أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايناس البدران - حديقة الأقنعة















المزيد.....

حديقة الأقنعة


ايناس البدران

الحوار المتمدن-العدد: 2617 - 2009 / 4 / 15 - 09:29
المحور: الادب والفن
    


خضرة غامقة ونافورة ضياء قزحية يغلب عليها بريق الماس تتعاكس حولها ظلال راعشة لأجساد شجر وبشر .
الموسيقى موجة سائبة تختنق بدخان السجائر المستوردة وتذوب بين ضحكات وهمسات مبهمة ، السماء زرقة مزدانة بنجومها وببدر حنون يسكب ضياءه حليبا يشربه النهر فتتراقص مويجاته طربا .
من شرفتها تتأمل انزياحات الظلال والأشياء وتبتسم ، علمتها التجارب أن الأقتراب اكثر مما ينبغي يعني الضياع في تفاصيل تافهه وتشوش الرؤية والتباسها .. وقد يعني الوقوع في دوامة رمالهم المتحركة .
تهمس في سرها : كالعادة فشلوا في التنكر .
بمقدورها أن تميزهم من نبرات اصواتهم وومضات عيونهم .. اختلاجات اصابعهم وحتى من مؤخراتهم !
كانت شغوفة بعلوم كالفراسة والهيئة والقيافة وقراءة الكف ، حتى بات بمقدورها من نظرة واحدة فاحصة معرفة ما يكفي عن اي شخص ، وللنساء عموما قدرة فطرية على استكناه دواخل النفوس لدقة ملاحظتهن ، ولأنهن مدركات بالحدس أن لغة الجسد لا تتفق بالضرورة مع لغة اللسان .
في الماضي كان يحلو لها حين تستشف او تكتشف امرا أن تواجه به الآخر كنوع من الردع المهذب او حتى المباهاة .. تذكر يوم سألته بحنق :
- لم أنت بوجهين ؟ .. فبهت وسقط قناع شمعي .. بعدها صار صعبا على اي منهما النظر في وجه الآخر .
ولأن الوقت ملح التجربة تعلمت ان تخبيء الأسرار صغيرها وكبيرها اشواكا في القلب وزوايا العقل دون ان يظهر اي منها على تقاطيع الوجه
تحسبا من مكيدة او درء لسوء .
اما كيف ابتدأت معها هذه ( الهواية ) واستحالت هاجسا وضرورة تحتمها أبجديات الصراع من اجل البقاء ، فالفضل في هذا يعود الى ... صدفة !
فالصدفة ام الأختراع ، هي وحدها القادرة على اسقاط الأقنعة وثمار الأسرار السوداء التي تفرزها في غفلة منا شجرة الكذب الهائلة المشؤومة المعرشة في كل شيء ، ورب صدفة عارية من الزيف خير من ألف ميعاد مبرقع ومدروس .
صدفة واحدة مابين غمضة عين وانتباهتها قد تغير المرء من حال الى حال وتحوله من النقيض الى النقيض .. حين تغشى الوجوه بشاعة لاينفع معها مكياج او قناع ، وتكتسي الألسن مرارة مهما طليت بعسل الكذب .
ادركت لحظتها ما عناه شكسبير حين قال " ان تعلم اكثر يعني ان تتعذب " وما اكثر ما يتردد على اللسان دون ان يعيه العقل او يعنيه حتى تحين .. الصدفة .
يوم انصتت لحديث كالرعاف وكشفت انفس عن خبث دواخلها وسوء نواياها فمادت بها الأرض وضاقت عليها بما رحبت واختلطت الوجوه والأقنعة وألادوار ماحتم اعادة ترتيبها وفق ابجدياتها هذه المرة لتظل الحياة مسرحا كبيرا عقولنا فيه الكواليس .
ويبدو ان ماحدث غيرها الى الحد الذي لم تعد فيه تعرف نفسها ، فكان لزاما عليها ان تعيد اكتشافها على ضوء المعطيات الجديدة ، بل انه كشف لها جوانب باهرة فيها ظلت كامنة تحت ركام سذاجة وغبار اسئلة هائمة دونما توغل في دروب الأجوبة .
تعثرت دون قصد بحقيقة كانت خافية ادخلت العقل مدار الدهشة تلكأته وويل للعقل اذا ما تلكأ عند فكرة سوداء .. انها تخترقه كذبابة الفاكهة نافثة يرقاتها في كل تلافيفه فتستحوذ عليه تلتصق به كسمة او وصمة فتصبح الوتد الذي تقوم عليه خيمة حياته !
تنهدت في سرها وقالت :
- لم يعد أي شيء كما كان .
اجل تغير كل شيء امامها .. الألوان الأشخاص الأماكن وعزاؤها ان ما لا يقتلها يقويها .. لعله خطأها منذ البداية ، كم اضاعت نفسها داخل حدودها المهزوزة المفترضة ، كان ينقصها دوما الشجاعة التي تقود الى اعماق الأشياء ، والقرار الذي يقود الى فعل مؤثر ، لم تواجه نفسها كما يجب بل آثرت التهرب تاركة أمر حياتها للأيام وللآخرين .
في ازقة الليل متاهات من خوف يتصادى فيها نقيق هواجس وفحيح اسرار تلثم الأحزان ، حيث ( الأصدقاء ) الذين يلوحون بمخلب الغدر ، والأنتماءات التي تذوب كزبدة مع كل طلعة شمس .
في تلك الفترة شعرت انها اكثر امانة لنفسها في انسحابها داخل قوقعتها .. قل احساسها بالخارج صارت تتعامل معه في اضيق الحدود ، واذ تلعق جراحها كانت تعيد حساباتها استعدادا لمواجهة اخرى .. جريئة هذه المرة واضعة في حسبانها الطرق العجيبة التي يلوذ بها البشر من اجل البقاء ( والأرتقاء ) !
هكذا نفقد نعمة جهلنا ، براءة طيبتنا ليصبح سوء الظن من حسن الفطن . انتهى الماضي برمته والى الابد .. طويت صفحته ليدفن فيه الموتى موتاهم ، وليربط القلب جأشه مكابرا استعدادا لرحلة سيزيفية اخرى تستنزف دماءه كمزرف رفيع .
نعم تغير مصيرها في لحظة من مجرى الزمن الطويل ، لحظة واحدة لكنها كانت من اللحظات التي يجلس المرء بعدها طويلا ليلم بما حدث ، يعيد ترتيبه يخضعه لحسابات المنطق والمعقول .
ويبدو ان هذا التحول وان كان فجائيا وبلا تخطيط الا انه جاء في وقته ، كانت قد تعبت من المكابرة والأستسلام والتظاهر بأن كل شيء على ما يرام .. من كل الأدعاءات التي لوحت لها في ما مضى بسراب الطمأنينة الزائفة حين كانت توصد ابواب العقل كلما دعتها الظروف للمواجهة مكتفية بما هو متاح بين يديها من وقائع غير مؤكدة قد تبلغ حد الوهم .
ها هي تحلق اليوم بجناحيها وسع المدى كطائر حر لا ترتديها الأقنعة ولا يسكنها ذلك الأحساس البغيض الذي يمحور البعض حول نفسه حتى ليراها مركزا للكون ، كذاك الخنزير العجوز مديرها المتخفي خلف قناع المباديء والنزاهة في ماهو لص محترف للنصب ، او صديقه اللدود الممثل الفاشل الذي ارتدى كل الأقنعة دون جدوى حتى بات اضحوكة مثيرة للشفقة ، وذاك الذي يتمسكن تحت قناع الرهبنة حتى يتمكن فهو لا يشبع اليوم من متع المال والنساء . او المخنث المقنع بقناع الدون جوان الذي جعل النساء ارقاما في مفكرته للتباهي قبل ان يتركهن في وضع مؤلم فقط ليثبت لنفسه انه .. رجل ، وهذه التي تدعي صداقتها وتدس لها في كل مناسبة ، او تلك التافهة التي تظن انها بتلويحها بقناع الأنوثة والشباب تستطيع ان تدير الرؤوس فتظفر بمكانة هي دونها بكثير .
المدى يزدحم بالأقنعة .. اقنعة من كل صنف وحجم ولون بأسعار مغرية تستبدل عند الضرورة او الأهتراء ، تعلق على شماعة " الغاية تبرر الوسيلة " لعرابيد تلتف على بعضها وعقارب عمياء تنفث سمها في كل اتجاه وخنازير وضباع تعتاش على الجيف تغرز أنيابها ومخالبها في عيون بعضها ، واسماك قرش مسعورة تثيرها رائحة الدم فتلتهم احشاءها حين لا تجد ما تلتهمه .
على مسافة غير بعيدة تهجع مدينتها من تعب ، يهدأ كذبها قبل ان يندفع فجائيا قاسيا مع كل صباح عبر شوارعها الملتوية ، وبمحاذاتها يندفع النهر باذخا رائقا لافظا ركام الأوراق اليابسة والأحذية المنخورة وجيف الأقنعه المهترئة .. ليظل الدليل الأبدي على ان البقاء للأنقى .




#ايناس_البدران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غيبوبة
- في الادب والنقد الادبي النسوي
- شمعة العسل
- الصدع
- شعاع الشمس في بحيرة باردة
- في ذكرى رحيل الشاعرة الرائدة نازك الملائكة
- قنطرة الشوك
- لازوردي
- ألق الثريات جمر تحت الرماد
- دوريس لسنغ مناضلة بلا شعار
- وجها القمر
- الليلة الاولى بعد الالف
- غثيان
- مقابلة صحفية اجريت من قبل احدى المجلات العربية
- فجر منقوش على لوح الروح
- مناديل العنبر
- كاردينيا
- النمرة
- الابرة والتشظي
- في الردهة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ايناس البدران - حديقة الأقنعة