أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جمال الهنداوي - ضياع فضيلة الشيخ الطهطاوي في دروب التأسلم















المزيد.....

ضياع فضيلة الشيخ الطهطاوي في دروب التأسلم


جمال الهنداوي

الحوار المتمدن-العدد: 2654 - 2009 / 5 / 22 - 10:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قبل ما يزيد على السبعة عشر عقداً أوفد التحديثي المجدد المصري الرائد الشيخ رفاعة الطهطاوي إلى مدينة النور..وعندما عاد بعدها إلى المحروسة مشبعاً بقيم العدل والمساواة أطلق كلماته الخالدة: هناك في فرنسا يوجد إسلام من دون مسلمين. وهنا في مصر يوجد مسلمون من دون إسلام.
والمؤلم ليس مدى انطباق هذه العبارة على واقعنا الراهن فحسب ...بل في أن عبارة تبلغ من العمر عتيا تطرح تصورا أكثر حداثوية وملائمة لحياتنا المعاصرة من الطروحات السائدة في مجتمعنا الإسلامي في القرن الواحد والعشرين..
ولو قدر الآن لفضيلة الشيخ-رحمه الله- أن يطل علينا وعلى عالمنا،لوجد عالما يتحدث فيه الجميع عن الإسلام ,المسلمين يتحدثون عن الإسلام,والمسيحيين يتحدثون عن الإسلام وكذلك اليهود والهندوس والبوذيين وأتباع كونفوشيوس وزرادشت ومناهضي كونفوشيوس وزرادشت..بالإضافة إلى آهل البدع والأهواء والملاحدة والمترددين والمتشككين واللامبالين..ولكل إسلامه الذي يتداوله..و لرأى أشكالا من الإسلام يصعب التفريق بينها تتصارع وتتجادل فيما بينها وكل يتبوأ مقعده من المحجة البيضاء ويحتكر لقب الفئة المنصورة ..وسيرى عندها انه لم يعد هناك لا إسلام ولا مسلمون ..
بل سيلاحظ بلا كبير جهد, مجتمعات قهر وظلم واستبداد وفساد وتخلف تتصارع على أحقية الاستيلاء على تراث الرسول الكريم لاستخدامه كوسيلة لسوق شعوبهم كالعبيد....ولوجد أن الإسلام والأمة الإسلامية اليوم يتخذان عدة صور تختلف وتتباين تبعا للمسافة التي تفصل دعاتها عن الحاكم ..
فسيرتطم فضيلته أولا–وبالضرورة- بالإسلام الرسمي الميري..الإسلام المخملي المعطر المطرز بالمسابح الثمينة والوجوه المدورة المحمرة والقفاطين والعمائم والجبب المكوية بعناية..الإسلام الخاضع لإرادة وتفسير ظل الله المتمدد والمتوسع والمتحكم والمتسنم على رقاب العباد ..والمؤيد ببركات شيوخ السلطة ومريديهم ومتملقيهم ..إسلام يقتصر دور الفقه فيه على السهر على إدامة صلاحية المادة التي تقول بعدم جواز الخروج على السلطان حتى ولو كان جائراً والبحث والتخريج والاستنباط لكل ما يبرر ويشرع التأبد الدهري التام للسلطان على كرسيه والتشدد الكامل في ذلك حد الكفر..ومحاولة تطويع المعلوم من الدين مع ما يعتقده الحاكم وما يعتنقه من تفسير.وما دون ذلك فيعتبر من الترف الممل المثير للضجر وخارج اهتمامات فقه النخبة ورجال الكهنوت الارستقراطي .
وسيمر بالتأكيد على " النسخة الشعبية من الإسلام" التي يترفع عنها الفقهاء المكرسين حكوميا وإعلاما فضائيا.. لانعدام المنفعة المباشرة-نسبيا- من وراءها..ولقلة المردود المنتظر من ممارستها..والتي يتولاها عادة فقهاء الخط الثاني أو الثالث بل وكل من يتمتع بقابلية نمو جيدة وسريعة وكثيفة لشعر الذقن.. والذين يتصدون لمهمة ترويجها ونشرها بين زوايا المساجد المنسية والتكايا العتيقة والتي تصادفها في كل جوانب سلوكياتنا وأنماط تفكيرنا.. والتي تتحكم في قراراتنا وتقييمنا للأمور وفي تفسيرنا للعوارض الحياتية والمستجدات المعاشة..نسخة مؤسسة على هوس مرضي بالماورائيات والميتافيزيقيا عن طريق مزج المقدس من النص مع خليط من الميثولوجيا والعادات والتقاليد الموروثة مع الأدب الشعبي المحلي والمرويات القديمة وحكايا الجدات في الليالي الباردة ..لينتج لنا ممارسة إسلامية مكونة من مدى واسع من الطقوس والعقائد التي يكون حجرها الأساس كرامات الأولياء والمعجزات الخارقة للصالحين وما تتبعه من عادات كالزيارات والموالد والأدعية المخصصة والمنسوبة والتركيز على استجلاب بركة الرب بواسطة أقوال معينة يكون سرها مخزونا في فؤاد وجوانح الفقيه..واستبعاد العقل و تهميشه واعتماد القولبة والنمطية في الممارسات وتخطئة التفكير كنوع من الاعتراض على التسليم الكامل للإله والاكتفاء من الدين بشعارات وطقوس ميكانيكية دون إعمال العقل في فهم معناها أو المغزى منها.. وهذا الإسلام يكتب له تاريخ موازي للعالم الواقعي ويقحم في الأحداث التاريخية خوارق ومعجزات تكون اغلبها مستقاة من البيئة التي ينمو فيها هذا النمط من العبادة وإسنادها إلى التوفيقات الإلهية مثل السير على الماء والكلام مع السباع والهوام والحيات والملائكة التي تتدخل دائما لنصرة العبد في شدة الضيق والكثير من الروايات المبثوثة في تراجم العباد والزهاد والنساك والصالحين والتي تماهي الهوس الشعبي التقليدي بالرجل الخارق الذي تحرسه السماء وتنفذ مشيئته بأمر الله..
وسيكون فضيلة الشيخ الطهطاوي محظوظا لو لم يصادف إسلام السيف.. الإسلام السياسي ..المبني على ما اقره فقهاء الجهاد ..خصوصا أن ملبسه قد لا يتطابق مع ما انتظرنا أربعة عشر لكي نكتشف بأنه الزي الشرعي الوحيد الذي سيدخلنا الجنة..الإسلام الذي يتمتع بالاحتكار الكامل للصواب..والتملك التام للحقيقة والتقرب إلى الله برؤوس ورقاب المخالفين ..الإسلام المسؤول عن التذابح المتعاظم بين المسلمين وتكديس الجثث في الطرقات بعضها فوق بعض..والمعتمد على أكثر التفسيرات تطرفاً ودموية لآيات الحرب..
سيكون فضيلة الشيخ أمام مجموعة من الاجتهادات المحملة بشحنات هائلة من الكراهية والانقسام المتشتت حد التكفير واللاجئة إلى القتل والإقصاء كخيار أول في منازعتها للآخر المساوي في الخلق والمناظر في الدين..
اجتهادات مهدت لدول تنتظر سنويا تقرير الأمم المتحدة للدول الفاشلة لتتيه الدولة العاشرة في الترتيب المهين على الدولة التاسعة فخراً..
اجتهادات لم تنجح في إيجاد صيغ لحل أي مشكلة ..ولا في استقراء أو حتى تلمس تصور ممكن لاشتراطات حياتنا المعاصرة..والاجتهاد الوحيد في حل إشكالية تخلفنا كمجتمعات إسلامية هو في العودة أربعة عشر قرنا إلى الوراء..
اجتهادات لم تفلح في تحديد وبيان الأسلوب الشرعي والسليم لتداول السلطة.. وأدخلتنا في نزاع مستمر ومتقادم على السلطة منذ سقيفة بني ساعدة وحتى الراهن من أيامنا..ودون أن يرف جفن لأعلامنا الأعلام وسادتنا الأجلاء وهم يباركون سحق الشعب تحت أحذية حكام التغلب والانقلابات ..
أما الإسلام كصلة روحية تربط المخلوق بخالقه. الإسلام كدين ينادي بالحرية والثورة كدافع للتقدم والتنوير والعدل . الإسلام الممثل للكثير من قيم المعروف والتقوى والصلاح. الإسلام كدين يدعو للعدالة الاجتماعية والمساواة. وكدين تآخ ورحمة وسلام. الإسلام كدين يدعو إلى الحكمة والموعظة الحسنة..الإسلام الذي يهذب المسلم على تقوى الله وان دم المسلم وماله وعرضه حرام..فهو موجود..وقد يشغل المساحة الأكبر من الطيف الإسلامي المعاصر..ولكنه مدفون تحت ركام من التشويش الفقهي المبرمج للحفاظ على المكتسبات المادية والاجتماعية لدعاة السوء وفقهاء الطغيان..مما يصعب علينا تمييزه وتلمسه..وبالتأكيد لن يلاحظه فضيلة الشيخ الطهطاوي.



#جمال_الهنداوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا صلاة بأمامة اوباما...
- عندما يتحدث السيد الرئيس...
- مكابدات -صوت العرب- في عصر اعلام سمو الشيخة موزة
- أنباء حزينة..من يمن لم يعد بالسعيد
- تزييف التاريخ..مابين القرضاوي وجورج اورويل
- الخنزير.. كسلاح في المعركة
- قسرية التناقض.. مابين العطالة السياسية والحتمية التاريخية
- مصر التي في خاطري..
- قد يكون العقيد على حق...
- الصنمية السياسية ..ما بين الدخان الأبيض واليوم الأسود
- جامعة الدول العربية العاقلة
- قمة الوجاهة العربية
- هدايا عيد متميزة لايران
- دفاعاًعن الحوار...دفاعاً عن التمدن
- صدام حسين والبشير...وليل السودان الطويل
- علمانية الصحابة..سقيفة بني ساعدة نموذجاً
- الديكتاتورية العلمانية..حرية الرأي من فولتير الى المنسي القا ...
- فقه النكوص...الخطر على مستقبل الاسلام كحضارة وتأثير
- انه الاقتصاد..يا لغبائنا
- فقه الطغيان.. تداخل التاريخي بالمقدس


المزيد.....




- وزير الخارجية الايراني يصل الى غامبيا للمشاركة في اجتماع منظ ...
- “يا بااابااا تليفون” .. تردد قناة طيور الجنة 2024 لمتابعة أج ...
- فوق السلطة – حاخام أميركي: لا يحتاج اليهود إلى وطن يهودي
- المسيح -يسوع- يسهر مع نجوى كرم وفرقة صوفية تستنجد بعلي جمعة ...
- عدنان البرش.. وفاة الطبيب الفلسطيني الأشهر في سجن إسرائيلي
- عصام العطار.. أحد أبرز قادة الحركة الإسلامية في سوريا
- “يابابا سناني واوا” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي ال ...
- قائد الثورة الاسلامية: العمل القرآني من أكثر الأعمال الإسلام ...
- “ماما جابت بيبي” التردد الجديد لقناة طيور الجنة 2024 على الن ...
- شاهد.. يهود الحريديم يحرقون علم -إسرائيل- أمام مقر التجنيد ف ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جمال الهنداوي - ضياع فضيلة الشيخ الطهطاوي في دروب التأسلم