أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - القصيدة والأغنية














المزيد.....

القصيدة والأغنية


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 858 - 2004 / 6 / 8 - 06:37
المحور: الادب والفن
    


كان لافتاً للانتباه أنّ الجهات الثقافية السورية الرسمية أبدت هذه السنة عناية خاصة بإحياء الذكرى السادسة لرحيل الشاعر السوري الكبير نزار قباني (1923 ـ 1998)، ولم تكن هذه حال وزارة الثقافة أو الإعلام أو اتحاد الكتّاب في الأعوام السابقة. فأل حسن، سوف يقول لك مَن تبقّى من رهط المتفائلين بأنّ هذا "العهد الشاب" يسير على طريق الإصلاح حتماً، وسيّان لدى هؤلاء أنّ السرعة تحذو حذو السلحفاة أو تسابق الأرنب. علامة خير، في أقلّ تقدير، كما ينبغي أن يقول أمثالي من المتشككين بحكاية الإصلاح تلك، من الألف إلى الياء.
ولقد شدّني، شخصياً، أنّ واحداً من الأنشطة المتعددة في إحياء الذكرى حمل عنواناً مثيراً هو: "الأغنية في شعر نزار قباني". ورغم أنني لا أعرف البتة كيف سارت تلك الندوة، وأيّ الجوانب تناول المشاركون (مقاربات موسيقية؟ مقاربات شعرية؟ مفاضلات بين هذه أو تلك من الأغنيات؟)، ولكني أعرف أنّ الموضوع غنيّ تماماً وبالغ الأهمية ليس على صعيد تجربة الراحل وحده، بل على صعيد هذه العلاقة الغامضة الخافية بين الشعر والموسيقى. وهي علاقة لا تكفّ عن اكتساب المزيد من جوانب التعقيد في ثقافتنا بصفة خاصة، منذ أنّ قالت العرب "مِقود الشعر الغناء"، وجزم حسان بن ثابت في بيت شهير: "تغنّ في كل شعر أنت قائلُه/ إن الغناءَ لهذا الشعر مضمارُ".
والأمر حرّك فيّ فضول دارس الشعر، فعدت إلى مسرد القصائد التي تحوّلت إلى أغنيات، واكتشفت ــ تماماً كما يكتشف المرء حقائق جديدة في معلومة قديمة ــ أنّ تلك القصائد ليست عديدة ومتنوّعة في ما يخصّ الموضوعات والأشكال فحسب، بل هي أيضاً عابرة للأجيال إذا صحّ التعبير. ثمة، على سبيل المثال، قصيدة "قارئة الفنجان" التي غنّاها الراحل عبد الحليم حافظ. وثمة، في المثال الثاني المختلف، تلك القصيدة الفاتنة التي غنّتها فيروز: "لا تسألوني ما اسمه حبيبي". ثمة، عند الانتقال إلى الجيل الراهن، تلك "الموجة النزارية" التي انفرد بها كاظم الساهر: "علّمني حبّك"، "زيديني عشقاً"، "كلّ عام وأنت حبيبي"، "حبيبي والمطر"، "أكرهها"، وبالطبع "قولي أحبّك"! وثمة ماجدة الرومي في "يا بيروت" و"كلمات" و"مع جريدة"، أو خالد الشيخ في "نهر الأحزان"...
وبصرف النظر عن الاختلاف الطبيعي في معايير الذوق وأنساق التذوّق بين زمان وزمان وجيل وجيل، فإنّ الصعب القول إنّ متذوِّق نجاة الصغيرة في "أيظن" و"ماذا أقول له"، يتذوّق بمعايير وأنساق قريبة أو متماثلة شعر الشاعر ذاته في أغنية أصالة نصري "إغضب". كذلك الحال في قصيدة "أصبح عندي الآن بندقية" التي غنّتها الراحلة أم كلثوم عشيّة هزيمة 1967، وقصيدة "القدس" المعاصرة بصوت لطيفة وكاظم الساهر.
والحال أنّ السؤال هنا يخصّ الشعر مباشرة، وأساساً، قبل أن يخصّ اعتبارات هذا الصوت أو ذاك، أو هذا الملحّن أو ذاك، وتحديداً بمعنى احتمالات الانسجام أو احتمالات الارتطام بين المفردة اللغوية والعلامة الموسيقية، وبين مختلف مستويات التجريد في فنّ الشعر وفنّ الموسيقى. ونحن هنا أمام فنّان فذّ كبير، أستاذ في كتابة الشعر بوصفه ممارسة نظمية ذات سويّة فنية رفيعة أساساً، وبوصفه رسماً بالكلمات، ورقصاً بها، وعزفاً موسيقياً على آلاتها التي لا حدود لطاقاتها. وهو، في ذلك كلّه، كان معلّماً بارعاً، ماهراً، حاذق الصنعة، شديد الذكاء في عرض صناعته، بالغ الحساسية إزاء تقلباتها وسكونها وحركتها، عالي المراس في التنبّؤ بما يمكن أن يجعلها رائجة رابحة أو راكدة خاسرة.
ونحن أمام شاعر أشبه بموسيقيّ راقص، يدندن بالكلمة ويعزف علي القاموس: "وصاحبتي إذا ضحكتْ/ يسيل الليل موسيقي/ تطوّقني بساقية/ من النهوند تطويقا/ فأشرب من قرار الرصد/ إبريقاً... فإبريقا"! وأمام شاعر يؤمن بوجود علاقة "قَدَرية" من نوعٍ ما بين الشعر والصوت، لأن "الشعر في الأساس صوت، وهو في شعرنا العربي خاصة مخزون في حنجرة الشاعر وأذن المتلقّي. فالصوت إذن قَدَر القصيدة وحتميتها، وليس بإمكاني بعدُ أن أتصوّر شكل القصيدة الخرساء. إن الفنون كلها تخضع لقانون القدرية، إذا كان للقدرية قانون. فالحركة قدر الرقص، واللون قدر الرسام، والحجر قدر الناحت. وأنا لا يمكنني تصوّر قصيدة تُقرأ بالأنف، أو موسيقى تتذوّق باللسان".
ولم يكن بغير مغزى عميق أنّ الأخوين رحباني، وهما شاعران من الرأس حتى أخمص القدمين، وجدا صعوبة في هضم كامل قصيدة "لا تسألوني...". لقد اضُطرّا إلى حذف البيت التالي: "زقّ العبير، إنْ حطمتموه/ غرقتُمُ بعاطرٍ سكيب"؛ والبيت التالي: "لا تبحثوا عنه هنا بصدري/ تركتُه يجري مع الغروب"؛ وعدّلا: "وصدره... ونحره... كفاكم/ فلن أبوح باسمه حبيبي"، إلى "لا تسألوني ما اسمه، كفاكم/ فلن أبوح باسمه حبيبي". لقد حذف الرحبانيان، أو بدّلا لأسباب متباينة كما لا يخفى، ولكنهما فعلا ذلك لأنّ الموسيقى بدت أضيق من العبارة، أو لأنّ العبارة لاحت أكثر نضارة (وجسارة!) من أن تلتقطها الموسيقى.
أيّهما، إذاً، مِقود الآخر: الشعر أم الغناء؟



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنتوني زيني: العداء للسامية أم الحقائق على الأرض
- خارج السرب
- حزب الله في ذكرى التحرير: احتفاء مشروع وأسئلة شائكة
- السينمائي الداعية
- بريجنسكي والسجال الذي يتكرر دون أن يتجدّد: خيار أمريكا في ال ...
- فلسطين التي تقتل
- مصطفى طلاس والتقاعد الخالي من الدلالات
- تكنولوجيا الروح!
- أنساق الإرهاب: -الحملة- في اشتداد والمنظمات في ازدياد!
- برابرة -أبو غريب-
- ما وراء الأكمة مختلف كلّ الاختلاف عن الروايات الرسمية: واقعة ...
- قلعة الرجل الإنكليزي
- الأصولية المسيحية وجذور الموقف الأمريكي من إسرائيل
- شهادة الفلسطيني
- جدول أعمال أمريكا: صناعة المزيد من مسّوغات 11/9!
- احتفال شخصي
- هل آن أوان ارتطام الكوابيس القاتمة بالأحلام الوردية؟ شيعة ال ...
- فـي نقـد النقـد
- الحلف الأطلسي الجديد: هل يشفي غليل الجوارح؟
- الاقتصاد السياسي للأدب: عولمة المخيّلة، أم مخيال العولمة؟ 2ـ ...


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - القصيدة والأغنية