أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - المثقف وشبكة علاقات السلطة؛ 3 موقع المثقف ووظيفته















المزيد.....

المثقف وشبكة علاقات السلطة؛ 3 موقع المثقف ووظيفته


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2605 - 2009 / 4 / 3 - 09:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ترى ما هي العوامل التي تخلق السلطة؟ ما هي شروط نشأتها التاريخية؟ كيف يتسنى لفئة معينة ( أو، في البدء، لشخص فرد ) أن تُفرز عن الآخرين، وتمارس تأثيرات سلطة في محيط اجتماعي محدود، أو واسع؟. وما أعنيه بالسلطة، في هذا السياق، هي تلك المجسّدة، أي التي اتخذت هيئة مؤسسة، وفرضت خطاباً ما. والمؤسسة، يمكن القول، أنها تستحق هذه التسمية وتتشكل بدءاً من انخراط الشخص الثاني فيها. وبحسب الموسوعة السياسية لعبد الوهاب الكيالي وآخرين فإن المؤسسة معطى اجتماعي متميز، حيث يرتهن وجودها بالوظيفة التي تؤديها في النظام الاجتماعي ـ السياسي ككل. وتورد الموسوعة تعريف ماكس فيبر للمؤسسة بأنها "كيان يقوم على مبدأ تنظيم معظم نشاط أعضاء مجتمع أو جماعة حسب نموذج تنظيمي محدد مرتبط بشكل وثيق بمشاكل أساسية، أو بحاجات مجتمع. أو جماعة أو مجموعة اجتماعية، أو بأحد أهدافها".
ومثلما نتحدث عن سلطة المؤسسة، أو السلطة الممأسسة، فإننا، كذلك، وكثيراً ما نتحدث عن سلطة القانون، وسلطة الدولة، وسلطة الحزب، وسلطة الجامع أو الكنيسة، وسلطة المجتمع ( حين تفرض قيمها وأخلاقها على كل شخص ) الخ. وقد نعني بهذا المفهوم، في كل مرة، شيئاً مختلفاً، في ضوء منهج البحث، أو سياق التعاطي معه.
من جهة ثانية ربما يتساءل المرء: وماذا عن سلطة النص أو سلطة الخطاب، كما يحلو لبعض النقـّاد أو المفكرين أن يسمّوها؟. إنهما، في الغالب، وكما أعتقد يكونان انعكاساً ودالة لسلطة أخرى مجسّدة وممأسسة. فسلطة الخطاب السياسي مستمدة من سلطة المؤسسة السياسية. وسلطة الخطاب الديني مستمدة من سلطة المؤسسة الدينية، وهكذا. لكن بعض النصوص تكون لها قوة حضورها الذاتي الخاصة ( وهذا موضوع آخر لا يعنينا في هذا المقام ).
لا يمكن فهم ظاهرة السلطة وكيفية انبثاقها بالرجوع إلى عامل واحد، محدد. فلكل حقبة تاريخية مقتضياتها وشروطها الاجتماعية والحضارية التي تُخضع آليات نشوء، وتمدد نطاق، السلطة لها. فقد يكون المال/ الاقتصاد عاملاً أساسياً في منح امتيازات وحقوق السلطة في مجتمعات كثيرة، كما هو الحال، الآن، في هذا العصر الذي يطغى فيه النمط الرأسمالي الليبرالي للتملك والإنتاج والإدارة السياسية، حيث يجري الحديث عن الشرعية المستمدة من صناديق الاقتراع الحر.
غير أن الأمر يبدو أكثر تعقيداً حين نُخضع تاريخ السلطات لفحص أركيولوجي وتاريخي نقدي دقيق. فيوماً ما كانت القوة البدنية مرجعاً حاسماً للسلطة في بعض المجتمعات الضيقة ( الفتوات في حواري مصر المماليك، مثالاً، وكذلك في بعض المجتمعات البدائية حتى وقتنا الحاضر ). وكانت المناورة السياسية والدهاء السياسي بالاستناد إلى قوة عسكرية، والتوسل بالمؤامرات والانقلابات عاملاً حاسماً في حقب ومجتمعات أخرى، كما يحدث في راهن بلدان كثيرة تنتمي سياسياً، وتقع جغرافياً في نطاق ما يسمى بالعالم الثالث. ويتعقب ألفين توفلر انتقالات السلطة وتحولاتها، وجغرافية تصوره هي الغرب، في كتابه ( تحولات السلطة ) من القوة العسكرية، إلى الاقتصاد، إلى المعرفة. حيث تصبح المعرفة سلطة، داعمة ومغذية لها، ومتماهية معها.
إن نشوء أية سلطة جديدة معناه حدوث تصدع واختلال في توازن اجتماعي وسياسي قائم، وكسر لحالة الاستقرار السابقة. وإذا كانت السلطة الجديدة تحاول أن تصنع حالة توازن واستقرار جديدين فإنها، في الوقت نفسه، ولاسيما إن لم تكن شرعية، تُديم إستراتيجيات بقائها، وذلك بالشكل الذي يحول دون أن تتعرّض هي نفسها إلى الإزاحة والسقوط. وهنا تعود آليات صناعة الممنوعات/ المحرّمات، وآليات الإقصاء والإدماج للعمل بكيفيات تقتضيها إستراتيجيات هذه السلطة الجديدة، ومدى سطوتها وسياستها في التعامل مع الواقع. في الوقت الذي تبقى للواقع شروطه وظروفه ومحدداته وموجهاته التي تؤثر بهذه الطريقة أو تلك في سياسات السلطة الخاصة بعمليات المنع والتحريم والإقصاء والإدماج. فهذه كلها جزء من نشاط أية سلطة وإستراتيجيتها وتكتيكاتها. وهي تتمفصل، أو تتوازى، أو تتمخض عن، آليات نشاط السلطة ذاتها ومقاصدها.
تسعى السلطة الاستبدادية الكليانية إلى خلق أسطورتها الخاصة، مستعيرة بعض عناصر الأسطورة المعروفة، فضلاً عن عناصر أخرى تبتكرها وتراها ذات جدوى بهذا الصدد. متصورة، من الناحية الإيديولوجية، أن لا شيء أشد تأثيراً وقوة من الأسطورة يمكن الاحتماء خلفها، والتحصن بها. ولذا تبدأ بالتعامل مع لغة ما فوق واقعية، ذات فخامة ظاهرية، وبلاغة طنانة تنشئ منها خطابها الإيديولوجي والسياسي. وتنتقي مفردات قاموسها بما يعتّم الواقع وليس من أجل أن يضيئه. فتسعى إلى تضييق حدود اللغة وإمكاناتها على التوالد والاتساع من خلال العمل على تداول مفردات معينة مكررة، والحرص على أن تكون هذه المفردات عائمة مضللة تستخدم في سياقات لا تعني أي شيء واضح، وإبعاد المفردات التي تحوي في دلالاتها على معاني السلب أو الرفض أو التغيير، أو تلك التي تعكس الواقع وتكشف عن تناقضاته ووعوده.
إن الهدف الأول لتلك السلطة هي تمويه الواقع التاريخي بالكلام عن زمن بطولي ماضٍ، حقيقي أو موهوم. ليتعرج الكلام بعدئذ إلى بطل حاضر، حفيد لأولئك الأبطال الراحلين، أي أن ذلك البطل، ومثلما يجري تصويره، ينحدر من سلالة مقدسة، ويُقدّم أحياناً قريناً للإله. أو، في أقل تقدير، مدعماً من قبله ومحفوظاً بعنايته.
ذلك الخطاب المبني بهذه اللغة الماورائية يحاول التعاطي مع المطلقات، أو يحيل ما هو نسبي وتاريخي إلى المطلق، وأيضاً من أجل التعمية لا غير.. إن الأمة، في سبيل المثال، في خطاب السلطة الاستبدادية/ الكليانية، تُجرد من سياق وجودها التاريخي والحضاري لتُمنح صفات قدسية مطلقة. كما لو أنها ليست من نتاج التجربة التاريخية بقضِّها وقضيضها. وفي النتيجة تتم التضحية بكيان الفرد الذاتي وحريته ليذوّب في المفهوم المضبب والسائب للأمة. وهذه اللغة تؤكد على ثوابت، أو ما تريد أن تجعلها وتبقيها ثوابت، خانقة المتحولات، أي ما يجسّد الجريان الطبيعي لحركة الواقع والتاريخ.
يتهرب الخطاب أعلاه من محاولة تحليل الواقع الموضوعي، منكراً، أو حاجباً تناقضاته الداخلية الفاعلة، وأشكال صراعاته، وقوانين التغير فيه. وهو بدلاً من النظر الفاحص والعلمي الدقيق إلى الحاضر، وقراءة اتجاهات الحركة فيه، والتنبؤ العلمي بالمستقبل، نجده يتنقل بين ماضٍ، كما قلنا، موهوم، ومستقبل هلامي، يسبح في زمن متخيل غير متعين، هو عبارة عن آمال هوائية لن تتحقق، ولن يوصل إليه المسار التاريخي للواقع الذي تقبض تلك السلطة الاستبدادية الكليانية على خناقه.
وفي النهاية تريد السلطة ثقافة ( إن كان بمقدورنا أن نسمّيها ثقافة ) مترشحة عن ذلك الخطاب الإيديولوجي.. ثقافة الأسس والقناعات الثابتة والراسخة، والمسلمات القبلية المتساوقة مع مصالحها، والتي ترفض الحوار والمساءلة والمحاكمة العقلية، بمعايير العلم والواقع التاريخي. ومن ثم، في ضوء هذا، تريد للمثقف موقعاً ودوراً ووظيفة في إطار شبكة علاقاتها مدمجاً وممتثلاً، أو في أقل تقدير مقصياً مشلولاً صامتاً، ومرصوداً، أي موضوعاً تحت المراقبة.
* * *
تُمارس السلطة، كما يحددها ميشيل فوكو، عبر نشاط مجموعة علاقات غير متساوية ومتحركة، وهذه العلاقات غير ذاتية وقصدية. حيث أن السلطة هي الطريقة التي تعمل بها التكنولوجيات السياسية من خلال الجسم الاجتماعي. وممارسات السلطة هي ما يهم فوكو. والتي يراها بأنها جملة أفعال تؤثر في أفعال ممكنة، وهي تستهدف مجال الإمكانات الذي يندرج فيه سلوك ذوات فاعلة. وهنا السلطة لا تُمارس إلا على ذوات أحرار. على المهيمن عليهم وعلى المهيمنين كذلك. كما لو أن فوكو يريد إعلامنا بأن السلطة التي تتشكل تكون لها كيانها المستقل عن الأفراد المنغمسين، بغض النظر عن مواضعهم فيها، في شبكة علاقاتها. وتتمفصل العلاقات السلطوية، وأيضاً من وجهة نظر فوكو، حول عنصرين ضرورين لها، الأول؛ أن يكون ( الآخر الذي تُمارس عليه ) معترفاً به تماماً ومثبتاً حتى النهاية كموضوع تأثير. والثاني؛ أن يُفتح أمام العلاقة السلطوية مجال كامل من الأجوبة والاستجابات والتأثيرات والابتكارات الممكنة. ويصل فوكو إلى نتيجة لافتة وهي أنه "إذا صح أن هناك في صميم العلاقات السلطوية وكشرط دائم لوجودها ( عصياناً ) وحريات جموحة أساسية، فإنه لا توجد علاقة سلطوية بلا مقاومة وبلا مخرج أو مهرب، وبلا انقلاب محتمل".
ما أود توضيحه من هذه الاستعانة المبتسرة بفوكو هو أن المثقف مقصياً أو مدمجاً يدخل في شبكة علاقات السلطة. وأن تموضعه في الحالتين يجعله في نطاق رصد السلطة وممارساتها وعنصراً، لا غنى عنه، في بنية خطابها. فالمثقف ( عاصياً، وناشداً لحريته ) يُحدّد ويُعرّف ويُسمّى ويُتهم بالشكل الذي يرسّخ ويفعِّل ذلك الخطاب. فيما يمنح وجوده ( المثقف ) مسوّغات لممارسات سلطوية شتى، ويعزز تقنيات سلطة قائمة، ويتيح أو يسوّغ للسلطة ابتكار تقنيات سيطرة جديدة.
تقع السلطة الاستبدادية الكليانية في وهم قدرتها على ممارسة الهيمنة والتأثير من جانب واحد. فهي لا تريد الاعتراف بأن ثمة ذوات مستقلة حرة مفكرة بل قطيع. والفرد في عُرف تلك السلطة لا يفكر وإنما يُفكر له. لا يمثّل نفسه وإنما يُمثّل. لا يشاء بل يطيع.. لا يتفرد ويُميّز بل يُدمج.
في هذا المناخ تبرز أنماط مختلفة من المثقفين، تتباين مواقعهم في ضمن شبكة علاقات السلطة، وما تفرزها من خريطة سوسيوسياسية. والمقصود بالمثقفين، في هذا السياق، هم أولئك الذين يمثلون إيديولوجيا أو افكار أو آمال فئة أو طبقة ما، ولهم القدرة على إنتاج المعرفة ( أدباء أو فنانون أو مفكرون أو باحثون وأساتذة أكاديميون في حقول العلوم الاجتماعية، أو إعلاميون ) أو يقومون، في الأقل، بتسويق المعرفة وتداولها في أوساط المجتمع، وعبر قنوات الثقافة ومؤسساتها، ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيري. والذين يمكن تسميتهم بالمثقفين العضويين بحسب تعريف غرامشي. وإذا ما رجعنا إلى فرضية اشتغال آليات الإقصاء والإدماج من قبل السلطات الاستبدادية الكليانية ( إذ تعنينا دراسة مواقع ووظائف المثقفين في ظل سطوتها )، فإننا نستطيع اقتراح تصنيف أولي لأولئك المثقفين، في ضوء تلك الآليات واشتغالها، مع استبعاد نمط المثقف التقليدي، غير العضوي، بتوصيف غرامشي أيضاً، وهو الذي يكرر ويعيد إنتاج معرفة تقليدية، سنة بعد أخرى، على جمهور محدد، من غير إضافات إبداعية؛
1ـ المثقف الذي يختار بمحض إرادته أن يكون جزءاً من منظومة السلطة ذاتها، ممثلاً لمؤسستها، وناطقاً باسمها، ومدافعاً عن إيديولوجيتها، وصائغاً لخطابها.
2ـ المثقف الخانع والمستسلم جبناً، أو بحثاً عن لقمة العيش. وهو الذي يقبل الاندماج في تيار ومسار السلطة، ويتبنى خطابها، مشاركاً في إعادة إنتاج ذلك الخطاب، أو الترويج والتهليل له. وهو الذي يعيش، تمزقاً نفسياً، وتوجساً دائماً من الإقصاء. ولن ينتج في النهاية شيئاً له قيمة.
3ـ المثقف المنفي الذي يجد له ملاذاً آمناً في دولة أخرى، ويحظى بشيء قليل أو كثير من الحرية للإفصاح عن أفكاره. وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن المثقفين المنفيين يشكلون نسيجاً واحداً متناغماً، فهم في الغالب، يصدرون عن مرجعيات وتوجهات مختلفة. لكنهم جميعاً يدخلون، من وجهة نظر السلطة الاستبدادية الكليانية القائمة، في خانة العصاة والمارقين والخونة.
4ـ المثقف العبثي والمتمرد، وهو الذي يمارس سلوكاً لا يتلاءم مع بعض الأعراف الاجتماعية السائدة. يتسكع بين البارات والمقاهي بثياب مهلهلة، ويعاني من إفلاس مزمن، وتكون ملابسه مهلهلة وقذرة، ويُُشاهد في حالة سكر دائم، وبطبيعة الحال يبقى عاطلاً أبدياً عن العمل. وقد يبدع، أحياناً، بصورة لافتة. وهذا النمط يكون مزعجاً للسلطة لأنه يمثّل تمرداً مقنّعاً، ولكنه ليس على درجة عالية من الخطورة تقتضي قمعه إلا إذا تجاوز المسموح به. وتطغي الضبابية والتشوش، في أغلب الأحيان، على الخطاب الفكري والثقافي لهذا النمط.
5ـ المثقف السلبي والساخط، أو المثقف المعزول. وهذا، في الغالب، هو مثقف القراءة وحدها.. قراءة الكتب والصحف ، مع الانسحاب من الواقع. ليعلن في كل وقت ومناسبة آمنة عن تذمره. ويكون حذراً وقلقاً وخائفاً، يأبى المشاركة في أية فعالية منتجة، أو مضادة للسلطة، وقد لا يعرف ماذا يريد على وجه التحديد. ولا يدخل في هذه الخانة أولئك المثقفين الذين يعزلون أنفسهم عن الآخرين، ليبدعوا بصمت.
6ـ المثقف المراوغ، القادر على أن يقول "لا" ويوهم أنه ربما يقول "نعم". أي أنه يعرف كيف يضلل السلطة وجهازها الرقابي. ويفلت من الأشراك في اللحظة الأخيرة.
7ـ المثقف المنتمي إلى حزب غير حزب السلطة. حيث يعلن نفسه معارضاً سياسياً ويفصح عن خطاب مناقض لخطاب السلطة. وهذا النوع يكون نادراً، ويوشك على الانقراض في ظل الأنظمة الاستبدادية الكليانية ( حين تفرط ببممارسة القمع ). وغالباً ما يكون مؤدياً لوظيفة سياسية، أكثر من كونه مؤدياً لوظيفة ثقافية.
8ـ المثقف الإيديولوجي، وهو الذي يتبنى إيديولوجيا ما، من دون مواربة، ومن غير أن يكون منتمياً إلى الحزب الذي يمثل تلك الإيديولوجيا. كأن يعلن نفسه ماركسياً أو قومياً أو إسلامياً، الخ. وقد تسيد هذا النمط الساحة الثقافية عندنا طوال عقود.
9ـ المثقف الناقد الذي يبدع في مجالات الأدب والفكر والفن. ويمتلك رؤية واضحة ومنهجاً متقدماً للتقويم. ويعبّر عن روح مجتمعه، أو طبقته الاجتماعية، وآلامها وآمالها. وهذا النمط من المثقفين بدأ بالحلول محل المثقف الحزبي والإيديولوجي. أو بات من الضروري أن يحل محلهما. بعدما راح ينبذ فكرة الوصاية والتعالي على الجمهور، ولا يدّعي تنصيب نفسه من النخبة أو كونه قائداً جماهيرياً. بل يقرأ الواقع ويفكك عناصره، ويساهم من خلال وظيفته الإبداعية والفكرية في صناعة الحدث والتأثير فيه. ويكون شاهداً، وعلى قدر من الجرأة والوضوح، للإدلاء بشهادته.
بقيت السلطة ( power ) منذ فجر الحضارة هي صانعة التاريخ، والمحدِّدة لمساره. فالتاريخ، في النهاية، هو نتاج صراعات قوى وسلطات تصادمت أهدافها ومصالحها أو تآلفت. وحصيلة معقدة دفع ثمنها، في الغالب، غالياً، الأغلبية المغلوبة على أمرها، بعدما شاركت مباشرة، بسبب جهلها، أو كرهاً، أو عن رضى، أو على مضض، في صنع المآل الذي وصل إليه العالم والحضارة. وهنا ساهم منتجو الثقافة، خلال العصور، في تلكم الصراعات، في خنادق السلطات حيناً، أو في الخنادق المضادة لها، حيناً آخر. وقد تغيّرت وظائفهم، إنْ في شكلها، أو في فحواها، تبعاً لمواقعهم في الخريطة السوسيو سياسية، وعبر اختلاف الأمكنة والأزمنة. وكان الكاتب الفرنسي ألبير كامو قد طالب الكتّاب، في خطابه، في أثناء تسلمه جائزة نوبل للآداب عام 1957، أن يضعوا أنفسهم، "لا في خدمة أولئك الذين يصنعون التاريخ، وإنما في خدمة أولئك الذين يتعذبون من صنعه". وربما تلخِّص هذه العبارات الأخيرة الموحية التي قالها كامو جانباً من الوظيفة المطلوبة من المثقفين أداءها في المجتمع. على الرغم من أن المفهوم الحديث للمثقفين يجعل منهم سلطة أو فاعلي سلطة لهم تأثيرهم الذي لا يُغفل في إعادة صياغة العالم، وصناعة التاريخ.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف وشبكة علاقات السلطة:2 آليات الإقصاء والإدماج
- المثقف وشبكة علاقات السلطة: 1 آليات صناعة الممنوع
- الدولة والإنتاج الثقافي
- تلك الأسطورة المتجددة: قراءة في كتاب -أسرار أسمهان؛ المرأة، ...
- -متشرداً بين باريس ولندن-: هوامش المدن المتروبولية في أوروبا ...
- إيزابيل الليندي تكشف أسرار أسرتها في -حصيلة الأيام-
- قراءة في كتاب: ( لعنة النفط.. الاقتصاد السياسي للاستبداد )
- النخب؛ البيئة الثقافية، والمشروع السياسي
- في وداع عام آخر
- تواصل النخب والشباب
- سؤال الثقافة.. سؤال السياسة
- لمّا سقط المطر
- عالم يتغير
- -ليلة الملاك- ملعبة خيال طفل
- الحكم الصالح
- متاهة المنافي في ( سوسن أبيض )
- حين يموت الأطفال جوعاً
- من نص اللذة إلى لذة النص؛ قراءة في -دلتا فينوس-
- الدراما العراقية في رمضان
- إيكو الساخر في ( كيفية السفر مع سلمون )


المزيد.....




- شاهد.. فلسطينيون يتوجهون إلى شمال غزة.. والجيش الإسرائيلي مح ...
- الإمارات.. أمطار غزيرة وسيول والداخلية تحذر المواطنين (فيديو ...
- شاهد: توثيق الوصفات الشعبية في المطبخ الإيطالي لمدينة سانسيب ...
- هل الهجوم الإيراني على إسرائيل كان مجرد عرض عضلات؟
- عبر خمسة طرق بسيطة - باحث يدعي أنه استطاع تجديد شبابه
- حماس تؤكد نوايا إسرائيل في استئناف الحرب على غزة بعد اتفاق ت ...
- أردوغان يبحث مع الحكومة التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران
- واشنطن وسعّت التحالفات المناهضة للصين في آسيا
- -إن بي سي-: بايدن يحذر نتنياهو من مهاجمة إيران ويؤكد عدم مشا ...
- رحيل أسطورة الطيران السوفيتي والروسي أناتولي كوفتشور


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعد محمد رحيم - المثقف وشبكة علاقات السلطة؛ 3 موقع المثقف ووظيفته