أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - التطور بالتذكِّر: -جملكية- أم سلطانية محدثة؟















المزيد.....

التطور بالتذكِّر: -جملكية- أم سلطانية محدثة؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2897 - 2010 / 1 / 24 - 17:42
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


بعد سورية، يبدو أن مصر، وربما معها أو بعدها تونس.. تتطور "متذكرة" ما يفترض أنها "مرحلة" منقضية من تطورها السياسي والاجتماعي والحقوقي. أعني مرحلة الحكم السلطاني التقليدي الذي يقوم على المبدأ السلالي وعلى نزوع نحو الانتظام "الطائفي" للمجتمع، فضلا عن "الاستبداد". التعبير الأخير يعني حكما يستند على "العرف"، متشددا حيال أية تشكيلات سياسية منافسة، لكنه "ليبرالي" اجتماعيا. ليس الاستبداد قمعا منفلتا بالضرورة، لكنه انفلات من القواعد المطردة عموما. وفرص التعسف والاعتباط واسعة فيه. والمقصود بالانتظام الطائفي تشكل المجتمع في صيغة جماعات مغلقة على ذاتها، تتميز عن غيرها على أسس اجتماعية ثقافية، ولا تكاد تتفاعل فيما بينها، حتى لو تكن هذه الجماعات مللا دينية أصلا.
هذه الضرب من الانتظام الاجتماعي يجعل الاستبداد بلا مخرج. من جهة يغدو حلا لمنازعات أهلية يحتملها الانتظام الطائفي دوما. ومن جهة ثانية تنزع المقاومات المحتملة للاستبداد إلى التشكل في صيغة أهلية أو مللية. صعود الإسلاميين في البلدان المشار إليها قبل ثلاثة عقود أو أكثر مؤشر على ذلك (بقدر ما هو أيضا عنصر أساسي في تشكل الحكم السلطاني المحدث). وضعف التشكلات المعارضة غير الأهلية مؤشر مكمل.
لكن كيف يحدث أن"تتذكر" المرحلةَ السلطانية البلدانُ العربية التي بدت قبل حين غير مديد من الدهر الأكثر تقدما بين نظيراتها؟ نخمن أن هناك سببين وراء ذلك. الأول هو أنه لم تتحقق في الإطار الاجتماعي الثقافي العربي قطيعة محرِّرة مع الثقافة والذهنية السلطانية والبنى الاجتماعية التي تختزن تلك الثقافة، بما في هذه خصوصا نوعية المعرفة الدينية المعممة عبر أجهزة التأهيل الديني، وبما فيها الموقع الذي يشغله الدين في الحياة العامة في أكثر بلداننا. تقوم العشيرة على القرابة وعلى طاعة شيخها وعلى المسؤولية الجماعية؛ والطائفة على القرابة العقدية وعلى سلطة رؤسائها الدينيين وعلى الخصومة مع غيرها؛ وتحمل الإسلامية المعاصرة في تعاليمها ومرجعيتها ذاكرة سلطانية متأصلة وتصورا ملليا للمجتمع ودينيا للعالم. الحضور العاصف لإيديولوجيات عصرية لم يكد يؤثر على هذا المستوى الاجتماعي الثقافي الأعمق، بل لعله حجب استمرارية الأشياء نفسها. لطالما شابهت الأحزاب السياسية الحديثة "طوائف"، ولطالما كانت إيديولوجياتها أشبه ما تكون بعقائد دينية. وهو ما ينال من أهليتها للفوز في الصراع ضد تلك المركبات الاجتماعية الثقافية، بل لعلها مهيئة للاندراج فيها دونما ممانعة كبيرة.
تسمى البلدان العربية المذكورة جمهوريات، لكن هل هناك ثقافة جمهورية في أي منها؟ هل هناك دلالة واضحة للمبدأ الجمهوري؟ لمفهوم الشعب؟ للسيادة الشعبية؟ للمواطن؟ لا شيء من ذلك. وإنما لذلك لا توجد حواجز ثقافية وفكرية وقيمية من أي نوع تحول دون التحول إلى ما سماه سعد الدين إبراهيم "الجملكية". هذا التعبير غير موفق فيما أرى. فهو يضمر امتزاج الجمهورية بالملكية، الأمر الذي لا يخفق في إبراز هزال عريق للمبدأ الجمهوري فقط، وإنما يعجز أيضا عن قول أي شيء دال عن طبيعة هذه الملكيات الجديدة.
لقد اقترحت في غير مكان مفهوم الدولة السلطانية المحدثة الذي يحتاج مزيدا من النقاش والتوضيح، لكنه ربما يساهم في تفسير التحول السلس، سوريّاً، نحو هذا الضرب من الحكم. أما تفسير الأمر بـ"الاستبداد" والخوف وحدهما، ففوق أنه لا يوفر شرحا مقنعا للاستبداد ذاته، فإنه يبدو "سياسويا" ومحدودا. ولعل الأيام تدخر لنا فرصا لمزيد من الوضوح في هذا الشأن إن سارت الأمور في مصر وتونس، وكذلك ليبيا وربما اليمن، على الدرب الذي كانت سورية طليعية فيه.
ونرجح أن امتزاج التدويل العميق، الخشن والمستمر، لإقليمنا، والريع الاستخراجي الهائل الذي حظيت به كثير من دوله، قد عطلا إمكانية اختراق اجتماعي وسياسي وثقافي "تقدمي"، وأسهما في تعفن ما تحقق منه هنا وهناك، كما منحا استقلالية كبيرة وغير مستحقة لأطقم حكم معدومة الكفاءة، فكان أن أبقيا حاضرنا معاصرا لماضينا.
في المحصلة تطورنا نحو مرحلة منقضية لأن هذه لم تنقض فعليا. لقد بدا أنها طويت إيديولوجيا وسياسيا، إلا أن انطوائها الظاهري هذا لم يدون في البنى الاجتماعية وفي الثقافة، الأمر الذي أبقى عودتها احتمالا واردا دوما.
لكن ما الذي جعل هذا الاحتمال الوارد واقعا محققا؟ هنا نلتقي السبب الثاني: إرادة الخلود أو البقاء الأبدي في السلطة أو الخلود فيها. الحكم السلالي هي الحل الطبيعي لمشكلة الخلود غير المتاح للأشخاص.
بنية الحكم هذه التي تعلي من رابطة الدم ومن الأصل وروابط المعشر وعلاقات المحسوبية أو الزبونية هي ما يُفعِّل الانتظام الطائفي للمجتمع كي يشبهها، فيحصِّنها ويطبِّعها ويضمن دوامها. هذا فوق أنه يبدو أن التشكلات الطائفية (الروابط الأهلية التقليدية والتجمعات المغلقة الحديثة اللاسياسية) هي الأطر الاجتماعية الأنسب للتكيف مع التعسف السلطاني وللاحتماء منه ولالتماس المنافع والخيرات في ظله. فوق أيضا أن رعاية الروابط الأهلية واللاسياسية سياسة مقصودة فيما نرى للحكم السلطاني المحدث. يسعنا القول، تاليا، إن الانتظام الطائفي هو الحل للوضع السلطاني بقدر ما إن هذا هي الحل للتنازع الطائفي المحتمل دوما هنا. وعلى هذا النحو تتشكل دائرة مغلقة، يغذي الحكم السلطاني الاستبدادي فيها التشكلات العمودية الأهلية أو المحدثة التي تتبادل التغذية معه، ما يضعف إمكانية الخروج منها.
كيف يمكن كسر هذه الدائرة؟ استنادا إلى التحليل أعلاه تكتسب الانتظامات الطوعية العابرة للروابط الأهلية أهمية كبيرة جدا. يبدو منطقيا أنه كلما تكاثرت وتكثّفت التفاعلات الاجتماعية القائمة على الطوعية والفردية، وعلى الاستقلالية، ونازعت صيغ التفاعلات "الطبيعية"، كانت فرص ترسخ الاستبداد والحكم السلالي أضعف. هذا ما يبدو أن الحكم السلطاني المحدث مدرك له تماما، لذلك تجده يعمل على تفكيك هذه الصيغ "المدنية" أو استتباعها وتعطيلها. لكن هذا يبقى المجال الأكثر أهمية لإضعاف الهياكل السلطانية.
في المقام الثاني يكتسب كل انقطاع في التسلسل الوراثي قيمة إيجابية. إذا نجت مصر من حلول جمال مكان أبيه كان هذا أجدى بكثير من العمل على معارضة حكم الابن بعد استتباب الأمر له. بطبيعة الحال لا نستطيع أن نتكلم على سلالة مباركية قبل وراثة جمال لوالده.
أما المزيد من معرفة هذه التشكيلة السياسية الغريبة، أصولها وبنيتها وآليات عملها وعوامل استمرارها ومواطن اختلالها...، فأمر مرغوب دوما. وقد يكون ما تتيحه المعرفة المرغوبة من إحاطة بـ"قوانين" هذا النظام، أمرا جزيل الفائدة عمليا من أجل تحويله أو كسر دوائره.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة وردود حول قوانين الأحوال الشخصية
- في نقد النظرة التجزيئية ومنطق الاستبدال الإيديولوجي
- وضع -الدين العام-.. مناقشة في الشأن الديني السياسي العربي
- في الفتوى و-التفاتي- وصناعة التقليد
- الشعبوية إذا تنتحل.. قناع الكونية
- بصدد أزمة الفكرة الديموقراطية في التفكير السياسي العربي
- في نقد السياسوية: -إعلان دمشق- والطريق المسدود
- في شأن ما يطرحه علينا الاستفتاء السويسري من أسئلة أخلاقية وس ...
- -العلمانية الأمية-: في المحصلات المحتملة للفصل بين العلمانية ...
- الدولة السلطانية المحدثة وسيف الحروب الأهلية
- الثقافوية العربية المعاصرة، خصائص منهجية ومحددات أساسية
- من -الخيار الثالث- إلى -وضعية يسارية- جديدة
- الواقع سيئ، اماذا ينبغي أن نكون سيئين؟!
- طوباوياتنا المعاصرة... جامدة متناقضة وغير تحررية
- في اقتران التفكير التسليمي بالعلاقات الولائية، والعكس
- استئناف نقاش غائب في شأن مفهوم الإيديولوجية وإحالاته
- عبيد السلطة وعبيدهم وما إلى ذلك
- ما هي الرقابة؟ وماذا تراقب؟
- في أبنية الدولة السلطانية المحدثة: ليبرالية اجتماعية وطغيان ...
- من الطاعة المفروضة إلى التطوع الذاتي


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - التطور بالتذكِّر: -جملكية- أم سلطانية محدثة؟