أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - جواد البشيتي - قيادات فضائية!















المزيد.....

قيادات فضائية!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2812 - 2009 / 10 / 27 - 12:45
المحور: الصحافة والاعلام
    



قيادات فضائية!

جواد البشيتي

نمطٌ جديد من القيادات السياسية، وأسلوب القيادة السياسية، أظْهَره وطوَّره "الإعلام الفضائي"، أو "الفضائيات"، في عالمنا العربي؛ ويمكن أن نُطْلِق على هذه الظاهرة السياسية ـ الإعلامية الجديدة اسم "القيادات الفضائية".

وفي الظاهرة نفسها، نرى أنَّ بعضاً من الفضائيات العربية قد اختلف أداؤه وتغيَّر حتى أنَّه تحوَّل، أو كاد أن يتحوَّل، إلى "أحزاب سياسية"، يملأ فراغ الحزبية السياسية الحقيقية في حياتنا السياسية العربية، فمن ذا الذي يستطيع أن يُنْكِر أنَّ فضائية "الجزيرة" القطرية، على سبيل المثال؛ بل على وجه الخصوص، هي في منزلة الحزب السياسي العربي الأكبر، فجمهورها الخاضع لتأثيرها الإعلامي ـ السياسي يُعَدُّ بعشرات الملايين من "المشاهدين (والمتفاعلين جزئياً عبر بعض برامجها) العرب"؟!

و"الحزبية"، بمعنى "الانحياز السياسي (والفكري)"، نراها في وضوح وجلاء في ما يمكن تسميته "الشبكة (الإعلامية ـ السياسية) السعودية"، والتي هي نمط من "الإعلام الفضائي الخارجي"، يقيم الدليل على أنَّ التطوُّر الإعلامي الديمقراطي لمجتمعاتنا العربية ينطوي على تناقض، يجب أن يُرْفَع، بين "الداخل" و"الخارج"، وكأنَّ "الخارج الإعلامي" و"الداخل الإعلامي"، عندنا، بينهما برزخ لا يبغيان.

"الحزبية"، بمعناها هذا، تَظْهَر وتتأكَّد من خلال ظاهرة انتشار الكاتب أو الإعلامي نفسه في أجزاء الشبكة كافة، فهذا الكاتب أو الإعلامي يكفي أن تُقْبَل "عضويته" وتُقَر في فضائية تابعة لهذه الشبكة حتى تُفْتَح له أبواب الشبكة جميعاً، فاسمه وصورته وأعماله.. تظهر هنا وهناك وهنالك، أي في الجرائد والمجلاَّت والمنابر والمواقع التابعة للشبكة نفسها، وكأنَّ "الحزبية الإعلامية ـ السياسية"، التي لا نعارضها من حيث المبدأ، قد تحوَّلت، أو شرعت تتحوَّل، إلى "حزب"، أو إلى ما يشبه الحزب، له شُرَّاحه وألسنة حاله من كتَّاب وصحافيين وإعلاميين وسياسيين..

ولقد أصبح أمراً من السهولة بمكان أن يتوقَّع المشاهد، عند إثارة فضائية عربية ما لقضية ما، أو عند وقوع حدث (سياسي) ما، اسم الشخص الذي ستستضيفه تلك الفضائية للإدلاء برأيه، والذي ما عاد، من حيث محتوى العمل الذي يؤدِّيه، يختلف كثيراً عن "الموظَّف"، الذي يتوفَّر على "تطوير" وجهة نظره ورأيه بما يجعله لسان حال تلك الفضائية.

وفي الجانب الآخر من الظاهرة نفسها، نرى تشويهاً وفساداً قد اعترى "القيادة السياسية"، مفهوماً وأداءً وممارَسةً، فثمَّة كثيرٌ من القيادات السياسية (وأخصُّ بالذكر منها القيادات الفلسطينية) أصبح يمارِس القيادة السياسية بوصفها رأياً أو تصريحاً يدلي به عبر فضائية عربية، فالقيادة السياسية، بمعناها الحقيقي، أصبحت جزءاً من الماضي السياسي، أي من عهد ما قبل الفضائيات.

ولقد سمعتُ أحدهم يحاجج قائلاً إنَّه ينفق جُلَّ وقته السياسي اليومي في الاتِّصال بالشعب، ونقل الوعي السياسي إليه، وتحريكه وتحريضه..، عبر ما يدلي به من آراء وتصريحات "فضائية"، فإذا كان لينين يفهم "التنظيم" على أنَّه جسر العبور من النظرية إلى الممارَسة، ومن الوعي إلى الحراك، في عالم السياسة الحقيقي، فإنَّ هذا "القياديِّ الفضائي" يفهم "الفضائية" الآن على أنَّها شيء في منزلة هذا "التنظيم"، وبأهميته.

إنَّني لا أشك في أنَّه يحتاج إلى هذا اللون من خداع النفس، وخداع الناس؛ ذلك لأنَّه لا يملك في ذاته من مقوِّمات القيادة السياسية الحقيقية ما يرفع من مقاومته لإغراء الشهرة الإعلامية الفضائية. لقد عرف أنَّ كل قائد سياسي حقيقي لا بدَّ له من أن ينال نصيبه من الشهرة الشعبية والإعلامية، فاستنتج أنَّ كل من يحظى بشهرة إعلامية فضائية يجب أن يكون قائداً سياسياً حقيقياً!

لستُ ضد أن يستفيد حزب ما، عبر بعض شخوصه، من الإعلام الفضائي، والفضائيات، في إظهار وتوضيح وتأكيد وشرح مواقفه ووجهات نظره؛ ولكن من غير أن يصبح هذا الأداء أو السلوك معادلاً لمفهوم القيادة السياسية.

الشجر، على ما يقال في إحدى الحِكَم، يُعْرَف من ثماره؛ وهناك قادة سياسيون وإعلاميون.. وصنَّاع للرأي العام، تُعْرَف حقيقة داخلهم من خارجهم، فظهورهم في الفضائيات لا يكون إلاَّ في طريقة يتأكَّد من خلالها أنَّهم معنيون، في المقام الأوَّل، بالشهرة الشخصية الصرف، فهم يحرصون كل الحرص على أن تأتي إطلالتهم على "الجماهير" مكتملة الحُسْن والجمال والبهاء، فيلبسون البدلات الرسمية، ويضعون ربطات العنق، ويزيِّنون ويزركشون أنفسهم، وكأنَّهم ذاهبون إلى عُرْس.

في عالمنا العربي، تصحَّرت الحياة الحزبية السياسية؛ وفي هذا المناخ السياسي الحزبي الصحراوي، تهيَّأت لبعض الفضائيات أسباب وظروف التحوُّل إلى أحزاب، أو إلى ما يشبه الأحزاب؛ ومع هذا التحوُّل، شرع كثيرٌ من القيادات السياسية والحزبية يهجر العمل السياسي الحقيقي، أي بين الشعب والجماهير، مستخذياً لإغراء التحوُّل إلى "قيادة فضائية"، تشبه لجهة صلتها بالناس أئمة الجوامع وخطبهم يوم الجمعة.

أمَّا الجماهير (أي جماهيرنا) نفسها فازدادت سلبيتها السياسية، التي هي جزء من سلبيتها التاريخية، ونما فيها ميل العزوف عن السياسة بعالمها الحقيقي الواقعي، فأصبحت كتلة ضخمة (عشرات الملايين من البشر) من "المشاهدين الكرام"، صفرية الوزن السياسي، تشاهِد "صورة" العالم السياسي في الفضائيات، وتشاهد هذا العالم نفسه من خلال الفضائيات، تتفاعل تفاعلاً لحظياً وفضائياً مع مآسي الأمَّة في فلسطين والعراق..؛ وبعد جولات من الشحن والتفريغ العاطفي (السياسي) تذهب إلى أسرَّة النوم، لتستيقظ وكأنَّ شيئاً لم يكن!

إنَّهم عشرات الملايين من "المشاهدين الكرام"، إنْ تحدَّتهم تلك المآسي اليومية أو شبه اليومية أن ينزلوا إلى الشوارع والميادين، وأن يقتحموا المسرح السياسي الواقعي، وأن يصنعوا بأنفسهم، ولأنفسهم، شيئاً سياسياً يعتدُّ به، فضَّلوا الذهاب إلى بيوتهم ليتفاعلوا مع كل حدث عظيم عبر الفضائيات، وكأنَّهم أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من "الواقع الافتراضي"!

ليست الفضائيات هي المسؤولة عن هذا الخراب السياسي الشعبي، فلو كان لدى مجتمعاتنا من الحياة الديمقراطية، ومن الحزبية السياسية الحقيقية، ما يكفي لجعلها منتميةً إلى العالم الواقعي للسياسة، لرأينا التأثير الإيجابي للفضائيات يزداد وينمو.





#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما هي -الدولة-.. عربياً؟
- بوستروم.. لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيَّاً!
- في الجدل الانتخابي العراقي!
- نحو حل -الدولتين الفلسطينيتين- للنزاع بين الفلسطينيين!
- الفأس والرأس.. اللقمة والرأي!
- غولدستون -المسار- هو الأهم من غولدستون -التقرير-!
- -الاحتكام إلى الشعب-.. فلسطينياً!
- الاعتراف ب -يهودية- إسرائيل هو تهويدٌ للعقل!
- القيادات الفلسطينية.. رؤوسٌ تبحث عن عقول!
- -نوبل-.. ونُبْلُ أوباما!
- -أردي- جاءت تأكيداً لا نفياً لنظرية داروين!
- محادثات واشنطن..أهي تجربة تفاوضية جديدة؟
- الدكتور زغلول النجار إذ هبط بالعِلْم إلى الدرك الأسفل من الش ...
- الحلُّ في حلِّ -مشكلة الحدود- أوَّلاً!
- -التعصُّب- إلغاء للعقل!
- نتنياهو يطلب تشدُّداً فلسطينياً وعربياً!
- أُطْلبوا -عِلْم التفاوض- ولو في إيران!
- إنَّها -مفاجأة- أوباما الأولى!
- شيئان لم نتعلَّمهما بعد: قول -لا- و-السؤال-!
- -الصنمية الاقتصادية- لجهة علاقتها بالأزمة المالية العالمية!


المزيد.....




- وزير دفاع أمريكا يوجه - تحذيرا- لإيران بعد الهجوم على إسرائي ...
- الجيش الإسرائيلي ينشر لقطات لعملية إزالة حطام صاروخ إيراني - ...
- -لا أستطيع التنفس-.. كاميرا شرطية تظهر وفاة أمريكي خلال اعتق ...
- أنقرة تؤكد تأجيل زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة
- شرطة برلين تزيل بالقوة مخيم اعتصام مؤيد للفلسطينيين قرب البر ...
- قيادي حوثي ردا على واشنطن: فلتوجه أمريكا سفنها وسفن إسرائيل ...
- وكالة أمن بحري: تضرر سفينة بعد تعرضها لهجومين قبالة سواحل ال ...
- أوروبا.. مشهدًا للتصعيد النووي؟
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة بريطانية في البحر الأحمر وإسقا ...
- آلهة الحرب


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - جواد البشيتي - قيادات فضائية!