أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عزيز العرباوي - ثقافة الفشل ونتائجها المدمرة :














المزيد.....

ثقافة الفشل ونتائجها المدمرة :


عزيز العرباوي

الحوار المتمدن-العدد: 2730 - 2009 / 8 / 6 - 09:25
المحور: المجتمع المدني
    


إن الفشل ظاهرة تتفشى في كثير من فئاتنا المجتمعية فتعمل على الحد من الإبداع والتجديد وتبني ثقافة بنائية داعمة لقوة المجتمع الذي هو في حاجة إلى التغيير والإصلاح على كل الصعدة وفي كل المجالات. والفشل كظاهرة اجتماعية خطيرة بدأت تسيطر على هاته الفئات المجتمعية ونذكر منها الفئات الشابة والتي تثقفت بقناعة غموض المستقبل وصعوبة الحاضر، ولذلك نجدها تسلك طرقا مدمرة للذات وللمجتمع كالانحراف والمخدرات والشذوذ والهجرة غير المقننة ...


إن الفشل هو الخضوع التام لسلطة الخنوع والضعف والضياع بدلا من التفكير في إيجاد الحلول للمشاكل الذاتية بحيث يتم تكريس هذا الفشل كثقافة مجتمعية وكتربية تقدم على طبق من ذهب للناشئة التي تتأثر بما هو موجود أمامها في الواقع الملموس. وبالتالي خلق ثقافة تؤمن بالفشل والضياع.


إن سلطة الفشل داخل مجتمعنا بدأت تفرض ذاتها بطريقة سهلة لأنها لم تجد مقاومة تذكر، بل وجدت طريقها سالكة أمامها بحكم استقالة العديد من المؤسسات المسؤولة على أولادنا وشبابنا انطلاقا من مؤسسة الاسرة مرورا بالشارع ووصولا إلى المدرسة والدولة عموما. ويبين الواقع الملموس أن حجم معاناة كثير من الأفراد داخل المجتمع من الفشل ونتائجه المأساوية عليهم، وهذه المعاناة دفعت الكثير منهم إلى الانجرار إلى العديد من السلوكيات الخطيرة المدمرة للذات والمجتمع.


عندما يجد شاب نفسه بدون عمل وبدون بين يسكنه وبدون مورد مالي يقيه حاجة السؤال وقد درس لسنوات طويلة من عمره قضاها في العلم والتحصيل المعرفي فإنه لا محالة سيشعر بانه رجل فاشل في حياته كلها، وأن كل سنوات عمره التي قضاها في التحصيل الدراسي أورثته البطالة والضياع والفشل في الحياة، فكيف نقنع هذا الشاب بعدم إيمانه بالفشل واقتناعه بعدم جدوى وجوده داخل هذا المجتمع وهذا الوطن الذي قدم إليه الكثير بينما لم يحصل هو منه على أي شيء ؟ ولذلك يصعب أن ندفع هذا الشاب ومن هم في منزلته وهم كثيرون بجدوى الصبر والاقتناع بالقضاء والقدر والبحث من جديد عن مورد للرزق وغيرها من الشعارات التي سمعوها من قبل كثيرا.


والإيمان بالفشل يقود إلى نتائج سلبية وخيمة منها انخفاض الاهتمام بالإبداع والتغيير، والاكتئاب، والشعور بالذنب، والخجل من الآخرين، واختلال الصورة الذاتية والبحث عن العزلة وضعف الإيمان بالذات والثقة فيها، والتحول إلى الانحراف والإجرام... وغيرها من النتائج الخطيرة على الفرد الفاشل وعلى المجتمع ككل. وما يزيد الطين بلة هو تلك الرؤية التي تراه بها الأسرة وكذا المجتمع اللذان يكثران من الانتقاد والتقليل من الشأن ومن التحصيل العلمي والشواهد التي حصل عليها هذا الفرد الذي وصفوه بالفشل وعدوه صفة ملازمة له في حله وترحاله.


لا يسلم هذا الفرد من ألسنة الناس الذين يدفعونه إلى الاقتناع عن وعي أو عن غيره بفشله في الحياة مما قد يدفعه إلى وضع حد لحياته أو ارتكاب جريمة أو حماقة تقوده إلى السجن طوال حياته، وسرعان ما يبدون الندم على ذلك بعد فوات الأوان. فينتج عن هذا السلوك نتائج تؤثر على بقية حياته، ويصعب معها ممارسة الحياة وتضعف لديه القدرة على التعبير عن نفسه وانطوائه وانزوائه أو انسحابه من الحياة الاجتماعية وبالتالي الاستقالة من المجتمع ككل، فيفقد هذا الأخير فردا من أفراده المتعلمين الذين إن اهتموا به لما حصل له ما حصل.


وهكذا فإن التعامل المفترض مع الطفل ابتداء من الأسرة في البيت وانتهاء بالمدرسة يجب أن يكون تعاملا مبنيا على الاحترام وعلى الإحساس به وبحياته ومتطلباته تفاديا لإنتاج شخص يؤمن بالفشل في مراحل طفولته الأولى وفي مرحلة الشباب. وإذا ما نشأ الطفل في ظل تربية تعتمد على منع التفكير وإعمال العقل والنقد والتدبير فإنه سينتج عن هذا طفلا يؤمن بالفشل ولا يفكر في الإبداع والتفكير لأنه يجد من يفكر له ومن يدبر له ومن أجله، وبالتالي إذا ما كبر وأصبح شابا بالغا صعُب عليه الاعتماد على نفسه وذاته فيحس بالفشل في كل أمر يقدم عليه وفي كل عمل يعمله.


إن هذه الأسباب وغيرها كافية لبناء ثقافة تؤمن بالفشل والسقوط في اول اختبار. ولذلك نرى الكثير من شبابنا ضائعين ومنحرفين ينتظرون من يفكر لهم ومن يعولهم ويقودهم كأنهم معاقون كليا غير قادرين على اتعاطي مع الحياة والواقع أو مثل أطفال رضع ينتظرون صدور أمهاتهم الحنونة.


يعاني كل فرد فشل في تحقيق أهدافه الأمريْن، أولا من عقدة الظهور أمام الناس بمظهر الناجح في حياته، وثانيا بقدرته على الاستمرار في فرض الذات داخل مجتمعه الذي لا يرحم. ويتجسد لديه الواقع شيئا لا يمكن احتماله، فتتمزق نفسيته ويتشظى تفكيره ويدفعه كل هذا إلى أمور غير مجدية وغير قابلة للاحترام. ومن هنا فإن هذا الشخص سرعان ما يعاني من الحرمان والتحيز والاضطهاد والتعصب والعزلة.

وما يمكن التأكيد عليه أن الفشل في الحياة يقود إلى فقدان الثقة في النفس ويدفع المرء إلى الضياع والاستقالة من الحياة بطريقة أو بأخرى يكون معها قادرا على ارتكاب المحرمات والجرائم وخرق القيم والقوانين، وبالتالي القضاء على طاقات فكرية وعلمية وأدبية مفيدة للمجتمع الذي يعاني بدوره من العديد من الاختلالات والمشاكل التي تعوق تقدمه وتطوره وازدهاره...



#عزيز_العرباوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث قصائد :
- العنف داخل المؤسسة التربوية والبحث عن الحلول :
- استدعاء ورفض وقصائد أخرى :
- الجيلالي وكلبه : قصة قصيرة
- قاهر الجيران : قصة قصيرة
- الفتنة والقتل على الهوية : (7) :
- الدعوة إلى التباعد بين المذاهب دعوة سخيفة : (6) :
- الحوار بين المذاهب ضرورة ملحة : (5) :
- استحضار العقل في الحوار المذهبي : (4)
- أسباب التباعد والدعوة إلى التقارب : (3)
- الحوار وسيلة أم غاية ؟ (1)
- مظاهر العنف الفكري وضرورة التخلي عنه : (2)
- المشاعر المسافرة : قصة قصيرة
- بمناسبة اليوم العالمي للموسيقى : فؤاد الزبادي بالجديدة :
- تشبيك العمل الجمعوي : شعار اليوم التكويني بالجديدة :
- عن التفاعلية الرقمية : مشتاق عباس يساهم في الثورة العلمية:
- قصائد قصيرة
- الرحلة الباردة : قصة قصيرة
- السينما المغربية في مفترق الطرق :
- الهروب إلى الحنين


المزيد.....




- صحيفتان بريطانيتان: قانون ترحيل اللاجئين لرواندا سيئ وفظيع
- قبالة جربة.. تونس تنتشل 14 جثة لمهاجرين غير شرعيين
- بعد إدانتهم بـ-جرائم إرهابية-.. إعدام 11 شخصا في العراق
- السعودية وقطر تُعلقان على تقرير اللجنة المستقلة بالأمم المتح ...
- إعلام عبري: مجلس الأمن الإسرائيلي بحث سرا سيناريوهات اعتقال ...
- ذياب: يطالب بالافراج عن المعتقلين والنشطاء فورًا، ويقول سياد ...
- الخارجية الإسرائيلية: قرار ألمانيا تجديد التعاون مع -الأونرو ...
- بعد أنباء عن خروج السنوار من الأنفاق.. عائلات الأسرى تتظاهر ...
- تغطية حرب غزة.. قيود غربية على حرية التعبير؟
- الرئيسان التركي والألماني يبحثان بأنقرة وقف الحرب على غزة وت ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عزيز العرباوي - ثقافة الفشل ونتائجها المدمرة :