لتصبح بذلك اقتصادا قائما بذاته .
وفي الوقت الذي يعتبرها سكان غزة منفذاً مهما لتزويدهم بسلع أساسية يفتقدونها نتيجة الحصار المفروض على التجارة من وإلى القثطاع ، فإن الأنفاق بالنسبة لأصحابها ومن يعمل عليها ؛ باتت مهنة ووسيلة كسب عيش، ولكنها أيضا طريقة مناسبة للاغتناء والكسب ؛ ليس فقط باحتكار توريد السلع الاستهلاكية للمواطنين في القطاع وبيعها بأسعار مبالغ فيها حتى باتت بعيدة عن متناول الفئات الاجتاماعية التي يجري التذرع بحاجتهم الماسة إليها وضيق ذات يدهم من أجل تهريبها في مفارقة تفتقد للنزاهة بمعناها الأخلاقي ؛ بل يجري كذلك تهريب سلع ممنوعة عادة مثل الخمور والوقود وحتى المخدرات ( (1( القسم العربي في إذاعة هولندا العالمية ) .
ومع أن حماس كانت تنفي في السابق وجود الأنفاق حسب المتحدث باسمها فوزي برهوم الذي قال إن : إسرائيل تزعم أن هناك أنفاقا من أجل أن تفسد العلاقة بيننا وبين أشقائنا في مصر" (2)( صحيفة الصباح ـ غزة ) إلا أن الواقع يقول أن حماس بعد سيطرتها على قطاع غزة قد عمدت إلى السيطرة على الأنفاق كلها بشكل مباشر أو غير مباشر ، حيث تلجأ إلى مساومة أصحاب الأنفاق ؛ إما أن يكون لها النصف أو تغلقه وتعتقل القائمين عليه ، بحيث يصبح من حق تنفيذية حماس النصف من كل الصفقات والمواد المهربة كضرائب ، مهما كانت السلعة المدخلة .
فيما تحتكر حماس من جانب آخر العديد من الأنفاق لها مئة بالمئة ، وهذه بالمناسبة ظاهرة وجدت قبل عهد سلطة فتح ؛ حيث كان للفصائل الفلسطينية أنفاق خاصة بها إلا أن أغراضها كانت مختلفة ، لكن بعد سيطرة حماس على القطاع ؛ أصبحت تسيطر على كل الأنفاق بما فيها أنفاق الفصائل أيضا ؛ فلا شيء يأتي أو يخرج من الأنفاق إلا على مرأى من حماس ؛ ووفقا لما تقدره من ضرائب ومعايير وحسابات وهي هنا تشترط نسبة من المواد المهربة عبر الأنفاق لقاء السماح بالاستمرار بالعمل ، وقيل أن تلك النسبة تبلغ 40% من كل صفقة يتم إدخالها. (3)( القسم العربي في إذاعة هولندا العالمية )

وفي سبيل تسهيل عمليات التهريب لابد في بعض الأحيان من تقديم رشى للعاملين في الجانب الآخر ( المصري ) لتسهيل إدخال البضاعة للجانب الفلسطيني . (4) (تقريرالقسم العربي في إذاعة هولندا العالمية) ويفترض على نطاق واسع أن حماس نفسها تستفيد من الأنفاق حيث لا يزال المئات منها عاملا.
وبجانب المكاسب المالية تستفيد حماس من أن الأنفاق في تخفف أثر الحصار الإسرائيلي على غزة والذي لا يسمح سوى بمرور السلع الضرورية من خلال نقاط عبور من إسرائيل (5)( وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية ) الأمر الذ ساهم في خلق اقتصاد مواز ؛ بدأ يشكل آلياتة الخاصة به باعتبارة تجارة ذات مردود خيالي للبعض على حساب دم ومعاناة بقية سكان القطاع . ومثالا على ربحية تلك التجارة أن تهريب شخص مهم يكلف 10 آلاف دولار ؛ وفي ظل هذا الجشع تزايدت حمى حفر الأنفاق ؛ تحت حدود قطاع غزة مع مصر لتهريب كل شيء من الأسلحة وحتى السجائر وصولا إلى البشر .
فكان من الطبيعي أن تشكل بلدة رفح في جنوب القطاع قبلة الباحثين عن الثروة ؛ أو حتى الباحثين عن لقمة الخبز بعد سدت أمامهم كل السبل بفعل الانقلاب والانقسام والحصار ؛ وهي البلدة التي كانت منذ وقت طويل قناة رئيسية لتهريب الأسلحة تحت الأرض - والذي تسيطر على أغلبه عدة عشائر محلية. ومع فرض الكيان الصهيوني لإغلاق صارم لحدود قطاع غزة بعد استيلاء حماس على القطاع في منتصف شهر يونيو ( الصيف ) 2007، فإن المزيد والمزيد من المهربين يأخذون حاليا قسما من العمل .(6)( صحيفة الصباح ـ غزة )
ويتراوح طول الأنفاق بشكل عام ما بين 100 متر وكيلو متر واحد ، وهي تبدأ وتنتهي في أماكن غير اعتيادية تحت بلاط الأرضيات في المطابخ أو داخل خزانات غرف النوم أو في حظائر الماشية أو زوايا البنايات المهجورة . والأشخاص الذين يسمحون بأن يتم استخدام مساكنهم للأنفاق يتقاضون مقابل ذلك .
وقد يتبادر إلى الذهن أن موضوع التهريب مرتبط بفرض الحصار على القطاع من قبل الكيان الصهيوني منذ عام ؛ 2005 غير أن للتهريب تاريخ طويل في المنطقة. وكانت مصر في الماضي تستخدم هجانة لاعتراض قوافل البدو فوق الأرض . وأصبحت الآن تعتمد على دوريات المركبات وأثناء الانسحاب الاسرائيلي من سيناء قام مهربون بدفن سيارات مرسيدس ومركبات أخرى في الصحراء ليتمكنوا من استعادتها وبيعها بعد أن تنسحب إسرائيل من المنطقة. بدون دفع ضرائب مصرية.
ويقول قائمون على الأنفاق أنه أصبح من المربح حاليا تهريب بضائع مثل السجائر أكثر من الأسلحة لأن حماس حظرت على السكان العاديين ونشطاء الفصائل الأخرى حمل الأسلحة. وقال أحد المهربين : بعد أن تولت حماس وبدأت التحكم بشأن من يمكنه امتلاك أسلحة من عدمه ، لم يعد أحد يريد الأسلحة ، فلماذا نجلبها إذن. في حين أن هناك أنفاقا أخرى بأيدي حماس ، فيما يقول البعض أن حماس كانت تحاول الاستيلاء على الأنفاق الموجودة لتستخدمها في عمليات تهريبها الخاصة ، ولا تبدي الكثير من التسامح تجاه المهربين المستقلين.(7)( صحيفة الصباح ـ غزة )
وبالاعتماد على طول وعرض وتعقيد أي نفق، فإن تكلفة بنائه تتراوح ما بين (5000) دولار وحتى (200) ألف دولار. وهذه التكلفة الباهظة هي أكبر حافز للمهربين لنقل أكبر كمية ممكنة من السلع المهربة. والأرباح أيضا يمكن أن تكون مرتفعة وهناك عدد من أصحاب الملايين في غزة أثروا من التهريب. (8)(صحيفة الصباح ـ غزة ) فيما البضائع تغرق أنفاق غزة.. التي ارتفع عددها إلى 1500 نفق على امتداد أميال على الحدود بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية .
وفي شرح أبعاد هذه الظاهرة التي شوهت حياة الناس في القطاع ؛ يقول أحد ملاكها الشباب: لسنا متعلمين ولكننا نكسب الملايين.. ولهذا يبدو طبيعيا والحال تلك رؤية الأولاد الصغار يحملون الأكياس المتسخة المعبأة بزجاجات الكوكا كولا على الشاحنات الصغيرة المتوجهة إلى محلات السوبر ماركت في غزة. في الوقت الذي يعرض فيه ملعب رياضي قريب الآلاف من الدراجات البخارية التي تتراوح أسعارها ما بين ألفي وعشرة آلاف دولار.
وفي هذا المشهد الذي أفرزته هذه التجارة يمك مراقبة البضاعة وهي تأتي لتملأ الخيام في أحد الأسواق بالبضائع من الثلاجات والتلفزيونات ذات الشاشات المسطحة وأجهزة المايكروويف ومكيفات الهواء ومولدات الكهرباء والأفران التي تباع بأسعار باهظة ، والتي تم جلبها عبر الأنفاق المدفونة في الرمال على الحدود مع مصر، حتى أن بعض أهل غزة يقولون إنهم اشتروا السيارات التي تم تهريب أجزاء منها إلى الأراضي الفلسطينية المنعزلة.
ونظرا لأنه ليس هناك أمل في إعادة فتح الحدود مع الكيان الصهيوني في وقت قريب، أو في تحقيق مثل تلك الأرباح الضخمة من نشاط اقتصادي آخر، فقد ازداد عدد الأنفاق ، وتحولت رفح إلى مركز للتسوق ، وأصبح أصحاب تلك الأنفاق ملوكا.
وما بدأ باعتباره عدة أنفاق سرية تمر عبر المنازل، تحول إلى صناعة مزدهرة لا يحاول أحد إخفاءها. ففي الوقت الذي كان فيه عدد الأنفاق قبل حرب غزة، يصل إلى المئات ، أصبح عددها الآن يقدر بنحو 1500 نفق مكدسة في ثمانية أميال على الحدود، وموفرة فرص عمل لنحو 30 ألف فلسطيني من أنحاء المنطقة كافة ؛ الأمر الذي دفع القائمين عليها بتكوين نقابة للإشراف على نظام الأنفاق والدفاع عن حقوق العمال الذين قتلوا بسبب العمل فيها ، ذلك أنه قتل حتى الآن 116 منهم على الأقل، وفقا لإحدى الجماعات المحلية للدفاع عن حقوق الإنسان؛ حيث قتل خمسة عمال تتراوح أعمارهم بين 17 و20 عاما في أحد هذه الأنفاق وثلاثة قبل خمسة أشهر في نفس النفق عندما انهار نظرا لجفاف الرمل. ودفع مالك النفق إلى العائلات الخمس 2000 دولار كتعويض مقابل كل ضحية . في الوقت الذي يكلف النفق نحو 300 ألف دولار، في حين أن بعض ملاك الأنفاق ، محدثو الثراء في غزة، يقول بأنهم يحققون أرباحا في المتوسط تزيد على مليون دولار سنويا من كل نفق من تلك الأنفاق.
ويباهي أحدهم بالقول : «نحن نحقق الملايين، ولكننا لسنا متعلمين». ويضيف أن بعض الرجال المحليين يتزوجون أكثر من امرأة: «إذا أردت أن استثمر أموالي فسوف أسافر إلى المغرب، فقد سمعت أنها بلاد جميلة كما أن لديهم حكومة عادلة». (9)( صحيفة الشرق الأوسط ) ؛ فهل هؤلاء ومن يقف وراءهم لهم مصلحة في فتح المعابر أو إجراء المصالحة ؛ أم صناعة التهريب عبر الأنفاق أصبح لها المستفيدين منها ؛ ويهمهم أن تستمر بصرف النظر عن الآثار الكارثية التي تتركها نسيج المجتمع الغزي ؛ جراء هذا التحول في القيم والمفاهيم .
ويقدر الخبير الاقتصادي من غزة عمر شعبان أن التهريب يشكل 90 في المئة تقريبا من نشاط السوق في القطاع وتتراوح قيمته ما بين 30 – 40 مليون دولار شهريا. وقال شعبان إن: " الأنفاق مندمجة في الاقتصاد. إن لدينا بنية اقتصادية جديدة الآن، مجتمعا تجاريا جديد " وقد بدأت حركة "حماس" بفرض رسوم ترخيص سنوية على أصحاب الأنفاق بقيمة 10 آلاف شيكل " فيما يقدر آخر أن أصحاب الأنفاق يحققون عشرة آلاف دولار يوميا وتقوم آجهزة الأمن التابعة لحركة "حماس" بأعمال الدورية قرب الأنفاق ؛ من أجل المراقبة والحماية .(10)( بال ثينك للدراسات الاستراتيجية )
هذا الأمر أغرى البعض من سكان القطاع لاستثمار أموالهم في تجارة الأنفاق تحت رعاية حكومة حماس ؛ ويشرح أحدهم " لرويترز " كيف وقع في هذا الفخ بالقول وضعت 60 ألف دولار في نشاط الأنفاق، وبعد بضعة شهور عاد إلي الرجل قائلا إن أموالي أصبحت 500 ألف دولار حملها إلي ، كان أمرا لا يصدق .
يتابع الرجل شعرت بسعادة غامرة.. أعدتها إليه وطلبت منه استثمارها لي أملا في أرباح أكبر ، لكن لسوء الحظ قصفت إسرائيل منطقة الأنفاق تحت الحدود الرملية بين بلدة رفح الفلسطينية وشبه جزيرة سيناء المصرية في ديسمبر كانون الأول ويناير كانون الثاني كما تواصل قواتها الجوية قصفها في كل مرة يطلق فيها صاروخ من غزة على إسرائيل.
وقال بخصوص استثماره خسرته كله، لقد خدعونا، كانوا يدركون أنهم إذا أخبروا شخصا ما أن دولارته العشرة ارتفعت إلى خمسة أمثالها في شهرين فسيصر على ضخ المزيد (من الاستثمارات).
وكانت الإرباح من مئات الأنفاق التي حفرت تحت الحدود مع مصر للالتفاف على حصار إسرائيلي قد ارتفعت بشدة بعد سيطرة حماس في 2007 على القطاع.
وفي الوقت الذي يقدر فيه وزير الاقتصاد في حكومة حماس في غزة الخسائر بنحو 60 مليون دولار فقدها الآلاف من سكان غزة البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة من ربات منازل إلى تجار أثرياء ضخوا أموالا من خلال وسطاء لتوسيع شبكة الأنفاق.
فإن أحد الخبراء الاقتصاديين في قطاع غزة يقدر حجم الثروات المتوقعة التي فقدت بما يتراوح بين ربع مليار ونصف مليار دولار رغم صعوبة التوصل إلى أرقام دقيقة في اقتصاد معزول عن العالم تهيمن عليه التعاملات السرية. فيما يقدر الخبير الاقتصادي عمر شعبان حجم الخسائر بما يتراوح بين 250 مليون إلي 500 مليون دولار.
وقال: إنه عالم غامض، لا أحد يعلم حقيقة هذا النشاط، وإن الذين أخذوا أموال الناس لم تكن لهم خلفية تجارية وكانت وسائلهم للاستثمار غامضة، فاختفت مئات الملايين من الدولارات ويمكن أن يكون ذلك كارثة في ظل الأوضاع الاقتصادية العامة في غزة. 0(11)( وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية )
وليت الأمر وقف عند هذا الحد ؛ بل إن تلك الأنفاق حسب بعض المصادر يتم استغلالها في تجارة الرقيق غير المسبوقة والتي تتمثل بتهريب فتيات مصريات قاصرات لغزة للعمل في خدمة المنازل والدعارة وتجارة المخدرات مشيرة إلى أن هذه التجارة بدأت تزدهر من خلال الأنفاق الواقعة أسفل الحدود بين قطاع غزة والأراضي المصرية.
وأشارت تلك التقارير التي نفتها حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة وأكدتها مصر إلى أن الفتيات المصريات اللاتي يُهَرَّبْن للقطاع يتم إيهامهن بالزواج من رجال فلسطينيين بغزة لتقوم جماعات مافيا بعد ذلك باستغلالهن في خدمة المنازل والأعمال الأخرى ؛ وفي ذلك أوضح مصدر أمن مصري : أن السلطات المصرية « تجهل العدد الحقيقي للفتيات اللاتي تمكن المهربون من إدخالهن إلى قطاع غزة ؛ لأن ذلك كله يتم بعيداً عن رقابة الأجهزة الأمنية». لافتاً إلى أن الأنفاق أصبحت «مصدر قلق وإزعاج بالغين للحكومة المصرية بعد اتساع دائرة التهريب عبرها لتشمل أموراً كثيرة خلاف السلع والأسلحة». مضيفاً بأن المشكلة الأساسية التي تواجه مصر هي أنه «كلما اكتشفنا نفقاً قام المهربون بشق عشرة غيره وأغلب تلك الأنفاق يكون محفوراً من داخل بيوت سكنية.. وبالتالي لا تستطيع السلطات الأمنية كشفها». (12)( تلفزيون نابلس )
وبعيدا عما تقوله الصحافة المصرية التي تحذر من مخاطر أنفاق غزة‏..‏ من أنها تهديد مباشر لأمن مصر القومي ؛ وفي الوقت الذي تغض فيه السلطات المصرية المسئولة عن تأمين تلك المواقع بصرها عن تهريب البضائع والسلع والاحتياجات اليومية للسكان الفلسطينيين‏.‏ تتحدث الصحافة المصرية عن الأسباب الكامنة وراء انتشار ظاهرة العمل في الأنفاق فحسب صحيفة الأهرام " يكفي أن الافراد الذين يتولون حراسة الأنفاق وتأمينها يتقاضون رواتب تتراوح بين‏200‏ و‏300‏ دولار في العملية الواحدة وهذا رقم خيالي يدفع إلي تحصيل الفرد الواحد في اليوم نحو ألف دولار ؛ ودفعت تلك الأرقام الخيالية معظم شباب غزة للعمل في أعمال التهريب عبر الأنفاق‏ , ‏(13)( الأهرام المصرية ) وإذا ما تركنا جانبا هذا الجانب من مشهد الأنفاق بكل ما لها وما عليها ؛ فإن هناك صورة دامية لا تقل بشاعة عن تجارة الرقيق ؛ ممثلة في ضحايا الأنفاق من أرواح الأبرياء والتي قاربت ال120 شخص ؛ هم حصيلة مسلسل الموت المستمر بالأنفاق خلال 3 أعوام من الحصار المفروض على قطاع غزة حسب الإحصاءات الرسمية ، حيث يحتل الربح أولويةً على حساب أرواح المحتاجين اللذين يعملون من أجل لقمة العيش، وعندما يُستغل عوزهم ليكونوا في النهاية هم من يدفعون ثمن هذه التجارة المحفوفة بالمخاطر الجسيمة، دون أي رقابة أو سيطرة لضمان سلامة هؤلاء المواطنين من قبل سلطة هي شريكة في كل ما يجري في غزة.
وبسبب من ذلك بدا أن طيفا واسعا من الشعب الفلسطيني في القطاع الآن يُجمع على تحولها من نعمة إلى نقمة، ومن أنفاق للحياة إلى أنفاق للموت، إذ لا يمكن التغاضي عن ما عادت به من إزهاق للأرواح، ليس ذلك فحسب بل أيضاً لما جرى من تهريب للمخدرات والسموم من خلالها. (14)( الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان )
وفي هذا الجانب قال مركز الميزان لحقوق الإنسان في إحصائية أصدرها مؤخرا عن مخاطر الأنفاق: إن الأنفاق تواصل حصد أرواح العمال بها، فقد شهد اليوم الأول من شهر نوفمبر الماضي مقتل فلسطينيين اثنين، وبذلك يرتفع عدد من قتلوا داخل الأنفاق ليصل إلى (120) فلسطينياً من بينهم (4) أطفال و(110) قتلوا خلال عامي 2008(15) -2009 .( إيلاف )
إن الذهاب باتجاه الإصرار على بقاء الأنفاق كخيار وحيد أمام الشعب الفلسطيني في غزة يؤكد بما لا يدع مجالا للشك سوء النية المبيتة التي تستهدف تحقيق أغراض سياسية حزبية ضيقة ولو على حساب كرامة وحقوق الناس ، والسماح بانتشار ظواهر اجتماعية مرضية ليست من طبيعة هذا الشعب الصامد .
حتى بات الرأي العام الغزي يعتبر أن البعض في القطاع ليس له مصلحة في المصالحة ؛حيث تكونت شرائح اجتماعية مستفيدة من هذا الواقع المؤلم والمدمر لان المصالحة ستساهم في فتح المعابر ومن ثم إنهاء ظاهرة التجارة عبر الأنفاق ؛ وإن كانت بعض الأنفاق ستبقى من أجل القضايا الأمنية وجلب السلاح ؛ ولهذا تشن هذه الحرب على الجدار الفولاذي الذي تقيمه مصر على الحدود بين " الرفحين " ؛ لأن ذلك سيحرم المستفيدين من هذه التجارة من أرباحها ؛ في حين أن فك الحصار لن يكلف سوى التوقيع على ورقة المصالحة ليس أكثر .
ولعل في نتائج الاستطلاع الذي شمل عينة عشوائية من سكان غزة في 1/2/2010 عند إجابتها على " برأيك من الأكثر استفادة من الأنفاق على الحدود المصرية ـ الفلسطينية ؟ أجاب 52.1 % حركة حماس ؛ و 22.4 % الحكومة المقالة ( أي حكومة حماس ) ؛ بما يعنيه ذلك من أن 74.5 % أهل غزة يعتبرون أن حماس هي المستفيدة من نتائج الحصار .(16)( وكالة سما الإخبارية )
ومن ثم فإننا نعتقد أن إنهاء هذه الظاهرة الخطيرة ؛ لن يكلف حركة حماس سوى التوقيع على ورقة المصالحة ؛ ثم الذهاب نحو إقامة حكومة وحدة وطنية ترفع الحصار نهائيا ؛ والذي عندها سيشمل كل المعابر وليس معبر رفح ؛ الذي جرى تضخيم قفله لأسباب لها علاقة بالدعاية الحزبية أكثر منها ؛ بحاجة سكان القطاع الذين يريدون فتح كل المعابر ومن ضمنها المعبر الذي يسهل الحركة بين رام الله وغزة .
ليكون السؤال عندئذ ؛ هل لحماس مصلحة في إنهاء ظاهرة الأنفاق التي شوهت وجه مجتمع غزة ؟ إن إجابة هذا التساؤل بالتأكيد معلومة تماما لدي سكان القطاع وقد قالوها ؛ لكن من يسمع ؟!!!.



#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطعان المستوطنين بين مقاربتين
- مقاربة في مقولة اللاجئين اليهود
- التطبيع مقابل التجميد !!
- غزة : نحوالإمارة
- المقاومة : تباين المفاهيم
- مقاربات في نتائج المحرقة
- اختيار أوباما تغيير تاريخي .. ولكن
- حماس تختزل المشروع الوطني في إمارة غزة
- حماس: إنتاج التضليل
- يسار امريكااللاتينية : نافذة للحلم والأمل
- سوريا : صلابة القلعة من الداخل هي كلمة السر
- العرّاب خدام : تغيير المواقع
- الفوضى والفلتان : فتح تعاقب فتح
- فتح وحماس : - الذات - بين الخوف والتضخيم
- فتح وحماس : -الذات - بين الخوف والتضخيم
- حماس : بين مصداقية الفعل والقول
- دموع شارون والقطعان : وحملة العلاقات العامة
- الخروج من الجغرافيا : على طريق الخروج من التاريخ
- الإرهاب الصهيوني : يوحد المشهد الفلسطيني
- ما أروعكم ياأطفال وطني


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سليم يونس الزريعي - الأنفاق : بين الذريعة والنقمة